انتخابات الإخوان ما لها وما عليها ـ د. محمد جمال حشمت

رؤية يكتبها دكتور محمد جمال حشمت

كنت أقصد ما صرحت به لموقع اسلام أونلاين عندما ذكرت أن المناخ الاستبدادى الذى يحكم مصر منذ عشرات السنين قد أثر بالسلب على أداء كل الكيانات المؤيدة منها والمعارضة حيث تفشت ثقافة الاستبداد وعكف النظام على تعقب كل القوة الوطنية حصارا ومطاردة وتشويها وسجنا وتعذيبا وكان النصيب الأكبر من حظ جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها الحركة الأقدم والأصلب والتى استعصت على الإختراق واستعلت بتربيتها الإيمانية على الذوبان أو الاندماج .

لكن المغرضين منى صحفيى لجنة السياسات خاصة القاطنين فى صحف الشعب التى استولت عليها حكومة الحزب الوطنى منذ هيئة التحرير والاتحاد الاشتراكى مرورا بالاتحاد القومى وعلى رأسهم صحفيو روزاليوسف التى تهوى الكذب والإثارة بغير حق - وقصصى معها أثناء فترة نيابتى بمجلس الشعب لاتشرف أى صحيفة محترمة حتى صارحنى أحد الصحفيين البرلمانيين لمجلة روزاليوسف عندما كثر عتابى للأخبار الملفقة التى تنشرها المجلة عن أداء نواب الإخوان  بقوله وبمنتهى الوضوح" يادكتور جمال انتم مالكومش حظ فى مجلة روزاليوسف " - هؤلاء المغرضون أخذوا هذا التصريح الذى جاء فى سياق حوار لى مع موقع اسلام أونلاين وحرفوه بأن جمال حشمت يبرر استبداد الجماعة باستبداد النظام !!!

حتى و إن حدث هذا فى أى كيان لايمكن حدوثه عند الإخوان لأن هناك روابط إيمانية وعلاقات أخوة متينة تربط بين أعضاء الإخوان تزيد بينهم مشاعر المحبة الخالصة من أى هوى وهو ما ينعكس على حالة الثقة المتبادلة والتى قد لا تتوافر لأى كيان آخر ! وهو ما يوجب أمانة شديدة للحفاظ على هذه الثقة ، من هنا كان المعنى الذى أقصده بأن استبداد النظام قد ضيق على الإخوان حركتهم وحدد طموحهم ومنع امتدادهم الطبيعى فى جو من الحرية والسلام .

وهنا صار هدف الحفاظ على التنظيم الذى هو خادم للفكرة والدعوة الاسلامية له مكانته لدى كثير من الإخوان خاصة الأوائل الذين دفعوا من حياتهم وأعمارهم وراحتهم وحريتهم الكثير من أجل الحفاظ على نقاء المنهج وأصول الجماعة لتصل الى جموع جديدة من الشباب تؤمن بأن الاسلام هو الحل لكل ما نعانيه من مشاكل ضياع الهوية وغياب الهدف ورخاوة العزيمة وفساد الذمم وسوء الخلق واستسلام الإرادة لأعداء الأمة فكانت المحصلة تغييب للحريات والعدالة والمساواة وانتشار التعصب والتطرف وإثارة الفتن ،لذا يتفق مع شعار الإخوان من أكد أن الحرية أو العدل أو المساواة هى الحل فكلهم يخرجون من مشكاة واحدة !!

ذلك ما كنت أقصد توضيحه من أضرار الاستبداد و فى هذا المناخ المتسلط وفى مقابل الحرص الشديد على الحفاظ على كيان الجماعة المستهدف ، تمت انتخابات استكمال مكتب الإرشاد التى أثارت الدنيا حول الإخوان طعنا فى ذمتهم ومبادئهم وهجوما على قياداتهم وأدائهم وتشكيكا فى نتائجها وتحريضا للإخوان على بعضهم البعض !! ولكى أوضح صورة ما حدث كما رأيتها وفهمتها أقول وبالله التوفيق مايلى:

 أولا ..... أنه يحسب للإخوان رغم كل ما يعانوه حتى اليوم خاصة فى فترة حكم الرئيس مبارك التى أفقدت الشعب المصرى الحس الوطنى والهدف القومى والحد الأدنى من المعيشة الكريمة والقدرة على التنمية الحقيقة المبدعة رغم عظمة ما يملكه الشعب من امكانات ومواهب تسرب معظمها الى الخارج ، إلا أن الإخوان أعلنوا أنفسهم ونشاطهم وشاركوا فى كل الإسهامات الوطنية والعلمية والشعبية وألزموا أنفسهم بخيار الانتخابات كوسيلة لإدارة جماعتهم الملاحقة من الجميع !!

ثانيا...... لاشك أن استبداد النظام ظهرت آثاره على كل الشعب المصرى التى مازالت قدرته على الممارسة الانتخابية ضعيفة لحرمانه من الممارسة الحقيقية طوال عشرات السنين من التزوير والبلطجة والفساد وهو ما يجعل عراقة الديمقراطية فى مصر تاريخا حيث بدأت منذ عام 1866م وليست ممارسة بدليل استمرار حكم الرئيس مبارك فى انتظار أقدار الله الخفية ، ولايمكن أن يدعى أحد أن الممارسة الانتخابية للإخوان فى مثل هذا المناخ واصرارهم عليها مثالية لاتشوبها شائبة !  فالجهل ببعض الحقائق والعاطفة الجياشة والثقة فى الأفراد بغض النظر عن المهام المطلوبة أو الامكانات المتوفرة لها لدى المرشحين قد تقود الى اختيارات ليست هى الأصوب لكنها ربما الأءمن للحفاظ على الجماعة .

ولاشك أن استمرار الممارسة وانفتاح المناخ الضاغط المحاصر ينضج الأداء ويحسن الممارسة خاصة أن الإخوان لا يعتمدون فى انتخاباتهم فكرة الترشيح  فالكل مرشح فى الوقت الذى قد تحول حالة الطوارئ المستمرة التى يحياها الشعب المصرى وفى القلب منهم الإخوان المسلمون بين معرفة القدرات الحقيقية والملكات التى يتمتع بها الكثير من الإخوان بعيدا عن أولئك الرموز الذين نالوا شهرتهم الإعلامية على مستوى مصر ويقينى أن هؤلاء الذين يتمتعون بعلم وخبرة وبجدية و حياء يمنعهم من عرض أنفسهم لأى منصب داخل الجماعة هم  بالآلاف ، مما يحمل الجماعة أمانة ثقيلة لتدفع بهؤلاء الى مكانتهم التى يخدمون من خلالها الوطن بأكمله

ثالثا........ طالما أنه ليس هناك مرشحين بالتالى فليس هناك مستبعدين – كما أصرت معظم المانشيتات الصحفية - لأن الاختيار يتم من مجموع مجلس الشورى العام ولأن الوضع الأمنى قد منع بل و هدد من قبل إجراء أى انتخابات داخل الجماعة خاصة مجلس الشورى ومكتب الارشاد  حتى أن المحاكمة العسكرية فى 2005 م  كانت سبب إجتماع الشورى العام ، واستمرت المحاكمات العسكرية الباطلة لإقصاء البعض وتغييبهم بعيدا عن القيادة أو لأسباب شخصية تخص النظام الحاكم القائم على حكم الفرد أو العائلة !!

ومنذ فترة قصيرة رفض النظام طلبا من الإخوان بعقد اجتماع الشورى فى فندق كبير لإجراء الانتخابات الخاصة بمكتب الإرشاد تحت عين وإشراف الإعلام وكل المهتمين فرفضت الحكومة ! وأنى لها أن توافق على فضح نفسها وتجريس أدائها الذى يعتمد على التعيين فى المستويات العليا مخافة أن تضيع السلطة فى لعبة انتخابية حرة !!!

لذلك كان لابد من إجراء الانتخابات بشكل يحفظ ويضمن إقامتها بعيدا عن أعين المتربصين وهو ما تم ولولا تسرب أخبارها قبل إعلان النتائج ما حدث هذا الصخب الإعلامى والتهييج الصحفى حول إجرائها وما تبع ذلك من تضارب فى التصريحات والتحليلات

رابعا........... غاب عن الكثيرين ممن تابعوا هذه الانتخابات بل ويتابعوا الإخوان أن روابط المحبة والإخوة التى تربط بينهم لها دور كبير فى إخراج قراراتهم وأدائهم بشكل توافقى وهو ما يعتبره البعض نقطة ضعف فى أداء اى مؤسسة لها لوائح وأنظمة للإدارة ، كما أنهم يفضلون علاج مشاكلهم بينهم ولاعيب فى ذلك إلا إذا غاب أو اختفى منهج المتابعة والمحاسبة لديهم !

لكنهم أبدا لايحبون ولا يحبذون العزلة والانكفاء على الذات وبناء أسوار عالية تحوطهم وسط أبناء الشعب ويقينى أن كل من يدعو الى ذلك لم يفهم بعد دعوة الإخوان بل لم يفقه دعوة الاسلام التى تحيا وسط الناس " لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من الدنيا وما فيها " " الذى يخالط الناس ويصبر على آذاهم خير من الذى لا يخالطهم ولا يصبر على آذاهم "

كما أنهم يعتبرون أنفسهم وكل ما يملكوه من تاريخ وفكر وفقه وما قدموه من تضحيات هى لله سبحانه وتعالى وحق لكل أبناء الأمة إن أصابوا أما إن أخطأوا فعليهم ، فهم مجتهدون يمثلون جماعة من المسلمين وليسوا جماعة المسلمين فلا يحتكرون الفهم الصحيح للإسلام ولا يصادرون على حق الآخرين فى الاجتهاد والنظر وهم يؤمنون بأن خدمتهم لشعوبهم وأخذهم بأيديهم الى منهج الله الذى ارتضاه لعباده وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر دون من وأذى هى عبادة لله تعالى ، ويدركون أن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون وهم بشر ينشدون الاقتراب من الكمال الذى هو لله وحده ، قد تجد فيهم الضعيف والطامح والطامع والمتردد و البخيل أو المسرف إنما أبدا لن تجد فيهم المصر على الخطيئة فهو ينسحب بهدوء !

ولن تجد فيهم بإذن الله الخائن فلقد تربوا على العطاء والبذل فى مقابل رضا الله وإن وجدت فهم قلة  لاتتحمل الاستمرار ! وليس معنى ذلك أنه ليس هناك مشاكل وإشكاليات  نتيجة لأداء بعض القيادات على كل المستويات لكنها تناقش لتجد حلا حاسما يهدئ النفوس ويرطبها ويطمئنها أن الحق والعدل والمساواة لهم اليد العليا فى الإدارة فالكمال لله وحده

خامسا ...... يجب أن يبقى مكتب الإرشاد بعيدا  - فى عقول المتابعين والمهتمين بالشأن الإخوانى – جزاهم الله خيرا – عن المقارنة مثلا بلجنة السياسات فى الحزب الوطنى الحاكم التى تأتى بالتعيين دائما !! وقد يكون ذلك هو سبب منع انتخاب مكتب الارشاد !!! واللجنة مغنم وكنز أما المكتب فهو مغرم وعبء ، المحروم من اللجنة مغضوب عليه أما من ابتعد عن المكتب فقد عفاه الله من مسئولية وأمانة تشيب لها الرؤوس ، المنتسب الى لجنة السياسات مسعد بالسلطان والامتيازات والتسهيلات التى لا يطالها غيره أما الداخل  لمكتب الارشاد فهو مثقل بالمهام والهموم ، محاصر ومتهم الى أن تثبت براءته !!! فكيف بالله عليكم يفرح الداخلون الجدد ويحزن من لم يرد الله لهم الدخول فى هذا الوقت من الزمان؟

ندعو الله لمن تحمل المسئولية أن يكون أهلا لها وأن يعينه على ذلك فالمهمة ثقيلة والمرحلة دقيقة والخيارات محدودة والمتربصون كثر والمحبون والمتعاطفون بالملايين فاللهم وفقهم وسدد رأيهم واجعلهم مع من تحب من أبناء مصر المخلصين سدا منيعا ضد الاستبداد والظلم والفساد اللهم آمين اللهم آمين

إضافة تعليق