المصريون فى الداخل.... قنابل موقوته !! ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 5 - 5 - 2007

( كنت أحسب أنى اليوم سأحدثكم عما دار فى المؤتمر القومى العربى الذى كنت متوجها لحضوره فى المنامة بعد دعوة كريمة من أمين عام المؤتمر الأستاذ الفاضل خالد السفيانى إلا أن أمن مصر قرر ألا أحدثكم ومنعنى من السفر !! وللمنع هذه المرة قصة طريفة ولكنها مخزية لعلى أتحدث عنها فى مكان آخر وحسبنا الله ونعم الوكيل)

أخطر ما يواجه المصريين فى الداخل بفعل الحكومات المتعاقبة أمران أولهما تفريغ الشخصية المصرية من مجموعة القيم التى تنظم حياته وينظر من خلالها لنفسه ولوطنه ولأمته وثانيهما البطالة التى تعنى وقف استثمار ما حباه الله به من ابداعات وإمكانات ومواهب وقدرات وما ترتب على ذلك من انهيار فى كافة مناحى الحياة فى مصر .... طبعا بعد أن انهار الإنسان ! ولعل مشكلة البطالة – كما أظن – هى أخف وطأة من مشكلة أخرى ساقنا إليها النظام المصرى بقصر نظره ومحدودية هدفه رغم ضخامة ما يمتلكه من مسئوليات وصلاحيات تلك التي تتعلق مشكلة التخلص من العمالة المؤقتة !!

فمن لايعمل تتوقف حياته فلا استثمار لقدراته ولا ارتباط بزوجة ولا فتح بيت ولا خلفة أولاد أما العامل المؤقت فقد مارس جزءا من حياته واستثمر جزءا من امكاناته ورزق بالزوجة والأولاد! فكيف بكل هؤلاء فى الشارع يعانون من الجوع والخوف والفقر بعد حياة - مهما كان مستواها- كانت تضم أسرة تخفف من الهموم ومصائب الدنيا على بعضها البعض!! وقد ظهرت بوادر ذلك منذ خمس سنوات وأرسلت سؤالا لرئيس الوزراء فى 13 ديسمبر 2002م أستفسر منه عن خطة الدولة التى ظهرت بوادرها فى التخلص من العمالة المؤقتة فى الوقت الذى يعانى فيه الشعب المصرى من قنبلة البطالة التى تزداد يوما بعد يوم وعددت مظاهر ذلك وقتها فى الآتى:

1- ادخال شركات متخصصة للقطاع الخاص فى النظافة والعلاقات العامة والأمن لتحل محل العمالة المؤقتة التى تعمل فى هذه المجالات وقد حدث هذا فى وزارة الصحة مثل هيئة المستشفيات التعليمية والمراكز الطبية المتخصصة وفى الطريق التأمين الصحى رغم أن المؤقتين فيه أكثر من المعينيين!

2- تولى شركات متخصصة من القطاع الخاص أعمال الصيانة فى بعض القطاعات الحيوية مثل ما حدث فى هيئة سكك حديد مصر حيث تعاقدت الهيئة مع شركة فرنسية لصيانة خط اسكندرية – القاهرة- أسيوط وذلك تكليفا من هندسة الإشارات رغم وجود عمالة متوفرة ومتخصصة فى الصيانة تحصل على رواتبها الآن دون عمل يذكر !! والأدهى من ذلك أن كثيرين من هؤلاء العمال قد حصلوا على اجازات من الهيئة للعمل بالشركة الفرنسية أى أن الخسارة مضاعفة.

والسؤال الهام هل ستتحمل الحكومة مسئولية إنهاء عقود العاملين وتسريحهم بعد أن استقرت أحوالهم على ما يتقاضونه – رغم عدم كفايته – وما هو حجم هذه العمالة المؤقتة فى كل الوزارات ؟

أسئلة كثيرة حائرة ومخاوف جمة من بدء تنفيذ خطة الاستغناء عن العمالة المؤقتة التى ظهرت ملامحها مما سبق ذكره ومن أداء حكومة ورطت نفسها ثم أرادت أن تصلح من نفسها فارتكبت جرما أشد خطورة فى حق الشعب المحاصر بالفساد والبلطجة وعند الصراخ تلجأ الى عسكرة تصرفاتها فى مواجهة المظلومين من الشعب فهل نجد تفسيرا واضحا عند السادة الوزراء ورئيسهم ؟!

أيضا لم يصل أى رد سوى التوسع فى بيع القطاع العام واتساع رقعة البطالة بانضمام الأباء الى أبنائهم دون عمل !! تفصيل قانون الوظيفة الجديد الذى تجاوز المؤقتين الى المعينيين وتحويلهم لعمالة مؤقتة تحت سكين الفصل لو لم ترض عنهم الحكومة وجهاز أمنها المتغول !! تحويل التأمين الصحى الى شركة قابضة بليل دون علم السلطة التشريعية يسرى عليها قانون لايحمى حقوق عاملين أو يضمن لهم آمانا وظيفيا

والمطلوب منا الآن أن نناقش سؤالين : أولا لماذا تفعل الحكومة ما تفعل فى شعبها وتوتر حياته بينما يجب عليها أن تلتمس الهدوء فى هذه الفترة الحرجة من حياتها –إن بقيت لها حياة؟!! ثانيا: ماهو رد الفعل المنتظر ؟ وكيف يواجه أصحاب المصلحة ومن خلفهم الشعب كله ( وهو الأب والأم والزوجة والأولاد) هذ الإجراءات المتعسفة ؟ فى محاولة للإجابة

أظن أن مواجهة الحرب التى يشنها النظام على منظومة القيم هى الإلتجاء الى الدين بصفائه ونقائه ومعرفة مقاصده ومراميه بلا تسطيح مخل ولا تفصيل مغرق !! عظمة الإسلام فى بساطته ووضوحه وسهولة الإلتزام به مما يجب ان ينعكس على أخلاق الإنسان وسلوكه قبل أن يرى على شكله وملبسه ! , فلا عاصم من الغرق فى مستنقع الرذيلة والفتن - التى يسوقها نظام لا يؤتمن على شعبه – إلا بحسن اللجوء الى الله مع تجديد النية وزيادة الوعى وشحذ الهمة وقبول النصيحة وحسن الظن فيما بيننا من ناحية وبيننا وبين الله من ناحية أخرى.

أما الحرب على أرزاق الشعب فهى من باب الإلهاء والإنشغال بلقمة العيش التى لا تكفى فى أغلب الأحيان ولكنه سلاح ذو حدين رأينا بعض نتائجه من انتفاضة العمال فى كل مواقع العمل فى مصر ضد التصفية وبخس الحقوق وتسريح العمالة ، وهو حق للعمال كان ينبغى أن يدعمه قانون العمل الجديد الذى سمح بالإضراب بعد إبلاغ كافة المسئولين النقابيين – الذين جاءت بهم الحكومة بالتزوير – وكذلك ابلاغ الأمن كى يلقى القبض او يمارس الضغوط على العمال لوأد مثل هذه الإضرابات !!- قانون عبيط مش كده – ولم يستمع لنا أحد عندما اعترضنا عليه عند مناقشته !! لذا فمن الواجب تشجيع العمال على استرداد حقوقهم الدستورية والقانونية التى استولى عليها النظام فى غيبة تنظيم نقابى حر كان يجب أن يوجد لمواجهة سياسة الإنفتاح وتغول أصحاب رؤوس الأموال ! وما كان يصح أن تتركهم الدولة فى مواجهة هذه الحيتان بمفردهم فضلا عن انحياز الدولة لرجال الأعمال ضد العمال !! فى ظل كل هذه الظروف نقول للعمال أحسنتم ومن استطاع أن يدعمهم فليفعل بطريقته وأسلوبه !

وأرى أنه يجب على كل مكان به مقتدرين ممن تعرفوا على الله وتعرضوا لرحماته وفضله أن يجتمعوا لتخفيف حدة هذا التدهور الحادث وإنارة الظلمة التى تحيط بالشباب خاصة ممن لا يعرف عنهم – أهل الخير - أى نشاط سياسى وبعيدا عن جمعيات وزارة التضامن والداخلية التى لا تفارقها ، وذلك بعمل مشروعات صغيرة بأموال الصدقات والزكاة على أن تنتقل الأموال من المشروعات التى نجحت لمن يليهم ممن يحتاج اليها بعد التحقق من الجدية ! وقد يرى البعض أن ذلك يطيل عمر النظام بفك نقاط الإحتقان فى المجتمع وأرى والله أعلم أن الحفاظ على الشباب من حالة اليأس والإحباط وسلوك طرق شياطين الإنس والجن أولى خاصة عندما يصبح هؤلاء الشباب رصيدا للمقاومة وهو يقف على قدميه بدلا من المواجهة وهو راكع على يديه ! فتخيفه الزجرة وتستميله العلاوة وتشبعه اللقمة ويبقى رصيدا للظلم والفساد والاستبداد على الدوام

إن فتح أبواب الرزق للمحرومين بيد أبناء الشعب المخلص وقت أن تغلقه دولة استولى عليها نظام فاسد، لهو دعم واجب يحقق المنعه للمجتمع المصرى دون تفرقة بين مسلم محتاج أو مسيحى محروم والمجال مفتوح لبنك الأفكار التى تصلح للتنفيذ بعيدا عن المركزية أو انتظار من يبدأ فالكل مدعو لتحصين مصر وشعبها المرابط ضد الجشع والفجور الذى يسيطر على نخبتها الحاكمة وكل ما حولنا ينطق بذلك ! فلا يجب أن ينتظر كل منا الآخر بل يجب أن يفعل كل منا الواجب الذى لابد منه إعذارا الى الله فما أسهل الكلام وما أصعب العمل اللهم بلغت وأعمل فاللهم اشهد وتقبل اللهم آمين

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق