عنف النظام والمرجعية الإسلامية الدستورية! ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 4 - 2 - 2007

كان السؤال المطروح على لسان كل وسائل الإعلام للعبد الفقير إلى الله بل ومعظم قيادات الإخوان ببساطة هو بعد كل ما حدث ويحدث للإخوان الفترة الأخيرة وحاليا ما هو رد الإخوان وموقفهم مما يطالهم من اعتقالات ومصادرة أموال وحصار ومطاردة وتشويه إعلامى ؟! وكان ردى بسؤال مواز هو ماذا يريد السائل من الإخوان أن يفعلوه؟ لقد وطن الإخوان أنفسهم على امتصاص أى تهور يقدم عليه نظام حكم لا يرى إلا تحت أقدامه ! وفى نهجهم التربوى تحرى الإخلاص لله قدر ما يمكن للفرد أن يحياه وقدر من الصبر على احتمال الأذى التى هى مصير أصحاب الرسالات ونظرة رضا مع حالة غضب ورفض للظلم والفساد تترجم إلى مواقف صمود ومقاومة لا سبيل للعنف فيها ولا شك أن النظام المصرى الخارج على مقتضيات العقل أولا ثم الدستور والقانون فى مواجهته لمعارضيه خاصة الإخوان قد أصابته لوثة فظل يهذى ويفزع الشعب المصرى من الإسلام والإخوان بالباطل دون أن يمنحهم فرصة الرد أو الحوار وهو فى ذلك قد أساء لنفسه وأكسب الإخوان حالة أشد من التقدير والتعاطف!!, وسيظل نهج الإخوان مواجهة خروج الأنظمة على القانون بمزيد من الإلتزام بالقانون والإحتماء به لذا رأينا القضاء يحكم ببراءة الإخوان ويسفه إجراءات الحكومة ثم لايجد هذا النظام إلا سبيل الاعتقال وهو فى عز ادعاءاته بمنح الشعب مزيد من الحريات بما يقدمه من تعديلات دستورية !! مما دفعنى للقول لبعض هؤلاء الصحفيين أنه وفقا لهذا المنهج الذى يلتزم به شباب الإخوان- رغم حالة الغضب التى تتملكه- أن أصغر شاب فى الإخوان أعقل يقينا من أكبر سياسى فى الحزب الوطنى حيث لايقابل الإساءة إلا بأحسن منها !! وهم هنا – شباب الإخوان – يدركون المعنى الحقيقى للقوة فى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم " ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب " ونظرا لأن الحملة التى يقودها الحزب الوطنى والمنافقون من حوله من كل لون وشكل تتعمد اتهام الإخوان بالرغبة فى إنشاء حزب دينى ينشد دولة دينية حتى الرجل المحترم مفتى الجمهورية الذى ورطه البعض فى الهجوم على الإخوان يرفض انشاء حزب على أساس دينى لأن هذا فى ظنه يحول المسلمين الى طوائف !!! والأمر يحتاج لعلماء للرد عليه لأنه فعلا يستحق الرد خاصة وأن الفتوى كانت على الهواء من برنامج الحزب الوطنى- البيت بيتك - الذى يقوم بدوره فى تشويه صورة الإخوان ورموزهم وفق خطة دون السماح لأحدهم بالرد من باب الرأى والرأى الآخر أو الشفافية أو الحرية أو من أى باب حتى لو كان باب زويلة !!! ولعلها فرصة لنعيد على من يريد أن يعلم لماذا المرجعية الإسلامية ؟ وما آليتها؟ وهل مقصود الهجوم عليها الإخوان فقط أم لا ؟!!وماخطورة ترديد الإسطوانة المشروخة التى يحيا بها أمثال(رفعت السعيد ونبيل زكى وصلاح عيسى ومجدى الدقاق و عبدالله كمال وجهاد عودة وكرم جبر وأحمد موسى وغيرهم )

اتفق العلماء على أن تجربة الصحابة (رضوان الله عليهم) السياسية هى تجربة انسانية بحتة تحتمل الخطأ والصواب حيث لانص فيها , أى اجتهاد يحقق مقاصد الدين ولعل ابن القيم عندما نقل فى كتابه "الطرق الحكمية" عن ابن عقيل ما يوضح هذا المعنى فيقول" السياسة ما كان فعلا معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به وحى" ويقول الدكتور عبدالله النفيسي فى مقال له بمنبر الشرق بتصرف "أن مسألة الخلافة وأسلوب الحكم وشكله مسألة اجتهادية موكولة إلى الأمة وتجربة انسانية بحتة ونؤكد هنا أيضا أن كل المناشط الإنسانية والتجارب الإجتهادية يجب أن تدور فى إطار المقررات العامة للكتاب والسنة التى تشكل بناء المرجعية الإسلامية" وقال بن خلدون فى مقدمته " الدين أصل والسلطان حارس وما لاأصل له فمهدوم ومالا حارس له فضائع" ومن العجب أن نجد من يستغرب المطالبة بالمرجعية الإسلامية لحزب رغم أنها المرجعية العليا للدولة كلها بل كانت الشريعة تحكم طوال 14 قرنا ومهما انحرف الحكم فى التاريخ الإسلامى, فقد ظلت الشريعة الإسلامية تمثل المشروعية العليا التى يحتاج اليها كل حاكم كما يحتاج كل مجتهد ومفكر الى أن يبرر أعماله ومواقفه أمامها فلم تعرف التجربة الإسلامية بسبب ذلك حاكما ثيوقراطيا يعلن أنه إرادة الله المتجسدة , لأن المسلمين يعلمون يقينا أن إرادة الله إنما تجسدت فى شريعته فما وافقها فهو الحق وما خالفها فهو الباطل وظلت توجيهات النبى صلى الله عليه وسلم للأمة فى هذا الشأن واضحة يلخصها الحديث المأثور " لاطاعة لمخلوق فى معصية الخالق" وقد احترم الإسلام إرادة الإنسان فكانت فكرة الإجماع التى هى أحد مصادر التشريع فى الفقه الإسلامى وأحد خصائصه تؤيد القول بأنه خصص للأمة وإرادتها مكان فى النظام الإسلامى أرقى مما يمكن أن تناله فى أى نظام ديمقراطى مهما كمل , فالمسلمون قد قرروا قبل أن يظهر "روسو" وأمثاله ليتكلم عن الإرادة العامة ويمجدها : أن إرادة الأمة معصومة وأنها من إرادة الله وجعلت مصدرا للتشريع وإن كانت فى النهاية تعتمد مرجعية الكتاب والسنة" الحريات العامة فى الدولة الإسلامية" ولم يمنع هذا الإخوان المسلمين من تبنى رؤية لإنشاء حزب مدنى يعتمد هذه المرجعية الدستورية يقبل المسيحيين شركاء الوطن داخل الحزب أو يسمح لهم بانشاء أحزاب لهم تقبل فى صفوفهم المسلمين طالما المرجعية الدستورية واحدة لاخلاف عليها وللأستاذ مصطفى مشهور فى ذلك حديث منشور له فى جريدة الشعب فى 2 أكتوبر 1993م " ان الإسلام مع التعددية الحزبية وحرية الرأى ولا يكره أحدا على الدخول فى الدين "لاإكراه فى الدين" ويرسم حدود المعاملة مع غير المسلمين فى حدود العدل والأمن وحصولهم على حقوقهم كاملة لهم ما لنا وعليهم ما علينا , ولا يمكن أن يحدث انشاء حزب مسيحى وحزب إسلامى فتنة طائفية ويسبب حربا بين الحزبين , كما أنه من حق كل مواطن أن يفكر فى إصلاح وطنه وحل مشاكله ويختار طريق الإصلاح الذى يراه ويدعو غيره اليه, فلماذا يضيق على الذين يرون أن الإسلام هو الحل لكل هذه القضايا والمشاكل لأنه من لدن الحكيم الخبير ولا يسمح لهم بحزب ولا صحيفة من الصحف الخمسمائة المصرح بها ؟!!" ولكى ندرك أهمية الدين فى حياة المصرى مسلما كان أو مسيحيا لابد أن نرجع لدراسات قيمة تحدد سمات شخصية المصرى منها دراسة "المصرى المعاصر مقارنة نظرية وإمبيريقية لبعض أبعاد الشخصية القومية المصرية " المركز القومى للبحوث الإجتماعية الجنائية للدكتور أحمد زايد عام 1990 , وكذلك تقرير مجلس الشورى "لجنة الخدمات تقرير رقم 1 "تحت عنوان تنمية الإنسان المصرى الصادر فى 18 مايو 1982م والمنشور فى فبرايرعام1992م حيث يذكر فى صفحة 16" سبق القول أننا لا نصوغ مصريا جديدا مقطوع الصلات بأصوله, بل إننا نستهدف استعادة المصرى لجوهره الأصيل الثابت وذلك بإزاحة ما طرأ عليه من إنحراف –نوقن أنه عارض- فالطاقات المصرية موجودة , والمطلوب هو تنظيم مجراها . فما أهم الخصائص الثابتة التى تتميز بها الشخصية المصرية والتى نريد كشفها وتنميتها بعد أن نزيل ما طرأ عليها من انحراف؟ ماهى السمات التى كانت موضع التجانس فى الشخصية المصرية , وبدونها يفقد المصرى سمته وقوامه النفسى؟ هى :الدين والأسرة والوطن , فالتدين جزء من طبيعة المصرى أيا كانت عقيدته, خاصة وقد اختلفت العقائد باختلاف الحضارات التى تعاقبت على مصر وكان المصرى خلالها متدينا . ولهذا يصبح تدين المصرى مستندا إلى أن لهذا الكون خالقا يهيمن عليه . ولهذه النظرة عمقها وأهميتها البالغة فى الشخصية المصرية .... وحينما رسخت هذه العقيدة فى المصرى على مر التاريخ بنى عليها ضربا من الدأب على العمل لم يعرفه شعب آخر . فالمصرى- فى أصله وجوهره- صبور ودؤوب, أتقن صنعته وخلف حضارة عظيمة وكان وراء ذلك أنه (متدين) يقول ويردد دائما "أنا أتعامل مع الله" . وعلينا أن تستثمر هذه السمة "التدين" فى كل مصرى لكى يعود الى أصالته فى الصبر والدئب على العمل الصالح المتقن ومراقبة الله حين يعمل وحين يتعامل مع الناس" انتهى

ولكى تكتمل الصورة التى أود توضيحها من حيث تدين المصرى وحتمية المرجعية الإسلامية ودورها فى التنمية أقتبس هنا جزءا هاما من تقرير مجلس الشورى المصرى الذى لم يدخله أحد من الإخوان حتى اليوم بل هو يدرس ويشخص ويضع الحلول دون أن يتهمه أحد بميول إسلامية إخوانية محظورة !! التقرير رقم 5 من لجنة الخدمات حول المشاركة الشعبية والمنشور فى فبراير 1992م يذكر دور الفرد والدولة فى قضية المشاركة الشعبية حيث يقول" يجب ألا يقتصر دور الفرد على مجرد ابداء الرأى فى صياغة الأهداف العامة للمجتمع, بل من الضرورى أن يمتد هذا الدور الى بعد عملى يسمح للفرد بالمشاركة الجادة فى وضع الأهداف المعدة موضع التنفيذ ....... وتتوقف درجة المشاركة الشعبية فى الأساس على طبيعة المناخ العام السائد فى المجتمع والذى يحكم علاقات الأفراد فيما بينهم أو بينهم وبين الحكومة ,إذ بسيادة مناخ الديمقراطية والعلاقات الإنسانية الطيبة تزيد المشاركة التلقائية للأفراد فى الحياة العامة والعكس صحيح ........ ويدخل ضمن مفهوم المناخ العام السابق الإشارة اليه مجموعة القيم والعادات والتقاليد السائدة فى كل مجتمع حيث تتدخل هذ العوامل فى تحديد درجة اقتناع الفرد بأهمية المشاركة فى الحياة العامة وهو ما يعطى هذه المشاركة بعدا سلوكيا لابد من الإحاطة به وادراكه .. ومن هذه العومل :الدين وهو الذى يحدد الأساس الأخلاقى بالمجتمع من حيث التأكيد على جوانب الفضيلة أو استهجان الرذائل المختلفة بما يؤدى الى تنقية سلوكيات الأفراد بطريق ذاتية ومستمرة " انتهى

وأخيرا قبل أن أتحدث عن فهم الإخوان لآليات المرجعية الإسلامية أستشهد ببرنامج الحزب الوطنى نفسه فى هذه النقطة بالتحديد إذ يقول " إن نظرتنا الى بناء الإنسان المصرى وتحقيق رفاهيته لا يمكن أن تنفصل عن قضية إذكاء القيم الدينية والروحية لديه, وذلك بمزيد من الإهتمام بالتربية الدينية وبث روح التضحية والفداء. لذلك كان طبيعيا أن يؤكد حزبنا على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع بحيث يلتزم المشرع المصرى بمبادئ الشريعة فيما يصدر من قوانين " انتهى

لماذا بعد كل ما ذكرت مطلوب من الإخوان فقط أن يدافعوا عن أنفسهم عندما يطالبون بحزب مدنى يحترم المواطنة التى يتساوى فيها كل المصريين فى الحقوق والواجبات ذي مرجعية إسلامية دستورية؟ أليست رؤيتهم شرعية واقعية علمية بناء على كل ما سبق؟ !! وعلى كل فالإخوان يحددون المرجعية بنفس ما طالب به مجلس الشورى وبرنامج الحزب الوطنى وآلية هذه المرجعية لتكن هيئة كبار العلماء او مجمع البحوث الإسلامية بعد انتخاب كل أعضائه من علماء مصر بحيث يستعان به عند طلب الرأى الشرعى فى بعض القوانين داخل مجلس الشعب "بعد انتخابات حرة طبعا" كما يستعان بكل المتخصصين فى كل المجالات عند مناقشة قوانين فى مجالاتهم فإذا مر القانون من المجلس وبه شبهة عدم الدستورية لأسباب شكلية أو موضوعية فعلى المحكمة الدستورية العليا الرقابة اللاحقة على القوانين لإبداء الرأى فيها كى تتطابق مع الدستور ومواده التى ارتضاها الشعب المصرى "بعيدا عن تزوير إرادته وإفساد دستوره لتصفية حسابات مع المعارضين"!! فلا وجود لمفتى لجماعة الإخوان كى يقرر شرعية التشريعات من عدمها ولا وجود لمفتى حزب الإخوان لنفس الشئ كما ادعى المدعون ونطق الفاسقون وحرض المتآمرون الخانعون للحزب الحاكم فى مصر والذى استهان بحقوق الشعب المصرى ولم يحترم تدينه ولا شريعته ولا إرادته !! وهو ما يجعلنا نصر على أن المستهدف من حملة النظام وأبواقه الإعلامية هو الإسلام وأن معركة النظام الآن هو تغيير دور الدين فى حياة المصريين وبالتالى تغيير القواعد والأسسس التى قامت عليها الجماعة المصرية - كما قال الدكتور رفيق حبيب - سواء المرحلة الفرعونية أو القبطية أو الإسلامية وهو هنا النظام المصرى الحاكم يرتكب إثمين أو أحدهما على الأقل إحتكاره للدين أو تحييده للدين وكلاهما يخالف طبيعة الشعب المصرى ويصطدم به لا محالة !! ورفض المرجعية الإسلامية التى نادى بها الجميع يضع الحزب الوطنى بكل قياداته فى موقف العداء للشعب المصرى ويؤكد على طبيعة الدولة البوليسية التى تسيطر على مصر المخطوفة والمحبوسة منذ أكثر من خمسين عاما لم نحصد منهم إلا المرار والنهب والتراجع والجهل والمرض !! والسؤال الواجب يا ترى ماهى مرجعية هؤلاء القابعين على صدورنا بغير رضانا ؟ نحن لا ننتظر إجابة فقد رأينا بأعيننا مرجعية الفساد وشريعة الغاب !!وإذا اردنا الخلاصة فإن مشكلة هذا النظام الفاشل مع الإخوان ليست المرجعية فقط بل الشعبية وكلاهما مفتقد لديه ولاحول ولاقوة إلا بالله العلى العظيم

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق