النظام والجامعات .. مشاهد من خلف الكواليس؟!

دكتور محمد جمال حشمت : بتاريخ 22 - 11 - 2006

 علاقة النظام المصرى منذ عشرات السنين بأساتذة الجامعات علاقة لاتقوم على الاحترام أو التوقير للعلم والعلماء وكنا نظن أنه عندما يختارهم فى وزاراته إنما هو التقدير للعلم الذى يحملوه والمنهج الذى تربوا عليه ولكن اتضح أنه يستوزر الأساتذة فى التدليس والانبطاح وتبرير رغبات الحاكم وأوامره التى لاعقل لها ومن خرج عن الإطار الذى رسم له وأراد أن يستفيد بعلمه وخبرته فى تناول مشاكل الوطن وحلها واستعصى على مسايرة المناخ الذى يسبح بحمد الحاكم ليل نهار( رغم الفقر الذى أورثه لبلده والتخلف الذى لف حياة أمته) فلا مكان له تحت ظل هذا النظام , واسمحوا لى هنا أن أتحدث عن الأسباب الحقيقية وراء مذبحة الوزراء الذين لم يستمروا فى حكومة مبارك أكثر من سنة وعدة شهور على غير العادة فأهم ما يميز الرئيس مبارك هو الوفاء لرجاله والاستمرار فى مناصبهم لأطول فترة ممكنة مهما كان الثمن !!! أما 15 شهر فقط فلابد أن يكون هناك أسباب منها المعلن ومنها الخفى :

• هنا أذكركم بما قيل عن الوزير الدكتور أحمد جمال الدين وزير التربية والتعليم الذى خلف الوزير المخضرم الدكتور حسين كامل بهاء الدين الذى عمر فى الوزارة أكثر من 18 عاما !! وأذكرعندما سألت أحد اللواءات فى هيئة رقابية كبرى يؤخذ رأيها فى شخصيات الوزراء قبل التعيين عند أى تغيير وزارى وكان ذلك فى أواخر التسعينيات : لماذا الإصرار على حسين بهاء الدين رغم ما فعله بالتعليم من تدهور وفشل أدى الآن للمطالبة بمحو أمية طلاب التعليم العام بعد سنوات من الدراسة !! فرد قائلا مع كل تغيير وزارى تخرج تقاريرنا تطالب بإبعاده , ولحد هنا ينتهى دورنا الاستشارى ونفاجئ بالتجديد له فى كل مرة !! تماما كما حدث مع الوزير الفنان الذى كان مرشحا خامسا لوزارة الثقافة فى قائمة كان على رأسها الدكتور أحمد هيكل ولكن ظروف المرحلة ومناخها كان يحتاج الفنان اللى زى السكر وقد كان ومازال !! المهم كان المعلن من أسباب لإقالة الدكتور أحمد جمال الدين فى تسريبة صحفية من مخبرى الأمن لدى الصحف أنه ابن خالة جمال حشمت القيادى الإخوانى !! وكأن ترشيحه وتعيينه تم وكل أجهزة الدولة فى غيبوبة أو كانت شاربة حاجة أصفرة !! وعندما علمت وجبت الإقالة !! تفكير تافه وتصرفات متدنية لا تليق بنظام دولة يحكم بلد مثل مصر فالدكتور أحمد مع حبى واحترامى له ابن لجنة السياسات وليس ابن الإخوان المسلمين والتعامل معه على هذا النحو يوضح حقيقة هؤلاء الذين لا آمان لهم وهم على استعداد لأكل أولادهم بلا حياء ولا أخلاق ! ولكن ليست هذه هى الحقيقة حيث أوضح الدكتور أحمد فى أحاديث صحفية له مع صحف مستقلة وفى بعض القنوات الفضائية أن القيادة السياسية تعلم أن الدكتور جمال حشمت ابن خالتى وهو أمر يشرفنى !!, إذن لماذا تم إقالة احمد جمال الدين وعمرو عزت سلامة وعصام شرف وأحمد الليثى عقب الانتخابات البرلمانية الأخيرة ؟!! أقول وما أقوله ليس سرا , ولأن العرف الذى فرضه النظام على كل وزرائه بعد الخروج من الخدمة يتلخص فى كلمتين وبس " اقفل فمك والزم دارك " أقول أن احمد جمال الدين أزاح كثير من كبار الموظفين المفسدين فى الوزارة الذين أفسدوا كل أعمال الوزارة الإدارية والمالية والفنية والتربوية فى عهد الوزير بهاء( الذى تم تكريمه يوم إقالة جمال الدين !!) وكشف عن الغش الجماعى الذى كان فى حماية من سبقوه لإنجاح طلاب فى الثانوية العامة وبعض الشهادات دون أن يمتحنوا أو فى لجان خاصة بالمنازل وتم تحويل أكثر من 400 من المسئولين إلى النيابة الإدارية والعامة للتحقيق (عاد أغلبهم وأشرفوا على الكنترول بعد خروج جمال الدين) واكتشف التكلفة الحقيقية لطباعة الكتاب المدرسى والتى تقل عما هو مدرج بموازنة الوزارة بما يقرب من مليار جنيه كانت توزع على الحبايب وأعاد للنظام هيبته وللشعب حقه فى أمواله المنهوبة , والأهم أنه لم يكن يجيد اللف وراء المجلس القومى للمرأة فى المقابلات والمؤتمرات وهو ما كان يتميز به بهاء الدين فى خفة ورشاقة !! لذا كان لابد أن يقال أحمد جمال الدين .

• الدكتور المهندس عمرو عزت سلامة وزير التعليم العالى جريمته التى كان يعرفها النظام من قبل وسربها بعد التعديل بمعرفة الصحفيين إياهم أنه كان شريكا فى مكتب هندسى مع الأستاذ الدكتور شريف أبو المجد الذى هو من الإخوان المسلمين !! ورغم أن الشركة انفكت منذ سنوات طويلة إلا أن النظام أشاع هذا !! والسبب الحقيقى أن الدكتور عزت كان متواصلا مع زملائه الأساتذة وكان يعد - بل قارب على الإنتهاء منه –مشروعا طموحا للإرتقاء بالبحث العلمى ومصيبة المصائب أن الوزير تحت ضغط زملائه فى الجامعات ونوادى أعضاء التدريس المتبقية طالب بالإفراج عن الأساتذة الذين اعتقلهم النظام وكانوا أكثر من تسع أساتذة فى القاهرة والأسكندرية والمنصورة والمنوفية وطنطا !! بل وتجرأ الوزير وقابل وزير الداخلية مع ممثلين للأساتذة للمطالبة بفك أسر الرهائن من أساتذة الجامعات الذين اختلفوا مع النظام فى الرأى !!! ووعدهم ولم يف بوعده , لذا كان لابد من إقالة عمرو سلامة .

• الدكتور عصام شرف عالم فى تخصصه عن الطرق والنقل وتولى وزارة خرجت من الخدمة مع الوزير السابق له – رحمه الله – فأصلح الديوان العام لوزارة النقل وتبادل الحب والود مع كل موظفيه ووقف فى صفهم أمام القضاء عندما ثارت مشكلة سائقى مترو الأنفاق, ولم يستسلم لرغبات رجال الأعمال لخصخصة السكك الحديدية لأنه يحمل برنامجا طموحا وخبرة تسمح له بعمل تغيير حقيقى فى شبكة الطرق بمصر لو اقتنعت وساندته القيادة السياسية وهو ما كان يأمل فيه ! والأخطر هو أنه رفض بيع موانى مصر فى صفقات مع مستثمرين من الداخل والخارج !! فوقعت الواقعة وغير صحيح ما أشاعه البعض من أن سبب الإقالة هو أنه عندما كان طالبا مبتعثا فى أمريكا كان يصلى بزملائه فى كليته ! فأكيد تقاريره الأمنية تحمل كل أخباره منذ أن كان طالبا فى مصر ! لذا كان لابد من إقالة عصام شرف .

• المهندس أحمد الليثى هو ابن النظام وتربى فى كنفه وقد تعاملت معه فكان نعم المسئول الذى يستخدم عقله وهويمتلك القدرة على موازنة الأمور وكان من المحافظين المعدودين الذين رفضوا تدخل الوزير بهاء الدين فى عمل المدارس والتى تتولاها المحليات وتدخل فى اختصاصات المحافظين عكس كثيرين غيره استسلموا لسطوة الوزير المخضرم , المهم أن الوزير ارتكب فى حق النظام خطأين ظن أنه بأدائه هذا يحمى أمن مصر القومى ويحقق ما لم يستطع غيره تحقيقه !! الأمر الأول هو استمرار حملته على المبيدات المسرطنة وتحويل مسئوليها إلى النيابة وتنقية الوزارة من أتباع مخرب الزراعة فى مصر ورائد التطبيع يوسف والى !! والأمر الثانى والأخطر أنه فتح ملف القمح الذى يدعم الفلاح الأجنبى على حساب الفلاح المصرى والذى لا يفتح أبدا لخطورته على استقرار الحكام واستمرارهم , لذا شجع الفلاحين على زراعته ومنحهم جزء من حقوقهم قبل توريد المحاصيل وبدأ خطة لزيادة المنزرع تدريجيا لتحقيق الإكتفاء الذاتى ! وهنا تدخل النظام فى صورة وزير التموين الذى أوقف استلام المحصول وفتح باب الإستيراد بعد أن اعتمد مبالغها بعيدا عن وزير الزراعة ودون علمه ( وأوقف الوزير الجديد للتضامن كل الخطوات التى اتخذت لزراعة القمح والاكتفاء منه محليا !!!!) وهنا تبدو الصورة على حقيقتها عندما ننتقل إلى أمريكا فى حوار المسئولين الأمريكيين مع الوزير رشيد والوزير بطرس عندما طالب الوفد المصرى بسرعة إنهاء إجراءات اتمام اتفاقية التجارة الحرة بين مصر وأمريكا وكان الرد "تجارة حرة ازاى وعندكم وزير عايز يعمل اكتفاء ذاتى من القمح ويزعل الفلاحين عندنا "!!!! لذا كان لابد من إقالة الليثى .

هذا هو تصرف النظام مع الأساتذة المنتمين إليه وهم طبعا ولاد الحرة!! أما ولاد الجارية منهم فلا راتب يحفظ الكرامة ولا حق فى علاج يحفظ الصحة ولاحرية أكاديمية تسمح بالحركة فى الجامعة بيت الأساتذة ولاهيبة أمام أنفسهم أو أمام طلابهم فى وجود أمن النظام الذى يدير الجامعة أحيانا من خلف الستار والآن بفجور لاحدود له بعد أن نزع كل الستائر! كما تم حرمان الأساتذة من الخلاف فى وجهات النظر مع النظام تحت المبدأ الفرعونى ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد !! فاعتقل الأساتذة ومازال فى السجن الأستاذ الدكتور محمد مرسى رئيس الكتلة البرلمانية لنواب الإخوان نكاية وغيظا بدون وجه حق فالنظام كما أنه شديد الوفاء لرجاله المتوسدين الأرض تحت أقدامه فإنه أيضا لا ينسى تاره ممن فضحه وكشف عوراته !! وتلك قصة ربما تفيد , ففى لقاء فى بداية الدور الثانى لمجلس الشعب دورة 2000م ضم عددا من نواب الإخوان كنت منهم ومعنا الدكتور محمد مرسى و آخرون مع الدكتور فتحى سرور رئيس المجلس دار حوار كان مما جاء فى حديث سرور عن تقييمه لأداء الإخوان فى الدور الأول قوله "أخطر اتنين فيكم د محمد مرسى ود جمال حشمت " وطبعا أدركنا أن حديثه كان يعبر عن رأى حزبى أمنى وقد كان جزاء هذه الخطورة!! إبطال للعضوية وتزوير لإنتخابات 2003م واعتقال فى سيتمبر 2003م ثم تزويرفى انتخابات 2005م بصورة أكثر فجورا تم ضبط أبطاله وفضحهم بواسطة القضاة , وأيضا تم فى دائرة الزقازيق بلطجة وإجرام لإسقاط دكتور مرسى ثم القبض عليه منذ ستة أشهر ومازال حتى اليوم يدفع ثمن مواقفه المعارضة للنظام , ومن هؤلاء المعارضين للنظام بكل شرف والذين أجرم فى حقهم النظام الأستاذ الدكتور حسن الحيوان الأستاذ بطب الزقازيق الذى اتهمه أمن بلده زورا بإتهامات باطلة وحوله الى محكمة استثنائية حكمت له بالبراءة ولكن الرئيس مبارك طعن فى الحكم ولم يصدق على تبرئته وهو الأستاذ الخلوق ذو الأدب الجم والعالم الفذ فى تخصصه وأحيل مرة ثانية للمحاكمة بعد القبض عليه وسط مرضاه فى عيادته التى دمرت فى المرة الأولى وبرأته المحكمة للمرة الثانية وبعد عام من السجن الظالم والحبس الإنفرادى يفرج عنه يوم الأربعاء 15 نوفمبر ليموت بأزمة قلبية فجر 19 نوفمبر يشتكى لله ظلم الحكام وزبانيته !!

والسؤال الآن ماذا يريد النظام من قانونه الموحد للتعليم الجامعى الذى يعرضه على الأساتذة ولاد الجارية - وهم الأغلبية - بعد كل ما فعله بهم ؟ بكل صدق وأمانة أقول أن هذا النظام غير جاد فى إصلاح أى تعليم فى مصر ولو كان صادقا لمحا أمية الشعب المصرى فى عام واحد بحملة قومية لن يتأخر عنها أحد ولكنه لم ولن يفعل !! هذا النظام لا يضع التعليم والعلم والبحث العلمى فى بؤرة اهتمامه أو أولوياته .. لماذا ؟! لأنه ببساطة نظام بوليسى قمعى وهو ما تفسره أرقام ميزانيات التعليم والبحث العلمى ومخصصات الأمن !! رغم أن بندا واحدا ليس فى الميزانية كان كفيلا بحل مشكل تمويل التعليم ! وهو ما يمثله اختفاء 13 مليار جنيه فى الموازنة وظهورهم فى الحساب الختامى لعامين متتالين 2003 و 2004 دون مستندات صرف وهو ما كان يستوجب إقالة الحكومة وتحويلها بكامل هيئتها إلى النيابة العامة ومحاكماتها !!

هذا النظام غير جاد فى تطبيق أى تطوير للتعليم لأسباب ذكرها الأساتذة فى اجتماعهم مع وزير التعليم العالى فى نادى أعضاء تدريس القاهرة يوم 19 نوفمبر 2006م منها أن رئيس الدولة رفض جدول مرتبات للأساتذة ينصفهم بعد طول عذاب !! وبدونه لن يطبق أى قانون جديد! ومنها أن المناخ العام بما يحتويه من فساد وتزوير وظلم وغياب للحريات وعدم الوضوح وغياب الشفافية لن يسمح بمناخ يخالفه فى الجامعات ولن ينجح القانون الجديد الذى يدور به الوزير على الجامعات فى حل مشاكل الجامعات المصرية , ربما ينجح فقط فى خصخصة التعليم وإلغاء المجانية وتشريد من لم يرض عنهم النظام من أساتذة الجامعات !! وإذا أراد النظام أن يفتح صفحة جديدة مع الأساتذة فعليه إتخاذ الخطوات التالية وهى فى استطاعته لو امتلك القدرة على الإصلاح:

1- الإفراج عن كل الأساتذة المعتقلين والمخالفين له فى الرأى احتراما لمكانتهم وحريتهم المفترضة .

2- العفو عن الطلاب الذين قبض عليهم النظام أو فصلهم بعد أن حرمهم من انتخابات حرة وعودة المستحق منهم للمدن الجامعية.

3- رفع أيدى النظام عن نوادى أعضاء هيئة التدريس فى كل الجامعات وإجراء انتخابات حرة يمكن لممثلى الأساتذة إبداء الرأى بشكل منظم ومؤسسى فى كل القضايا المطروحة .

4- وضع لائحة طلابية جديدة تنصف الطلاب وتسمح لهم بانتخابات حرة لاختيار ممثلين عنهم يشاركون أساتذتهم الرأى فى أى قضية مطروحة تمس مصالح الطلاب.

5- رفع رواتب أعضاء هيئة التدريس بموجب القانون الحالى بما يملكه الوزير من صلاحيات كبادرة حسن نية وعلامة لقدرته ورغبة النظام فى تحقيق الإستقرار و الحد الأدنى من الحياة الكريمة للأساتذة .

بغير هذا فإن كل ما يجرى على ساحة التعليم الجامعى لغو يشارك فيه ولاد الإيه لإشغالنا عن كارثة يعدون لها بليل ! ولن نفاجئ بعد كل ما لاقاه الوزير فى جولاته من هجوم ورفض لمشروع لجنة السياسات إعلانه أنه قد استمع لكل الأراء وكما وجد أراء معارضة فإنه وجد أكثر منها موافقة ومؤيدة لرؤية التطوير المطروحة فى مشروع القانون الموحد للتعليم ,منتهى الديمقراطية ! وعلى بركة الله باسم الأساتذة نفذ ياجدع ولاعزاء للأساتذة الغاضبين المهمشين وقتها إلا الإضراب أوالإعتصام أوالعصيان ولاحول ولا قوة إلا بالله

drhishmat@yahoo.com

من المحرر : رجاء إلى جميع الأصدقاء قراء الصحيفة أن يتم اختصار التعليق بما لا يتجاوز خمسة أسطر نظرا للصعوبة البالغة التي نعانيها في التعامل مع عشرات التعقيبات المطولة ، ونعتذر لكل من نمتنع عن قبول تعقيبه إذا طال عن ذلك ، كما ترحب الصحيفة بأية مقترحات بديلة من السادة القراء .

إضافة تعليق