هل المعارضة فى خدمة النظام ؟! ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 4 - 8 - 2007

أعتقد أن هناك شعورا عاما يسيطر على كل من يتابع حركة الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية بل والفنية فى مصر ان انهيارا عاما قد أصاب كل منها، يترجمها الواقع الى حوادث وأخبار ومواقف ومآسى وضحايا كثر ! مما يرسخ الإحساس بأن النظام الحاكم فى مصرربما سقط وليس فى حاجة إلا لإعلان الوفاة ! حتى إذا خرج الواحد منا من تأثير الصحف الورقية والمواقع الإليكترونية فإذا بك تفاجئ بمخبر مازال خلفك واتصال لمخبر أكبر يطمئن عليك وعلى ما تفعله وسلسلة طويلة من الإعتقالات التى لا معنى لها ولا قيمة سوى بث حالة الرعب فى جنبات الشعب المصرى كله !! ولقاءات مع المفرج عنهم خاصة مع الإخوان ليس ورائها من هدف سوى إثارة غبار الشك والفتن بينهم والتيئييس من أى عمل أو دور يقوم به الإخوان وغيرهم من القوى الوطنية الراغبة فى إصلاح حقيقى تحت مقولة أن شعبا تجمعه زمارة وتفرقه عصايا ! فهو شعب ميئوس منه – هكذا يردد ضباط أمن الدولة – وأظنهم يتحدثون بما لا يقتنعون به أو يكونوا قد تعرضوا- بدوراتهم فى مشارق الأرض ومغاربها - لعملية غسيل مخ قوية مدعمة بسلطات واسعة ومصالح متشابكة مع أهل النظام !! تجعلهم يرددون كلاما أجوفا لا يقنع طفلا أو شبلا !! وفى أثناء تفكيرك حول حقيقة ما يحدث حولك تفاجئ كل ساعة بإضراب أو اعتصام او تهديد بهما من كل فئات المجتمع عمال وفلاحين وموظفين وأساتذة جامعات وسكان عشوائيات وصحفيين وموظفى مطارات !!( 66 اضرابا و85 اعتصاما و15 مظاهرةو117 تجمهرا للعمال فى 7 أشهر) وقد يعجب البعض مما يحدث حيث تبدأ شرارة الإعتصام بتصرف غبى معتاد من كبار المسئولين وسط تعنت أمنى وتهديد يصاحب الحدث مع حملة إعلامية مقصودة أم غير مقصودة ، المهم أن شعورا و أملا للخلاص من هذا النظام الكئيب الذى هو جاسم على قلوب العباد فى مصر قد حان ! ثم نفاجئ بصرف عشرة جنيه أو وعد بحل أو توزيع شقة –قد لا تذهب لمن يستحقها فى الغالب- أو وقف إجراء أثار الغضب أو حتى تهديد واقتحام !! فينتهى الإعتصام ويتوقف الإضراب !! وهلم جرة مما جعلنى أعيد ترتيب أفكارى فرغم كل ما يحدث مازال النظام –رغم ما حظى به من كراهية شعبه وهو ما يرشحه لدخول موسوعة جينز للأرقام القياسية !- مستمرا فى توزيع مصر وثرواتها على رجاله ومازال يهرب أموال الوطن بالملايين بصورة رسمية أحيانا كما حدث فى لندن أو فى جنح الليل كما يحدث كل يوم !! ومازال مصرا على تمتعنا بإطلالة وجوه مسئولين أصابونا بالغثيان ربما كجزء من مسلسل التيئيس الذى يسوقه النظام ! ومازال النظام يتعامل مع كل الملفات الداخلية والخارجية من خلال نظرة أمنية همشت كل العلماء والمخلصين فى مصر وأساءت لمصر – وهو أمر لا يشغل بال الحكام المغتصبين لمقاعد الحكم فى مصر- إذا السؤال بعد محاولة إعادة ترتيب العقل هل ما يحدث نتيجة طبيعية - كما ندرك جميعا- لفشل النظام فى مواكبة ومسايرة رغبات الشعب المصرى للحصول على حقوقه وحرياته واستمراره فى العصف بكل أمل للتغيير وهى علامة نهاية لا شك فى ذلك ؟! أم هى سياسة مقصودة لإلهاء الشعب بكل طوائفه فى هموم حياتية تأخذ عليه كل جوارحه فلا يجد جارحة أو وقتا ليستمع للمغرضين الذين يتحدثون عن الحريات وهو لا يجد قوت يومه ! ويوعدونه بالكرامة وهى تسحق تحت هراوات الأمن وتلفيقات الظلم ! بل لايجد فرصة كى يلتفت الى مصالح وطنه الذى انسحب من ساحات الدول المحترمة التى لها كلمة تسمع وإرادة تحترم !!بالغرق فى التفكير فى مصالح الشخصية ! ويزداد انشغاله بأكل عيشه هذه اللحظة و ربما لو فكر يفكر فى مستقبله هو وأولاده على المدى القريب !! هل يمكن أن نقول أن هذا التخريب المتعمد لحاضر المواطن المصرى قد يفلح فى تحقيق هدفين للعصابة الحاكمة لمصر- التى تخطط مستعينة بشياطين الإنس والجن –

أولهما : استقطاب جمهور المصريين وإشغالهم عن التفاعل مع حركات الإصلاح ومنعهم من رفع سقف مطالبهم الى ما يشغل هموم الوطن والحصول على جرعة من الحرية تهدد عرش أولئك المغتصبين ! بحيث يبقى كل مواطن لا يتعدى تفكيره مستوى شربة ماء او رغيف عيش أو حق علاج أو تعليم يحفظ الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية !!

ثانيهما : حيث أننا على مفترق طرق بين عهدين نحتاج لفواصل بينهما تجتذب تأييد المهمشين المحرومين لأى إجراء بسيط لا يكلف الحكام الجدد أى تكاليف زائدة بحيث يبقى سقف المطالبات للمواطن العادى لقمة عيش وكوب ماء وتكشيرة مسئول أو حتى حرمان من حق طالما لا تعذيب ولا إهانات ولا اعتقالات ولا تلفيق قضايا خاصة فى ظل صدور قانون الإرهاب الذى سيكرس مجئ الحكام الجدد ويحميهم من غضب الشعب لوفشلت كل الخطط السابق ذكرها !! لذا فإن المرحلة الإنتقالية من هذا العهد الى ذاك تحتاج لمزيد من الإضطرابات هنا وهناك اليوم! حتى إذا اعترض البعض على الحكام الجدد كان مبرر المواجهة مع الشعب جاهزا حفاظا على الإستقرار!! أما إذا نجحت المؤامرة فإن مشروعا إصلاحيا مجوفا- تم إعداده - قد يصبح هو المنقذ بعد رفض كافة الإصلاحات والمبادرات والسير فى عكس اتجاه الشعب طوال الفترة الماضية !!

هل وصلت فكرتى ؟ إن كثرة الإضرابات والاعتصامات وحالة الغضب التى تعم الشعب المصرى فى الداخل والخارج وحجم الكراهية التى يحوذها هذا النظام وغير المسبوقة على مدار التاريخ ثم الإنتهاء الى لا شئ !! تؤكد أن هناك تخطيطا لا يتعدى كثيرا ماقلته دون بعض التفاصيل التى لا تفيد فى هذا السياق أو ربما يكون هناك تصورآخر نحن جميعا فى حاجة لتناوله على مائدة البحث لنفهم هل معارضتنا اليوم تصب فى مصلحة النظام وتحرث الأرض لحكام جدد نحن لا نرغب فى وجودهم دون أن نشعر ؟ !!! اللهم الهمنا الرشد والصواب واستخدمنا لمرضاتك انك سبحانك نعم المولى ونعم النصير

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق