ميدان المعركة الحقيقى "لعل الذكرى تنفع" ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 27 - 9 - 2008

دائما هناك من يحطم الآمال وهناك من يطمح فى غد أفضل ! هناك من يصدم غيره بالعنف وأمامه دائما تجد من يصمد فى وجه الظلم ويقاومه، تلك ثنائية متلازمة بين الخير والشر جعلها الله عز وجل للإختبار {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ ونَبْلُوكُم بِالشَّرِّ والْخَيْرِ فِتْنَةً وإلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)} الأنبياء

فالابتلاء حق ومقاومته فرض , والتيئيس هدف إبليس والقبول به كفر والعياذ بالله

{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وأَخِيهِ ولا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إنَّهُ لا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إلاَّ القَوْمُ الكَافِرُونَ (87)} يوسف

واليوم يصل الحال بأهل الحكم فى مصر الى حدود لايمكن الصمت عليها إذ تجاوزت حق الإنسان المصرى فى قول الحق ومنعه من ذلك الى التدخل فى علاقته بالله عز وجل وفى شهر رمضان شهر الفريضة ! فى إصرار وعناد وفى حضور شياطين الإنس ممن يتولون أمور البلاد فى هذا الزمان بعد أن تولى الله تبارك وتعالى أمر شياطين الجن فسلسلهم فى هذا الشهر الفضيل ! تركوا المصائب التى تتنزل على رؤوس المصريين وتفرغوا لحصار الضحايا فى الدويقة والأهالى فى محاكمات شباب 6 إبريل والإعتداء عليهم ومنع التلاميذ الصغار وأهاليهم المطرودين من مدرستهم الجزيرة بالأسكندرية من الإعتصام وإعلان الغضب وفى القبض على الإخوان من منازلهم ومن داخل المساجد والكليات بسبب إفطار أقاموه أو إعتكاف نظموه أو استقبال للطلبة الجدد فى بداية عام دراسى !!!

عام دراسى لا ندرى كيف سينتهى وسط سخط الطلاب والأساتذة الذين وافق بعضهم على خطة النظام المصرى الفاسد بتحويلهم الى عمال تراحيل بربط أجورهم بمزاج أذنابهم فى كل جامعة!! وفى ظل غضب الأغلبية التى لن تصمت على هذا الإذلال الذى طال الأساتذة ومن قبلهم القضاة والأطباء والمعلمين والموظفين والفلاحين والعمال ! وسط كل ذلك لابد من توجيه اللوم لأنفسنا كشعب رضخ للظلم الذى تجاوز حقنا فى الحياة والتعليم والصحة والكرامة وكنخب أرتضى البعض منهم أن يساير الطرف الأقوى وينحاز له أو يقبل بعطيته عسى أن تحقق له مكسبا ماديا أو معنويا !! وفى ظل هذه الفرقة أساء النظام استعمال سلطاته التشريعية والقضائية والتنفيذية لزيادة الضغوط وتكثيف الحصار حول الشعب المصرى بكل فئاته ! لكن الذى يفزعنى فيما يحدث فى مصر ليس هو الاستبداد السياسى ولا الانهيار الاقتصادى ولا الظلم الاجتماعى بل تلك الحدود الحمراء التى تجاوزها النظام المصرى منذ زمن ودوره فى انهيار مجموعة القيم والأخلاق التى يتمتع بها الشعب المصرى وكان حتى وقت قريب لا يقبل بالمساس بها !! إن أعداء الأمة يعلمون علم اليقين ميدان المعركة الحقيقى فى صراعهم مع العالم الإسلامى ومن يحيا معهم فى ظل الحضارة الاسلامية التى مارست وحافظت بشكل رسمى وشعبى على قيم العدل والحق والحرية والمساواة ورغم التدهور الحادث فى الأمة الآن على كل المستويات السياسية والاقتصادية والإجتماعية والثقافية والعسكرية ، رغم هذا الهوان الذى جعل الأمة تحذو حذو عدوها خطوة خطوة حتى لو تآمر على جزء منها عاونه الباقى فى التآمر والاعتداء عليه تحت أى مسمى وبأى شكل !!!! إلا أن حجم التآمر والمخططات ضد الأمة لم يتوقف والسؤال هنا لماذا ؟ فالضرب فى الميت حرام ! لكن علامات الحياة مازالت تنبض بها الأمة ، صحيح هى تمرض لكنها لاتموت ! والسر فى ذلك العداء والتآمر المتواصل أن أعداء الأمة يعلمون علم اليقين أن المعركة الحقيقية ليست فى ميادين السياسة والاقتصاد والتفوق العسكرى بل الميدان الحقيقى هو النفس البشرية ! تلك التى يحملها الإنسان ومن آن لأخر يتم تفريغها بفعل الضربات المتتالية لكنها ما تلبث حتى تمتلأ بالقيم والأخلاق والمنهج الاسلامى !! وهو الوحيد الذى يمنحها الفرصة كى تنطلق لتستعيد ما ضاع منها من ريادة وتميز وتفوق فى كل المجالات سالفة الذكر !!هكذا يقص التاريخ علينا كيف بدأ الاسلام !! وهكذا يبقى ويبعث المسلمون من جديد فى كل وقت عندما يستعيدون فطرتهم وشخصيتهم ويحوذون على مكامن قوتهم من هذا الدين العظيم !! لذا وقد فطن لذلك أنظمة الظلم والفساد التي تملكت أمرنا قهرا وزيفا أو أن أسيادهم قد نبهوهم ( ولن نستبعد – كما قيل - دور السفارة الأمريكية فى غلق مدارس اسلامية بطول مصر وعرضها أخرهم مدرسة الجزيرة فى العجمى بالأسكندرية بعناد أهدر الأحكام القضائية واجبة التنفيذ ، وحاصر الأطفال ومنعهم من دخول مدارسهم التى اختاروها بإرادتهم) وهنا أعترف أنى تأثرت كثيرا بتعليق مواطنة مصرية مسيحية أدركت خطورة إقصاء الدين من حياة المصريين وهى تعلق على الخبر فى جريدة المصرى اليوم بقولها : (أناصحيح مسيحية وليس لى ان أتكلم عن مدرسة اسلامية ولكن قبل كل شىء انا مصرية مثل كل ابناء هذه المدرسة،واريد ان اقول كلمة حق يرضى عنها الرب .ليس من حق احد مهما كانت سلطته او نفوذه ان يمنع ابناء هذه المدرسةالاسلامية من ممارسة حقهم الطبيعى فى تعلم الاحكام الدينيةوممارسة عبادتهم المقدسة داخل مدرستهم خاصة اننا نحن المسيحيون نمارس طقوس العبادة داخل المدارس بل وهناك الكثير من المدارس الدينية المسيحية التى تقيم شعائرالدين وتلاوة الانجيل ليس فى مصر وحدها بل فى العالم كله. لماذا يعادون الاسلام واقامة شعائره اليسوا مسلمين ؟!!!!!! ولماذا لايجرؤون على اغلاق المدارس الدينية المسيحية ؟!!!!!!!!هل هو الخوف من القوى الخارجية المساندة للمسيحيين ؟!!!!!!!!ام هى سياسة الكيل بالف مكيال؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟)

هكذا نطقت الفطرة !إذ أن التربية هى التى تملئ وعاء النفس بالإيمان الذى يستعيد به المصرى هويته وإيمانه بربه ونفسه وقدرته على مقاومة الظلم والفساد - وهو مالا يرحب به النظام حتى ولو على الأمد البعيد - لذا كانت هذه الهجمة على محاضن التربية الدينية الصحيحة داخل الأسرة وفى المساجد والمدارس ومن قبل كانت الهجمة على الكتاتيب التى كانت تفتح أبوابا للرزق وتنتج شبابا حافظا لكتاب الله مقومة أخلاقه ولسانه ولم تستثنى الهجوم على الأزهر رغم الضعف البادى عليه - مبانى وقيادات ومناهج - لإفساد أى محاولة لبعث الأمة من جديد !!! لكن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

فالمعركة الآن واضحة المعالم بين الاسلام وأبنائه وأبليس لعنه الله وجنوده فى الأرض الذين يأمرون وينفذون خططه فى تفريغ الشخصية المسلمة من أركانها ومن قيمها ومن أخلاقها ليستبدلوا بها نماذج مشوهة غافلة تتكلم بألسنتنا فتصد عن سبيل الله وتثير الفتن ليبدو الاسلام - فى أعين مسلمي اليوم - هو المانع من التقدم ومن التحضر رغم أنه الداعى لذلك بل والمحقق لحضارة لم يشهد العالم مثلها حتى كانت هى الأم الرؤوم لحضارات اليوم التى أخذت من الإسلام نظرته للعلم والعمل والاجتهاد والإتقان وحقوق الإنسان والعدالة الناجزة لكنها استبعدت أصوله وعقائده ففصلت بين الروح والجسد وهو أخطر ما تواجهه حضارة الغرب اليوم ويعرضها للفناء!

أما نحن فقد صدر القرار بحرماننا من العودة لإسلامنا الذى وازن بين الروح والجسد فخسرنا متعتهما معا واستعمل فى ذلك بنى جلدتنا الذين تبنوا أجندة أعداء الأمة فى مقابل استمرارهم فى الحكم واستمتاعهم بالتفرد جاها ومالا !! ولكنهم نسوا أن الثمن المدفوع سيكون فادحا لأنهم يحاربون الله ورسوله والمؤمنين

ونحن أيضا نسينا أن العاقبة للتقوى وأن معركتنا يجب أن تمتد الى كل الجبهات دون أن ننسى أن الإختلاف على ميدان المعركة هو سبب الفرقة التى نحياها اليوم بين متعجل ومخدر ويائس وهنا تمتد الأيدى الأثمة بالسوء لكل من يدعم المواجهة أو يتواجد بقوة فى الميدان الحقيقى للمعركة !! وستظل المعركة قائمة حتى ينحاز أكبر عدد ممكن للحق وبحق فى الميدان ! وسيبقى الظلمون يألمون كما نألم ويرجون من ألهتهم غير ما نرجو نحن من ربنا عز وجل شريطة الإيمان والعمل الصالح .

تهنئة من القلب الى كل القراء والأحباب فى كل الدنيا بحلول عيد الفطر المبارك أعاده الله علينا جميعا ونحن الى الله أقرب وفى أوطاننا أعز وأكرم آمين آمين

g.hishmat@gmail.com

إضافة تعليق