ماذا لوكنت وزيرا للداخلية؟! ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 5 - 11 - 2006

 سؤال برئ كما تخيلت وجه إلى َ لإنتقادى الدائم لأداء وزارة الداخلية وهو ما يجمع عليه كل المصريين المهمومين بالحال المتدنى الذى وصلت إليه مصر على كل المستويات ! ويبدو أن السائل أراد أن يقول أن نظاما مثل الذى يحكم مصر لا يملك فى مواجهة شعبه إلا هذا الأسلوب المتدنى فى التفكير والأداء! حتى لو كان وزير الداخلية واحدا مثلك ! والحقيقة أن مجرد التفكير فى هذا المنصب بصورة جدية فى ظل هذه الظروف يجعل الإنسان حائرا مضطربا كيف يصلح ما أفسده هؤلاء بالوطن؟ فكل ضحايا هذا البلد عانوا من فشل الساسة وتترسهم خلف قوت أمن أفقدت الوطن كرامته باسم الحفاظ على الشرعية وهو المصطلح الذى يعنى بقاء الحاكم أطول فترة ممكنة بغض النظر عن الرضا الشعبى أو إحترام القانون وهو ما يفقد النظام شرعيته الشعبية والقانونية !!وقبل أن أضع نفسى فى هذا المكان أقر بأن علاقتى الإنسانية بالشخصيات المحترمة فى الداخلية على المستوى المحلى أو المركزى هى علاقة تقوم على الاحترام دون أن يخل هذا بتنفيذ المطلوب منهم تجاهى !! ولى حوارات كثيرة نشرت جزءا منها فى كتاب مذكرات نائب من مصر تؤكد هذا , أما سيئو الخلق منهم وأصحاب السمعة الملوثة فلا يطيقونى ولا أطيقهم ! وهنا أذكر موقفين فقط لهذا الود السلبى بيننا , الأول ( نقلا عن )داخل أتوبيس يقل مجموعة من ضباط الداخلية لانتدابهم للعمل اثناء الانتخابات النيابية الأخيرة فى محافظة بعيدة عن البحيرة ودار حوار حول الانتخابات فى دمنهور خلاصته التأييد والثقة فى نجاحى بلا منافسة حقيقية مع كلمات الود والتقدير لشخصى الضعيف وقد وصلنى الحوار من أكثر من مصدر, والموقف الثانى حين عودتى منذ شهر تقريبا فى ديزل وعند محطة دمنهور نزلت شخصية أمنية كبيرة وعند نزولى أمسك بيدى أحد المرافقين وسألنى ألا تعرفنى؟ والحق أنى لم أتذكر ! فعرفنى بنفسه( العميد فلان كنت فى الخدمة بالبحيرة وحضرتك فى المجلس )وبعد التحية قال لى" أنا أحبك وأقدرك ومش بس أنا بل كل ضباط الداخلية وإذا كنا لم نستطع أن نقدم لك شيئا فيما حدث ويحدث لك فتأكد أننا ندعو لك بالتوفيق فى كل مكان " فبادلته التحية وشكرت له هذا الشعور النبيل ودعوت له بالثبات والتوفيق !!

إذا ما سأذكره هنا لا يخص أفراد بل يخص مؤسسة وهيئة قامت على قواعد خاطئة فأهانت نفسها وأذلت شعبها وأصابت اللعنة قياداتها ! ومع كامل احترامى للمحترمين فيها فإن الأمر يحتاج الى وصف الوضع الحالى وتجاوزاته ولكن التفصيل فيه قد يحتاج لمجلدات تضم وقائع وأرقام قامت بجزء منه مراكز الرصد والتقصى وحقوق الإنسان ولكن يكفينا هنا ذكر الأصول التى يقوم عليها فكر حماية النظام بواسطة الشرطة المدنية وهو ما نقدر عليه الآن وحتى لا يحذف من مقالى شيئا – طبعا خوفا على- ولعل أهم سمات النظام الأمنى فى مصر قائم على :

1 - حماية نظام الحكم من كافة أشكال المعارضة وعلى رأسها التى تنتهج العنف فى الداخل

2 – تأمين حركة رموز النظام فى الداخل والخارج

3- التنسيق مع كافة الجهات الأمنية عربيا ودوليا لتحقيق الأمن اللازم فى البندين السابقين

4- تحقيق الاستقرار الداخلى بكافة الصور وذلك باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لإجهاض أى تحرك من شأنه إظهار البلاد بمظهر عدم الإستقرار

هذه هى أهم البنود التى تحدد حركة الأمن وتصرفاته من الواقع ولا داعى للحديث عن توفير الأمن للشعب وتأمين حياته واستثماراته وممتلكاته وحماية العرض والدين والعقل وكافة حقوق الإنسان لأن ببساطة الشعب هو الضحية والهدف لتحقيق المستهدفات السابقة !! ولتنفيذ ما سبق كان لابد من:

• استمرار فرض قانون الطوارئ وحالة الطوارئ فى دلالة على فشل النظام فى تحقيق الأمن طوال 25 عاما ولم يتحقق نتيجة تطبيقه سوى انتشار العنف والمخدرات والفساد وغياب الأمن الجنائى واستمرار بقاء الحاكم فى مكانه ومن حوله المستفيدون من وجوده وجميعهم ليسوا فوق مستوى الشبهات!

• تجاوز قانون الطوارئ ذاته فى كثير من أحكامه لتنفيذ إرادة النظام وزبانيته الذى أطلق أيديهم فسادا وظلما دون رقابة أو محاسبة وهو تجاوز لمبدأ هام تقوم عليه أسس الدولة طبقا لنص دستورى وهو مبدأ سيادة القانون وهو ما يضع الحزب الحاكم وحكومته فى خانة "الخارج" عن إطار الدستور والقانون ومئات الآلاف من الأحكام التى لا تنفذها الحكومة شاهدة على هذا الاحترام الضائع والشرعية المفقودة .

• انتهاج الصمت أحيانا والعنف أحيانا أخرى فى الرد على المعارضين أو المعترضين على أداء النظام الأمنى الذى امتد ليشمل كل أوجه الحياة فى مصر !وهو عبء أضيف على كاهل جهاز الشرطة بسبب فشل وغياب السياسيين وهو ما يستلزم وجود ميزانيات أكبر وصلاحيات وسلطات أوسع (أكثر من عشرة مليار جنيه فى الموازنة الأخيرة فى مقابل 400 مليون للبحث العلمى وعلى ما أظن 3 مليار للصحة !!)

• تجنيد عدد كبير- يناسب المهمة- فى كل مؤسسة وهيئة وكل شارع وحارة ويستحسن من أبناء المكان للعمل على تحقيق الأهداف السابقة ترهيبا أو ترغيبا كمصادر للمعلومات وعناصر للتخزيل أو الإثارة حسب الإحتياج وهو ما يستلزم الرقابة على التعيينات والترقيات لزرع العملاء والمؤيدين وأبنائهم فى كل أماكن العمل الممكنة , وقد يخدم هذا الإتجاه تعيين أهل الثقة من قيادات الشرط والجيش فى كافة المناصب الإدارية والقيادية حتى وصلت نسبة وجودهم أكثر من 40% من القيادات العليا حتى رأينا لواءات الصواريخ فى الفن والإعلام ولواءات أمن الدولة فى الشركات القابضة والإدارة المحلية والمحافظات يحدثوننا على القانون واحترامه وهم أول من أهدر القانون وعطل الدستور !!

• إثارة الفتن بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد واشتراط تواجد الأمن لحل كل المشاكل التى قد يتسبب فى بعضها وكذلك بين كل المؤسسات التعليمية أو الشعبية وحتى السياسية التى رأينا فى بعض الأحزاب كيف أن الأمن يتدخل حتى فى انتخاباتهم الداخلية لترجيح كفة بعضهم على بعض ولم تسلم النقابات المهنية أو العمالية والاتحادات الطلابية وانظر حولك ترى الحالة التي بلغت مبلغ الهوس فى الرغبة للسيطرة على كل شئ دون استثناء (لا أقول مغالبة لا مشاركة بل بعقلية الأمن التى لا تفهم فى السياسة ولا تقبل أنصاف الحلول بحكم غرور القوة الذى يستصحب ضيق الأفق وقصر النفس واستسهال استعمال القوة )

• إثارة الفزع والخوف فى المجتمع باعتبار الخوف محبطا لأى محاولة لمواجهة ظلم واقع أو فساد دائم وعندئذ لا مانع من نشر قصص التعذيب والقتل بل من ممارسة استعراض القوة فى مواجهة ما يهدد استقرار الحاكم ونظامه لا ما يهدد الشعب وحقوقه! فنجد الضحايا هم المعارضين رجالا ونساء دون تفرقة بل وصل الحال كى يحافظ النظام على نسبة الثلثين فى المجلس أثناء الانتخابات التشريعية الأخيرة أن قتل بغير حق 13 مواطنا مصريا بسيطا وأصاب الآلاف بدم بارد وهى وقائع لن تمر دون حساب وعقاب مهما طالت الأيام والسنين!ولعل فى نشر ثقافة الخوف و التزوير فى المجتمع المصرى والعمل على حمايتها أبلغ الأثر اليوم فى سلوك أغلبية الشعب الذى يدفع ثمن استمرار هذا النظام رغم خطورة الأحداث دون توافق على المواجهة التى لابد منها شئنا أم أبينا !

وقد نتج عن هذا الأداء المعيب الذى لم يجد فى الحكام من يقومه ولا من الشعب من يزجره أن نشأ فريق أمنى تفنن فى زيادة موجة الاحتقان التى تمر بالشعب المصرى وصار ملكيا أكثر من الملك حتى تحول الأمر عند بعضهم الى مرض نفسى سادى يتلذذ به الضباط الذين صاروا جبابرة ولم يصدقوا أنفسهم- لما يملكون من سلطات وأموال وتأمين وحماية- واستسهلوا السيطرة طبقا لما أطلقوه فى كل مناسبة من تعبيرات ضخمة تستعمل غالبا للخضة من عينة ( لدواعى الأمن) ( دعما للإستقرار) ( تحقيقا للمصلحة العامة) وعندها يصمت الجميع ويخاف أجعص فرد أن يخالف المطلوب خوفا من تحمل مسئولية مجهولة لا أحد يدرى أين سينتهى بها المقام !!!

ولعلنا كى نكون أكثر تحديدا نقول أن السياسة العامة لوزارة الحماية الرئاسية- والمشهورة بوزارة الداخلية- لا تولى أمن الشعب أى اولوية بدليل ما يحدث من مواجهات للسياسيين وغياب كامل أمام المتحرشين والداعرين فى الإعلام والصحافة وتجار المخدرات حيث أطلق أحد القيادات الأمنية الشريفة فى البحيرة يوما ما على إدارة مكافحة المخدرات بحق إدارة ترويج المخدرات وكانت أول مرة أسمع هذا التعبير !! وزادت البلطجة للاعتداء وأحيانا لأخذ الحقوق فلا قانون محترم ولا دولة تهتم بشعبها ولا قضاء مستقل يستطيع مناصرة المظلومين وما أكثرهم ولا أمن يحمى الحقوق أو الأرواح واختص المعارضين بالإجراءات الاستباقية لإجهاض تحركاتهم أما المجرمون السارقون البلطجية فالمجال أمامهم مفتوح لبدء نشاطهم ثم تعقبهم ومن يسقط فى أيدي أمن النظام له نظرة بل نظرات حسب النفوذ والفلوس هذا فى مجال الأمن الجنائى أو أمن المواطنين أما الأمن السياسى فقد تفرد به جهاز واحد من أجهزة وزارة الحماية وهو جهاز أمن الدولة وقد امتلك ميزانية مفتوحة وسلطات واسعة وكانت له الكلمة العليا على أجهزة الوزارة بل كل أجهزة الدولة وهو ما جعله يحوز أكبر قدر من الكراهية حتى من الزملاء داخل الوزارة ولعل الدور الذى يلعبه الجهاز فى الترقيات والنقل والتميز أو الإضطهاد الذى يقع على البعض منهم هو سر هذا الموقف الذى لا يختلف عليه اثنان, بل أن أحد اللواءات المتقاعدين قال لى يوما أنه وهو مأمور كان مخبر بأمن الدولة يقف على الباب ليبلغ عنه تحركاته ومقابلاته وكذلك ضابط المباحث فى كل قسم أو مركز !! وقد استثمر البعض هذا الموقع فى أكل العيش المغموس بالذل والحرام , فالقهوة التى يجلس عليها المخبرون البهوات من أمن الدولة يقدمون خدماتهم لكل طالب حق أو مغتصبه طالما دفع المعلوم وهؤلاء يتحركون باسم ضباط أمن الدولة والله أعلم بعلمهم أم لا!! وكل واحد على قد مستواه ! ثم ما المانع إذا كانت المهمة الرئيسية لهم وهى حماية النظام بالحق او الباطل ضد الشرفاء والأبرياء وعندها تنتهك الحرمات وتقتحم البيوت ويستولى على الممتلكات فما الذى يمنع إتهامهم بأى شئ ؟!! وهل بعد قتل النفس أو تعذيبها جرم يقف أمام هذه الصلاحيات التى تفسد الملائكة لو تولوها وصدق من قال السلطة المطلقة مفسدة مطلقة !!

المهم بعد هذا العرض أظن أنى لم أجب على التساؤل الذى وجه الى شخصى الضعيف , ماذا لو كنت وزيرا للداخلية؟!! أقول:

• أولا لن أقبل الوزارة فى ظل رئاسة مبارك أو ابنه أو أي فرد من النظام الفاسد الذي يحكم لأنهم أيضا طبقا لتحريات الأمن لن يوافقوا ولأنه ليس شرفا لأى وزير محترم أن يتولى فى ظل هذا المناخ الفاسد الظالم المستبد وظيفة السكرتارية التى صرح بها نائب رئيس الحزب يوسف والى!

• إذا تغيرت الظروف سأعلن علو شأن القانون أمام أى إجراء تتخذه الوزارة فى أى موقع أو زمان مهما كان مستوى صاحب القرار الخاطئ

• وقف كافة الإجراءات المخالفة للقانون فى كل مواقع الوزارة مع فتح ملفات التعذيب والقتل والتجاوزات فى الماضى ومحاسبة المسئول عن اتخاذ القرار فيها وإعداد تشريع أو تعديل قانونى يجعل المسئولية تضامنية تحاسب الكبير قبل الصغير

• الإعداد والتأهيل النفسى للضباط والعاملين فى الوزارة لإحترام القانون وحقوق الإنسان بعد إهمال طويل دفع الوطن ثمنه سنوات عديدة

• إعادة الأولوية لأمن الوطن والمواطن وإعادة النظر فى دور الشرطة كهيئة مدنية تساعد على حفظ أمن المواطنين فيلجأ إليها المواطن عندما يحتاج إلى مساعدة ودعم طالما لا يخالف القانون الذى يفرض احترامه على طول المجتمع وعرضه

• إقرار العدالة فى صفوف ضباط الشرطة والعاملين فالكل أمام القانون سواسية وفرصهم فى الترقية والحقوق متساوية لا فضل لأحد على الآخر إلا بالعمل وتحقيق هدف الحفاظ على أمن الوطن والمواطن

• إعادة النظام إلى الشارع المصرى فى ظل احترام رجال الشرطة أنفسهم للقانون والعمل على إعادة تنظيم الميادين الكبرى والشوارع الرئيسية بما يخدم حق المواطنين فى إنتقال آمن لا بما يحفظ حق الحاكم فى حركة سهلة آمنة يدفع ثمنها كل الشعب !!

• الدعوة لفصل جهاز للشرطة القضائية تتبع وزارة العدل لتنفيذ الأحكام وحراسة السجون وحماية حقوق الإنسان داخلها بعيدا عن غل وعصبية وحقد السلطة التنفيذية !

• تنقية قوائم الممنوعين من السفر الذى يتحكم فيه الهوى الشخصى والتعسف فى استعمال السلطة ويقتصر المنع على حكم محكمة أو طلب من جهة قضائية (نيابة أو قاضى تحقيقات) حيث تتحكم الأهواء الشخصية فيهرب رجال الأعمال والجنائيين وكل من له صلة قرابة أو معرفة بالحاكم ونظامه ويمنع المعارضون السياسيون لمجرد الإختلاف فى الرأى والتوجه رغم أن هذا أمر طبيعى فلم يحظ الأنبياء والرسل بالإجماع فلم يرغب هؤلاء الذين لم يقدموا خيرا لأمتهم بالرضى القهرى !!!

• الإستعانة بالخبراء والمختصين فى كل مجالات الأمن الوقائى والجنائى والسياسى الذين لا يشك فى علمهم ووطنيتهم وهو ما لا وجود له اليوم حيث يتحدث الجميع فيما يعرفون ومالا يعرفون ويملكون وحدهم دون غيرهم الحقيقة الكاملة والحكمة الشاملة وهو ما تسبب فى إفسادهم وفساد قراراتهم ولم يدفع الثمن إلا الشعب ومؤسساته

• الأهم من كل ما سبق هو نشر ثقافة حقوق الإنسان وإشاعة روح التدين المعتدل وإزالة حواجز الخوف والتردد لأن الشعب الواعى بحقوقه المتوجه إلى ربه فقط والإيجابى هو الضمانة الأكيدة على عدم تغول أى سلطة بدون وجه حق , هو المانع من التسلط والإستكبار ولكن تلك مهمة نظام وحكومة بأكملها فإن لم يتحقق هذا أظن أن الاستمرار فى هذه الوزارة لا طائل من ورائه وعندئذ الإستقالة موجودة إن لم تكن الإقالة قد حدثت وشرفت بكامل فخامتى-سابقا- فى أحد سجون وزارة العدل- الذى ضاع- تحت إشراف ضابط أمن دولة فلت من كل الإجراءات التى اتخذتها ولبد لى فى الذرة كما هو الحال الآن ولا حول ولا قوة إلا بالله .

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق