الأمن القومى .. بين الحسرة والخسارة !! ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 29 - 8 - 2006

تأملت فى الأسس النفسية التى تنبنى عليها علاقة الحكام العرب بدولة مثل إيران وتتبعت تأرجح العلاقات بين الصفاء والعداء واطلعت على بعض التقارير لخبراء الإستراتيجية المصرية بالتحديد تحت عنوان (الحكمة والعلم) دراسة حالة –إيران "سياسيا،اقتصاديا،اجتماعياوثقافيا ،عسكريا "صادر فى يناير 2004م والحقيقة أو الخلاصة فى هذا التقرير هو أنى وجدت هناك تقديرا كاملا لإيران كقوة اقليمية تربطنا بها كعرب ومسلمين روابط وعلاقات أكثر من المشاكل والخلافات وكان الحوار هو أنجع الوسائل لتقريب وجهات النظر بين الطرفين حفاظا على أمننا ومصالحنا القومية ، لكن الحقائق على أرض الواقع تقول أن الأمن القومى العربى فى فكر الحكام العرب لا يتعدى أمنهم الشخصى واستقرار عروشهم وكراسيهم وهو خلاف مثير بين إيران ومصر نظرا لاختلاف طريقة اتخاذ القرار بين مؤسسية تحمل رؤية استراتيجية تخدم فكرة ذات مرجعية دينية- اختلفنا أو اتفقنا معها – وبين أفراد نرجسيين لا يفكرون إلا فيما يخدم الاستقرار والشرعية الذى يعنى بقاؤهم وأبناؤهم فى الحكم بأى شكل وبأى صورة !! وموقف الحكام العرب من إيران موقف يحدد بوصلة التوجه الحقيقية لذا فإن الأستاذ هيكل فى حديثه للجزيرة مرة – أغسطس 2004م – قال :

" أتعجب حتى هذه اللحظة من المقاطعة الكاملة لايران.. لم يحضر شيمون بيريز إلى مصر .. ولم يقابل مسئولين مصريين إلا وقضى نصف الوقت يحرض على إيران، وما يدعو للدهشة.. أن العالم العربى كان محبا لشاه إيران صديق اسرائيل إلا أن العالم العربى كره جدا الثورة الاسلامية الإيرانية وهى معادية لاسرائيل "!! واضح هنا أى مصالح ومحددات انتماء تتحكم فى هذه العلاقة ! وقد أقر التقرير سالف الذكر بحجم العلاقة وأهميتها بين مصر وإيران بقوله " ايران ومصر دولتان لهما مقومات مشتركة ويجمعهما تشابه شديد من الناحية الآجتماعية والاقتصادية والثقافية، فكلا الدولتين يعتبران من القوى الإقليمية التى لها وزن من ناحية عدد السكان والامكانيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكلا البلدين من أصحاب الحضارات القديمة. كما أن لهما أهمية خاصة فى التاريخ الإسلامى، لقد ذاق كلاهما الإمبريالية الغربية وناضلا من أجل الحصول على الاستقلال " ورغم كل ما تمثله إيران لمصر والعرب من أهمية استراتيجية نجد أن الموقف المصرى من قطع العلاقات وعدم القدرة على إعادتها لاتبرير له إلا أنه قدم المصالح الإسرائيلية والضغوط الأمريكية على الأمن القومى المصرى الذى يرى بمنطق حكام آخر الزمان" أن إيران فى الخليج تهدد مصر بينما الكيان الصهيونى فى فلسطين لايهددها "، وقد اعترف لى يوما ما نائب مزور يتولى الشئون الخارجية فى مجلس الشعب – ونحن داخل سفارة إيران عام 2002م فى احتفال بالاستقلال - أن مصر لن تستطيع إعادة العلاقات مع إيران دون موافقة أمريكا لأن القطيعة تحقق مصلحة أمريكية !! وسلم لى على الأمن القومى الذى لايبارح مصالح أولئك الحكام ، لذلك عندما هدد الإخوان والقوى المعارضة ( فى انتخابات تحت السيطرة ) كراسى هؤلاء المدعومة أمريكا!! اعتبر النظام الشعب المصرى – حتى لو بالديمقراطية – مهددا للأمن القومى الشخصى أسف المصرى! فقتل 14 مواطنا وأصيب الآلاف وتم تلفيق تهم مازال أصحابها الأبرياء فى سجون النظام المصرى !! لقد شغلت إيران الفراغات التى تركتها السياسة الخارجية المصرية والعربية لأن حساباتها تختلف فهى صاحبة قضية عامة ورؤية واضحة فى مقابل هوى وضعف يلف القادة العرب لذا لم يستطع النظام المصرى الاسترشاد بما أقره خبراء الإستراتيجية من ملامح مقترحة للتحرك فى اتجاه ايران والذى قدم لهم عام 2004م كى يحقق بناء أسس قوية لدور مصرى إقليمى فعال فى منطقة الشرق الأوسط يأخذ فى إعتباره المتغيرات الجديدة فى كل المستويات ، واحتواء الأخطار الناجمة عن أى تهديدات أو تحالف أو محاور تؤثر على الأمن القومى المصرى والعربى ، ومن أهم هذه الملامح –كما أوصى الخبراء عام 2004م - :

01 استغلال العلاقات الطيبة بين المملكة السعودية وسوريا وبين إيران لبناء الثقة وعودة العلاقات العربية الإيرانية

02 استثمار التوجه المعتدل للنظام الحاكم فى ايران حاليا لبناء المصالح المشتركة بين مصر وايران وتوضيح وجهة النظر المصرية فى القضايا الخلافية بين البلدين !

03السعى لاقناع ايران بالدخول فى مفاوضات مع دولة الإمارات العربية المتحدة بشأن الجزر المحتلة وذلك للوصول إلى أفضل صيغة تحفظ حقوق الطرفين الإقليمية والسيادة على الأرض

04العمل من خلال منظمة المؤتمر الاسلامى وقمة الثمانية الإسلامية لتوحيد المفهوم فى القرارات السياسية التى تتعلق بأمن المنطقة .

05إدارة الدبلوماسية العربية تجاه ايران بشكل يسمح لها بتفادى الصدام مع القوى الإقليمية والدولية.

06التأكيد على الحفاظ على وحدة شعب العراق ورفض أى مشروعات لتقسيم أراضيه لما يشكله ذلك من خطر جسيم على إيران وكذلك على الدول العربية.

07 الرفض الكامل لسياسات المحاور والأحلاف بالمنطقة العربية أو منطقة الشرق الأوسط .

08استغلال رغبة الاتحاد الاوربى للعب دور ايجابى فى منطقة الشرق الأوسط من أجل الحفاظ على مصالحه للإسراع فى استكمال مسيرة السلام بين العرب واسرائيل ، مع العمل على إحياء الدور الروسى لتأييد وجهات النظر العربية فى المحافل الدولية.

09 وعى القيادة السياسية فى إيران ومصر إلى دور كل منها فى منطقة الشرق الأوسط وعدم السماح للسياسة الإسرائيلية بالإيقاع بين الدولتين . انتهى

هذا التصور من قلب خبراء الاستراتيجية المصرية - وهناك فى المحور الاقتصادى ماهو أروع – وقد تم تقديمه للقيادة السياسية فما هى النتائج؟ أهمها أنه تأكد لنا وطنية وعظمة العقول المصرية التى تدرس الواقع بصدق وتقترح الحلول بمهارة فى مقابل تنفيذ سىء على أرض الواقع من متخذى القرار لا اعتبار فيه إلا للأمن القومى الشخصى !! حتى صارت إيران اللاعب الرئيسى اليوم فى المنطقة الذى يقف بقوة أمام الرغبات الصهيونية وضد الإرادة الأمريكية بينما مصر تقف مع أعداء الأمة تدعمهم بالموقف السياسى والدعم البترولى والمادى على حساب الحقوق العربية الإسلامية وعكس ما توصلت له التوصيات فقد سمح النظام المصرى لإسرائيل وأمريكا أن توقع بين مصر وايران !!

تذكرت هنا – ونحن بصدد استعراض دور الأجهزة الداعمة لإتخاذ القرار فى مصر- أن مسئولا أمنيا رقابيا كبيرا التقيته فى مكتب مسئول كبير- وسألته على حجم الفساد الذى أحدثه وزير التربية والتعليم الذى قضى أكثر من 18 عاما يجرف فى التعليم المصرى وكان النظام بصدد تشكيل وزارى قريب فقال لى: فى أكثر من تشكيل وزارى سابق طلب منا الرأى وكنا نرفض بالإجماع توليه الوزارة ونرفع التقرير ثم نفاجئ كل مرة بتعيينه مرة أخرى!! ودورنا ينتهى عند رفع التقرير !!!! نحن إذن بصدد نظام يتحكم فى مصر برؤاه الخاصة دون أى إعتبار لأراء أو احترام الأجهزة المعنية ! وقد سردت مثالين أحدهما لشأن خارجى وآخر لشأن داخلى كى يرسخ فى قناعة بعض المترديين أو المشككين أن الترقيع فى هذا النظام لايجوز وأن أمل التغيير والعودة لحضن مصر ومصالح أبنائها على يد هذا النظام لن يتحقق ويبقى النداء لكل المخلصين الذين يبذلون الجهد بتفان من أجل مصر ويجدون أن خلاصة أفكارهم ودراساتهم تذهب أدراج الرياح أمام مصالح شخصية جعلت من مصر أضحوكة العالم كله . يبقى النداء للاستفادة من عقول مصر التى تبغى لها الرفعة والكرامة ودورها فى المشاركة مع كل محبى مصر فى وضع تصور للخلاص من هذا الهوان دون إثارة فوضى لن تفيد إلا لنظام لايجيد إلا ممارسة العنف ضد أبناء الشعب المصرى لأنه الوحيد –الشعب- الذى يمثل خطرا على الأمن القومى الشخصى لحكام مصر المحبوسة .

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق