مصر تواجه تعديلات دستورية انشطارية ! ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 3 - 12 - 2006

 المتابع لأداء النظام المصري لا يجد صعوبة في اكتشاف رغبته الشديدة في العناد والتفرد والاستحواذ مهما كان الثمن حتى شارك الشعب كله بمعاناته في دفع فاتورة البقاء والاستمرار وستزداد الكلفة كلما زاد الصمت والضعف الشعبي , وبعد كل هذه السنوات الطويلة لم يتعلم النظام شيئا من موجبات التمتع بالرضا الشعبي أو حتى السماح للشعب بالحصول على بعض حقوقه الأساسية من ثمار جهده وثروات بلده وحقوقه الإنسانية البديهية !! وكانت النتيجة أن شاعت السلبية وتغلغلت الإباحية في الألفاظ والأفعال وسيطرت البلطجة ومعاداة القانون الذي لم يجد إلا الغلابة ليطبق عليهم كما قال المثل الأمريكي" القانون كخيوط العنكبوت تقع فيه الحشرات الصغيرة وتعصف به الطيور الكبيرة" وتعاظمت فئة المنافقين الطامحين للانضمام إلى معسكر الطيور الكبيرة وقامت بناء على ذلك فلسفة الحكم في ظل مبارك خاصة هذه الفترة التي تسعى الأسرة الحاكمة خلالها لإتمام عملية التوريث بأقل خسائر ممكنة على ثلاث قواعد يحيطها سياج تتلخص فى:

1-  إشغال كل فئة من فئات الشعب بحالها وإثارة بل وتفجير مشاكلها وإرباك حساباتها كي لا يتفرغ أحد لمجرد التفكير في إعاقة عملية التوريث !! فكان الصحفيون ثم القضاة ثم أساتذة الجامعات والطلاب والمهندسون والأطباء والعمال وأخيرا الصيادلة وفى الطريق الموظفون بقانون يتم تفصيله يمنح الحكومة الحق فى التخلص من العمالة الزائدة لديها والمعارضون وقتما تشاء خاصة وأن انتهاء عقد الموظف وفقا لقانون الوظيفة العامة الجديد لن يلزمها بدفع أى تعويضات .

 2- اجتذاب واسترضاء وشراء مجموعة من النخب والمثقفين ورجال الأحزاب وكبار موظفي الدولة ودخولهم في حلف غير معلن مع رجال الأعمال المستفيدين من المناخ الحالي وذلك بدعمهم وإتاحة الفرص لهم للفساد والإفساد والصمت على هذه المخالفات كي يحكم الحصار عليهم ويستذلهم بها !

 3- شق صفوف المعارضة فإن تميز الإخوان من بينهم بوجود شعبى حقيقى يدعمه وجود 20% من أعضاء مجلس الشعب وذلك بإرباك الإخوان وإشغالهم بأنفسهم وبأرزاقهم وحصارهم ومطاردتهم حتى تضييق الحصار على نوابهم داخل المجلس بكثرة الاتهامات والتغييب والتشويه الإعلامي وخارج المجلس في محاولة لإفشال تواصلهم مع الشعب وإشاعة الخوف لدى الجماهير من التعامل معهم !! وهذه المحاور الثلاث لا تكتمل دون سياج أمنى وقانوني يحمى النظام على أرض الواقع ومن عتاب المجتمع الدولي المتواطئ أصلا مع مثل هذه الأنظمة !! ومن هنا تأتى التعديلات الدستورية المزمع طرحها هذه الدورة لتؤكد وتضمن تحقيق كل ما سبق .

ولمن اطلع على مشروع التعديلات التي نشرتها جريدة الحزب الحاكم يجد تأكيدا على الهيمنة التشريعية والقانونية التي يسعى إليها النظام المصري , وهذه التعديلات قنابل موقوته لاشك أنها ستنفجر في قلب الوطن وفى وجوه الشعب المصري المنكوب بحكامه وجزء من أهله الذين باعوا أنفسهم لهم , تلك القنابل الانشطارية تحتاج مساحة كبيرة لعرضها وتبيان الخطورة منها ولكن في إيجاز يتضح صدق نبؤة المستشار الهيبى رحمه الله حيث حذر في بدايات القرن الحالي من خطورة الإقدام على تعديلات دستورية في ظل وجود الحزب الوطني ومناخه الفاسد والأغلبية المزورة دائما حيث أنها ستنتج الأسوأ وقد كان في المادة 76 والتي دلت على قصر نظر فقهاء السلطان وخيبة أملهم في إعداد تشريع يعدل بعدها بعام واحد !! المهم أن التعديلات هذه المرة خرقت مواد الحريات في الدستور الحالي وهى أفضل ما فيه !! فسيتم انتهاك الحرية الشخصية التي لا تمس بنص الدستور إلا بناء على أمر قاضى مختص أو نيابة عامة أو تلبس وذلك بإضافة سبب آخر يناسب المرحلة وهو مكافحة الإرهاب التي يعترف رئيس النظام بأنها غير معرف حتى الآن على المستوى الدولي وألح مرارا وتكرارا لعقد مؤتمر يناقشها ويعرفها ويضع لها تشريعات موحدة !! ويبدو أن هذا قد تم سرا فكانت هذه التعديلات !! إذن نحن أمام توصية من الحزب الحاكم تمنحه فرصة القبض على المعارضين خاصة الإسلاميين باسم الدستور والقانون الجديد لنشر الإرهاب الحكومي !! في المادة(41) تقول" لذلك تقترح اللجنة المشكلة في الحكومة أنه مع استثناء الإجراءات والتدابير التي تتخذ لمكافحة الإرهاب من الإذن المسبق من القاضي المختص أو النيابة العامة, أن تخضع هذه الإجراءات والتدابير لرقابة قضائية لاحقة مثل إخطار النيابة العامة بالاعتقال وتجديد أمر الاعتقال ! من النيابة العامة بعد فترة معينة ثم من القضاء بعد ذلك والحق في التظلم " !!!! يا سلام على الرحمة التي تغمر قلوبهم, طبعا الكلام مش فارق فما يحدث الآن خارج إطار الدستور والقانون والرحمة والإنسانية.

نموذج آخر يعبر عن الفكر الجديد والمستقبل السعيد الذي ينتظر الشعب المصري على أيد هؤلاء ومثال ذلك المادة (44) فالنص الحالي للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب وفقا لأحكام القانون . وهنا تقترح الحكومة أن يضاف لهذه المادة الاستثناء الخاص بمكافحة الإرهاب شريطة أن يقترن ذلك أيضا بالرقابة القانونية على إجراءات التفتيش بعد حدوثه وهى مسألة يترك تنظيمها للقانون !! هل تظن أن الأمر قد انتهى لا !! فالنموذج الثالث الذي أقدمه هنا يسلب حق المواطن السياسي بعد أن أفقده حريته الشخصية وحرمة بيته في المادة (62) ونصها الحالي يقول: للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء وفقا لأحكام القانون ومساهمته في الحياة واجب وطني " تقول الحكومة : وهذه المادة بصيغتها كانت سندا للمحكمة الدستورية للقضاء بعدم دستورية القانون الذي تبنى نظام الانتخابات بالقائمة على أساس أنه يحرم المستقلين من الترشيح .... ويرتبط تعديل هذه المادة بتعديل نظام الانتخاب من الفردي إلى القائمة وتقترح الحكومة أن يلغى من نصوص الدستور ما يرجح الأخذ بالنظام الفردي " انتهى الاقتراح ولا عزاء ل 90% من الشعب المصري الذي لا يجد حزبا يناسبه ولا قانونا يسمح بأحزاب جديدة وكلهم خارج القائمة !!! والأخطر من كل هذا ورغم الحرص الذي تبديه الحكومة على رقابة القضاء على أفعالها وضرورة النص على هذه الرقابة كما حدث في المادتين 41 و44 إلا أن النظام الفاسد المستبد يفصح عن نفسه في المادة 88 التي تشرف على الانتخابات وبدلا من تأكيد هذا الإشراف لمجمل العملية الانتخابية نجد مقترحا يفسد على الدستور انسجامه ومكانته, وهنا تقترح الحكومة تعديلا على مادة الإشراف القضائي يلغيه حيث ترى الحكومة تعديلا يتناول الإشراف على الانتخابات ليتم إسناده إلى هيئة مستقلة ينظمها القانون " شوف الحكمة إجمال هنا وتفصيل هناك في المادة 76 !!! مما سبق يتضح أن النظام مازال مصرا على مواجهة الشعب بالدستور والقانون بعدما وجع المعارضون دماغه بمخالفته للدستور والقانون !! فقرر الإستلاء عليهما حتى يحرم المعارضين من حق التحدث باسمهما !!

وهنا أرى أنه لابد من حركة مضادة تمنع هذا العبث بالبلاد ونناشد ما تبقى من وطنية في ضمائر أولى الأمر الذين يملكون فرض التغيير ونناشد الشعب من الاستفادة من كل مقترح لتدريب الشعب على فنون الإضراب والاعتصام والعصيان المدني حتى لو استنفذ ذلك وقتا

والمطلب الأخير هو حركة محسوبة ومنظمة للإخوان مع ضرورة التقدم لإعلان حزب مدني له مرجعيته والإسلامية يسمح بقبول كل الراغبين في النضال من أجل عودة مصر لمكانتها الطبيعية بجهود شعبها ومجهودهم ولن يستخرج هذه الطاقة إلا عدل الإسلام والحريات التي يمنحها لكل إنسان على أرض الوطن مما يزيد من قوة الحركة في إطار حزب تحت التأسيس مما يعجل ويساعد في شرعية كل الأحزاب تحت التأسيس وإعلان ميلادها من طرف واحد بمساندة شعبية تمنحهم الشرعية الحقيقية وليست شرعية مفيد وكمال وعلان وترتان بغير هذا يمكن أن نقول علينا السلام

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق