هى والله ..علامات سوء الخاتمة ! ـ د. محمد جمال حشمت

لكل نظام نموزج من البشر يقدمه بصورة بشعة أمام الرأى العام فى مواجهته للآخرين أو فى أدائه العام ، يمنحه من النفوذ والسلطات ما يطمعه فى ممارسة دوره حيث يحصد مكاسب له ولمن أحب دون رقيب أو حسيب وبعيدا عن أيدى أجهزة الرقابة التى تتغافل عنه لحكمة !! ،  يستجمع فيه كراهية الشعب حتى إذا فاض بالناس قدمه كبشا للفداء وغالبا ما تتم الصفقة بالإبعاد والصمت فى مقابل غض البصر عن كل التجاوزات التى تمت والاكتفاء بالمكاسب التى تم تحصيلها فى ظل الحصانة التى عاش فيها أو مازال يتمتع بها  !

ويصب الناس جام غضبهم على مثل هذه الشخصية التى صدرها النظام فى مواجهة الشعب بحيث يصبح تدخله وابعادها هو عين المنى وأمل الغلابة ليستمر النظام بسياساته وأدواته الأخرى ليخرج لنا عفريتا آخر  تتكرر معه المأساة وفى ظل هذا المناخ تنهب مصر وتسرق ثرواتها ويستذل الشعب المصرى ويبقى يحلم بأمل التغيير عسى أن يأتى أحدهم وقد شعر بهموم الناس ليحمل آلامهم ويحقق آمالهم  !

وهو من يستحيل مجيئه من رحم هذا المناخ المحبط الفاسد ، النظام يلعب لعبة خطرة ان نفعت مرات فلن تصلح لكل مرة حيث ذهب الشاذلى وجاء عز وسيذهب عز ولكن الى متى؟ لقد أراد النظام أن يلعب لعبة أخرى أخبث حيث يظهر الشرير الفاسد ليؤذى مشاعر الشعب وينتقص من حقه بينما الطيب الأمير يظهر مع المنحة والإفراج عن مظلوم أو إعادة شيماء للدراسة وإعلان نجاحها المستحق أصلا لولا ظلم سكرتارية الأمير فى وزارة التربية والتعليم !!

ظل هذا السيناريو هو الوحيد المطروح بعطف الأبوة وحنان الأمير بعيدا عن المعتقلين السياسيين الذين لم يقدموا الى محاكمة وبعيدا عن الإخوان المسلمين الذى اعتقل منهم أكثر 25 ألف فى فترات ولاية الأمير ! غير 7 محاكمات عسكرية ظالمة وانتهاك لحرمات واستيلاء على ممتلكات لم نجد فيها موقفا رحيما بهم أو حتى بالمرضى ومنهم أيمن نور  !

اختفى العطف والحنان وانكشف الملعوب الذى لا يتسامح مع من يستشعر خطره على نظام حكمه حتى وإن كان الظلم هو السائد وعنوان المرحلة !! لكن ما حدث أخيرا كشف تقسيم الأدوار وهو علامة من علامات سوء الخاتمة لهذا النظام !!

فقد وقع الرئيس قرارات العلاوة ومعها قرارات زيادات الأسعار فى نفس الوقت الذى ناشد فيها حكومة الغبرة بتدبير الموارد اللازمة للزيادات !!  حتى نفصل نحن- وقد فصلنا نحن والحمد لله -  بين مانح المنحة وفارض الزيادات منهم كلهم لله !!! ضاعت المسئولية أو هكذا يراد لها وضاع الشرف وانزوت الأمانة وغاب الصدق فى أداء النظام بصورة علانية حيث كان البعض مازال يصدق أن هناك طرفا لايعلم وآخر سبب كل المصائب فى منظومة استمرت عشرات السنين والبعض يأمل فى إصلاح يأتى على أيدى هؤلاء !وما حدث يخرج عن المتعارف عليه للأنظمة المستبدة فى مواجهة عصيان شعوبها الذى لم يتبلور حتى اليوم لدى الشعب المصرى وهو ما يشير اليه دكتور حامد عبد الماجد فى دراسته القيمة "العصيان السياسي بين النشأة والاحتواء"

حيث يقول :

" تختلف إستراتيجية الأنظمة السياسية الحاكمة في التعامل مع العصيان السياسي طبقاً للأجواء التي ينشأ فيها، وهي غالباً استثنائية؛ ينعدم فيها الاستقرار، وترتفع فيها الحساسية السياسية، وهناك ثلاث إستراتيجيات أساسية:

الأولى: التجاهل السياسي.

الثانية: استخدام القوة والعنف.

الثالثة: الاسترضاء والرشوة السياسية.

وهناك ما نطلق عليه "الإستراتيجية المزدوجة" التي تتبعها الأنظمة السياسية الحاكمة في احتواء عمليات العصيان السياسي، وهي تشمل جهود الترضية والرشاوى السياسية والمكاسب الظاهرية من جانب، ومن الجانب الآخر يتم عادة التبني الآمن لإجراءات تعسفية يتم من خلالها مضايقة القادة والقطاعات الأكثر تمرداً أو تلك التي ترفض التنازلات من خلال تحرش السلطة السياسية الحاكمة."

وما حدث أخيرا لا مثيل له فالفجور فى المخاصمة هى من آيات النفاق الذى استشرى فى حياتنا بفعل البعد عن الدين مما أفقدنا المناعة الواجبة أمام نظام حكم كالسوس ينخر فى جذورنا وأصولنا دون مقاومة تذكر إلا من رحم ربى وهم وسط الشعب المصرى قلة

لكن هيهات أن يصدق الشعب من كذب عليه أو يصلح حياتنا من أفسدها علينا فى مصر !! لقد باعوا ثروات الوطن لهم ولأصحابهم ومنهم لأعداء الوطن وغاز مصر شاهد على ذلك ، لقد تاجروا فى ديون مصر التى لم نعد نسمع عنها شيئا واختفت الحملات القومية لسدادها ! فى ذات الوقت الذى تسارعت فيه إجراءات الخصخصة لجهات وأفراد بعينهم  و صفقات عمر أفندى وبنك الأسكندرية يشهدان على ذلك ، وتم تصفية المشروعات الحيوية القومية بدم بارد وصفقات المراجل البخارية ومصانع الحديد تشهدان على ذلك ! فمن يتاجر فى ديون مصر التى تزداد يوما بعد يوم !!؟

 ناهيك عن الدخل الحقيقى الذى ينتج عن بيع بترول وغاز مصر وحركة السير فى قناة السويس وتجارة الأسلحة التى لم تعرض على البللمان المصرى منذ عشرات السنين بينما تعلم الدنيا كلها صادرات أسف واردات مصر من السلاح بالتفاصيل المملة !!!!

الى متى نجد من يدافع عن هذا النظام غير خدامه ؟! الى متى نتحمل رزالة وغلاسة وتقل دم لجنة السياسات ومن فيها ؟! إن تشكيل اللجنة الذى تم بالتعيين منذ أوجدها الحزب الحاكم  ، وحجم الانهيار الذى تم فى وزارات ومرافق مصر نتيجة اقتراحات هذه اللجنة يزداد يوما بعد يوم !

وهو ما يوجب علينا نحن أبناء مصر الذين انكوينا بنار الفكر الجديد وبلدنا اللى بتتقدم بينا الى الهاوية ! أن نطالب بحلها فورا ومحاسبة المسئولين عنها  ولأنها مرتبطة بعمق بالحزب الحاكم وسر وجوده فإن حلها مرتبط بحل النظام بأكمله  بصورة حضارية بدلا من البهدلة وقلة القيمة  ، ولن ينفع أحد دعم الخارج فالخارج متورط حتى أذنيه فى مشاكله !

وعلى من تمتع بحكم مصر أن يهيئ نفسه لدفع استحقاقات تأخر توريدها وهذه سنة الحياة فلا شئ يدوم ! والعجيب أن هذا النظام  بدا أنه المحرض على ثورة هى أقرب للفوضى بما تقدمه عقولهم وأيديهم من سياسات مرهقة للشعب ومحرضة على الفوضى فى غياب العقل والمنطق وانتشار سياسة القمع وثقافة البلطجة بصورة رسمية !!من نفس دراسة الدكتور حامد عبد الماجد جاءت هذه الفقرة المعبرة عما أوصلنا اليه نظام عز ،أو حكومة أبو حصيرة ، أو حكومة الاستعباط هو الحل لافارق حيث يقول:

تشير الخبرات التاريخية إلى أنَّ تحقق مفهوم "القوة" و"السيطرة" لأي نظام سياسي يكون عبر التحكم في وسائل القوة المادية والإنتاج الاقتصادي من جانب، والآلة العسكرية والأداة الأمنية من جانب آخر، وهما اللذان يتركزان مع مرور الزمن في يد الطبقة الحاكمة.

والواقع أنه تتم في الدول الرأسمالية تغطية المال والثراء كمصدر للقوة بعملية انتخابية يشارك فيها أفراد المجتمع بصورة متساوية؛ فيتم تغطية قاعدة (المال) بقاعدة (التصويت). ومن ثمَّ يتم الحد من المشاركة الفعالة، والإلزام بخيارات محدودة، وترجيح مصالح الصفوة على مصالح الجماهير… إلخ، فيكون الاستنتاج الطبيعي هو أن التزام الفئات بإطار العملية الانتخابية لن يتيح لهم ممارسة أي تأثير يذكر في المجتمع؛ وبالتالي فقد أضحى واضحًّا أنَّ العصيان السياسي ليس عملية شغب، ولكنه الخيار الوحيد أمام هؤلاء المحرومين.

وهنا نناشد فى محاولة أخيرة من تبقى من العقلاء فى الحكم  -أيا كان مكانهم – أن مصر تغلى وقد فاض الكيل ، ونحن فى منطقة تثور على الظلم والفساد والاحتلال  -العراق ولبنان وفلسطين - وفى ظل وجود نمازج من المجاهدين الذين يرفضون الخضوع والاستسلام ! فالشجاعة عدوى ! ووعد الله لمن يقف أمام حاكم ظالم وعدو مجرم هو وعد بالنصر فى الحياة مع السيادة أو الشهادة فى اعلى درجاتها مع سيد الشهداء !! ولن يخسر الشعب المصرى أكثر مما خسره فى ظل وجودكم ! فافعلوا شيئا يذكر لكم بعيدا عن الأيادى الملوثة بدماء الشعب المصرى ! وأناشد أحبابى وأخوتى شعب مصر كله نحن نعانى اليوم كما يعانى شعب غزة الحر الأبى ولله در الشاعر " كل الأرض محتلة إلا الأرض المحتلة" فكونوا كما كانوا على قلب رجل واحد يتكافلون كما الأشاعرة يتقربون الى الله بالصمود فى وجه أخس جنود على وجه الأرض لا يساومون ولا يتنازلون عن حقوقهم !! المقارنة قد تبدو صعبة لكن ماحدث من مواجهات بين الأمن والشعب المصرى فى السنوات الأخيرة لم يكن أشد الناس تفاؤلا أن يفرقها عما يحدث فى رفح أو بيت حانون أو نابلس ! أو حتى فى العراق !، ومشاركة مصر فى بناء حائط عازل تحت إشراف سلاح المهندسين الأمريكى لم يكن يتصوره أحد! رغم أن فلسفة الحرب من وراء جدر هى خصيصة لبنى اسرائيل" لا يقاتلونكم جميعا إلا فى قرى محصنة أو من وراء جدر" صدق الله العظيم ، وأخيرا فإن دعم النظام الحاكم للمواطن الصهيونى بالغاز بالمقارنة بالدعم المقدم للشعب المصرى ! وكذلك الحال فى دعم الفلاح الاسترالى والأمريكى والقوقازى عند شراء القمح منه وحرمان المصرى من هذا الدعم !! كل ذلك يجعلنا نسوى بين مأساة الشعب المصرى والشعب الفلسطينى فى غزة ولا حول ولا قوة إلا بالله  مع رجحان كفة الشعب الفلسطينى الذى عرف طريقه فالتزم ولم يساوم بينما نحن مازال منا من يسب الآخر ويتحين فرص مهاجمته ويأمل فى نظرة عطف من الظالم ويدافع عنه عسى أن ينوبه من الحب جانب وهو ما سيناله إن شاء الله بموعود المصطفى صلى الله عليه وسلم  " المرء مع من أحب " فى الحياة والممات فاللهم اجمعنا مع من نحب فى مستقر رحمتك واجمعهم مع أحبابهم بما يستحقوا فأنت سبحانك الحكم العدل اللطيف الخبير وآخر دواعنا أن الحمدلله رب العالمين.

إضافة تعليق