هل تضيع الفرصة؟! ـ د.محمد جمال حشمت

د.محمد جمال حشمت : بتاريخ 27 - 12 - 2006

كانت سفرة قطر بالنسبة لى فى الأيام الماضية سندا فى معركة الحياة التى أحياها بكل ما تحمله من معانى الصبر والصمود والغبن وهو ما يواجهه كل سباح فى عكس تيار الاستسلام والقبول بما يفرضه أعداء الأمة على أوطان سلبت منا ونهبت ونحن على ذلك شهود ! أولا لأنها الأولى لى منذ عام بعد فرض حصار المنع من السفر وثانيا لأنى صحبت أساتذة أفاضل يمكن اعتبار أغلبهم بقايا الزمن الجميل الذى اعتقد أن شرف الكلمة قبل حريتها فكانوا أنصارا للحق لايخافون فى الله لومة لائم وثالثا لأنى شرفت بلقاء مجاهدين وعلماء وزعماء حقيقيين من كل أقطار العرب المقيم منهم فى وطنه والمبعد , وقد كان إحساسى هذه المرة أن كل هؤلاء ينئون بحمل مصائب أمة وانكسارات مستمرة بصدق مفتقد عند ولاة الأمور !! لقد كان المؤتمر القومى الإسلامى السادس هذه المرة يحمل هموم أمة من الصومال حتى العراق مرورا على السودان وفلسطين ولبنان والعراق ومن الكويت حتى المغرب مرورا بالسعودية والأردن ومصر وليبيا وتونس والجزائر , والمشترك بينهم هو الهجوم على هوية الأمة ومحاولة كسر صمودها وإخضاع مقاومتها وفى المقابل صمود أسطورى للمقاومة التى تفتقد السند الحقيقى الواضح والمعلن من أنظمة حكم المفروض أنها تمثل إرادة شعوبها وأمالهم ولكنها وضعت الحق والدين والكرامة فى كفة ومصالحها واستمرارها فى كفة أخرى ورجحت كفة أطماعها فكان انتصار المقاومة بأى شكل حتى مجرد الصمود أسطوريا حيث تحالف الإحتلال الأجنبى والإحتلال الوطنى معا ضد إرادة الشعوب المحبة للحق والعدل والحرية !

مسحة حزن رأيتها مع كل من تحدثت معهم ولكنها لاتخلو من ملمح انتصار قادم بفضل الله ثم بفضل صمود الشعوب هكذا جلست مع الشيخ حارث الضارى ألتمس منه آخر الأخبار الميدانية ورؤيته للأحداث فى المستقبل وكان لابد أن ندرك أن حربا سياسية تدور يتم توظيف الطائفية فيها حيث أن 70% من الشيعة يكرهون إيران وأمريكا وولائهم للعراق ولكنهم منزوعو السلاح ضعاف وكانوا من المهمشين فى العهد السابق (هكذا صرح الشيخ), فليس كل العراقيين مع باقر الحكيم أو مقتدى الصدر وميليشياتهم المسلحة المجرمة التى تحصد أهل السنة علماء وأساتذة ورجالا ونساء وأطفالا بصورة وحشية وأنه ليس هناك موقفا عربيا واحدا واضحا وله تأثير فى الساحة العراقية كما أوضح أن الحزب الإسلامى لا يمثل الإخوان بل يشارك فيه بعضهم والمطلوب موقف واضح من إخوان العراق تجاه الحزب ومشاركته رغم مشاركة الإخوان فى الجهاد المسلح مع كثير من الإسلاميين والوطنيين والعشائريين وبعض البعثين السابقين, لقد نجحت المقاومة فى هذه الظروف فى إرباك وإفشال المخطط الأمريكى الصهيونى فى العراق وفى المنطقة ولابد من السعى فى اتجاهين الأول وقف التدخل الإيرانى أو تحييده لإنهاء العنف الطائفى بأى شكل والثانى دعم المقاومة بكل الإمكانيات التى تجبر المحتل على المغادرة قبل ظهور الفجر هربا من جحيم المقاومة وهو ما أظن أنه بدأ بعد قرار الأمم المتحدة بفرض عقوبات على إيران التى يجب أت تثأر لنفسها على الأقل وليس هناك أجدى من الميدان العراقى !!

جلست إلى نموزج المجاهد الواعى الذى تستشعر معه أنك منتصر بإذن الله ولاشك وهو خالد مشعل الذى أوضح طبيعة المرحلة وحجم التآمر الداخلى والإقليمى والدولى وتأكدنا أن خيار الإستمرار فى الحكومة والمقاومة لا بديل له فى ظل التربص والملاحقة لأداء حماس والرغبة الجامحة التى تجتاح الجميع لإفشال تجربتها أمام الشعب الفلسطينى والعربى والعالمى وأن خيارات فتح لا سبيل لتحقيقها على أرض الواقع بعد أن فقدت المؤسس والبرنامج وأعلنها صريحة أن حماس لن تندفع إلى حرب او تهور فالدم الفلسطينى أعظم من كونه خطا أحمر وأن ما تقوم به حماس اليوم هو الدفاع عن الشرعية والحفاظ على حق الشعب فى اختيار ممثليه , لقد كنت أمام قائد حقيقى يزن الأمور بميزان الذهب و هو وإخوانه يمثلون المستقبل الذى يجب التعامل معهم فهم الأصدق والأقوى بإذن الله.

وكانت لقاءات متعددة مع الأستاذ راشد الغنوشى الذى بادرنى على الكيفية التى خرجت بها من مصر فى ظل المنع الذى تتواتر أخباره كل مرة وهو الذى صرح أن أزمة الأمة فى التحول الديمقراطى يبدأ من مصر فمصر المشكلة ومصر الحل !! وقابلت الشيخ عباس مدنى وقد هدته الأيام وهو المقيم فى قطر بعد أن اختفت الجموع التى كانت خلفه فى شوارع الجزائر ولكن منهج العجلة والإنبهار بالحشود المنفعلة عاطفيا لم يكن حلا فى مواجهة مؤسسات الفساد والهيمنة التى تتحكم فى مصير الشعوب العربية , ونهلنا من علم وحكمة ورؤية شيخنا الدكتور يوسف القرضاوى الكثير وتعددت اللقاءات مع رموز العمل القومى والإسلامى على مستوى الوطن يضغط علينا الواقع لكن التواصل يحفز الهمم وينقل الخبرات وتتجدد الآمال فى مستقبل أفضل تستحقه شعوب الأمة فقط تتحلى بالنية الخالصة والرؤية الصائبة والهمة العالية خاصة فى تلك الأيام التى يتراجع فيها الدور الأمريكى وينتقل من فشل إلى فشل وقد التقطها زعماء وشعوب أمريكا اللاتينية ليعلنوا معارضتهم و خروجوهم عن الطوق الأمريكى بينما حكام العرب لم يلتقطوا اللحظة واستسلموا تماما للهيمنة الأمريكية وانشغلوا بتعديل الدساتير لإحكام قبضتهم وإقصاء العدو الإستراتيجى للمشروع الأمريكى فى المنطقة !! فهل تضيع الفرصة فى ظل رغبات محمومة لتوريث الشعوب بدلا من استثمارها ؟! وهذا ما يؤكد ما ذهبت إليه سابقا وهو أن الأمن القومى للوطن لا يتعدى حدود كرسى العرش عند هؤلاء ! فهل تضيع الفرصة ؟!!

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق