قراءة فى التقرير رقم (8) ! ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 8 - 10 - 2006

قبل أن أشرع فى كتابة هذا المقال اتصل من أثق فيه يريد مقابلتى لأمر هام وتقابلنا ، قال أنه قد جاءه من مصدر لايشك فيه أن تقرير النقض الخاص بدائرة العزة والكرامة والمشهورة بدائرة دمنهور وزاوية غزال سوف يخرج للنور قبل نهاية العام ويتم التجهيز لخروج تقرير يؤكد أن الدائرة لم يتم بها تزوير ويعقب ذلك رفع قضايا سب وقذف من المستشار ضدى وضد المستشارة نهى الزينى !! ورغم أن هذا يتناغم مع عدم طلب أوراق الإنتخابات من مديرية أمن البحيرة من قبل محكمة النقض حتى اليوم (6 أكتوبر 2006م) رغم إدلائى بأقوالى منذ شهر مايو الماضى وكذلك مع تصريحات النائب المزور بأنه يقبل تقرير المحكمة فور صدوره أيا كانت نتيجته !! رغم كل هذا إلا أنى أستطيع أن أكذب هذه التوقعات أو الأخبار المتسربة لأن محكمة النقض أكرم وأعلى من هذا العبث الذى يراد لها ولعل هذه الشائعات ضمن حرب يشنها المفسدون على القضاء المصرى خاصة وأن هذه الدائرة الشهود فيها هم القضاة أنفسهم فكيف يستقيم الأمر ؟!! إنسوا ما ذكرته الآن وإن غدا لناظره قريب ! وخلونا فى التقرير رقم 8 !!!

هذا التقرير من سلسلة تقارير مجلس الشورى وقد شكل له لجنة خاصة لدراسة موضوع البرنامج النووى المصرى والذى صدر من المجلس فى 2 يوليو 1987 وهوتقرير خطير يجعل من إعلان الحزب الوطنى التوجه للطاقة النوية فرصة للتحقيق فى تأخير الدخول للعصر النووى حتى عام 2006 بل ومحاكمة كل من تسبب فى ذلك بدلا من مراسيم الزفة وإطلاق البخور الذى يتولاه منافقو كل عصر وزمان!!

التقرير بدأ بطلب مناقشة من الدكتورة فرخندة حسن فى 20 ديسمبر 1986 وتشكلت لجنه برئاستها وعضوية 20 عضوا من أعضاء الشورى وعقدت 31 اجتماعا وقامت بزيارة ميدانية واستعانت بـ 20 قيادة متخصصة ومسئولة منهم م ماهر أباظة د عادل عز و د محمود محفوظ واللواء محمد حلمى صديق وغيرهم فى كل المؤسسات المعنية أو ذات الصلة وأوضح التقرير "أن البرنامج النووى المصرى يتعدى مجرد إنشاء محطات كهرباء بل هو برنامج يقوم على عدة أهداف قومية استراتيجية تتصل بالنواحى العلمية والتكنولوجية والإقتصادة والسياسية و الإجتماعية والتنموية والأمنية كما يشمل على برامج فرعية منها مثلا برنامج تنمية البنية البشرية المتقدمة متكاملة التخصصات والنوعيات والمستويات من باحثين وتقنيين وإداريين وعمال مهرة وبرنامج البنية الأساسية التى تشمل الهيئات والمؤسسات المتخصصة العاملة فى هذا المجال الكبير بكل نواحيه المتعددة والمتناثرة وحصرها التقرير فى 12 هيئة يتبعها 12 مركز متخصص " وفى نبذة تاريخية عن المشروع الأول وتعثر المشروع الثانى يقول التقرير (منذ حوالى 20 عاما) " كان الهدف الأكبر للبرنامج النووى الأول هو تهيئة الدولة للدخول فى العصر النووى لكى لا تتخلف عن العالم المتقدم ، وجدير بالذكر أن بعض دول العالم النامى كانت قد بدأت فعلا الدخول فى هذا المجال مثل الهند، ورأت القيادة السياسية فى ذلك الوقت أهمية التعاون مع الهند فى هذا المجال وخاصة أن الهند قد بدأت برنامجها النووى قبل مصر بسنوات قليلة (4-5 سنوات) وكان لديها فى ذلك الوقت مفاعل ذرى تم استيراده من كندا قام المتخصصون الهنود بفكه وإعادة تركيب أجزاء المفاعل حتى تمكنوا من استيعاب هذه التكنولوجيا ومن تكوين خبرة محلية عالية المستوى وقامت بعد ذلك ببناء أجزاء كثيرة من المفاعلات نفسها ثم بناء المفاعلات وبذلك أصبحت الهند قوة لا يستهان بها بفضل ما توافر لها من تطبيقات تكنولوجية متقدمة"

ألا يستحق هذا محاكمة لمن تأخر بالبلاد عن ركب التقدم الذى سبقنا فيه الهنود بإرادة سياسية لاتلين رغم كل الظروف والتحديات ؟! وهنا يناقش التقرير إجابة السؤال لماذا تعثر البرنامج النووى الثانى ؟ و يقول" لاشك فى أن هناك عدة أسباب أدت الى تعثر البرنامج النووى الثانى منها ما هو اقتصادى ومنها ما هو سياسى كان المقصود منها ألا تصل مصر بالذات الى اكتساب التكنولوجيا النووية المتقدمة من واقع وضع ومكانة مصر فى منطقة الشرق الأوسط وكرائدة بين دول العالم الثالث فى الدعوة الى الحرية والاستقلال والتقدم ، والواقع أن السبب الإقتصادى لا يبرر تعثر البرنامج النووى المصرى ، إذ كان من الممكن منذ منتصف الستينات إلى الآن(1987) توفير الإمكانات ليس لجيل واحد من المفاعلات والأجهزة بل لأكثر من جيل منها ، وقد طرحت فى اللجنة عدة تساؤلات منا هل لنبوغ علماء مصر فى هذا المجال الإستراتيجى فى فترة وجيزة ووصولهم الى مستوى عال بسرعة مشهود لها أثر فى عرقلة مسيرة هذا البرنامج؟ وهل كانت مجرد صدفة تلك الحوادث المتفرقة لعلمانا النوابغ على مدى السنين؟ وهل ثمة تفسير لهذا الإصرار على وضع العراقيل أمام توفير المعونات المادية والفنية والعينية فى هذا المجال إلا أن يكون ذلك وفقا لمخطط خارجى يستهدفنا بالذات ؟ ولماذا بالرغم من حسن نوايانا وتعهدنا للمجتمع الدولى من خلال توقيعنا على إتفاقية الإستخدامات السلمية للطاقة النووية لا تزال توضع أمامنا العراقيل بأساليب مختلفة ومتنوعة، فى الوقت الذى تتاح فيه المساعدات بطرق غريبة ولدول لم تتعهد دوليا بعدم انتشار الأسلحة النووية؟ وكانت كل هذه التساؤلات محل مناقشة مستفيضة فى اللجنة الخاصة والتى رأت أن الأمر يحتاج إلى طرح هذه القضية بكافة أبعادها من خلال التقرير على جماهيرنا حتى يتفهم شعبنا الكريم أن البرنامج النووى المصرى ليس ترفا علميا وتقنيا بقدر ما هو وطنية استرايجية من الدرجة الأولى " وهنا يحتاج العقلاء منا الى وقفة نتسائل فيها بدورنا نحن بعد اللجنة الموقرة :

لماذا استسلم نظام الرئيس مبارك للحصار بعد مرور 8 سنوات على معاهدة السلام ورغم إعلان مصر أن حرب أكتوبر هى آخر الحروب ؟ وما المطلوب وقتها فى مقابل الصمت؟ وما الفرق إذن بين الموقف المصرى والإيرانى؟ لماذا كفت الحكومات المصرية على الخبر ماجورا ولم تطرح الموضوع على الشارع المصرى لتلقى التأييد الشعبى الضاغط لإستكمال السعى فى البرنامج النووى كما أوصى التقرير؟ وهل إعلان مصر اليوم دخولها عصر الطاقة النووية إختزال للبرنامج النووى المصرى طبقا لتعليمات من الموردين ؟!! الدليل على ذلك أن الجبهة الداخلية فى مصر تعانى من أزمات بسبب النظام وبالتالى قى ظل تخلف علمى وسياسى واقتصادى واحتقان داخلى على المستوى الشعبى ومستوى النخب يصبح الحديث على برنامج نووى كما وصفه تقرير الشورى هو عملية خداع فى خداع لغياب قواعد الإستقرار والتنمية والعدالة والإنتماء للوطن !!

مازال التقرير يتكلم عما تم انجازه من خلال البرنامج الأول الذى بدأ عام 1955م وهو ما يمكن له أن يستكمل! كمايحدثنا التقرير حديث ممتع عن عوامل الآمان التى كانت السبب المعلن من القيادة السياسية لوقف التفكير فى البرنامج النووى فى هذا الوقت عقب انفجار تشرنوبيل !! ويحدثنا التقرير أيضا عن الدور الشعبى المطلوب لدعم البرنامج النووى- ليس كما طلب نائب الحزب الوطنى بجمع تبرعات !!- إذ يقول : " إن مصر وهى تؤمن بالسلام تعلم أن السلام بغير قوة تحميه هو سلام هش وأن تلك القوة ليست بالضرورة قوة حربية فقط بل هى قوة سياسية وعلمية وتكنولوجية واجتماعية، وأن من الواجب عند دراسة البرنامج النووى المصرى ألا تقتصر نظرتنا إلى المنظور الداخلى وحده بل علينا أن نأخذ فى الإعتبار وضعنا فى منطقة الشرق الأوسط والقوى الأخرى التى تمتلك تلك التكنولوجيا المتقدمة، وأن يكون قرارنا متمشيا مع ما يتطلبه، وعن دور المواطن فى خدمة هذا البرنامج وتوقى ما لعله يطرأ من حادثات وعن طريق الإهتمام بإدخال العلوم النووية وما يتصل بها من علوم الرياضيات والفيزياء والكيمياء بمناهج التعليم فى مراحل المدارس كل على قدر ما يناسبه ، وإدخال الثقافة والمعارف النووية فى الكليات الجامعية التى لا تتخصص فى الدراسات العلمية والتكنولوجية، والقصد من ذلك كله أن يتواكب برنامج لإشاعة الوعى العلمى بين الجماهير مع برنامج تنفيذ مراحل الخطط النووية المصرية وللمنظمات الشعبية( الأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية) دور فى هذا البرنامج " ولعل فى التوصيات النهائية للتقرير ورد المهندس ماهر أباظة عليه فى مجلس الشورى إشارات نحب أن يطلع عليها الجميع حتى يدرك كل إنسان على هذه الأرض الطيبة حجم الإجرام الذى مورس فى حقها فى الـ25 سنة الماضية ولعل مقالة أخرى لو بقى فى العمر بقية تسمح بقراءة فى صفحة من تارخ مصر كانت فيه التقارير الرسمية من المتخصصين والتى ترفع لأصحاب القرار ورغم كل ما بها من وطنية وصدق وأجراس للخطر كان مصيرها أرفف الزمن وسلة مهملات الوطن الذى تجمعنا فيه كلنا ليتفرد أولئك بأهوائهم برسم حياتنا وتحديد مصائرنا ونحن لهم مستسلمون !! ولعل الخطر اليوم لم يترك أحد فانفرط عقد الوطن وبدلا من إشاعة الوعى العلمى بين الجماهير وما يمثله من جدية لا يرغب فيها النظام أشاع الفاحشة وبدلا من الإستفادة من النقابات المهنية لتقوم بدورها كما كان لنقابة المهنسين فى هذه الفترة جهد مشكور مع العلميين فى الملف النووى قامت الدولة بتجميد النقابات لأن الهم الشخصى والمصلحة الفردية والرغبة فى الإستمرار دون أى إعتراض كان فى مستوى أعلى وأهم من الهم الوطنى والأمن القومى لمصر المنكوبة بجبروت حكامها وصمت أبنائها !! فأى فخر ذلك الذى يدعيه حملة المباخر المنافقون لإعلان الحزب الوطنى على لسان نجل الرئيس التوجه إلى الطاقة النووية !! وما الدليل على صدق التوجه على أرض الواقع ؟!! دعونا نكون أكثر صراحة ونقول نعم للبرنامج النووى لا لمحطات الطاقة النووية والفرق بينهما هو الفرق بين علماء الذرة وبلية العجلاتى!! ومن لم يدرك ذلك أرجوه أن يعيد قراءة المقال كلمة كلمة ليدرك أن مجتمعاتنا لا تزال فى طور الطفولة العلمية فهى تبحث عن عالم الأشياء ولا تبحث عن عالم المعرفة فى الأشياء والإنتقال إلى عالم المعرفة يحتاج إلى جهد جهيد تسبقه منظومة قيمية توفر للإنسان العدل والكرامة والحرية والمساواة مع منظومة اقتصادية تحارب الفقر وتحقق الحياة الكريمة للإنسان فهل يملك النظام النووى بتاع الحزب الوطنى من أمره شيئا ؟!! اللهم بلغت اللهم فاشهد

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق