تداعي النظام

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 25 - 6 - 2005

من الصعب على الإنسان وهو يحيا في وطنه أن يتخيل حرمانه من حق التعبير عن رأيه وأنه ممنوع من حق تكافؤ الفرص في العمل وممنوع من الاستمتاع بالأمان دون مراقبة أو تصنت وممنوع من حق الانضمام لآي تجمع في إطار القانون وممنوع من حق إنشاء تنظيم خاص أهلي خاضع لقانون وممنوع من السفر لخارج وطنه عندما يسعى لرزق أو يدعى لمؤتمر أو لزيارة أهله ولكن في مصر اليوم من السهل أن ترى وتسمع اكثر من هذا , فمن حق هذا النظام الذي يحكمنا بالحديد والنار أن يمنعك من الحديث على موجة تخالف أو تعارض توجهاته أو أدائه فأنت ممنوع من النقد الا بإذن فإذا سمح فقد امتن عليك بحقك المسلوب وأنت ممنوع من المطالبة بحقوقك المغتصبة إذا تجرأت وطالبت بها

وهذا النظام يمكنه أن يقبض عليك أو على أولادك أو أقاربك إن يتحرش بهم ويلفق لك ولهم الاتهامات التي تدنس شرفك أو كرامتك أو تصمك بالإرهاب والتمرد أو حتى بجناية أو جنحة تسقط فوق رأسك أو تنبت تحت قدميك وذلك بعد أن يستولوا على أموالك ومقتنياتك ويغلقوا أبواب رزقك ورزق أولادك .. كل هذا يتم في مصر ويحدث للشعب المصري خاصة من تجاوزوا المعوقات الثلاث الخوف والضعف والانشغال بأكل العيش لتكون عبرة لمن يفكر في الاستمتاع والمطالبة بكافة الحقوق كمواطن ولا يعجز النظام عن التبريرات لهذا السلوك – ده لو اعترف بممارسته أصلا – فهذه الإجراءات من اجل الاستقرار والحرص على التنمية وتحقيقا لمصالح الوطن العليا !! ادعاءاتهم فقدت جديتها ومصداقيتها وعادت لا معنى لها مع كثرة ترديدها في واقع يبعد عن العدالة والإنصاف بعد المشرق والمغرب .. لقد أراد النظام لهذا الوطن إن يخضع له على الدوام كي يستنزفوه ويتحدثوا باسمه , فحرصوا على ألا تكون لأي مصري مهما كان شأنه ولأي مؤسسة مدنية مهما كان وضعها أي كرامة أو مكانة في مقابل فرض الهيبة والخوف من مؤسسات الحكم الرئاسية والأمنية وما عدا ذلك لا يهم ! لقد صدق من وصف حال الدولة في مصر بالشخصنة وسلوكها بالعناد مما خلق نظام ثأري يتصرف كل مسؤول فيها بمنطق مالك العزبة الذي لا يرد له أحد كلمة وينفذ ما يريد ويثأر مما يخالفه ولا يطيقه يتساوى في هذا مؤسسة الرئاسة حتى المخبر والخفير !! والوقائع كثيرة فلقد تحولت مصلحة الوطن العليا إلى مصلحة حزب حاكم لا يريكم إلا ما يرى وما يهديكم إلا سبيل الرشاد !! فباع المسؤول كرامته ومسئوليته في التعيين والاختيار لمصلحته الشخصية وهذا رقيب في مؤسسة عليا يستعمل المعلومات لديه لمكاسب شخصية حتى إذا خرج من وظيفته السامية وجد أمواله وأطيانه بعد أن غسلها في انتظاره! وهذا موظف يأخذ نصف حق الدولة في جيبه ويعفى المواطن من السداد وذلك المخبر يستعمل نفوذ وظيفته وحقوق الناس لينجز خدمات في مقابل تحقيق لمصالحه الشخصية ! كما تم توزيع السلع الإستراتيجية لحق بعض القيادات تتحكم فيها كما تشاء في مقابل الحفاظ على النظام الذي خلق شبكة قوية من الفساد وزرع نماذج المفسدين في كل مكان تبيع شرف الوطن كي يحافظ على مصالحه .. لقد تحولت المسئولية العامة في ظل هذا النظام إلى مصلحة خاصة يستثمرها كل مسئول كما يحب ويشتهي دون رقيب أو حسيب طالما يسوق نفسه وسط القطيع ينفذ ما يطلب منه و يمثل رقما وسط القطيع في موكب النفاق الذي يغذي هذا النظام الذي انتهت مدة صلاحيته منذ زمن ويتعاطي الناس معه كما يتعاطون الأدوية الفاسدة .

ولأننا في مصر نتعامل الآن مع نظام مأزوم لا يود أن يعترف بهذه الأزمة وتعود على العناد طالما يظن أنه يملك مفاتيح القوة في يديه متمثلة في ثروات البلاد والمؤسسات .. تلك الأزمة تتمثل في افتقاده للشرعية بعد كل هذه السنوات من عمره وهو وضع خطير يهدد كيان أي دولة وقد تأكدت عدم شرعيته لافتقاده لركنين مهمين هما :

* الرضا العام والتفويض من الشعب وأداته انتخابات حرة نزيهة .

* وسيادة القانون وعلاماته استقلال السلطة القضائية والفصل بين السلطات الثلاث 0

وكلا الركنيين مفقود منذ عشرات السنين بشيوع التزوير وابتعاد الشعب عن ممارسة دوره لعدم جدوى وجوده وممارساته لحقه في الاختيار بعد الترويع الذي لاقاه من السلطة التنفيذية والبلطجة لحرمان المواطنين من حق اختيار وانتخاب نوابه ومسئوليه على كل المستويات من القرية والمحليات إلى الرئاسة والشعب والشورى مرورا بمراكز الشباب والجمعيات واتحادات الطلاب والنوادي والجامعات . كذلك فإن وقفة القضاة التي بدأت عام 1986 في مؤتمر العدالة الأول وتصاعدت في الشهور الأخيرة تؤكد على استيلاء الحكومة على السلطة القضائية والتحكم فيها ولكن ما مؤشرات الأزمة وكيف يمكن الخروج منها ؟

لعل الفرصة تتاح لاستكمال ما بدأناه

إضافة تعليق