الطوارق والطوارئ- من يفوز في النهاية ؟! ـ د.محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 22 - 4 - 2006

تشرفت بالحديث أمام أساتذة مصر في مؤتمرهم الأخير يوم الجمعة 14/4/2006 الذي ناقش مشاكل وهموم ومصائب التعليم الجامعي في مصر وقد أشرت وناشدت الجمع الكريم . أما ما أشرت إليه فهو دور النظام المصري في إشعال الفتنة الطائفية من باب إشاعة الفوضى الهدامة التي تبرر له التدخل بالقوة التي لا يملك سواها في التعامل مع شعب مصر والظهور بدور المنقذ عند الأزمات. ولكن رد فعل الإخوان ونوابهم كان أكثر فعالية من الناحية السياسية ، ولعله موقفهم الوحيد الذي لاقى استجابة من الأخوة المسيحيين وقت الأزمة، وضيع على النظام الفرصة !!.

وقد توقعت - طبقا لتاريخ طويل مع مسئولين فرغت جعبتهم من تصرف حكيم أو تصور جديد - أن يستمر إعلان مزيد من الفتن وكشف الكثير من المؤامرات حتى آخر مايو موعد تجديد قانون الطوارئ !! . وفعلا لم يكد يمر أربعة أيام بعد هذا الحديث ، حتى خرج علينا متحدث وزارة الداخلية بالكشف عن تنظيم سلفي جهادي – طبعا لازم يكون إرهاب إسلامي طبقا للمواصفات الأمريكية !!- وأقسم بالله أن أغلب أفراده من المعتقلين في حوزة الأمن المصري منذ وقت طويل. وحتى تكون هناك شفافية بدلا من اللف والدوران ، أعلن الرئيس المصري أنه لابد من مد العمل بقانون الطوارئ لأن مصر مستهدفة – خلي بالك مش النظام المستهدف لأنه نظام متين وقوى !! أو تكون مصر هي النظام والنظام هو مصر – وهنا ظهرت القصة التي لا يمكن تخيل على أي مواطن وده عيب النظام المصري أنه يتعامل مع الشعب المصري باستهبال وكأن المصريين أغبياء !! ، رغم أنه ثبت يقينا من الغبي ومن الصابر !!.

وحتى لا نقسم مرة ثانية على بديهيات لابد أن نجيب على تساؤل : لماذا تمتد حالة الطوارئ لمدة 25 سنة في حياة الشعب المصري المسالم الطيب الصبور ؟!! ، إن فرض حالة الطوارئ لم تمنع عمليات إرهابية تمت في الأقصر والقاهرة وطابا وشرم الشيخ ، ولم تمنع احتكاك طائفي بغيض حدث في الصعيد و في المنوفية و في القاهرة و الإسكندرية ! ، كذلك فإن حالة الطوارئ لم تمنع انتشار المخدرات أو ازدياد عدد "البلطجية" مثلما حدث في أسوان بعد مهاجمة مهربي أسماك بحيرة السد العالي لمكتب مباحث التموين بأسوان وإحراق كافة محتوياته يوم 17/4 ، بل لم يجرؤ قانون الطوارئ أن يتدخل لإعادة الأمن إلى شوارع بنى سويف التي اجتاحتها أحداث شغب و "بلطجة" أسفرت عن تحطم عشرات المحلات التجارية وسرقة محتوياتها وتحطيم عدد كبير من السيارات نتيجة نشوب معركة بين مجموعتين من "البلطجية" والمسجلين خطر في بنى سويف ، وقد وصلت قوات الشرطة إلى موقع الحادث بعد انتهاء أعمال الشغب !!! ، وطبعا السبب معروف لتأخرها ، لأن العشرة بينهم في الانتخابات البرلمانية ما تهونش إلا على أولاد الحرام !! و"البلطجية" معلوم أنهم الاحتياطي الإستراتيجي لنظام يحكم بقوة العسكر وعقلية العضلات !!.

أما ما ذكرته من مناشدة توجهت بها إلى الأساتذة في نفس المؤتمر فقد كانت لمقارعة تعسف الإدارة في استعمال سلطاتها بعيدا عن الحق والعدل والصواب ، تقليدا لأبنائنا الطلاب الذين نجحوا في إنشاء الاتحاد الحر مع إقبال طلابي أذهل المراقبين لارتفاع نسب المشاركة التي وصلت في بعض الأحيان إلى 40% في بعض الكليات . والحمد لله فقد كانت انتخابات نادى أساتذة الإسكندرية نموذجا رائعا لكل أساتذة مصر ، فقد تحرك أعضاء هيئة التدريس وأنشئوا لجنة للحريات جمعت توقيعات الراغبين في عودة الحياة للنادي الذي تم تأميمه منذ عام 1994 م وانتهت شرعيته ، ولكنه لا يرحل طبقا لتعليمات الأمن الذي جمد الدماء في شرايين الوطن وأوقف الحياة في جنبات مصر ، لأنه لا يستطيع أن يجارى الشعب في النشاط والحيوية ، فعمد إلى شل كل حراك في أي مكان على أرض مصر !! .

في هذا المناخ تحرك أساتذة الإسكندرية ، فما كان من النظام المصري الفاشل إلا أن يصدر قرارا إداريا بحل مجلس الإدارة القديم العفن وأن يعين مفوضا له اختصاصات رئيس مجلس الإدارة لدعوة الجمعية العمومية للنادي لانتخاب مجلس إدارة جديد قبل 30/4 !!! . تصوروا بعد 13 سنة تجميد و "طناش" ، يصحح أسماء ويستخرج كارنيهات ويدعو وينتخب الأعضاء في 23 يوما !!!! كان توفيقا من الله أن صدر هذا القرار الغبي ليفوت الفرصة على الأساتذة لعقد جمعيتهم بإرادتهم الحرة ! وتم الطعن على القرار ليصدر القضاء المصري حكما تاريخيا يوقف قرار المحافظ وقرار ما يسمى وزارة التضامن الاجتماعي بإلغاء الجمعية العمومية ، وأقر بصحة الدعوة للاجتماع والانتخاب والحمد لله رب العالمين . فقد صدرت شرعية قانونية تؤيد تكاتف الأساتذة ودعوتهم لانتخاب ناد حر !! و هنا ظهر قانون الطوارئ اللعين ! وأغلق مقر النادي ومنع الأساتذة من الدخول إلى رصيف أمام كلية الهندسة لإجراء الانتخابات ، وذلك بعد أن اخترق الحصار عدد لا بأس به ومعهم توكيلات لزملائهم . وعندما أردت الدخول منعني اثنان من الضباط في سن أولادي ، "طب ليه ؟" ، .. دي أوامر .... !! ، أنا مستحيل يا بنى أنفذ أمر لا أفهمه أو لا أوافق عليه ... صمت !! طب نادي لي حد من أصحاب القرار ... أنا صاحب قرار ...!! طب إيه هو القرار اللي انت صاحبه ؟ ، أشار بأصابعه .. ما تعديش الحاجز ده واتفضل بقى إنت وهو بعيد !!!!! .

هذا هو الجانب المظلم من الحدث ، وطبعا أكيد فيه الحكومة والنظام ! .. تركناهم وذهبنا إلى الجانب الآخر .. وجدنا عدداً كبيراً من الأساتذة .. رجال وسيدات وجمع غفير من الصحفيين أمام صف طويل من جنود الأمن المركزي ، ونفس الوجوه من ضباط لا حول لهم ولا قوة يقفون .. وأنا وكل المخلصين يحترقون من أجلهم وهم يشاركون في تحطيم الوطن وإفساده !! ، حتى ظهرت النتيجة وفاز 15 أستاذاً من الطوارق الذين طرقوا رأس هذا النظام البائس ، منهم المسلم و المسيحي والرجل والمرأة وكل أطياف الفكر في الجامعة ، وتبادلنا التهاني بنصر جديد يضاف إلى نصر الطلاب الذين يخوضون حتى اليوم معركة فرضها عليهم النظام المفلس ، ويدفعون فيها الثمن غاليا من مستقبلهم وأمنهم وأعمارهم ، ومن بعد يخوض القضاة الشرفاء معركتهم مع هذا النظام الأحمق الذي أباح لنفسه التدخل في شئون القضاة . وعندما أراد النواب حماية استقلالهم ، رفض النظام بحجة أنهم سلطة مستقلة لا يجوز التدخل في شئونهم !!. شوف "الخبل" !! هذا النظام هو الذي ورطهم في السياسة عندما أخذ منهم المحافظ والمستشار ، وعندما تحكم في عرض قضايا خاصة على دوائر خاصة للحصول عل أحكام خاصة !! ، وعندما عين قضاة بعينهم في دوائر انتخابية بعينها كي تزور النتائج لرجاله! .. فإذا دافعوا عن أنفسهم وعن استقلالهم اتهمتهم الحكومة بأنهم مسيسون وأصحاب هوى !!! إن طوارق القضاة بصمودهم ووقفة الشعب المصري كله خلفهم إن شاء الله ، لهم المنصورون الفائزون ، وسيطول طابور الحق وأصحابه ، وستسقط الطوارئ ومن خلفها .. ودوام الحال من المحال ، وإن غدا لناظره قريب ، والله من ورائهم محيط .

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق