موازنة نظام لا يجيد الموازنة ـ د. محمد جمال حشمت

من مضبطة الجلسة 93 من دور الانعقاد الثانى من الفصل التشريعى الثامن فى 8 يونيو 2002م وداخل القاعة الرئيسية لمجلس الشعب المصرى حول مناقشة تقرير الخطة والموازنة العامة لعام2 200/2003 قلت بالنص :

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد الأستاذ الدكتور رئيس المجلس، السادة الزملاء أعضاء المجلس الوقر :

أولا : فيما يخص الخطة أهنئ كل من شارك فى وضع الخطط وتحديد الأهداف والوسائل والسياسات اختلفنا أم اتفقنا

ثانيا :أهنئ الحكومة على جرأتها وهى تقف فى موقع يوسف الصديق عليه السلام الذى تحمل أمانة خزانة مصر وماليتها ، لكن هناك فارقين جوهرين : الأول أن يوسف الصديق عليه السلام كاد الله له ودفع هو ثمن هذه المكائد حتى تبوأ مكانته أما حكومتنا فقد كادت هى ودفع الشعب المصرى ثمن مكائدها حتى تبوأت وما زالت مكانتها

الفارق الثانى أن خطة يوسف الصديق وموازنته كانت تحمل الكثير من التميز والحلول غير النمطية التى تحمل فيها الجميع التقشف والمكابدة حتى تجاوزت مصر أزمتها فى مدة لا تزيد 15 عاما ، أما خطة الحكومة وموازنتها فبعد مرارة سنين طويلة منها سنوات بعد الانفتاح على العالم ، تبشرنا الخطة والموازنة التى تم إعدادها بأسلوب نمطى وإنشائى بأن الحل سيكون – ان شاء الله- فى نهاية  العقدين القادمين ( صفحة 9 من الخطة) والشعب وحده هو الضحية دونما مشاركة من مسئوليه أو معاناة .

ثالثا : لم تستطع الحكومة أن تخفى نواياها وهى تتحدث عن تعميق المشاركة الديمقراطية بها فإذا هى تذكر فى السياسات والوسائل (صفحة14) بالتوسع فى تعيين القيادات بالتعاقد وفق توصيف إدارى ووظيفى سليم دون التحدث بكلمة واحدة عن مستقبل الانتخابات وتفعيلها !

رابعا : رغم ما أشار اليه البيان من التزام الموازنة من الحفاظ على عدالة التوزيع للإستثمارات بين مختلف محافظات مصر ومدنها وقراها إلا أنه بالرجوع لصفحة (13) فيما يخص استثمارات الإدارة المحلية  نجد أن محافظات القاهرة والجيزة والأسكندرية مازالت تستحوذ على نصيب الأسد(27,5%) من إجمالى الاستثمارات وما لذلك من خطورة على معدلات الهجرة الداخلية والاستقرار

خامسا : فيما يخص الموازنة هناك عدة تساؤلات، التساؤل الأول : كيف تواجه الحكومة العجز المزمن فى الموازنة الذى وصل هذا العام 30,2 مليار جنيه بعد أن كان 7, مليار جنيه عام 98/1999 فى تقرير لجنة الشئون الاقتصادية فى مجلس الشورى الإجابة هى :

1- عن طريق التمويل من الأوعية الإدخارية مما ينذر بزيادة الدين المحلى الذى وصل الى 203 مليارات فى آخر ديسمبر 2001م فوائده فقط 26 مليار !

2- عن طريق القروض والسندات والتى أدت الى ارتفاع الدين الخارجى 28 مليار رغم تحذير السيد رئيس الجمهورية بالتقليل من القروض

إذن تمويل العجز يتم بمعرفة عاجزين لا يجيدون غير مد اليد والاقتراض

التساؤل الثانى : هل تقديرات الحكومة فى هذه الموازنات دقيقا وصائبا ؟ الإجابة : طبعا لا ................والدليل على ذلك أن العجز الحقيقى فى موازنة 1996 فاق عدة مرات الأرقام التى توقعتها الحكومة حيث أسفر الحساب الختامى عن عجز كلى مقداره 22,2 مليار جنيه بينما كان العجز الوارد بمشروع الموازنة 6,3 مليار جنيه أى بانحراف يزيد على 350% ، لوطبقنا على موازنة هذا العام المقدمة سنصل الى عجز يبلغ 105 مليارات جنيه لاقدر الله ! وهذا يهدد الإستقرار فى هذا الوطن حيث أن نسبة الدين العام من الناتج القومى الإجمالى لن تصبح فى حدود آمنة. ويكفينا هنا إعتراضا جاء بعيدا عن المعارضين وهو تقرير مؤسسة ستاندرز أند بورز الأخير حيث أشار الى عدم وضوح السياسات الاقتصادية بشأن الاستثمار فى مصر منها ما يتعلق بسياسة  الصرف ومنها ما يتعلق بسياسات إدارة الدين العام......................... إذن أنا أرفض الموازنة دون الخطة , وفى ظل حكومة وصل الفقراء فيها الى نسبة 48% , تراجع وضع مصر من حيث الجدارة الائتمانية , زيادة الديون وفشل السياسات فهلا تركت الحكومة لشعب مصر مقعد يوسف الصديق لعقدين فقط من الزمان ؟! وشكرا سيادة الرئيس . انتهى

وطبعا لم تترك الحكومة مقعد الصديق بل منحته ليوسف بطرس غالى بعد مدحت حسانين ولم تتركنى فى حالى حتى الآن ! ومن طرائف هذه الجلسة أن السيد كمال الشاذلى وزير شئون المجلسين داعبنى بورقة أرسلها الى وهو مشهور بخفة ظله مع من يحب وقليلا ممن لايحب سألنى فيها سؤالا " النائب المحترم دكتور جمال من هو يوسف الصديق القادم ؟" فرددت عليه بورقة أخرى أقول له فيها " من يعانى مع الشعب هو صديق وإن لم يكن يوسف" وربما لم يكن فى تصورى وتصوره أن يأتى الدكتور يوسف بطرس غالى ليجلس على مقعد الصديق وهو المفروض على وزارات الرئيس مبارك منذ أكثر من عشرين عاما !!!

لكن ما الذى تغير بعد تلك السنين العجاف ؟ زادت الحالة الاقتصادية سوءا ومازال الكذب الحكومى والكلام المنمق و العناد هم نفس أدوات النظام فى التدليس على الأمة رغم يقينهم بأنهم لم ولن يصدقهم أحد !!

حتى تتمكن الحكومة من عرض موازنة 2008/2009 دعونا نستعرض مشروع الموازنة للدولة 2008/2007 الذي قدمه وزير المالية إلى مجلس الشعب والشورى في إبريل 2007 فالموازنة المقدمة بفرض صدقها وهو ما نستبعده لغياب الصديق تؤكد عجزا كبيرا يصل الى  6,9% من الناتج المحلى الإجمالي ،و الموازنة مثل أى موازنة لحكومات مبارك هى موازنة الأغنياء ضد الفقراء بل هي تأخذ من الفقراء لتعطى الأغنياء مثلما تم الكشف عن ذلك على لسان نائب رئيس كتلة الإخوان بالمجلس مؤخرا أن الضرائب التى يدفعها الفقراء أكثر مما تحصل من الأغنياء! رغم أن الطبقتين تتمتعان بنفس الدعم المقدم ! . الموازنة دعمت الاتجاه الحكومى فى الاستيلاء على أموال التأمينات بوضوح افتقد عندما جاء الحديث عن موازنة الدولة البوليسية التى يفرضها النظام الحاكم على الشعب المصرى مثل ا لدفاع والأمن القومي فقد كانت إجمالي المخصصات لهذا القطاع 19,2 مليار جنيه. لم يفصل منها إلا 100 مليون وتاهت باقى التفاصيل عن الـ 19,1 مليار الأخرى! موازنة شبع أصحابها بما تم نهبه وتجريفه من ثروات مصر فقلصت المخصص للإسثمار الى 25,5 مليار من إجمالى استثمارات الخطة فى مقابل 52 مليار جنيه تم تخصيهم لفوائد الديون التى لا تنتهى وتوجه دائما للإستهلاك لا للإنتاج كما فى بلاد الله المحترمة !! موازنة لم تفرض على حكومة الفقر وضع وتحديد حد أدنى للأجور التى لم تتحرك منذ أكثر من 35 عاما لجموع الشعب بينما تحركت بقرارات رئاسية لأبنائهم فى البنوك والهيئات الخاصة ( مثال بنك تنمية الصادرات ولائحته الجديدة بقرار رئيس الوزراء فى فبراير 2008 فى ظل مطالبة كل فئات الشعب بتعديل أجورهم !! فقط تحرك قلب نظيف الاليكترونى نحو الغلابة فى البنك الذى لا فائدة منه سوى توظيف المرضى عنهم لتبلغ رواتب الإدارة العليا أكثر من 25 ألف جنيه ) !فكيف ستكون موازنة العام القادم التى بدت بشائرها بالزيادات الرهيبة فى أسعار كل شئ وارتفاع أسعار الرسوم لكل شئ لتتأكد بذلك صورة نظام الجباية الذى يحكم البلاد !

تحتاج حكومات الحزب الوطنى حزب الأغلبية الكاسحة المكسحة الى خبير طويل البال وباحث تنح لا تؤثر فيه العجائب ولا المصائب لمتابعة ما تم من تخريب لمصر بصورة منهجية لعب فيها كل المشاركين فى الصورة حتى الآن أسوأ الأدوار كى يصل بنا الحال الى ما وصل اليه بعيدا عن الريادة بل بعيدا عن الحد الأدنى للمعيشة والحياة الكريمة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

دبوس مشبك

نظام الرئيس مبارك لن يحيا بعيدا عن غرفة الطوارئ المركزية ، هو يتصور أن الوقت فات لإجراء مصالحة مع الشعب وأصلا هو لا يرغب ( والمعترض يأتى بدليل واحد ) كما أن إعادة تأهيل الجهاز الأمنى كله للحياة المدنية سيكلفه الكثير واللى يحتاجه النظام يحرم على الشعب !!

إضافة تعليق