سويقة مصر! ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 14 - 4 - 2007

لأن العدل والحرية لا مكان لهما فى مصر فى ظل النظام الحاكم الحالى ، ولأن العقل والمنطق لاوجود لهما فى منهج تعاملات هذا النظام الجاثم على صدر مصر والمصريين غصبا وقهرا ! ولأن الحق ضاع ولم يحصل عليه أصحابه فى ظل استعلاء المنتمين لهذا النظام ! ولأن القيم والثوابت انهارت بفعل أولئك الذين استخفوا بعقائد الشعب واعتدوا على الأخلاق والطهارة والعفة والصدق والكرم وأذلوا الأمانة والشرف والعفاف ولم يكتفوا بذلك بل أشاعوا الجبن والخوف والكذب والنفاق وقربوا اليهم الفاسد والمستبد والظالم والموانس والصامت عن الحق والمجاهر بالمعصية .. لقد كذبوا ومازالوا يحكمونا بالكذب ويتحرون الكذب حتى كتبوا عند الله من الكاذبين ! لكل هذه الأسباب يمكن لنا أن نصف ماتبقى من مصر بأنه مثل السوبر ماركت العملاق أسف فكثير مما نفتقده قد يتوافر فى السوبر ماركت! لذا يمكن أن نعتبره مثل السويقة لا ضابط ولا رابط ولا نظام يحترم ! لاالتزام ولا إلزام !! هنا فى هذا المناخ المضطرب ضاعت الحقوق وافتقد الأمل ولقد وضح لمن عاين بنفسه وكابد صعوبة الحصول على وظيفة محترمة تناسب مؤهله أن المتاح لشعب مصرالآن من أعمال تنحصر معظمها فى وظيفة مندوب إعلانات أو موظف تحصيل مهما كانت شهادته وده بعد الواسطة والذى منه !!!

شاب قريب لى و بعد جهد جهيد وفر له نائب فاضل وظيفة فى وزارة البترول ويا ليته ما ذهب! .. فالوظيفة له ولزملائه الذين سبقوه أو استلموا معه بعد انتظار دام أكثر من 9 شهور كانت محصل لفواتير الغاز رغم أن شهادتهم تنتمى للأكاديمية البحرية وبكالوريوس تجارة وخدمة اجتماعية وحاسب آلى وتربية وليسانس آداب وشريعة وحقوق !! وزيادة فى الإحترام ! مكان تجمع المحصلين مع المدير على القهوة وسط المشاريب !! والانتقالات على حساب الشاب الذى يتقاضى حوالى 350 جنيها لاتكفى مواصلاته غير النظرات و الكلمات التى يمن بها من يمر عليهم من سكان عزب العبيد والصفيح حتى أرقى المناطق وهى ما تثير غضب الشباب حيث ينال الواحد منهم أحيانا إهانات أو استنكارا لعملهم الذى لا يطابق أشكالهم وهو ما يبدو عليهم أنهم ولاد ناس !! وباقى الأعمال المتاحة مندوبو دعاية أوتسويق بدأ من الأدوية والمكملات الغذائية و حتى المستهلكات من أدوات النظافة مرورا بالأجهزة المنزلية والطبية والخدمات الترفيهية !!

هنا أتذكر فى أحد المطاعم الشهيرة أخذت بناتى وأمهم لأخرجهن من حالة الملل التى سيطرت على حياتهن بين المذاكرة والسفر لكلياتهن وبعد أن استقر بنا المقام وجدت همسا حولنا حتى تقدم أحدهم وتعرف على ورحب بنا وعرفنى على نفسه حيث يقدم الوجبات للزبائن ولا أدرى لماذا ذكر لى مؤهله ؟!! ربما لأنه لم يجد أحدا من المسئولين يلومه على ما وصل اليه الحال به وبكل شباب مصر ! وربما ليشعرنى بحجم الأذى الذى نكون قد تسببنا له فيه بصمتنا على استمرار هذا النظام الذى يحصد أعمار وحياة شباب مصر دون أن يوقفه أحد عند حده !! فقال أنا خريج شريعه وقانون 2005م !! ولأنى أدرك حجم المأساة التى يحياها شباب مصر لم أجد ما أرد به عليه سوى "ربنا يوفقك لعمل أفضل إن شاء الله قريبا " وأنا أدرك أن ما يحصله قد لايكفى لمعيشته بمفرده فضلا عن أسرة من أب وأم وأخوة قد يكون مسئولا عنهم ناهيك عن استحالة التفكير فى زواج يعفه ويصونه ويحقق له الاستقرار النفسى والعاطفى وذلك هو الحد الأدنى لحق المواطن وواجب النظام الذى حرم الشعب من كل شئ حتى الأمن الشخصى وحرمة أسراره !! ولا أحدثكم كثيرا - لأنكم تعلمون - عن شباب بعضهم حاصل على الماجستير ويدرس الدكتوراة ولا يجد بدا من بيع الخضروات والفاكهة فى الأسواق وقد يخسرها كلها – وهو لم يدفع ثمنها بعد – مع حملة انضباط لشرطة المرافق التى تطارد فقط الغلابة وتحطم الفرشة والطعام وتستولى على الميزان لتحصيل غرامات ممن خسر كل شئ !!

ولقد حاولت كثيرا مع مسئولى المرافق أثناء فترة نيابتى أن أوضح لهم الأمر حيث أن مهمتهم يجب أن تكون جزءا من منظومة توفر لهؤلاء وسائل الكسب الحلال والبدائل قبل أن تطاردهم وتظلم الدنيا فى وجوههم !! وأوضحت لهم أننا مع النظافة والنظام واحترام القانون ولكن هذا ليس على حساب الإنسان وكرامته وحقوقه من وطنه ولكنك تفاجئ بردود من عينة " معقول يادكتور أمشى بالحملة فى وسط كل المخالفات دى ولا أرجع بشئ ! يعنى لو المدير عدى دلوقت مش حايشوف المخالفات دى ويسبب لى أذى !!" ورغم أنى نجحت مرات فى تخفيف حدة المعاملة غير الإنسانية التى يلقاها البائعون الجائلون و قد رصدت كاميرا النيويورك تايمز أحداها فى زيارة للدائرة خلال عام 2002م وتم نشرها !! إلا أن مرات أخرى كثيرة كان حجم الظلم فيها كبيرا والعجز الرسمى أمام حلها أيضا كان كبيرا!! والحكومة الآن تعد العدة لتوفير آلاف فرص العمل للشباب المصرى –ولاد الأيه- لتوزيع الخبز على المنازل ومشاريع وطنية للنظافة لمنافسة الشركات الأجنبية !! وليخرس الجميع لأن الحكومة والله ما قصرت !!

العجيب فى أمر هذا السوبر ماركت الكبير – قصدى السويقة -أنه أصاب أبنائه بالأمراض ثم حرم المرضى منهم من فرص العمل القليلة التى أتيحت لهم ، ولأن تخصصى فى أمراض الكبد والحميات فلقد عانيت ومازلت من نظرة النظام المصرى لأبناء الوطن حيث لوث بأفعاله وأدائه وخططه وتصوراته حياة المصريين من ماء وهواء وتربة وأصيب المصريون بأمراض معدية ووبائية جراء العيش فى هذا المناخ الملوث الذى ابتعد عنه المسئولون على كل المستويات الذى توفرت لهم بدائل السكنى والطعام الجيد حتى سمعنا عن طعام الرئاسة من باريس وأوربا !! هذا المناخ الذى لوثه نظام الرئيس مبارك نتج عنه إصابة أكباد المصريين بفيروسات تزداد معدل انتشارها يوما بعد يوم وعندما فكرت الحكومة فى المواجهة منحت المستوردين من أبنائها المقربين فرصة المتاجرة بعلاج أثاره الجانبية أكثر من نسبة شفائه ليكون مشروعها القومى لعلاج فيروس C!!

لكن يبقى السؤال : كيف حرمهم من العمل ؟!! لقد أوقفت السعودية ودول الخليج توظيف المصريين المصابين بالفيروس !! ثم فوجئت فى عام 2002م برجل متين الجسم يتمتع بصحة جيدة يأتى لدى بالعيادة وهو يكاد يبكى !! لأنه أنهى كل إجراءات التعيين فى شركة الكهرباء ثم وقف التعيين بسبب فيروس C وهو بكامل صحته فماذا يفعل ؟

تحققت من الأمر وأرسلت سؤال لوزير الكهرباء لمعرفة سر إغلاق باب العمل فى وجه المصريين داخل مصر بعد أن أغلق فى وجوههم خارج مصر حتى ليبيا الآن تمنع حاملى الأجسام المضادة من العمل بها !! ورد الوزير مستنكرا أن يكون تحليل الفيروس من مصوغات التعيين , واتضح فيما بعد أن الإدارة الطبية كانت تكذب على الوزير أو أن كلاهما كانا يكذبان على الشعب المصرى بأكمله !! حتى أمن السويقة صار من أسباب الإعفاء من التجنيد فيه وجود فيروس C !! حتى شرف الخدمة فى أمن السويقة لا يناله المصابون بالفيروس هذه الأيام !!ولم يبق من فرص عمل إلا القطاع الخاص من محصلين ومندوبى مبيعات وربما يخرج علينا القطاع الخاص والعاملون فيه من أولاد الذوات بطلب استيفاء التحليل قبل التعيين حتى لا تختلط دماء الغلابة ولاد الجارية بهم !!

وأختم حديثى عن سويقة مصر بقصة عجيبة ربما تتاح الفرصة كى أطرح تفاصيلها فى الوقت المناسب ملخصها أن صيدليا شابا اكتشف خلطة عشبية من أعشاب متداولة فى الاسواق لعلاج الفيروس C وجاءنى يطلب منى الإشتراك معه فى تجريبها والإشراف على رسالة ماجستير له فى كلية الصيدلة لاعتمادها علميا ورحبت وبدأنا العمل عليها ووجدنا أن نتائجها مشجعة اكلينيكيا ومعمليا وجلست هيئة الاشراف لوضع ملامح البرتوكول الواجب تنفيذه ولكن – بدون سابق انذار- سقط الصيدلى فى تمهيدى الماجستير أكثر من مرة رغم تأكده من نجاحه وتأخر التنفيذ الفعلى لمشروع الرسالة!!

وبالبحث والتحرى وجدنا أن وكيل كلية الصيدلة والمشرف على الرسالة هو رئيس المكتب العلمى لأحد شركات الأدوية الكبيرة وطمع فى العلاج فتعمد تأخير الطالب، ثم ساومه على مبلغ له ويترك البحث وتصاعدت الأمور الى المحاكم طعنا على نتيجة التمهيدى وما زالت الفصول لم تكتمل واتيحت الفرصة للصيدلى الشاب من شركة أجنبية و كان الرفض هو الرد وبلدنا أولى !!

لكن التجربة قاسية على نفس كل شريف حيث اختفى العالم الصادق الذى يسعى فى مساعدة طلابه وعمل الخير لبلده وأهله !,الكل يبحث عن الربح حتى لوكان على حساب حرمان المرضى من علاج لن يكلف شيئا !! ألم أقل لكم لقد أورث هذا النظام فساده وظلمه واستبداده لكثير من أبناء الشعب وهم من يمنحوه الحياة حتى الآن وويمدونه بالنفس الطويل وصدق من قال أن مصر لا تعانى من فساد الإدارة بل من إدارة الفساد الذى ملأ حياتنا .

إذن الأمر يحتاج الى مواجهة كل هؤلاء الظالمين وملاحقتهم وتجريسهم حتى يحرموا مما ارتجوه من مكانة وسمعه شرف لا يستحقوه ! واجب الآن على من يملك قلما أو جريدة أو موقعا ان ينشر قوائم بأسماء هؤلاء المفسدين كبارا وصغارا سواء كانوا سياسيين أو أمنيين أو اقتصاديين أو إعلاميين أو أساتذة جامعات أو مثقفين ومن شأن هذه المواجهة السلمية خلق حالة من الوعى التى تلحق بحسن النية وتسبق ازدياد الهمة وبهذه المنظومة نستطيع بإذن الله أن نغير مابأنفسنا فيغير الله تبارك وتعالى ما لحقنا من هوان فى واقع معيشتنا داخل أوطاننا ومن سهلت عليه المهمة الأولى تحققت على يديه بفضل الله المهمة الثانية وصدق الله العظيم "ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" "والله غالب على أمره" و "ان تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم "

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق