من أهان من ؟ ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 14 - 5 - 2006

لقد كنت هناك .. هكذا بدأت سيدة مصر الأولى المستشارة نهى الزيني شهادتها في واقعة تزوير نتيجة الانتخابات في دائرة دمنهور وزاوية غزال .. وكذلك كنت هناك في شارع رمسيس وسوق التوفيقية في يوم الخميس 11/5 أقف في محاولة لإعلان التضامن مع القضاة الذين يدافعون عن شرف مصر وحقوق المصريين بعد ان صاروا آخر حصن يحمي الوطن . هناك رأيت موظفي الشرطة الذين يحصلون على رواتبهم من الشعب المصري وهم يسبونه بأفذع الألفاظ ويتعاملون معه بعدوانية وعنف لم افهم مبرره .. 

لقد فشلت في تهدئة بعضهم وهو يرد على المواطنين المضارين من الحصار المفروض عليهم وأدركت أن النظام نجح في سحق شخصية المصري وصارت إهانته وإهدار حقوقه من المسلمات طالما هي تحقق مصلحة النظام والحفاظ على وجوده واستقراره ..فإذا بأحد الأشاوس المساكين من ضباط الشرطة يتحدث بصوت عال وبثقة وفي تحد ..التجمع ده ممنوع والوقفة دي غير مشروعة ! وأنا دلوقتي بتكلم بس لو سمحتم تمشوا دلوقتي حالا ..رد عليه البعض رافضا ونظر له البعض باحتقار تتجاوز شخصه الضعيف ..

تلك هي الحقيقة في إصرار النظام لاستمرار حالة الطوارئ ليس لمواجهات الإرهاب أو مخدرات فكلاهما يحقق للنظام بقائا واستمرارا إنما لمواجهه المعارضين حتى لو كانوا في وقفة تضامنية سلمية .. والعجيب أن تعليمات الهجوم صدرت لمحاصرة المتجمعين أمام سينما ريفولي أمام دار القضاء العالي خاصة بعد أن تعالى هتاف الشباب (يا قضاة يا قضاة خلصونا من الطغاة ) فتكاثف وجود جنود الأمن المركزي يدفعون المتظاهرين أمامهم وهم يتراجعون وبرغم ذلك صدرت أوامر الضرب فانفض الجمع وتدافع أمام الهراوات أمن النظام في سوق ضيق ولك أن تتخيل كيف صار الحال للمحلات واصحاب البضائع المفروشة في الشارع والتي تبعثرت على الأرض أمام بلطجة الأمن رغم أن المتظاهرين كانوا يتراجعون فعلا أمامهم !!كنت هناك لأرى واسمع منع القضاة من الدخول ورفض الأمن دخول رئيس نادي القضاة ونواب رئيس محكمة النقض إلى مكاتبهم ثم تخرج جريدة أدمنت الكذب مثل كل الأجهزة التي تحمي النظام وتعادي الشعب التي تعتمد الكذب والتلفيق والاستهبال في التعامل مع الشعب المصري لتعلق انه لم يصدر أو يمنع القضاة وان الكل ممنوع من الدخول ما عدا القضاة ! إذن لماذا لم يمثل المستشاران مكي والبسطويسى أمام المحكمة أليس بسبب منع القضاة .. إلا يستحيون .. 

كنت هناك يقف معي أ.د على بركات أستاذ بهندسة الإسكندرية في شارع رمسيس فاتركه لاتابع ما يحدث في الشوارع الجانبية فيخبروني بأنه تم القبض عليه وهو الأستاذ الهادئ الشامخ والذي خضع لعملية قلب مفتوح منذ 7 شهور .. كنت هناك لأرى الأمل والثقة والإصرار في عيون الشباب الداعم لاستقلال القضاة وارى الخزى والعار والفزع في عيون موظفي الأمن الذين تركوا مهمتهم الأصلية في حماية الوطن والمواطنين ومارسوا البلطجة وإثارة الفزع في قلب الوطن والمواطنين حماية لنظام حكم تجاوز عمره الافتراضي منذ سنوات طويلة وصار التعامل معه كتناول دواء فاسد يسبب الخسران والموت لصاحبه .

كنت هناك حتى علمت انه تم إصدار قرار ضبط وإحضار لـ17 من قيادات الإخوان وشرفني وجود اسمي ضمنهم تهمتهم الحض على ازدراء النظام! (هو ناقص ) وتعطيل المرور (بقوات أمن المتظاهرين التي سدت الشوارع ) وإهانة رئيس الجمهورية والسؤال هنا من أهان من .. من الذي أهان مصر وقلل من شانها في وسط العالم فلا دور لها في أفريقيا ولا أسيا ولا حتى وسط العرب؟ من المسؤول عن ضياع هذه المكانة الرائدة ليس في جر العرب لمركبة المصالح الأمريكية تقاوم الظلم والاستبداد؟ من الذي أهان المصريين سحلا في الشوارع وقتلا في المواصلات نتيجة الإهمال والفساد؟ من الذي أهان أساتذة الجامعات واعتقلهم لخلاف في الرأي؟ من الذي أهان النقابيين وحرمهم من العمل في نقابتهم وجمد أنشطتهم لاهواء شخصية؟ من الذي أهان القضاة واساء لهم عندما أمر البعض منهم بالتزوير وأنا شاهد على 3 رؤس لجان عامة زوروا النتائج بفجور منقطع النظر أعوام 1995,2003,2005 ثم عندما اعترض الشرفاء منهم أهانهم واحالهم للتأديب وسحلهم واعتدى عليهم بقوات أمنه؟ من الذي تسبب في فقر المصريين وسحق كرامتهم في مسلسل حياتهم اليومية ليحصلوا على الكفاف؟ من الذي أهان شباب مصر بعد أن ضيق عليهم سبل الحياة الشريفة وحرمهم من العفاف و أتاح أمامهم سبل الخلاعة والمجون وفتح لهم أبواب الحرام وأغلق في وجوههم أبواب الحلال ؟ و من الذي أهان الشعب المصري وحاصره وأصابه وقتله في الانتخابات البرلمانية؟ من الذي استعان بالبلطجة لتخويف الشعب وبث الرعب والفزع في قلوبهم حرصا على التزوير والاستيلاء على مقاعد السلطة التشريعية ؟ من أهان الصحفيين والكتاب وعرضهم للمعتقلات والسجون؟ من أهان رؤساء الأحزاب وفتت الأحزاب والحياة السياسية في مصر؟ من وصل بجامعتنا إلى الخروج من التصنيف العربي والأفريقي والدولي وانهيار التعليم وتدهور البحث العلمي في عهد ؟! 

إذا كنت أنا فأنا مستعد ومعي كل الإصرار أن نحاكم محاكمة علنية يقتص الشعب منا أو ليعرف الحقيقة لتقديم من أهان الشعب للعدالة ؟ أن التهديد بالسجن لا يخيفنا , فالسجن بالنسبة لنا لا يعدو الانتقال من غرفة إلى أخرى في مصر المحبوسة, فلقد سجنت يوم سرق مني مقعدي البرلماني 3 مرات في حراسة الرئيس ورجالة , وسجنت يوم منعت من السفر ومغادرة الوطن لإنهاء مصالحي وممارسة حياتي , وسجنت يوم وقفوا إشهار الجمعية المصرية لرعاية الموهوبين التي تقدمت لإشهارها بعد ان اجبروا تسعة من المؤسسين للتنازل بعد تهديدهم وسيأتي يوم أذكر تفاصيلها أن شاء الله وسجنت يوم منعت من إجراء حوارات في الفضائيات بتعليمات أمنية ولكن ما لا يعلمه هؤلاء السجانون هو آني حر بإيماني بربي وحبي لوطني وثقتي في شعب مصر , حر بحب الناس واحترامهم , حر بإصراري على المقاومة , حر برفض كل الإغراءات وكل التهديدات فتحول السجن عندي إلى فضاء يسع بفضل الله الدنيا وما فيها أأمل الرضا من الله والتوفيق والسداد وصار السجانون في سجن شهواتهم ومصالحهم الضيقة وعقولهم المضطربة وعضلاتهم المفتولة يسمعون ويطيعون قهرا وقسرا .. وياله من سجن كئيب حتى لو كانوا في أي مكان لا يمنعهم مانع ولا يحيدهم حظر فسجن النفوس اقسى وامر , هنيئا لإخواني السبعة عشر المدرج اسمائهم في الضبط والإحضار ويبدو أن نصيبي دائما مرتبط بالقدر (17) .

ويا أهلا بسجون بها أكرم مني وأفضل مني , بها أساتذة عظام وشيوخ أجلاء وأبناء نجباء . فاللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه .

وغدا يفرح المؤمنون بنصر الله

وأن غدا لناظره قريب .

إضافة تعليق