نكبتنا الكبرى...استمرار المؤامرة ! ـ د. محمد جمال حشمت

لاشك أن استيلاء العصابات الصهيونية على أرض فلسطين من وسط محيطها العربى والاسلامى فى غيبة الحكومات العربية والشعوب المغلوب على أمرها يمثل أكبر مأساة فى التاريخ المعاصر ورغم أن إحتلالات قديمة تمت لأرض فلسطين إلا أن غياب الفكر الاستيطانى والعنصرى الذى يمثله الصهاينة من عقول المحتلين وقتها مع غلبة  الروح الاسلامية  التى استعادت مكانتها وسط دعم شعبى قوى أعاد فلسطين الى أصحابها فى كل مرة ، ولعل مؤامرة إغتصاب فلسطين من قبل العصابات الصهيونية والتى أقرت به السياسة الدولية وقتها إعترافا بدولة اسرائيل فى هذا الوقت – 15 مايو - من العام 1948 م  يمثل نكبة كبيرة للعرب والمسلمين لكن النكبة الكبرى التى حافظت على كيان العدوان والاحتلال حتى اليوم هى بقاء الأنظمة العربية على حالها منذ احتلال الأراضى الفلسطينية دون أى تعديل فى المضمون الذى قام على تهميش دور الشعوب الداعم الحقيقى لحرية الأوطان فاستمر الظلم القائم على التفرقة بين أبناء الوطن الواحد فى الحقوق والواجبات لدعم سياسة الاستبداد والتفرد بالحكم وهو ما أسهم فى حماية الكيان الغاصب ويبدو ذلك أحد بنود الحماية الدولية لأى نظام قريب من أرض فلسطين المحتلة ! واستمر تجاهل كل فرص التحرير الحقيقى من براثن هذه الأنظمة بالدعم المقدم لها من الخارج ! واستمر إشغال الشعوب العربية بلقمة العيش والبحث عن فرصة عمل والسعى وراء حد أدنى من التعليم والرعاية الصحية ومن تجاوز ذلك انشغل بالحفاظ على كرامته وما تبقى من عزة نفس، ومن نجح فى ذلك غرق فى دوامة الدفاع عن نفسه ورد الشبهات حوله فى صراع غير متكافئ مع مؤسسات إعلامية ودعائية تخصصت فى تلويث البرءاء ! حتى من تجاوز كل ذلك وانشغل بوطنه وطالب بحقه وحق شعبه فقد كانت بالمرصاد الترسانة الأمنية الباطشة التى استباحت فى سبيل نجاح مهمتها كل الحرمات وتجاوزت كل الموانع وحطمت كل خلق ، واستعانت بترسانة قانونية تشريعية لم تجد فى النهاية بدا من ركنها والقفز عليها لاستكمال مهمة الحفاظ على هذه الأنظمة لتقدم خدماتها الحقيقية للكيان الصهيونى الذى يمثل نكبتنا الأولى ولكنها ليست الكبرى !! 

وبهذا المفهوم وتلك النظرة نستطيع أن نستوعب سلوك النظام المصرى كنموزج للأنظمة العربية بل رائدهم  فى التعامل مع الكيان الصهيونى ، ومن ثم فيمكن فهم سلوك الحكومة المصرية من إعادة ترسيم محددات الأمن القومى المصرى بعد معاهدة كامب ديفيد التى مررت فى البرلمان المصرى وقتها بصورة مريبة ثم تم حله بعدها بأيام بشكل أيضا مريب !! ثم تم تزوير الاستفتاء على قبول المعاهدة وحل المجلس ولم تعرض وقتها البنود السرية أو حتى الحقيقية على الشعب المصرى وكلها شبهات تؤكد فرض السلام على مصر تحت دعاوى التنمية والرخاء وقد ثبت أن ذلك كان سرابا كما حذر المعارضون للإتفاقية حينها ولم يسمع لهم أحد !!! ومن عجائب هذة المعاهدة التى رسخت نكبتنا الكبرى فى تمهيش دور الشعب هو اعتبار فصيل من أبناء الوطن خطر على الأمن القومى المصرى بينما المحتل الغاصب على حدودنا الشرقية صار الصديق المخلص وهو ما استوجب أن يحاكم كل من يوجه له سبابا أو يظهر له العداوة بحكم نص قانونى مصرى !! 

وصار العدو الحقيقى هو الأولى بالرعاية والحماية وأخيرا الدعم  بالغاز والأسمنت والفول والجدار الحاجز !! كان هذا الدعم رغم تفوق حكومة الاحتلال – صديقة النظام المصرى - فى إدارتها لمصالحها رغم محدوية المساحة والعدد والموارد الطبيعية مما يجعلنا نلقى نظرة سريعة على تقرير للأستاذ ممدوح الولى  الخبير الإقتصادى يقول فيه :  "رغم بلوغ سكان اسرائيل 1ر7 مليون بنهاية 2006 مقابل 6ر72 مليون لمصر . إلا أن أرقام الناتج الاجمالى المحلى لإسرائيل بلغت تقديراتها  148 مليار حسب صندوق النقد الدولى . مقابل 4ر107 مليار دولار للناتج المحلى لمصر حسب ارقام صندوق النقد الدولى .

وكانت قوة العمل فى اسرائيل خلال العام الماضى قد بلغت 810ر2 مليون شخص والعمالة 573ر2 مليون والمتعطلون 236 ألف شخص . مقابل ارقام مصر التى اعلنها تعداد السكان والتى وصلت قوة العمل فيها الى 9ر21 مليون شخص والمشتغلون 9ر19 مليون والمتعطلون 2 مليون شخص .

وقد بلغت نسبة العجز بالموازنة الاسرائيلية 7ر2 %  والمعروف ان نسبة العجز بالموازنة المصرية تمثل حوالى ثلاثة اضعاف معدل اسرائيل ! .

كما تشير المقارنة بين الاقتصاد الاسرائيلى والمصرى خلال نفس العام الى بلوغ قيمة الصادرات السلعية الاسرائيلية 4ر46 مليار حسب بيانات صندوق النقد الدولى . مقابل - حسب جهاز الاحصاء المصرى -  7ر13 مليار دولار فقط  للصادرات المصرية . .

حتى الصادرات الزراعية فان قيمتها تكاد تتساوى مابين البلدين رغم اختلاف اعداد المزارعين واختلاف اتساع رقعة الارض الزراعية ونوعية التربة ووجود النيل لدينا .

انها فضيحة بكل المقاييس ان يتفوقوا علينا فى قيمة الناتج المحلى وحصيلة الصادرات السلعية والخدمية خاصة انه لامجال للمقارنة بين تنوع الموارد لدينا وقلتها لديهم .ان ماحدث ومازال يحدث يعد نتيجة طبيعية لادارة اقتصادية وسياسية فاشلة طوال 55 عاما مضت .ويدعو الى ان نستيقظ ونعالج امراض نقص الانتاجية وتدهور مستوى العمالة لزيادة القيمة المضافة بعد ان نافسونا بشده فى الاسواق الخارجية بل وفى الاسواق الداخلية .

وقبل كل شىء فالصراع معهم أساسا عقائدى ومستمر . وشواهد العدوان المستمر عديدة سواء فى فلسطين أو لبنان أو سوريا أو العراق وحتى على الحدود المصرية معهم ."

رغم كل هذه الفوارق إلا أن الحكومة المصرية قدمت الغاز المصرى بعيدا عن رقابة البرلمان – حتى ولو صوريا – مدعما للكيان الصهيونى مدعما على حساب المواطن المصرى قهرا وفجرا !!

وكانت القاصمة هى تهنئة النظام المصرى لدولة الاحتلال بعيد اغتصاب فلسطين وتشريد أهلها مما يفقده مصداقيته وحياده المنتظر بين أصحاب الأرض والوطن وبين المغتصبين المحتلين!!بل لم يعترض أى مسئول عما ورد فى خطاب الحاخام بوش أمام الكنيست من هضم للحقوق الفلسطينية والعربية رفضا حتى لكل محاولات العرب السلمية !!

تلك هى نكبتنا الكبرى فى استمرار طوق الأنظمة التى تحيط بفلسطين فلا تنجد ولا تنقذ أهلها من الجوع والمرض والقتل والحصار بل تحمى المغتصب وتدعمه وتقويه وهى تنتظر منه  فى المقابل نظرة الرضا وهمسة المحبة وقرار الدعم على حساب شعوب سكنت إرادتها وصمت صوتها أو بح وارتضت بالدنية تنتظر تدخل السماء لحل مشاكلها دون أن تبذل جهد يليق أو تقدم تضحية غالية ! شعوب يعلم علماؤها أن الله ينصر من ينصره ويثبت أقدام المؤمنين منهم , ولا يغير ما بحالهم حتى يغيروا مابأنفسهم ، حتى يخال للواحد منا فى لحظات أننا نستحق مثل هؤلاء حكاما علينا ، فإذا أردنا إماما عادلا كعمر يحكمنا فلا أقل من أن نكون مثل بلالا أو أبا ذر ولا نقول عليا أو عثمانا وكلهم عند الله كراما وصحابة لرسول الله صلى الله عيه وسلم ، فلما صار قدوة شبابنا عادلا إماما فوهبنا الله أمثال عزا وجبرا وجهادا !! وكما تكونوا يول عليكم والله أعلم بما تصنعون

دبوس مشبك

 أردت أن أبتعد بمقالتى عن مصر وأحوالها قليلا بعد أن ضاقت النفس بما يجرى فيها  فهالنى انحرافها وجذبنى حالها مرة أخرى، فإن لم ننشغل بها وهى رائدة العرب وأمل الأمة فبم ننشغل ؟ !!  ولاحول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم

إضافة تعليق