المصريون بين الاحتكار والاحتقار وعبر التاريخ! ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 19 - 5 - 2007

 خلق الله سبحانه وتعالى النفس البشرية وبها المتناقضات وجعل قيادتها ونتاج أفعالها لصاحبها ليتحمل أجر أو وزر ما يقدم عليه "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها" صدق الله العظيم

ولعل الآية القرآنية التى تكررت كثيرا فى القرآن "الذين آمنوا وعملوا الصالحات " تؤكد على أهمية الإيمان والعمل أى ضرورة تلازم الجانب العلمى والجانب العملى فى حياة الإنسان وبناء على هذه الأركان الستة فى النفس البشرية – الفجور والتقوى والتزكية والتدنى والإيمان والعمل - نستطيع أن نولف آلاف الشخصيات التى نراها فى حياتنا ومن ثم نستطيع أن نفهم ماذا يحدث ؟ ولماذا؟ و الملاحظ أن الشعب المصرى رغم هدوئه وطولة باله وصبره على حكامه إلا أنه يلقى من هؤلاء الحكام إحتقارا شديدا لا تخطئه العين فى النظرة الدونية من أهل الحكم وما يتواصوا به من أن هذا الشعب غير ناضج ولا يصلح معه إلا ضرب الجزمة كما سمعت من أحد ضباط الشرطة ومن التهديد المتواصل لو لم ينضبط الشعب على بوصلة أهل الحكم ولسنا فى حاجة لسرد ما جاء بتقارير التعذيب والسرقة والنهب وتدنى مستوى الخدمات من صحة وتعليم ومواصلات وصرف صحى ومازاد على ذلك من تعمد قتل الشعب المصرى كما يحدث فى السجون وفى توزيع القمح المسرطن واستعمال المبيدات المحرمة دوليا والسماح بجعل مصر مقلب زبالة كبير لمخلفات الشعب من ناحية ولنفايات العالم من ناحية أخرى كما لم ينس هؤلاء الحكام أن يستثمروا نفوذهم ويحتكروا الثروة بجانب السلطة فى مصر !!

فهل يستحق المصريون كل هذا الإجرام من حكام اللحظة الذين يحكمون الخناق على مصر وشعبها بل يعبثون بحاضرها ومستقبل أبنائها ؟! ويكفينا الواقع الذى نحياه كمقياس على التخلف والتدنى والتدهور الذى تعانيه مصر فى ظل الحكم الحالي ولندرك حجم التخلف الذى صرنا إليه لو طبقنا معايير تحدد قياس الوضع السياسى فى الإجراءات الديمقراطية وحقوق الإنسان والوضع الإقتصادى طبقا للناتج القومى واستغلال الموارد ودخل الفرد أما معايير الوضع الاجتماعي فيحددها درجة التجانس بين مكونات الوطن البشرية ودرجة التوافق أو التراضي بين السلطة والشعب وأخيرا الوضع الصناعى ومعاييره بحالة البحث العلمى وحجم التصنيع وحسن الاستخدام الأمثل للموارد !!!! وطبعا التفصيل فى كل نقطة ستصل بنا إلى الصفر الشهير فى كل مجال واتحدى منصف من أهل الحكم أو مريديهم أو حماتهم أن يتناول مصر فى إطار هذه المعايير كى نتعرف على مصر التى هى بقرتهم الحلوب وتبدو غريبة عن شعبها وأبنائها !!!!

ولكي نكون أكثر علمية لعلنا نخرج بتصورات ووسائل للخلاص والنهوض من هذه المحنة التى طالت ، نعود قليلا لبعض مراكز الأبحاث المتخصصة فى دراسة مشاريع النهضة لعالمنا المعاصر مثل بيت الخبرة للتدريب والتطوير فى قطر وهو يقدم اجتهادات مشكورة استغرقت سنوات فى استقرائها وتأصيلها يجب الاستفادة منها بأى قدر فالهدف النهائى هو انتشال الأمة من لحظات التخلف والضعف والانهيار الذي أوصلنا إليه حكام ونخب وصمت شعوب !! ولعلى فى هذا المقام أرصد جانبا واحدا من أساسيات مشروع النهضة الذى يلاقى الكيد من الخصوم والجهل من الأحباب ألا وهو أهمية دراسة التاريخ وقد استغرق سرد التاريخ حوالى ثلث القرآن الكريم للتربية والعبرة والتعلم من تاريخ الأمم فهل أدركنا حكمة التعبد بها !! وكيف لنا أن نخوض معركة متكررة يقع فيها الطغاة باستمرار بينما نحن لم نتعلم دروس النجاح منها فى مواجهة الظلم والظالمين ونبذل جهدنا فى الدعاء فقط - رغم أهميته - دون أن يصحبه فهم ووعى وتضحيات ؟!

ومن علامات التأخير أننا نرى فى الساحة كثيرا من العاملين فى مشروع النهضة الذين لا يريدون تحمل أى نوع من المخاطر وإنما يريدون نجاحا وإنجازا باردا مبردا لا عوج فيه، فهم محجمون عن أى مبادرة أو فعل حقيقى لاعتقادهم بوجوب تحمل غيرهم التكاليف ، أما هم فلم يحن دورهم بعد . فلصعوبة الأوضاع ووطأتها الشديدة فإقدامهم غير وارد وصبرهم طويل ولا يدرى هؤلاء أن "الغنم بالغرم" وأن كل العظماء تحملوا وأقدموا حين أحجم الآخرون " وما فاز باللذة إلا الجسور"

وهنا وجب رفع الواقع لكل العاملين والمؤمنين والمتحمسين فى المشروع الإسلامى لنحدد مكان وأهمية ونوعية دراسة التاريخ فى عقولهم بأسئلة مباشرة عن عدد كتب التاريخ المقروءة ، نوعيتها، التجارب البشرية المطلع عليها أم فقط من التاريخ الإسلامى ، كيف تقراءها؟ الجوانب التى تركز عليها؟ أهمية دراسة التاريخ ... وهكذا كى نتعرف على النمو العقلى لصناع النهضة ووعيهم فى مرحلة اليقظة ، فمهما علت العاطفة فهى وحدها لاتكفى لأن معادلة النصر تقوم على "أولى الأيدى والأبصار" أى من يمتلكون القدرة التنفيذية مع الرؤية وبعد النظر.

ودراسة التاريخ ليست دراسة للماضى ، إنه قاعدة الحاضر كما أنه انعكاس كليهما على المستقبل ....... إن غاية القائد أن يفهم القوانين العامة وأن يفهم النواميس الكونية وأن يفهم سنة الله فى خلقه لأنه يتعامل مع السنن وانظر الى قول الشهيد حسن البنا فى مؤتمره الخامس "لا تصادموا نواميس الكون فإنها غلابة، ولكن غالبوها واستخدموها ، وحولوا تيارها واستعينوا ببعضها على بعض" هذه القدرات المتنوعة للقائد فى فهم القوانين ثم الاستفادة منها فى التعامل مع قوانين أخرى هى المحصلة الكبرى لدراسة التاريخ.

ان نظرة واحدة على عمليات التحرك لتغيير الواقع فى التاريخ تضعنا أمام نماذج لا حصر لها من الممكنات فما هى قراءاتنا حول المشاكل التى واجهها قادة التغيير والحلول التى جربوها؟ ماذا نقرأ مثلا فى : تجارب الأنبياء غير المحاربين والأنبياء المحاربين؟ كم عدد المحاولات التى جربها الرسول صلى الله عليه وسلم للانتقال من شريحة البدء إلى إيجاد شريحة التغيير ؟ وما هى دلالات هذه المحاولات المتنوعة؟ وماهى الاستجابات المختلفة لقضايا الواقع وما دلالتها؟ وماهى العبرة من تحركات العلويين ومآلات تجاربهم؟ وماهى العبرة من تحرك العباسيين ونجاحاتهم؟ وما هى العبرة من تحركات ومآلات الخوارج وغيرهم .... وماذا نقرأ فى التجربة الألمانية والفرنسية والبريطانية و الروسية والصينية؟ وما هى تجارب الثوار فى أمريكا الجنوبية وما العبرة منها؟

إن تنوع الوسائل والنماذج تعطى سعة لا حصر لها سواء على مستوى الاستراتيجية أو على مستوى التكتيك.. فكل تجربة تغيير أو احتشاد للنهضة فى مجتمع ماهى إلا خبرة مضافة ودرس يحتاج إلى تعلم ، وتدريب القادة على القراءة والربط والمقاربات وعمل النماذج هو أول أولويات طلاب النهضة !!

أسوق هذا الحديث للمتعجلين أو المتبسطين الذين يظنون أن مظاهرة كبيرة العدد -لا يعد لما بعدها - كفيلة بإسقاط هذا النظام !!

آثرت ألا أتحدث على فضيحة هذا النظام الطفولى الذى أدمن الإساءة لنفسه ولوطنه ولشعبه وما فعله فى مرشحين الشورى المنافسين له وهو مالم يخرج على الوصف الذى وصفت به دوره فى الحياة السياسية بمصر حيث حولها لملعب أعتقل كل من فيه من لاعبين منافسين وجمهور وحكام ولم يبق إلا فريقه العاجز الفاشل المنافق ليخوض به مباراة حرمت على المنافسين كما حرم الحاكم بأمره الملوخية وأكلها على الشعب المصرى

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق