قرارات صناعة النهضة !

دكتور محمد جمال حشمت : بتاريخ 14 - 1 - 2006

بناء أمة لايمكن أن تكون إلا مهمة الرجال وكلما كانت هذه الأمة تقوم على أسس العدل والحرية والمساواة واحترام كافة القيم كانت المهمة أصعب فإذا لزم قيامها على أنقاض وطن سلبت ارادته وانتهكت حرماته وأهدرت ثرواته صارت المهمة شاقة فإذا افتقد هذا الوطن للرجال المخلصين أصحاب القيم وكثر فيه أشباه الرجال والمنافقين أصحاب المصالح كاد اليأس يسيطر على الطامحين والراغبين فى قيام ونهضة هذه الأمة !! والحال فى مصر بل والعالم العربى ومجمل العالم الإسلامى لايعدو أن يكون مثلما ذكرنا !! وهو ما يدعونا الى معرفة الأسباب وطرح الحلول بكل صدق وشفافية بغض النظر عن تحامل البعض وتساهل البعض الآخر فما وصلنا إليه اليوم من إنهيارلايمكن لعاقل أن يصمت حياله أو يتجاوزه بزعم إنتظار الأقدار أو عجز القدرة عن المشاركة والإستنفار !! تذكرت هذه المعانى عندما سألنى صحفى ماذا لو صرت رئيسا ماهى أهم القرارات التى تتمنى أن تتخذ من خلال هذا المنصب الحساس , ولأنى لم أفكر فى يوم بمثل هذا الإسلوب فقد صمتُ لحظات أستجمع فيها عظم المسئولية وفداحة المآل وخطورة القرار وأمانة المهمة التى تترقبها أمة هذا حالها وشعب تلك معاناته ومصائبه التى يحياها فى وطنٍ كان شامة الأمم ومنقذ العالم من كوارث عدة وباعث نهضة شعوب كثيرة وملتقى العلماء وناصر الضعفاء ومنارة الهدى للضالين ووطن لكل الغرباء فصار عارا لأبنائه الذين إستشعروا الغربة فيه !! ومصدر الهمومٍ لمحبيه !!وسجنا كبيرا لرجاله ومناضليه !! و فى الجانب الآخركنزا لاينفذ لحكامه وسارقيه !! ولم تطل لحظات الإستشعار هذه ولا الحيرة تلك فقلت للصحفى : أهم هذه القرارات من وجهة نظرى هى :

1- إعلان احترام القانون ودعم استقلال القضاء لإعلاء شأن العدالة واحترام حقوق الإنسان كإنسان

2- إقرار مبدأ المساواة بين أبناء الوطن دون أى تفرقة كأسنان المشط كى تتاح الفرصة للجميع بالتساوى لتتمايز القدرات والمواهب وينال كل إنسان حقه ومكانته على قدر تميزه وعطائه

3- منح كافة الأجهزة الرقابية صلاحياتها فى متابعة مستوى الأداء ورصد المخالفات وتحويلها الى القضاء الحر دون الرجوع لأى مستوى إدارى مع التأكيد على إستقلال هذه الأجهزة عن أى جهة تنفيذية تجب مراقبتها.

4- التمهيد لإنتخابات برلمانية حرة تحت إشراف قضائى كامل طبقا لمعايير العدالة تحت إشراف دولى لإعلان بدء عهد جديد لاوصاية فيه على الشعب من أى أفراد أو مؤسسات, ينتج عن ذلك برلمان من مجلسين أحدهما منتخب (الشعب) والثانى معين بأكمله(الشورى) يملكان الإرادة الشعبية والخبرات اللازمة فى كل مجال لتعديل دستورى يحقق للشعب حريته ويحمى مكتسباته ويحافظ على تراثه وقيمه التى أقرتها الأديان السماوية مع احترام حقوق الأغلبية والأقلية, يستتبعها انتخابات المحليات التى تملك كافة الصلاحيات والإمكانيات لحل مشاكل وهموم المواطنين .

5- اطلاق كافة الحريات التى تمنح المواطن الإحساس الحقيقى أنه يعيش فى وطنه وتقضى على الشعور بحالة الغربة و الإحباط والإكتئاب التى يحياها أبناء الوطن وهم فى قلبه !! وهنا تتفجر كل كوامن الطاقة والإبداع والتميز والعزة الوطنية ووقتها لن يستطع أحد سرقة الوطن مرة ثانية أو التفرد بالقرار والسلطة كائنا من كان لأنه بإختصار أصبح الوطن للجميع .

تلك هى أهم القرارات فى رأىِ قد تصيب وقد تخطئ لكنها ستصنع فى النهاية منظومة متكاملة من :

حريات تسمح لأبناء الوطن بالمشاركة الحقيقية فى صناعة نهضة أمة بعد حشد كل طاقاتهم تحميها حكومة تملك إرادتها وتسعى لإرضاء ربها فى إطار القيم التى أقرتها الأديان السماوية والتى تمثل جزءا شديد الأهمية فى تكوين شخصية الإنسان المصرى والعربى لايمكن تجاهله ويخضع أداء هذه الحكومة وتلك المؤسسات الى رقابة قوية تتمتع بالإستقلال والنفوذ تحت مظلة المساواة واحترام القانون وبإشراف قضائى نزيه ومستقل .

انتهت الإجابة ولكن بقيت الإرادة ومن يملكها وكيف تتحقق هذه القرارات ؟!! وتلك هى الأسئله الأهم وأنا لاأعتقد بعد ثلاثين عاما من ممارسة العمل العام والسياسى أن النظام القائم يمكن أن يحقق ولو جزءا مما سبق ذكره كمخرج من الأزمة التى نحياها جميعا لأسباب عديدة بعضها فى التاريخ وما آل اليه من واقع والآخر فى السياسات والمؤسسات والأخير فى العقليات و الأشخاص ولعل ما حدث فى الإنتخابات الأخيرة كان فاضحا لكل هذه الأسباب فقد إتسمت حركة النظام المصرى بعدة خواص منها : الضعف أمام الخارج ,الإستقواء على أبناء الوطن, العناد , العنف والبلطجة, الفجور , الصراع الداخلى والتنافس على المناصب والثروات, الكذب , تفريق أبناء الأمة وإذكاء الصراعات بينهم وأخيرا غياب الحياء الذى أفقدنا الكثير من حقوقنا تحت شعار الحكمة القائلة (إن لم تستح فافعل ما شئت) فهل آن لنا أن نتكاتف فى مواجهة كل ما سبق و ندرك أن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة قد نبدأها نحن وقد يتمها أبناؤنا وفى كل خير والله يعلم وأنتم لاتعلمون

g.hishmat@gmail.com

إضافة تعليق