تصريحات الرئيس وجذور المشكلة! ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 15 - 1 - 2007

نجحت المؤمرات والخطط التى وضعت لتشويه صورة الإسلاميين أبناء الحركات الإسلامية المعتدلة الوسطية سواء فى المعارضة أوبعد أن تولوا الحكم فى مصر وفى فلسطين على الترتيب ! بل وضحت النوايا الإجرامية فى حصار الشعب الفلسطينى كله واستباحت دمه وحرمانه من الماء والطعام والكهرباء كى تظلم فى وجهه الحاضر والمستقبل لأنه فقط اختار حركة المقاومة الإسلامية حماس لتفوز بالأغلبية فى المجلس التشريعى وتشكل الحكومة بعد أن رفض الجميع منذ البداية المشاركة فى حكومة وحدة وطنية دعت إليها حماس !! وشارك أبناء فتح من التيار الانقلابى الدموى والذى لا يملك تاريخا نضاليا مع مؤسسة الرئاسة التى استسلمت للإرادة الأمريكية ومن قبلها الإرادة الصهيونية وربطت بقائها بالرضوخ لمطالب العدو الاستراتيجى وسبب البلاء الذى تحياه الأمة وكذلك شاركت مصر وأردن , كل ذلك تم فقط لإثبات فشل حكومة فى خدمة شعبها رغم أن ذلك تم تحت حصار لو تعرضت له مصر – لسلمت فى الأسبوع الأول !! ورغم فشل كل الحكومات تلك فى توفير الحياة الكريمة لشعوبها دون حصار إلا أن الهدف كان واضحا , وهو ما تشابه مع الحملة الأمنية الظالمة والإعلامية السفيهه التى تناولت الإخوان طوال السنوات الطويلة السابقة حتى الاستعراض الرياضى الأخير لطلبة الإخوان فى الأزهر وما أعد له من تصويره بالميلشيات المسلحة وهو ما يخالف الحقيقة التى يعرفها جيدا المتابعون الصادقون المحترمون فى أماكنهم وحتى النظام الأمنى الذى يخنق مصر والمصريين ويعد عليهم أنفاسهم ويتباهى بقدرته على مكافحة الإرهاب وإنهاء وجوده على أرض مصر حتى استعان به الأمريكان فى جولاته ضد الإرهابيين بالمعلومات والتعذيب !

بعد حديث الرئيس مبارك وضح السيناريو الذى تحدثنا عنه طويلا لصناعة نموذجين يمكن تقديمهما الى الشعب المصرى لتخويفه وإرعابه مما سوف يحدث لهم فى ظل هؤلاء كى ننسى ما نحيا فيه من هموم أفرزها نظام استمر فى الحكم دون منافسة أكثر من 25 عاما وعندما ظهر المنافس واشتد عوده وعلا صوته تحركت جحافل الظلم والبغى التى تحمى النظام وتحافظ على استمراره ولمن لم يعرف كان حديث الرئيس حول خطورة الإخوان الذى أشاد بهم من قبل للصحف العالمية عام 1996 وأنكر صلتهم بالإرهاب أما اليوم مع وقوفهم بقوة لفضح نوايا التوريث وإعادة مصر للخلف مائة عام بالتعديلات الدستورية فهم سبب السرقة والنهب وغياب الاستثمارات والبطالة وكل الكوارث التى تحياها مصر وهو حديث لا أجد أنه من المناسب الرد عليه .

أهم ما لفت نظرى فى سياسة الأنظمة التى حكمت مصرخلال النصف قرن الأخير هى قدرتها على تدمير شخصية الإنسان المصرى بالحصار وتغييب الوعى بكل الوسائل الممكنة: تعليم وإعلام وسياسة واقتصاد وأمن , لذا أجد أن هناك مهمة يجب أن يهتم بها البعض ويشارك فيها الجميع لإعادة ترميم الشخصية المصرية التى اعتمد عليها النظام وفعل ما فعل بالوطن وقال ما قال بعيدا عن واقع الحياة المصرية !! هذه المهمة تحتاج لتشريح شخصية المصرى ومعرفة سر بقاء نظام الحكم الحالي كل هذه السنوات وهو مستمتع بعذابات المصريين جوعا وغرقا وحرقا وذلا دون أن يخشى ثورة أو انتفاضة أو هبة تؤرق مزاجه رغم إيمانى العميق بأنهم يألمون كما نتألم ولا يرجون من الله ما نرجو إلا أن سلوك النظام مع الشعب لابد وأن يكون قائما على دراستة لتركيبة الشخصيه المصرية رغم غباوة الأداء فى كثير من الأحيان تلك التى تحسب فى كفة الشعب لا النظام !! المهم ,

المركز القومى للبحوث الإجتماعية والجنائية له دراسة قيمة تحت عنوان "المصرى المعاصر:مقاربة نظرية وإمبيريقية لبعض أبعاد الشخصية القومية المصرية" للدكتور أحمد زايد تقدم تحليلا للمصرى أرى أن كل حركات الإصلاح وكل المهتمين بقضايا الإصلاح فى مصر فى حاجة إليه كمدخل لمعرفة خلفية تصرفات النظام و لكيفية التعامل مع الشعب المصرى دون إفراط أو تفريط !! أهم هذه الخصائص التى نتجت عن دراسة موسعة شملت عينات تمثل كل مصر حضرها وريفها شمالها وجنوبها فقرائها وأغنيائها الأميين والمتعلمين منهم رجالها ونسائها كبارها وصغارها :

01 التناقض والإزدواجية وهى من أبرز السمات التى تسم سلوك المصرى

المعاصر ومن أشكالها: *التناقض بين الأحكام المثالية والسلوك العملى الذى

يرتبط بتحقيق أهداف معينة فالمصرى عندما يصدر أحكاما بشأن الأخرين نجده يصدر هذه الأحكام فى ضوء معايير أخلاقية بحتة ولكنه لا يميل الى تطبيق نفس المعايير فى تقييم سلوكه. * التناقض بين العالم الخاص والعالم العام فللمصرى عالمه الخاص الذى يتكون من الأهل والأصدقاء يثق بهم ويطمئن إليهم ولكنه عندما يخرج للعام يتعامل بحذر شديد كأنه عالم غريب يستحق التوجس والشك

* التناقض بين النظرة النقدية وتبرير المواقف التى يتناولها النقد فشخصية

المصرى تتأرجح بين ثنائية النقد-التبرير عندما يواجه برد عملى ويفشل فى

التبرير الموضوعى يلجأ الى التبرير فى سياق عام مطاط (كل انسان معرض للخطأ أو كل الناس بتعمل كده) * التناقض أو إزدواجية القول والفعل مثلا اتضح أن المصرى إذا قال أن الشخص لا يجب أن يطيع السلطة طاعة عمياء فإن سلوكه الفعلى يكشف عن مخالفة لهذا القول , وهذه الإزدواجية أبرز عند شرائح الطبقة الوسطى وتبدو أظهر عند الشرائح المتعلمة منها عند الأميين

وخاصة أصحاب التعليم الأولى أو المتوسط ,فالتعليم غير المكتمل وغير

المتعمق ينزع الفرد من جذوره الإجتماعية دون أن يحقق له حياة تبعده كثيرا

عن هذه الجذور وهنا تتبدى فيه الإزدواجية فى أبهى صورها !!

02 الشك والتوجس وهما مستويان من الشك الأول يرتبط بالتوجس الذى يظهره

المصرى كلما تعامل مع الدوائر الأبعد عن دائرة حياته الخاصة وهو الأكثر

شيوعا وعمقا فى شخصية المصرى والثانى يرتبط بالتعامل مع أجهزة

الدولة من خلال موظفيها وهى أقل الآن بكثير لكن علاقة المصرى بالسلطة

يجب أن تفهم على أنها علاقة معقدة يحكمها التباعد وليس التقارب كما يحكمها الإستسلام والخضوع دون الإقتناع والتعاقد, فالمصرى يدرك مثلا أن الدولة سلطة عليا ويجب طاعتها ولا يتردد فى التعبير عن ذلك صراحة ولكنه فى نفس الوقت يبطن قدرا من الانتقاد لسلوكها يعبر عنه بصورة لفظية وليس فى صورة عملية وغالبا من خلف ظهر ممثلى السلطة خاصة الذين يناط بهم تنفيذ

القانون, ويتضاعف هذا التناقض عندما نجد البعض يتعلقون بذوى السلطة

ويتخذونهم مثلا عليا بالرغم من علاقتهم الخاضعة بهم ويتوحدون معهم رغم

شدة التسلط الذى يعانون منه من جراء تعاملهم معهم وهنا تتحول السلطة إلى

قيمة فى حد ذاتها وتتحول الوظيفة الحكومية فى عقلية الإنسان المصرى إلى

مصدر للسلطة مهما كان مستوى الوظيفة !

03 التعلق بالأشخاص : كشفت الدراسة المتصلة بالثقافة السياسية والممارسات

السياسية عن أن مستوى الثقافة السياسية للمصرى على درجة عالية من

التدنى وأن هذه الثقافة تنخفض بشدة عندما يتصل الأمر بالأحزاب والنقابات

وترتفع بشكل ملحوظ عندما يتصل الأمرالأفراد مثل رئيس الجمهورية وكبار رجال الدولة وذلك نتيجة المركزية السياسية التى يرتبط من خلالها المواطنون بأفراد أكثر من ارتباطهم بمؤسسات وتنظيمات وكذلك نتيجة التعبئة السياسية القادمة من أعلى وتلعب فيها وسائل الإعلام دورا هاما, وهنا نجد أن مشكلات المصرى يمكن لها أن تحل من خلال تدخل شخص وهنا تتحول السياسة فى ذهن الشخص العادى إلى ذلك السلوك الذى يسهم فى حل مشكلاته اليومية أو

يحقق له فائدة إقتصادية كما تتحول إلى العلاقة بهذا الشخص الذى يقدم له

الخدمة بعيدا عن المؤسسات الكبيرة والأجهزة الضخمة التى تستخدم لغة غير مفهومة وخطابا غامضا يتناقض كثيرا مع الحياة اليومية ومشكلاتها,إنما

السياسة هى أولئك الأشخاص الذين يسيرون أمور الحياة حتى لو كان فى هذا قدر من الإستغلال والظلم!!

04 السلبية وهى ليست سمة يمكن أن تلصق بشعب من الشعوب ولكنها يمكن أن

تميز سلوك بعض الشعوب فى بعض الفترات التاريخية وهذ الدراسة وجدت

قدر من السلبية لدى المصرى المعاصر خاصة فيما يتعلق بالمشاركة السياسية وهذا الضرب من السلوك السلبى خلقته ظروف تاريخية عاش فيها المصرى ومازال يعيش فيها حتى الآن, فلم يؤد التحديث والتغير إلى محو أمية

المصريين فأكثر من نصفهم مازال أميا وهناك عوامل أخرى ترتبط بالمستوى الإقتصادى-الإجتماعى لغالبية الشعب المصرى وأخرى بطبيعة التنظيمات السياسية , فمحور إهتمام الشعب المصرى هو حياته وهمومه الفردية

والأسرية وهنا يتحدد الوعى الإجتماعى عند مستوى الهموم ولا يتجاوزها إلى المستوى العام وهنا تشير الدراسة إلى دور الصفوة فى تغييب الجماهير حيث

تبقى الجماهير دائما خارج دائرة التنظيمات السياسية فالضم شكلى والصفوة

تسعى إلى تدعيم مواقعها مع المحافظة على الشكل التنظيمى للأحزاب دون أن تصبح الجماهير هدفا لممارسات الصفوة وسلوكها السياسى!! فنسبة كبيرة

من السكان لا تعرف أهداف العملية الإنتخابية ولا تدرك طبيعة الأحزاب ولا الهدف من إنشائها وهنا تنفصل الأهداف والطموحات الخاصة بكل من جماعات

الصفوةالسياسية والجماهير العريضة !

05 الصبر والدراسة تؤكد أنها أحد السمات التى تسم سلوك الإنسان المصرى,

وكما أن له مفاهيم مختلفة فى أذهان الناس فإنه أكثر ظهورا عند فئات

إجتماعية بعينها دون فئات أخرى, مثل الشرائح الدنيا فى المجتمع فقد ظهر شبه إجماع على أن الفقراء أكثر صبرا وتحملا والتفسير لا يبعد عن التدين التى هى سمة جوهرية فى شخصية الإنسان المصرى فهو يستعين بما يحمله فى داخله من مخزون دينى لكى يتحمل هذه القسوة والظلم كما لا يغيب البعد الإقتصادى الصعب الذى يعيش فيه الفقراء , ولكننا لا نستطيع أن نقول ان الفقراء صبورون إلى الأبد دون أن يظهروا أى قدر من الثورة على ظروف حياتهم ! فقد كشفت الدراسة أن الصبر يختفى عند حد معين يمكن أن نطلق عليه "عتبة الصبر " وهى تلك التى ترتبط باستمرارية وجود الفقير فى الحياة فهو صبور طالما أن حياته تسير فى هدوء وطالما أن وجوده ووجود أسرته لا يتهدد ويبدأ الصبر فى النفاذ إذا ما تهدد هذا الوجود بأى شكل من الأشكال وهنا يبدأ فى الثورة !!

وأخيرا هذه الدراسة توضح أن الإنسان المصرى قد يدرك مدى ظلم أجهزة الدولة والحكام الواقع عليه ويتعامل معهم بطرق تبدو متناقضة ولكن اتجاهه لا يكشف عن استعداد للثورة عليهم وعندما سئل أفراد العينة عن كيفية تصورهم لنهاية الحاكم والظالم جاءت النتيجة كالتالى 49% انتقام الله, 15% الموت نهاية للحاكم , 12,6% الصبر على الحاكم الظالم وأخيرا فقط 15% أشاروا للثورة على الحاكم الظالم ولم توجد هناك فروق تذكر بين الريف والحضر او بين فئات السن أو بين المستويات التعليمية المختلفة الأمر الذى يدل على قوة هذا الإتجاه وإمكانية استمراريته فى المستقبل والفارق الوحيد كان بين الذكور والإناث فقد كن أقل ميلا للثورة من الرجال !!

انتهى ملخص أجهدنى من هذه الدراسة القيمة ولكن يبقى إسقاطها على الأحداث الحالية من إصرار على بقاء الشعب المصرى أميا بأغلبيته !! وإصرار النظام على إشغاله بأكل عيشه وزيادة همومه بلا أمان أو اطمئنان !! وتغييب وعيه بإعلام فاسد وصحافة منافقة ! وحصاره والتضييق عليه حتى إرهابه لمنعه من المشاركة السياسية وتيئيسه منها باعتبار أن إرادة الحاكم غلابة ولا مفر منها !! وهو ما يحتاج منا لتحليل التعديلات الدستورية المقترحة أيضا فى ضوء هذه السمات الرئيسية فى شخصية المصرى المظلوم فى مصر المحبوسة والمنكوبة بحكامها ومثقفيها وصفوتها وسياسييها!

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق