غياب الساسة وعجز الرجال ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 16 - 4 - 2006

أقصد بالساسة هم أولئك النفر الذين يديرون بحكمة وتدبر وإتقان شئون أوطانهم وتغلب عليهم حالة الإنشغال بهمومها ومصالحها إعمالا للعقد الذى نشأ بين أهل الحكم وشعوبهم الذى يلزم الحاكم بالإنشغال والسعى لتحقيق الإستقرار والتنمية والأمن والأمان وتوفير معان العزة والكرامة لشعبه فى مقابل السمع والطاعة له بإرادة قوية و حاضرة فإذا أخل أحد الطرفين بدوره فقد انفسخ العقد ومات وقد لا يحتاج إلى جنازة تشيعه إلى مثواه الأخير ، والسؤال هنا هل التزم نظام الحكم فى مصر فى ظل رئاسة الرئيس مبارك له بهذا العقد طوال الربع قرن الأخير ؟ وما هى مظاهر حالة الإنشغال بهموم الوطن التى بدت على هذا النظام ورجاله ؟ وماذا تحقق- طوال25 عاما وهى فترة ليست بقليلة للتعرف على أى نظام- من مكاسب يمكن قياسها أو الشعور بها أو رؤيتها فى مجال الحفاظ على حقوق الإنسان المصرى ومجالات التنمية المختلفة سياسيا وإقتصاديا و تعليميا وعلميا و إجتماعيا وثقافيا ؟ وهل امتلك المصريون إرادتهم وكرامتهم لإظهار حالة السمع والطاعة للنظام أم أنها اتسمت بالقهر والإذلال ؟ أسئلة كثيرة لو تمت الإجابة عليها بالتفصيل لوجدنا أنفسنا نردد كل ما كتب من كل المهتمين بالشأن العام على مختلف أطيافهم لخصته أرقام الجهاز المركزى للمحاسبات فى تقريره الأخير والذى أوقن أنه رغم فداحة ما فيه من إجرام المسئولين وخراب للوطن إلا أنه لم يذكر كل الحقيقة بعد أن تحولت تبعيته إلى رئاسة الجمهورية منذ الفصل التشريعى السابع بعيدا عن مجلس الشعب الذى تنازل عن إختصاصاته الأصيلة لصالح رئيس السلطة التنفيذية !!! وهنا تذكرت سببا جديدا لإبطال عضويتى فى هذا المجلس فقد بدأت مع مجموعة من خيرة أبناء الوطن فى نهاية الدور الثانى 2002م فى إعداد تشريع يوجب تحويل تقارير الجهاز المركزى مباشرة للنيابة العامة والرقابة الإدارية لإتخاذ الإجراءات القانونية ضد المتورطين فى النهب وسرقة الوطن دون إشتراط موافقة رئيس الوزراء أو الوزير المختص !! وهى شروط تؤكد إنتهاك العقد بين الشعب وحكامه مع توجيه كافة التهم الممكنة مع سبق الإصرار والترصد !!! ولعل التشخيص الذى توصلت إليه منذ دخولى البرلمان أنه ليس هناك ساسة لدى الحزب الحاكم-إلا من رحم ربك وهم قليل- بل مجموعات مصالح وأصحاب شهوات على مستوى عال من الحرفية والفجور وهنا كان لابد من منظومة أمنية تحمى هؤلاء ويكون لها طبعا فى الحب جانب ! فتولدت شبكة تضخمت على مر السنين وأمسكت بكافة الخيوط التى تظن أنها تضمن لها السيطرة وكانت سياسة" العصا والجزرة" أو" ذهب المعز وسيفه" طبقا لأقدار المستهدفين أحد أركان الساسة الجدد فى تنظيم العمل داخل عزبة مصر المحروسة بقوات الأمن المركزى وقوات الشرطة التى تعسكرت رغم وضعها المدنى فى الدستور ولأن سياسة الأمن وشرعية العنف والقوة هى التى سادت فوق شرعية الدستور والقانون فلا داعى لذكرهما الآن !! وكان الركن الآخر لضمان السيطرة هو إعتماد سياسة" فرق تسد" التى نجحت فى تشتيت الأمة فأفسدت الأحزاب وفرقت القوى السياسية وأثارت الفتنة بين أبناء الأمة كى تصبح اليد العليا للنظام الحاكم أضف الى ذلك توسيع دائرة المستفيدين من وجود واستمرار النظام وعدم ملاحقة المفسدين تحت شعار" دع الحساب يوم الحساب" وهو يوم لو يعلمون عظيم ! هكذا اكتملت منظومة السيطرة خاصة بعد أن تنامت ظاهرة العسكرة فى الإدارة العليا للحياة المدنية من محليات وشركات إقتصادية حتى الحياة الفنية والثقافية والتعليمية إلى أكثر من 50% وبزغ نجم رجال الأعمال الذين ظهروا دون مجهود أو كفاح يذكر لأحدهم فسيطروا على مقدرات الوطن مدخلاته ومخرجاته، إستيرادا وتصديرا ، حكومة تنفيذية ومجلسا رقابيا !! لكل هذا لم يكن غريبا أن نرى مسخا من البشر يلعبون بأمن الوطن والشعب من أجل مصالحهم الشخصية فقط ومهما كان الثمن فوجدنا فتنة إضطهاد الأقباط وهو مالم يحدث فى أشد العصور تخلفا! ورأينا المختلين يذهبون للكنائس فيقتلون ثم يتحركون لكنائس أخرى بعد عشر دقائق ليتكرر نفس المشهد !! أين قانون الطوارئ لحماية المسلمين والمسيحيين فى مصر ؟ أم هو فقط لحماية أركان النظام وحوارييهم من شياطين الإنس ! أم أن القبض على أساتذة الجامعات وقتل مرضاهم والإستيلاء على أموال وشركات رجال الأعمال المعارضين للنظام أو الخارجين عن سيطرته هذا هو الإنجاز ؟ وقتل المصريين فى الإنتخابات البرلمانية لضمان الأغلبية هو الحل !!

غياب الساسة هو الذى جعل ملف الإصلاح فى مصر أمنيا ! ففشل ولن يحقق المراد منه ، غياب الساسة وتنحى العقل عن الإدارة فى مصر هو الذى فضح النظام فى تعامله مع القضية الفلسطينية التى صدع رؤوسنا بإهتمامه بها فلم يقدم دعما للفلسطينين عندما حاصرتهم أمريكا وإسرائيل بل تهرب النظام من مقابلتهم طبقا لأوامر ولى النعم حتى يقلل من شرعية الحكومة الفلسطينية التى هى أوثق وأكثر شرعية من النظام المصرى نفسه !! وهو بتفريطه فى دعم الشعب الفلسطينى إنما يخالف إرادة الشعب المصرى ويحقق إرادة أعداء الأمة !!!

ولكن دعونا من كل ما سبق فلدينا ولدى كل المعاصرين ما يكفى لتعكيرماء المحيطات والأنهار وتلويثها من وقائع هذا النظام !! المهم فى هذا الحديث هل كان للشعوب دور فيما وصلنا إليه ؟ طبعا فلولا خنوع البعض وإنتهازيتهم ما وصلنا إلى ما نحن عليه ! ولولا خوف البعض وضعف إرادتهم ما استأسد الظلمة علينا ! ولولا حسابات البعض المترددة وضيق الأفق ما تمكن المستبدون من إختراق الصفوف وإثارة الفرقة وإشاعة الفوضى ! والمطلوب الآن صراخ المتحدثين وحديث الصامتين وحركة المتابعين فلا سلامة لأحد فيما نحن مقدمين عليه لو استمر هؤلاء الذين تربوا على الفساد والظلم والإستبداد !! فلن نخسر أكثر مما خسرنا حاضرا مضطربا ومستقبلا غامضا، إتحدوا أيها الساسة الحقيقيون وتجردوا لله ثم لهذا الوطن الذى يسرق منا ونحن شهود تنازلوا لبعضكم البعض وتكاملوا فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة وليس هناك أفسد من هؤلاء الذين لم نر على أيديهم خيرا يوما ما وما زالوا يتحكمون ويخدعوننا ولا يتراجعون والكل مدعو لنصرة حركة تحرير مصر التى إستنكرها نظيف رئيس وزراء مصر المنهوبة فلا أحد منا يشعر أن البلد بلده أو أن خيرها عائد عليه أو أنها تقف بجانبه عند أزمته، وإن كان هناك من يشكك فيما ذكرت فليسأل أهالى المعتقلين او الغارقين أو المحروقين أوالشباب الذى يجلس على المقاهى أو البنات اللاتى ينتظرن سترا وبيتا أو الفلاحين فى سجون مصر أو الهاربين منهم من قروض بنك التنمية !! تنمية الفقر ! أو اساتذة الجامعات او المعلمين أو الصحفيين أو العمال الذين انضموا بعد سنوات عمل إلى طابور البطالة مع أولادهم أو حتى اسألوا قضاة مصر العظام، إن ما يحدث فى مصر يحتاج رجال وهبوا أنفسهم لله عندها فالمواجهة محسومة لأن الخصوم قد وهبوا أنفسهم للشيطان والهوى ، والله مواجهة محسومة ولكن أين الرجال " ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " !؟

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق