الجانى والضحية مين فى حكاية خالد ونرمين؟! ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 12 - 11 - 2006

تزداد قناعتى أننا فى مصر نواجه حكما غبيا فى تفكيره عنيفا فى تصرفاته متخلفا فى رؤيته ضعيفا فى مواجهة العقل والمنطق سارقا لإرادة شعبه ناهبا لثروات مصر ذليلا مستسلما لأعداء الوطن معاديا للقيم والأخلاق محاربا لروح التدين العاصم الوحيد من اليأس والاكتئاب الذى يسعى لنشره فى أوساط الشعب المصرى !! ولعل فيما أرويه وهو جزء بسيط مما أعلمه وأعانيه مع كل الشعب المصرى دليلا على كل ما أجملت فى المقدمة !

خالد شاب مر عليه فى الحياة 23 عاما أى لم ير غير حكومة مبارك ورجاله , تربى فى مجتمع ساده الخوف وضاعت فيه الحقوق , مرت به وبأسرته كثير من الأحداث كان فى القلب من بعضها ولكنه ترعرع فى بيت يهتم بالشأن العام , اجتهد ولم يفلح فى أن يحظى بتعليم جامعى مجانا ودرس الهندسة تخصص كمبيوتر وفى بكالوريوس الهندسة عام 2005 شاء الله له أن يعتقل وهو فى طريقه إلى المسجد عندما انتفض الإخوان المسلمون وكل القوى الوطنية دعما وطلبا للإصلاح ورغم أنه لم يشارك يومها فى أى تظاهره حيث هجم أمن النظام على المسجد والمصلين عقب السلام الأخير وأمطروا الناس بالمياه داخل وخارج المسجد وحاصرت قوات الأمن بخيلها وعتادها المكان واعتقلوا كل من وقف أو جرى ولم يتمكن من الإبتعاد عن دائرة العمل الوحشى الذى يتم بقلب بارد !! وأفرج عن الجميع مساء ماعدا خالد وستة من أبناء مدينته تم تلفيق قضية لهم وترحيلهم إلى سجن مزرعة طرة وكانت أول مرة يواجه هذا النظام الذى تربى فى كنفه ولم ير غيره !! وضاعت على خالد أول أيام امتحانات البكالوريوس الذى حل وقتها وهو ما زال سجينا ثم بدأ يحضر وسط حراسة مشددة من ضابط مباحث عامة وآخر أمن دولة وجنود وعربات فى الأمام والخلف, وحظى بما لم يحظ به كثير من زملائه فكأنه يحضر فى تشريفة ترج الكلية فى ظل حراسة وهو يؤدى امتحاناته مما أضفى عليه وقارا واحتراما من زملائه , ثم أفرج عنه وقد صار له دور ثان بأمر النظام وهو لم يقصر أو يهمل وكان أن تأخر عن زملائه وقال لعلها رحمة من الله , وبعد أن حصل على البكالوريوس كان ورائه مهمة مقدسة وشرف لابد له أن يحوذه وهو الإلتحاق بالخدمة العسكرية ولأن والده أستاذ الجامعة من الإخوان المسلمين (بعيد عن السامعين !) و كان من المتوقع عدم السماح له بالتجنيد !!

لكنه مر بكل مراحل التجنيد والتحق بكلية الضباط الإحتياط وخلال الثلاث شهور الأولى كان الحديث حوله يزداد يوما بعد يوم حتى تم استدعاؤه للمخابرات وأعقبها خروج وانهاء خدمة حسنة بأخلاق لا تقدر!! ولم يعرف لماذا حرم من شرف أداء الخدمة العسكرية التى يعد الهروب منها عملا مخلا بالشرف بل مانعا لصاحبه من الإندماج فى الحياة السياسية حارما إياه من شرف تمثيل الشعب فى أى انتخابات !! ولم يعرف خالد لماذا خرج وهو مواطن كامل الأهلية صادق الوطنية تربى فى كنف النظام ولم ير غيره!!! 

خرج خالد وكثير من زملاءه له حاسدون !! وقد أصر والده على عدم البحث له عن عمل فى حكومة النظام رغم أنه حقه وحق كل الشباب المصرى , ولكن الوظائف محجوزة خاصة ذات المكانة العالية والرواتب المجزية لأبناء النظام والمحاسيب بل وصل الأمر أن حرم الشباب من كل الوظائف ومن يفلت يجد تقرير الأمن له بالمرصاد ليبدد فرحته حزنا وأمله إحباطا فيزداد طابور البطالة فى ظل حالة من اليأس والإحباط والشعور بالظلم , وتزداد مساحات الفراغ لدى الشباب ومن لم يعصمه دينه فقد ينجرف لتيار العنف الذى يؤمن بأخذ حقه بيديه أو تيار الإنحلال الذى يستمتع بلحظاته - دون أمل فى مستقبل - مع فاحشة أو مخدرات أو نصب أو سرقة أو قتل لأن الحق ضاع على يد نظام لم يتق الله فى شعبه ولم يدرك خطورة المسئولية التى أناطها الله بهم , ومازال خالد وآلاف الشباب يبحثون عن عمل بل وصل تفكيرهم أنه لا أمل فى مصر التى تأكل أبنائها ولا حل غير السفر للبحث عن المستقبل بعيدا عن نظام أفسد الحاضر وأظلم المستقبل أمام شباب تربى فى كنفه ولم ير غيره !!! 

ومع عمل مؤقت نبض قلب خالد كما تنبض قلوب الشباب الذى يثق فى وعد الحق تبارك وتعالى بمعاونتهم فى طلب النكاح للعفاف وعاش خالد سعادة المحب الذى وجد من يخفف عنه مرارة الحياة ويمنحه الأمل ويشاركه آماله وكانت نرمين خريجة الألسن قسم اللغة الإيطالية وابنة أحد أبطال حرب أكتوبر العميد المهندس الذى خدم مصر أكثر من ثلاثين عاما قبل أن يحال للمعاش , وكان من الطبيعى أن يتم حجز حفلة الخطوبة فى أحد دور القوات المسلحة و نواديه التى انتشرت فى مصر تقدم خدمة على مستوى راق يليق بالقوات المسلحة وبعد حجز استمر أكثر من شهر ونصف وقبل المناسبة بيوم واحد تم الإعتذار عن استضافة فرحة الأولاد بتعليمات عليا عاجلة لأن والد خالد من الإخوان المسلمين (الشر برة وبعيد) !! 

ليقتلوا الفرحة التى لم تكن تكلف النظام شيئا وكانت الدعوات مقتصرة على العائلتين ورغم ذلك ألغت دولة حفل ارتباط لزوجين صغيرين هم من أبناء مصر عاشوا عمرهم لم يسمعوا غير وعود التنمية والحرية والديمقراطية بينما يدفعون – هم وأهليهم – ثمن المواطنة حرمانا من الحقوق وإهانة للكرامة و حصارا وتضييقا فى ظل نظام عاشوا وتربوا فى كنفه ولم تر أعينهم غيره !! نقف عند هذا الحد من هذه الحكاية التى يتكرر أسوأ منها – أعلم – لنسأل أنفسنا عدة أسئلة , من الجانى ومن الضحية فى هذه الحدوته ؟!! أقول بدون لف ولا دوران أن الجانى هو نظام حكم جاثم على صدورنا لم يبذل مجهودا لرعاية شعبه أو تسهيل حياته أو دعم حرياته وحماية عقائده وأخلاقه بل استسهل الحكم بالحديد والنار رغم كل محاولاته لتجميل سلوكه وأداءه , الجانى حكومة صارت تتحكم فى شعب تقوده بالعصى فى غياب أى جزرة ! , تقابل إحسانه بالإساءة وصبره بالإهانة و حلمه بالنهب المنظم وتقسيم البلد على أفراد العصابة , فوجدنا قصر محمد على التابع للآثار يفتح لخطوبة أحد السكرتارية الجدد للنظام بينما تغلق دار عسكرية ترفيهية أمام بطل من أبطال حرب أكتوبر !! 

أما الضحية فهى لاشك القوات المسلحة التى يحاول النظام أن يوظفها لخدمة أغراضه السياسية الضيقة فبأى حق يحرم المعارضين للنظام والمختلفين معه فى الرأى من حق شرف أداء الخدمة العسكرية ؟ لماذا ينالها ابن الفاجر والمجرم والسارق والموالى والسلبى ويحرم منها أبناء المعارضين ؟ أليس هذا إساءة للقوات المسلحة التى يجب ألا تفرق بين أبناء الوطن الواحد المتساوين فى الحقوق والواجبات طبقا للدستور والقانون؟ !! اليس فى التفريق بين أبناء القوات المسلحة فى الخدمات المقدمة إليهم الحقوق الممنوحة لهم سواء كانوا فى الخدمة أو بعد إحالتهم للمعاش خرقا للدستور والقانون الذى ساوى بين الجميع ؟ ! لماذا سيس النظام القضاة بالإعارة لوزاراته والندب فى محافظاته وعندما طالب الشرفاء منهم بالإستقلال وعدم تزوير الإنتخابات اتهمهم النظام بأنهم تحدثوا فى السياسة وهو ما يخالف وقار القضاة وحيادهم !!! 

فلماذا يتم الإعتداء على إستقلال القوات المسلحة وهى درع الوطن كله وحامية حمى النظام والمعارضين له معا طالما تضمهم جنبات الوطن ؟!! ويبقى خالد ونرمين أحدث ضحايا النظام وهما أحسن حالا من كثيرين غيرهما لا يجدون من يرفع صوتهم أمام جبروت نظام متخلف وخارج نطاق التاريخ والجغرافيا , وهما مازالا يتمتعان بحريتهما وقدرتهما على التفاؤل والإستعداد لحياة ومستقبل سيكون ان شاء الله أفضل وأكرم مما نعبش فيه نحن الآن , وستبقى مصر بوعى أبناءها المخلصين وهمتهم مستعصية على كل الطغاة حتى لو ظنوا انها قد دانت لهم وملكوا أمرها ! لكن الغضب المتصاعد والوعى المتزايد سيحسم الأمر للشعب فى حماية قواته المسلحة التى هى تمثل شعبا – بشهادة الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم – من خير أجناد الأرض حفظ الله شعب مصر من كل سوء ومن كل حاكم لا يرى سعادته إلا على أحزان وهموم هذا الشعب المجاهد ويبقى أن أخبركم بإسم الشاب كاملا خالد جمال حشمت وقد أتم الله فرحته على أحسن مما كان يتصور , فرج الله كرب كل المكروبين وأسعد كل شباب مصر رغم أنف حكامها الذين عاشوا فى كنفهم ولم يروا غيرهم حتى الآن !!! والله متم نوره ولو كره الكارهون و المنافقون.

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق