منحة العمل ومحنةالجدل! ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 31 - 10 - 2006

كثر الحديث والتعليق فى مقالات عديدة على التصريحات الصحفية لرموز المعارضة كل يفسر على هواه دون التقيد بنص أو بموقف أو بتاريخ للمتحدث بدأ بالمرشد العام للإخوان ونائبه مرورا بمنسق عام كفاية وكثير من القيادات الإسلامية واليسارية حتى الشباب الذين يعلقون على هذه المقالات لم يسلموا

من الإتهامات وسوء الظن بهم وصار المعترض على تعليق يناصر أحد الآراء واقعا فيما أنكره على غيره حيث لم يقبل وجهات النظر المتعددة

وطبق من حيث لا يعلم نظرية أبليس البشر بوش ! من ليس معى فهو ضدى ! وهى علامة على أفول شمس التسامح وسعة الصد وغياب نور الحب وحسن الظن والأهم فراغ الهمة والإحساس بالضياع ! ولن نستطيع أن نحمل أنفسنا وحدنا أسباب هذه الحالة ولكن لاشك أن النظام الذى يمارس منذ أكثر من خمسين عاما سياسة فرق تسد وسياسة الحرمان التى تمهد الطريق كى يقدم ذهبه أحيانا وسيفه أحيانا أخرى ليستميل فريقا ضد آخر ففرق شمل الأمة وزرع بينهم عدم الثقة وأثار من حولهم -كلهم- بذور الشك والشبهات وسد كل منافذ الإصلاح وجرف فى النفوس مقدماته !! لاشك أنه اليوم سعيد بهذه الحوارات وهذا الصدام الذى بدت بوادره من قبل أن يتحرك أحد لمواجهته -وهذا هو المطلوب لو كنا نعقل ما نحن فيه- اليوم

أطرح على السادة القراء الأحباب المصريين من كل ألوان الطيف ومن كل الملل لو كانوا مخلصين فى مواجهتهم لهذا النظام الفاسد الظالم المستبد, أطرح عليهم عملا لاشك أن غيابه قد ساهم فى المشكلة التى أثارها بعض الكتاب المحترمين من سلبية وغياب الشعب المصرى بجموع الغلابة فيه من عمال وفلاحين وموظفين وحرفيين رجالا ونساء عن ساحة المواجهة مع هذا النظام !! لقد ظلمنا الشعب المصرى عندما قارناه مع شعوب أوكرانيا وقيرقيزيا وأوربا الشرقية ورغم أننا نعترف ونقر بالمشكلة بل ونسردها فى مجال اتهامنا للنظام المصرى إلا أننا لم نخطو فى طريق حلها خطوة واحدة جادة رغم قدرة كل منا على حلها فى حدود إمكانياته !! تلك هى مشكلة الأمية !!!! تلك التى جعلت فى بطن النظام "بطيخة صيفى" تجاه الشعب رغم كثرة وصخب الصحف المستقلة والمعارضة التى تهاجمه ! فكم يقرأ؟ وكم ينفعل بما يقرأ ؟ الأمية والجهل فى شعب تجعل قيادته من جانب الطغاة أمرا سهلا ميسورا !

فكم من الجماهير يعرف حقوقه القانونية ويدافع عنها؟ لقد أدرك هذا النظام أن استمرار فقر وجهل ومرض الشعب المصرى هو طريقه للبقاء ونهب الثروات

دون أن تتحول أى معارضة له إلى زخم شعبى !! أدرك أن استمرار جهل الشعب وانتشار ثقافة الخوف والتدين السلبى الذى يقوده رجال أمن النظام -وليس العلماء الثقات - هو ما يمكنه من الحديث باستمرار باسم الشعب والإنكار على أى معارض من الحديث عن الشعب باسم الشعب !!

هو فقط من يحتكر التمثيل الذى تأسس على التزوير بحماية أمنية !! لذا فهو لا يستحى أن يحاصر نشاط حتى النواب الذين نجحوا باختيار الشعب ليقطع هذا التواصل الجماهيرى الذى يبدد الجهل والخوف الذى يقود الى السلبية !!وهذا ما يفسر فشل الحكومات المتعاقبة فى محو أمية الشعب المصرى بل تظل النسبة كما هى إن لم تزد فى السنوات الأخيرة !! ويقينى أن الدولة غير جادة فى محو هذا العار وهى المتسببة فيه بل تقود مشروعا قوميا

لحماية الحكام تسير فيه نحو الأمية !ولو شاءت لفعلها ملايين العاطلين والعاطلات فى عام واحد ! لكنها تشجع النصب من خلال المشروع القومى لتعليم الكبار -دون أن نظلم بعض الجهود المخلصة التى تسير فى الإتجاه الصحيح- فهو مشروع قائم على المحسوبية والتلفيق

حيث تعدالكشوف الوهمية لمتعلمين لا وجود لهم يمنحون الشهادات ولكل قائم على مشروعه مكافآت تحسب بالرأس !! والكل يعلم والكل يسدد الخانات لتخرج أرقام وهمية فضحها مدير مدرسة فى كفر الدوار حيث أثبت أن الأمية الأبجدية يعانى منها 25% من طلاب المرحلة الأساسية فى التعليم الرسمى !! مما استلزم من محافظ البحيرة وقتها تأخير العام الدراسى حتى يتم إعادة تأهيل التلاميذ الذين شاءت أقدار الله لهم أن يتعلموا فى ظل نظام قائم على التزوير والخداع والبلطجة ! يا شباب الأمة من الإخوان ومن غيرهم وهم الأغلبية هذا باب من أبواب الجهاد الذى يحتاج لعزيمة ونفس طويل وإصرار لقهر من خان الوطن عندما ضيع الأمانة التى وسدت إليه!

على الشباب أن يبدأ حملة قومية نرى فيها ولانسمع كيف يتعلم المصرى ليصبح كل فرد عالما أو متعلما كما أراد له الله وكما خطط الإسلام حين اعتنى بالعلم والعلماء ,وشرف للحركة الإسلامية وكل المعارضين للنظام أن يسعوا إلى حكم شعب متعلم واع مدرك لخطورة ما يحيط به وما هو مقبل عليه لو استمر صمته أو دامت سلبيته ! ولست مع المتعجلين الذين يعتبرون تلاحق الأحداث التى نحياها هى نهاية المطاف ,أولئك لا يفقهون سنن التغييرولا متطلباتها ويسارعون لقطف ثمار لم تنضج بعد وقيادة شعب صنع الفرعون ثم استسلم له حتى فاض الكيل ولعل ما قاله بعض العلماء فى مجال تحليل هذا الوضع " نحن قوم نجيد الشهادة فى سبيل الله ولا نجيد الشهادة على الناس" رغم أن كينونة الأمة تقوم من خلال النص القرآنى"وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" فالإنفعال واختلاق الأزمات وافتعال المزايدات والحماسة والإقدام كفيل بإنهاء حالة الغضب عند الإنسان ولقاء العدو ودخول الجنة فى لحظات أما الصعب هو المعايشة والحراك وسط الناس واحتمال الأذى والتضحية والإيثار وسعة الصدر للمخالفين والقدرة على الاستيعاب والتجميع والتيسير عليهم , وتلك هى ببساطة الشهادة على الناس ومنها محو أمية شعب أكثر من نصفه لايقرأ ولا يكتب وأكثر من 80% من المتعلمين لا يجيدون أستعمال التقنية الحديثة التى تجعلنا الآن نتواصل عبر آلاف بل مئات الآلاف من الأميال نتفق أو نختلف ولكن هذا من التحدى الذى نواجهه , اجعلونا نكتب مرة ونتظاهر مرة ونعلم بعضا من الشعب المصرى القراءة والكتابة كى يعرف حقوقه وينضم إلينا !

أود أن أطرح هنا قضية الأمية وكيف يحاربنا بها النظام المصرى الذى أفقرنا وأذلنا وسرقنا وقتلنا فى سجونه وحول لجان الإنتخابات بدم بارد وهنا نسأل ماذا حدث لأسر شهداء الحرية وهل خرجت تقارير الطب الشرعى أم أنها لن ترى النور!؟ وهل استغل الطغاة خوف الأهالى وجهلهم لتمرير ما حدث ويحدث و سيظل يحدث طالما انقسم الشعب إلى فرق و طبقات تتصارع لتلحق بالعمل كخدم فى بلاط الحكام ! أزيلوا ياشباب مصر الواعى -الذى يأخذ الإنترنت مئات الساعات من عمره- عتمة الجهل عن أخوانكم وأبنائكم من الشعب المصرى ولتتكامل كل الخطط وتعمل بالتوازى وليصبح مشروع محو الأمية مشروعا شعبيا بعيدا عن سلطة الدولة التى فشلت فى مواجهته بل وصل إلى مدارسها حتى جعلت من التعليم أفشل مشروع استثمارى لأى أسرة مصرية , لقد صار لهذه الحكومة لعنة تتسبب فى فشل كل مشروع تدعو له أو تديره فاللهم وفق أبناء الأمة لإنقاذ الأمة من الجهل والفقر والمرض -باختصار من الحزب الوطنى- ذلك بأن الله لا يصلح عمل المفسدين

وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عندما قال ما معناه إذا غضب الله على أمة منحها الجدل وحرمها العمل فاللهم ارفع عنا غضبك وحبب إلينا طاعتك وكره إلينا معصيتك إنك أنت الوهاب

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق