مسافة في عقل النظام( بين صالتي السفر والوصول) ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 1 - 4 - 2006

إذا غاب رجال السياسة وضاع العقل وانحسر المنطق فشلت كل محاولات الأستيعاب والحوار بين ابناء الوطن الواحد فإذا اقتصر الغياب هذا على النظام الحاكم فلابد لنا أن نتوقع اعتماده على العضلات المتمثلة في قوات الأمن المركزي وبالتالي فإن تصدر الأمن المصري للمشهد السياسي كله – بل كل مشاهد الحياة في مصر اجتماعيًا واقتصاديًا وتعليميًا – يجعلنا عندما نقيم الأداء الأمني الذي يحقق هدفًا وحيدًا هو الحفاظ على بقاء النظام بغض النظر عن الثمن المدفوع من استقرار الوطن وأمن المواطنين وحرماتهم وكرامتهم وحقوقهم التي تنتهك ليلا و نهارا كي تسعد تلك القيادات الأمنية بالرضا السامي .. فإذا تحقق استمرار النظام كان هذا مؤشرًا على نجاح الأمن في تحقيق هدفه الأسمى الإستراتيجي وهو ما صرح به احد اللواءات في لحظات صفا قائلاً : " دورنا حماية النظام ولو وصلتم للحكم ستبقى مهمتنا هي حمايتكم !!" 00بئس الدور وبئس الحماية!!

المهم أني الآن أسرد ما حدث لي في عقل هذا النظام كنموزج حالة بغض النظر على المعاناة والآثار المترتبة على ما حدث ..

والموضوع يبدأ بدعوة لحضور المؤتمر القومي العربي في دورته العادية ببيروت وكذلك لجنة المتابعة للمؤتمر القومي الإسلامي في اجتماعها الدوري والتي أشرف بعضويتها .. وكنت والدكتور عصام العريان قد منعنا من السفر للجزائر في الدورة السابقة للمؤتمر القومي العربي ونظراً لمنعه مؤخرًا من السفر للبحرين فقد اتخذ الدكتور العريان قرارا بعدم السفر لبيروت ، بينما قررت أنا السفر !!.. وفي المطار وبعد الحصول على التأشيرة وتذكرة السفر والدخول لصالة السفر مع الأساتذة " ضياء الدين داود " و " مجدي حسين " و " امين اسكندر" و " د.رفعت سيد احمد" وغيرهم .. تم استدعائي لمكتب مدير الجوازات للأعتذار عن عدم السماح لي بالسفر . فسألت : أنا جمال حشمت ولست ممدوح إسماعيل قاتل المصريين ، ولا محمد إبراهيم سليمان الذي باع واشترى في أرض مصر اللذين خرجا في حراسة الأمن من صالة كبار الزوار فلماذا أمنع للمرة الخامسة ؟! سمعت كلامًا جميلاً من عينة أنت شرف لمصر وقدوة لأولادنا ولكن ما باليد حيلة ،، المهم في هدوء وجدت نفسي في صالة الخروج رغم أني لم أغادر الوطن فقط مسافة في عقل نظام استبدادي ينقصه كثيرٌ من الذكاء لتحقيق هدفه. المهم وجدت وجوها لم تكن تنتظرني ، وهنا خرجت متوجهًا لنقطة شرطة المطار لعمل محضر إثبات حالة ،، وكان الإستقبال مهذبًا ولكن الإجراءات كانت مضطربة ربما لغرابة الطلب أو لخطورة الشخصية_ التي تقف الدولة بكامل أجهزتها في مواجهتها_ وهو العبد الفقير لله . ومع إصراري تم عمل المحضر لكن رقمه يحتاج لقرار آخر ووقت آخر . وهنا اتصل أمن المطار بي طالبا مني – حرصا على وقتى وجهدى-إخطار فرع أمن الدولة بالبحيرة بسفري قبلها !! ؛ كالمحكوم عليه الذي يجب عليه إبلاغ الشرطة بكل تحركاته !، فقلت له إخطار أم استئذان ، قال: فقط إخطار .. فقلت في نفسي شخصية في خطورتي ربما فعلاً تحتاج لإخطار من باب التأمين لا المراقبة من باب المحبة لا العداوة من باب البر لنواب البرلمان الشرفاء الذين ظلموا في هذه البلد ويحتاجون لحماية .. قلت خير البر عاجله .. وأنا فى المطاراتصلت بمفتش أمن الدولة في البحيرة لأبلغه أني منعت لعدم الإخطار وها أنا أخطركم بتأجيل سفري للغد وعوضي على الله في المؤتمر الأول ولألحق بلجنة المتابعة في المؤتمر الثاني لمناقشة الأستقالة المقدمة من دكتور عصام العريان – المنسق العام للمؤتمر القومي الإسلامي – حيث صعبت عليه الدولة والنظام مهمته في التواصل بين التيار القومي والإسلامي بدلاً من الإحترام الواجب لهذا المنصب على المستوى العربي حتى لو كان محسوبًا على المعارضة .. ثم توكلت على الله في اليوم التالي الخميس 30/3 للسفر في ذات الموعد بعد دفع غرامة تعديل الحجز وهنا في صالة السفر استقبلني الضباط الكرام بترحاب شديد توقعت معه انفراجة ولكن خاب ظني وصدق حدسي ، خاب ظني في أن أتعامل مع مؤسسات محترمة تحترم المواطن صاحب الحقوق وتحترم تعهداتها بعيدًا عن العناد والغل وضيق الأفق ؛ وصدق حدسي في أن التعامل الحالى بين النظام الأمنى في مصر وابناء الوطن لايقوم على فكر أو منطق ، فمكسب الأمن في الحوار المنظم أكثر مئات المرات من نتائج الحصار والمنع والمطاردة والظلم والأستبداد والتعسف في استعمال السلطات ، فذاك يدفع الطرفان إلى اتجاهين متضادين فتزداد العداوة والبغضاء والتوجس والشك وعدم الثقة وهو ما يحدث دائمًا بعد وعود كاذبة أو مفاوضات يظن أحد الأطراف أنه كسبان فيها على طول الخط تحت إدعاء هيبة الدولة التي غرقت في مياه البحر واتحرقت بنار الأهمال وتم تجريفها بمعاول الفساد!!.. المهم بعد اتصالات كان قرار المنع مرة ثانية ..و تمت الأجراءات حيث كان معي هاندباج بدلاً من شنطة في الطائرة كانت تتسبب دائمًا في تأخير الطائرة -وهو سبب لابد من مقاضاة مصر للطيران لأجله- فالأمن مخول له إيقاف أي طائرة لأي وقت دون حراك فقط لأن عليها شنطة معارض !!

واسترجعت تذكرة السفر مع وداع مؤثر من الضباط مرورًا بصالة الوصول رغم أني لثاني يوم ولسادس مرة لم أسافر ولكني وصلت إلى حقيقة مفادها أن عقل النظام المستبد لايتجاوز هذه المسافة بكل ما فيها من لحظات ضيق وقرارات غبية وقهر إداري وغضبة في الصدور . ولم أتورع عن تحرير محضر ثان في نقطة شرطة المطار لإثبات المنع مرة أخرى وأيضًا بعد مداولات تم تحرير المحضر وأخذت رقمه هذه المرة أسرع ويبدو أن هذه السرعة كانت تحت عنوان " اخبط راسك في الحيط " "وابقى قابلنى" !! لأني صاحب دماغ ناشفة بسبب الأداء الحكومي الأمني المتوتر رغم أنها كانت قد اتسعت بقدر مااتسعت مساحة العمل في اثناء وجودي بمجلس الشعب !! وهي مدخل يغفل عنه النظام المصري لما يتميز به من جينات الأستبداد وقصر في النظر وفقدان للبصيرة .. وهكذا خرجت من المطار الذي فيه العقل يحتار وقد استحالت جدرانه الزجاجية إلى أسوار سجن كبير .. لما لا ومساحة العقل الذي يدير مصر كلها لاتتجاوز تلك المسافة بين صالة السفر وصالة الوصول.

شكرًا لله على هذه المنح وهذا التوفيق الذي يفضح نظامًا يحتاج إلى نصائح ليعرف كيف يكسب الأصدقاء ، يفضح نظامًا ازداد سُمك جلده فلم يعد يتاثر أو يحس .. فشكرًا لله على نعمة العظة والأعتبار نسأله تعالى أن يثبتنا على طريق الحق إلى أن يحين وقت الحساب وعندها يقهر النظام و يهان حتى لو كان هربان لبلاد الغرب والأمريكان. ولله الأمر من قبل ومن بعد

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق