الإخوان المسلمون فى زمن التزوير! ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 9 - 8 - 2008

لقد اختار الإخوان المسلمون طريقا يحتاج الى الإخلاص والحكمة والخبرة كما يحتاج الى الإيمان والوعى والصبر ولقد نشأت الجماعة على أفكار شاب موهوب وفقه الله سبحانه وتعالى الى تشخيص أمراض الأمة ووضع العلاج الذى يعتقد أنه مناسبا وصحيحا بقدر قربه من منهج الإسلام وحرصه على نهج الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم ولقد كان الإمام حسن البنا رحمه الله وتقبله مع الشهداء يعتبر – كما كتب الأستاذ عدنان أبو عامر- أن التنظيم وسيلة لا غاية, كما هى الدولة ، وآلية لأهداف عليا وليس بديلا عنها أو ملغيا لها ، فإذا كان الإسلام منهجا عالميا ، فإنه يفرض أن يكون أتباعه والعاملون له أفرادا ومؤسسات وحركات ، على جانب كبير من الانفتاح على جميع فئات المجتمع ،وإذا كان الدور الأساسى للإسلاميين معالجة البشرية من أمراضها وعللها ومساعدتها على حل مشاكلها ،فإن ذلك يقتضى الانطلاق لا الإنغلاق وإذا كان دور الدولة الاسلامية أن تكون شاهدة على الناس بالحق ،فإن هذا الشهود يحتاج الى الحضور لا الغياب " فى ضوء هذا الاختيار واجهت الجماعة وستواجه كثير من الحقد والتربص والغيرة والحسد بنفس القدر الذى تجد فيه ترحابا واحتراما وتقديرا للتضحيات التى تقدمها فى سبيل تحقيق المهمة المكلفة بها وحبا ورغبة فى سلوك مسلكها ! من هنا يمكن لنا أن نتفهم ما يدور حولنا من معارك يصنعها أو يفتعلها الصنف الأول ويروج لها إعلاميا بما يهدف لإصابة الصف داخل الجماعة والمحبين لها ومن يمثل الصنف الثانى بالإضطراب والحيرة والتشكك فى الأداء حتى تصل الى النوايا ، هنا تبرز مجموعة من القيم والمعانى التى يتربى عليها الإخوان ومن حولهم بحكم الخلطة والمعاشرة مثل حسن الظن والثقة والنصيحة المخلصة والتثبت والمراجعة ، وكل من يتجاوزها يقع فى المحظور الذى يهدد أى صف وأى جماعة

لايملك أحد كائنا من كان أن يمنح الإخوان المسلمين صكوك المثالية أو الصواب الدائم أو الخيرية المطلقة لأنهم فى النهاية تنظيم من البشر الذى يحمل رسالة هى أعظم وأجل الرسالات وبقدر قربهم منها يزداد الخير فيهم وهذا ما يملكونه وحق عليهم أن يقدموا النموذج الأرقى ولكنهم فى نفس الوقت لايملكون القدرة على منع من يستغلهم ليطعن فى الإسلام عبر انسانيتهم وأدائهم وعلى من يحب الله ورسوله وهذا الوطن أن ينصحهم بأفضل طريقة وأصوب وسيلة طالما صار وزنهم و حجمهم بهذه الضخامة المؤثرة .

أدرك بحكم الممارسة والخبرة وبعض العلم أن اهتزاز ركن الثقة يتبعه انفراط فى ركن الطاعة وهو ما يفسد أى عمل جماعى لذا يجب أن نحطاط من هذا المدخل الذى يلعب على وتره البعض عامدا والبعض جاهلا عن غير قصد من صحفيين أو باحثين أو مثقفين يجدون فى اختلافهم مع الإخوان سبوبة للتواجد على الساحة أو رفاهية فى الحياة !! ومحاولة تعريفهم أو توضيح الأمور لهم غالبا ما تصاب بفيروس الفشل الدائم لأن حياته واستمرارها تقوم على مثل هذا الموقف المهاجم الناقد بالحق والباطل ! وهذا صنف يجب على كل مهموم بالعمل العام أو متابع للحركة الاسلامية أو من صفوفها أن يعرفهم ويحددهم عندما يستمع اليهم أو يقرأ لهم

ولعل كثيرا من التصريحات الصحفية والحوارات التى تنشر على صفحات الجرائد مع رموز وقيادات الإخوان لا تخلو من تلاعب فى الألفاظ تارة والصياغة تارة أخرى وفى العناوين أغلب الأحوال والتى هى ملك رئيس التحرير يختارها كيف يشاء تحقيقا لرؤية وأهداف الجريدة وأصحابها، وهذا أمر لامانع منه إذا لم يغير فى الوقائع والمعانى والكلمات المؤثرة لصاحب الحوار خروجا عن الصدق والمهنية وأمانة الكلمة تحت شعار شرف الكلمة قبل حريتها !!

وقد كنت للأسف أحد هؤلاء الذين تم تحريف الكثير من أحاديثه واستلزم الأمر رفع بعض القضايا ضد صحفيين وأحد البرامج على الفضائية المصرية لإقرار الحق ولكن يبدو من القضاء - الذى لم يحظ باستقلاله حتى الآن - أن الوقت لاقيمة له وهذا عين الظلم ذاته !! بل وصل الأمر أن نشر على لسانى حوارات لم أدل بها بل تم تجميعها من تصريحات سابقة على أجزاء من مقالات سابقة فى خلط متعمد يقبع فوقه عنوان مثير كما حدث فى العدد الأسبوعى للدستور بتاريخ 16 يوليو 2008م !! ولقد اضطررت أكثر من مرة لكتابة مقال لتوضيح راى الخاص ووجهة نظرى فى موضوعين أثير حولهما كثير من اللغط "كى يقرأ منى بدلا من أن يقرأ عنى " الأولى بعد صدور برنامج الإخوان وجاء توضيحى فى مقالة " حسن الظن بين الدعوى والسياسى" والثانية بعد الانتخابات التكميلية لمكتب الإرشاد فى مقالة بعنوان " انتخابات الإخوان مالها وماعليها"

أما ما يستحق التوضيح اليوم فهو سؤال وجه الى من جريدة اليوم السابع ضمن حوار كامل كان كالتالى:

هل هناك تيار إصلاحى حقيقى داخل الجماعة؟

لا يوجد مثل هذه المسميات داخل الجماعة فهى ليست موجودة إلا عند من يلهث أو يتصارع حولها، ولكن يمكن القول إن هناك مدرستين بالجماعة أو اتجاهين أولهما يمثله عمر التلمسانى الشخصية المنفتحة على المجتمع، حتى أن الإخوان استطاعوا أن يقوموا بعمل 3 برامج لأحزاب سياسية مختلفة، بينما مدرسة مصطفى مشهور أكثر تشدداً و حفاظاً على سريه الجماعة. انتهى

وهى لاشك إجابة مختزلة من الصحفية حيث تكلمت فى هذا المعنى كثيرا يبدو أنها لم تفهم منه سوى هذه الكلمات ولأن البعض قد أثاره التقسيم بما يعنى وجود منهجين أو خطين فكريين داخل الجماعة وهو مالم أقصده لأنه من المستحيل على جماعة لها منهج فكرى واضح تميزت به طوال تاريخها أن تنتهى بمنهجين فكريين ! وقد استشعرت ذلك من عدة حوارات دارت حول هذا المعنى مما جعلنى أكتب اليوم توضيحا أن ما قصدته هو مدارس الطباع والرؤى التى تتنوع مما يجعل أداء الجماعة فى عصر كل مرشد يختلف عن الأخر رغم ثبات النهج والقصد والهدف ولاشك أن عهد الأستاذ البنا المؤسس اختلف عن عهد الأستاذ الهضيبى الأب وسط المحن والفتن التى لاحقت الإخوان ولاشك أن أداء الأستاذ البنا لو عاصرما عاصره الأستاذ المستشار الهضيبى سيكون مختلفا فرأينا كيف ان البنا أصدر "ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين " عندما خالف الشباب نهج الجماعة وتصرفوا اجتهادا فيما مس حياة الآخرين فى إطار ثوابت للجماعة وعليه فإن المستشار الهضيبى قد فعل ما كان سيفعله البنا عندما فارق التكفيريين وأعلن " نحن دعاة لاقضاة" فالثوابت لايمكن أن يختلف عليها إثنان لكن طبيعة الداعية ليست كطبيعة القاضى ومن هنا تعددت مدارس الأشخاص كما تعددت طبائع الصحابة رضوان الله عليهم ولكنهم كانوا يتنافسون فى طاعة الله وفى ذلك فليتنافس المتنافسون كل بما حباه الله من ملكات وقدرات ولايمنع هذا أن الأستاذ مصطفى مشهور ابن التنظيم الخاص كما يحلو للبعض أن يطلق عليه رحمه الله رحمة واسعة كان أكثر ديمقراطية وممارسة للشورى من كثيرين حوله ! هذه الاختلافات فى طبائع الأشخاص هى التى جعلت الإمام البنا رحمه الله يرفض طلبا للشيخ محمد الغزالى كى ينضم الى التنظيم الخاص لمقاومة المحتل على أرض مصر ، وكما يروى بعض من عاصروه أن الأستاذ البنا قال له " ياشيخ محمد إن بك صفتين لا تجعلان منك رجلا مناسبا للعمل فى التنظيم الخاص أولهما أنك تأخذ الأمر لتعرف حكمته وتفنده قبل أن تنفذه وهو ما لايناسب العمل فى التنظيم كما أنك إذا غضبت ظهرت معالم ذلك فى قسمات وجهك وعلى سن قلمك فانشغل بالدعوة الى الله ياشيخ محمد وسيبك من التنظيم الخاص " رحمك الله من إمام نجح فى توصيف قدرات جنوده ثم نجح فى توظيفها فى المكان المناسب، هذا ما قصدته من مدرسة الانفتاح ومدرسة تحصين الذات وكلاهما يصبان فى بعضهما البعض فالانفتاح يحقق الحصانة وكذلك التربية والحرص على الذات يضمنان نجاح الانفتاح الذى لا يختلف عليه اثنان فى الجماعة ، لذا نرجو أن نحقق فى أنفسنا قيادة وأفرادا ثوابت الجماعة التى أقرها الأستاذ المؤسس ولم يختلف عليها أثنان وهى خمسة ثوابت أولها الربانية ثم الشمولية ثم التربية ثم التدرج ثم الشورى الملزمة ، ثم ليتحرك كل منا طبقا لملكاته وطباعه وقدراته فى إطار هذه الثوابت التى ترفض العنف فى الكلمة وفى الفعل وتفتح أبواب الحوار كوسيلة للتواصل ووقتها لن نخشى أى حديث مزور أو مختلق أو مدسوس علينا ووقتها سيحقق حسن الظن وستحقق الثقة ما نرجوه جميعا من وحدة الصف ورشد القيادة وتحقيق الأهداف فى وقتها المناسب دون فرقة أو خلاف " ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا"

دبوس مشبك:

بعد السفور والفجور الذى انتاب أهل الحكم فى مصر فى مواجهة الشعب المصرى عبر الإذلال والتهميش المؤسس على قاعدة تشريعية فاسدة لاتحقق مصلحة واحدة للمواطن المصرى أرجو ألا يتنازل أحد عن حقه فى تطبيق صحيح القانون – الفاسد - لأن القائمين على التنفيذ لايلتزمون حتى بالنصوصن الفاسدة بل يتجاوزونها إذلالا واستهتارا فى وجود الخوف والرعب الذى تلبسنا من جراء حكم القهر والظلم والاستبداد وليكن قانون المرور نموذجا للوقوف أمام التعسف فى تطبيقه وإن لم نحسن الدفاع عما تبقى من حقوقنا فلنصمت قليلا ونكف عن الشكوى ولاحول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم

g.hishmat@gmail.com

إضافة تعليق