العلاج على نفقة الشعب .. أكرم! ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 27 - 5 - 2007

رغم حداثة عهد العلاقة المباشرة التي ربطتني به عشر سنوات أو تكاد ، إلا أنني كنت دائما أفخر بأني عاصرت الدكتور عبد الوهاب المسيرى ، فسيرة حياته وحدها وما حدث فيها من تحولات ـ قل من يجرؤ على فعلها من مدعى الثقافة ومريدي العقل والتنوير – تحتاج إلى وقفة طويلة ، وعندما تسمعه تجده ذا بصيرة ومحدد الألفاظ ويعي كل كلمة يقولها .. ورغم أنه قد يختلف معه البعض إلا أنه لا يملك أحد إلا أن يبدي له كل الاحترام والإعجاب ، خاصة عندما يربط أثر النشأة و المناخ الذي تربى فيه على أفكاره ومنطلقاته .

لقد كانت لقاءاتى به كلها وسط نخبة من محبيه وعارفي فضله ، بل وبعض منتقديه ، وكان سلسا سهلا في حواره مستشهدا بالتاريخ وبمشاهداته أثناء حياته في أمريكا ، وقد كان في استطاعة الدكتور المسيرى أن يبقى رمزا أكاديميا باعتباره صاحب أكبر موسوعة تكشف اليهود والصهيونية ، لكنه أبى فوجدته منذ عام 2005 يمشى في وسط البلد ـ تصاحبه زوجته الكريمة وكل منهما يستند على الآخر ـ وسط مظاهرات "كفاية" التي تطوف الشوارع ، وأنا أنظر له وأقول في نفسي : ما كان أغناه عن كل هذا الجهد والعناء !! لكنه عبد الوهاب المسيرى الذي نجح في مواجهة نفسه ، ولذا فهو أقدر على مواجهة الظلم والظالمين الذين تترسوا خلف العنف والبلطجة في مواجهة شعوبهم !! .

التقيته في لقاء ودي في نقابة الأطباء وسط كوكبة من أبناء دمنهور ومثقفيها ، وفي لقاء علني دار حوار راق تغلفه حالة حب وفخر بابن دمنهور البار ، يسألونه في كل شئ ويجيب بكل وضوح وصدق عن كل سؤال ، وإذا بى أقترح عليه بعدما وجدت أن أعلام دمنهور كثر : لماذا لا نقيم جمعية الوفاء لعلماء دمنهور والبحيرة ، وذكرت منهم ضيفنا الكريم والدكتور أحمد زويل والدكنور أحمد جويلى ، وآخرين يضيق المقام بهم ، فإذا به يقول أرجو أن تقبل اعتذاري عنها من الآن !! لماذا لأني مع تقديري واحترامي للدكتور زويل لا أقبل أن أكون في خانة واحدة مع من قبل جائزة إسرائيلية في زيارة لهم على أرض فلسطين !! فوجئت بالرد وكذلك كل الحضور ، ولم نكن في لقاء مغلق وإنما لقاء عام حضر فيه كل أطياف النخبة في المجتمع البحراوى ، ولذا فقد كان شجاعا في اعتراضه نقيا في أفكاره متوافقا مع نفسه ، وتوقفت فكرة الجمعية على من يتقدم بها ، حيث إننا طبقا لمادة المواطنة ـ قبل وبعد التعديل ـ لا حق لنا في إنشاء أي جمعية أهلية ، فتركتها لمن هو أقدر ولكنها صارت فكرة صعبة على التنفيذ بعد موقف العالم عبد الوهاب المسيرى! .

ولعلي هنا أذكر حديثين للدكتور عبد الوهاب المسيرى في دمنهور كان لهما أبلغ الأثر ، أحدهما في مؤتمر انتخابي طلبت منه الحضور فيه ، في الوقت الذي نجح فيه المرشح المنافس في استحضار الفنان محمد نوح ابن دمنهور ليشدو له في إحدى قرى زاوية غزال " طلع البدر علينا ، وشدي حيلك يا بلد " بعد أن أحالوها بسياستهم وفنهم إلى جثة هامدة !! والثاني ندوة في المركز الإعلامي لنواب البحيرة أبدع فيها في توصيف العولمة وأثرها علينا ، وربما تأتى فرصة لعرضها في مقال آخر ، ولكني اليوم أستعرض معكم كلمته في هذا المؤتمر الحاشد والتي لم تستغرق سوى 7 دقائق ونصف ، ولكنها كانت بليغة .

لقد اشترط معيارا للمناصرة ولم يوقع على بياض ، بل كان المصري المسلم المهموم بوطن يضيع من أيد أبنائه ، يزن كلماته التي استمعت لها كثيرا وأنا أكتبها لكم اليوم ، فكان نعم العالم الذي لم ينفصل عن واقع وطنه ، ولم ينافق ولم يصمت في نفس الوقت .. فماذا قال :

بسم الله الرحمن الرحيم

أنا لست خطيبا مفوها ، إذ إني اعتدت أن أعبر عن أفكاري بالقلم ولا أحاضر إلا لأعداد صغيرة ، وفي الواقع هذا أول تجمع جماهيري أحضره في حياتي ، ولكني شعرت بالفعل بأن هذه لحظة تاريخية لابد أن نغتنمها ويجب ألا نفوت الفرصة ، ووجدت نفسي في مشكلة حينما عرفت بترشيح دكتور حشمت ، فهو صديق عزيز ولكن الدكتور مصطفي الفقى أيضا صديقي ، فجلست مع نفسي ومع أصدقائي لأناقش هذه المشكلة ولنر ماذا نفعل ، وفي نهاية الأمر توصلنا إلى أنني لم أحضر إلى هنا لأناصر صديقا أو أقف ضد صديق آخر ، وإنما جئت هنا لأقف ضد نظام حكم فاسد استمر عشرات السنين ، فأنا جئت هنا لأناصر الدكتور حشمت باعتباره تعبيرا عن أملنا كلنا في التغيير والإصلاح ، والأكثر من هذا أنه لابد من فتح كل الملفات ، ابتداء من ملف الفساد والعلاقة بين مصر وإسرائيل والكويز والغاز .. وما هو العائد الاقتصادى من ورائها , وملف بيع القطاع العام , وملف الأمن في الشوارع , والبطالة .. إذ يجب أن يكون هذا كله على أجندة المعارضة عندما تصل للبرلمان ، وأنا متأكد من أن الدكتور حشمت سيكون في طليعة هذه المعارضة إن شاء الله .

أنا لم آت هنا لمناصرة صديق وإنما لمناصرة برنامج عمل لتغيير هذا الوطن ، ولوضعه مرة أخرى على خريطة العالم ، ووضعه مرة أخرى داخل الإطار العربي الإسلامي ، داخل إطار الكرامة بدلا من المهانة التي نعيش فيها كلنا الآن كأفراد وكمجتمع وكدولة , فمصر الآن في الحضيض بسبب هذه النخبة التي تحكمها ، ولابد أن نغتنم كلنا هذه الفرصة ونذهب يوم التصويت لأن هذه مسئولية أخلاقية وإنسانية ودينية ، ومن ثم يجب أن نذهب وندلى بأصواتنا للدكتور حشمت كي ينجح إن شاء الله ، وأعتقد أن هذه مسئولية في غاية الأهمية .. والدكتور سعد الدين إبراهيم اقترح انه فلتذهب النخبة الحاكمة وليذهب الجمل بما حمل ، وهذه دعوة للاستسلام للفساد ودعوة لنسيان ما لحق بنا في هذا المجتمع من إذلال وامتهان وفساد .. وأنا أعتقد أن هذا الفساد عندما تفتح ملفاته سنكتشف الكثير والكثير .. وانظروا مثلا ما حدث في قضايا : المؤسسات الصحفية والمبيدات المسرطنة والحالة الصحية للشعب المصري .. المسألة لابد أن يحاسب هذا النظام عليها ، واعتقد أن الدكتور حشمت سيكون في مقدمة من يفعل هذا ، إلى جانب أنه سيساهم في تقديم البديل بحيث تنهض هذه الأمة وتلعب الدور الذي يجب أن تلعبه ومن حقها أن تلعبه ومن واجبها أن تلعبه .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لقد أردت من هذه المقالة أن أشارك في التعبير عن فرحتي بأن الله وفق النظام الحاكم في مصر في رفع تقرير أمنى أو قرار سياسي يرفض علاج الدكتور المسيري على نفقة الدولة ، وهى نفقة مشبوهة لا تجلب شفاء لمثل الدكتور العلامة ، بل قد توقعنا نحن محبيه وكارهو النظام في حرج لو اهتمت الحكومة به لا قدر الله !! ورغم أن مبلغ النصف مليون أو المليون تدفع بسهولة في قدم لاعب كرة ، فإن عقل المسيرى وأمثاله لا يقدر بمال ، ولتتحمل الشعوب هذا الشرف في علاج العلماء بعيدا عن حكومات الهوان والإذلال ، وهى دعوة جديرة بالاهتمام والتبني على مستوى مصر والعالم العربي ، فما أكثر الشرفاء الذين افتقدوا درهم العلاج في مصر في ظل العصبة الحاكمة التي نسأل الله أن يهديها أو يهدها .. اللهم آمين .

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق