دفاعا عن السودان ومصر لا عن البشير ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 19 - 7 - 2008

هل يملك حكام الدول العربية والإسلامية القدرة على مواجهة محكمة الجنايات الدولية التي تركت كل المجرمين من الجنسيات الأخرى وتفرغت لمطاردة الحكام العرب الذين إن وضعتهم على الميزان لوجدت البشير أقلهم خطايا فها هو وحده يواجه رغبة غربية قديمة لتقسيم السودان ونهب ثرواته خاصة التي تفجرت مؤخرا ، ليس دفاعا عن البشير ولكن دفاعا عن السودان الواحد والموحد ، سودان الخير الذي تحمله أراضيه لكل العالم ، سودان التعايش بين كل القوميات والأديان !! سودان العمق القومي والاستراتيجي لمصر وأخر جوانب الحصار الذي لف مصر من الداخل والخارج !!! تلك هي مبررات الهجمة الحقيقية على السودان من خلال رئيسه الذي لا يفتأ يذكر العالم بتوجهه الإسلامي وهو ما يزيد من غضب القوى العالمية التي تحاصر أي صحوة أو نشاط ينتسب إلى الإسلام وهنا وضحت المكاييل المتعددة التي يتعامل بها المجتمع الدولي الذي ارتهنت إرادته بالرغبة والإرادة الأمريكية التي عبر عنها المدعى العام الأرجنتيني بطلب اعتقال البشير بعد أن جمع معلومات أكيدة وصلت إلى نوايا الرجل حيث قال أوكامبو "إن دوافع البشير كانت سياسية في المقام الأول، ودفاعه هو مكافحة التمرد ونيته كانت الإبادة الجماعية".!!! وبالغ في الأمر واتهم البشير بنيته في القضاء على عدة ملايين طبقا لما قدمه من أدلة !! "وتوضح الأدلة التي قدمت أمام المحكمة الجنائية في لاهاي، أن البشير هو المدبر لخطة تهدف للقضاء على مجموعات الفور والمساليت والزغاوة التي تسكن دارفور بسبب انتماءاتهم العرقية" !! ونحن ليس لدينا أي تفسير هذه الكراهية لدى البشير لقبائل الفور والمساليت والزغاوة حيث لم يثبت حتى الآن أن زوج أمه كان من إحداها أو أن هناك معركة إرث بينه وبينهم حيث أنه من المعلوم أن كلهم مسلمون وهو صاحب توجه إسلامي !! فلماذا هذا الغل والحقد لدى البشير ونظامه بأكمله ضد أهل دارفور ؟!!!!لم يجب علينا أحد أو يوضح المدعى ما هي الأسباب وراء كل ما يحدث بناء على الاتهامات الموجهة السابق ذكرها !؟ ثم أين مسئولية حركات التمرد التي تمولها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل كل بطريقته بصورة مباشرة أو غير مباشرة طمعا في تواجد دولي بدارفور للحصول على جزء من التورتة التي تخطط أمريكا لهبشها وحدها في أفريقيا وفى القلب منها دارفور !!! ورغم تفتت هذه الحركات نتيجة التدخل الأجنبي وتعدد مصادر التمويل والوعود بجزء من المغانم رغم أنها بلادهم ، فلم يوجه لها أي اتهام أو مسئولية !!!! تستمر تصريحات الهيئة الدولية فيقول ريتشارد ديكر: "من المعروف أن القادة الكبار في الخرطوم متواطئون في الدمار الذي لحق بدارفور، لكن من الجدير بالذكر أن طلب توجيه اتهامات جنائية قد تم توجيهه إلى قمة الهرم".

ولا ندرى لماذا لا ينطبق هذا التصور على شارون وأولمرت وبيريز ونتينياهو ورامسفيلد وبوش وبلير وكرازاى وطالبانى وغيرهم من حكام العرب القمم الذين هم مسئولون عما يحدث من مجازر ومذابح وحصار وتجويع وإبادة بلا تمييز في بلادهم وبلادنا ولم يفكر أحد في توجيه أي اتهامات لهم أو المطالبة حتى بمقاطعتهم وحصارهم دوليا ؟!! طبعا الإجابة معروفة ومعلومة لنا ، والحمد لله لم يشذ عن قاعدة الفهم هذه سوى بعض المراكز الحقوقية في مصر والبحرين والتي أيدت طلب المدعى الأرجنتيني أحد عملاء أمريكا في المحكمة التي لم تعترف بها أمريكا نفسها حتى اليوم !! نظرا لظروف تمويلية وليست إنسانية أو حقوقية فالظلم واضح في فلسطين والعراق وأفغانستان بل وفى مصر وتونس وسوريا وغيرهم ولم ينطق منهم أحد مطالبا بتدخل محكمة الجنايات أو غيرها لوقف الإبادة والإذلال لشعوب بأكملها !! لأن هذه الأرواح لا تستحق - ربما – كما أن الدفاع عنها بقوة ليس على أجندة هذه المنظمات المشبوهة!

والآن ما المطلوب من الحكام العرب والمسلمون ردا على هذا الاصطياد السهل لزملائهم الرؤساء في وضح النهار وعلى رؤوس الأشهاد بلا حرج أو خجل !؟ أظن أن الواضح حتى الآن هو رفض من مصر ودول الخليج لكن الأمر أخطر من ذلك فالمطلوب مواقف على أرض الواقع تحمى أمن مصر القومي من المؤامرات المتتالية ومن العبث بمستقبل المنطقة كلها بحيث يتعارك الجميع ليقطف المجرمون المتربصون في الشمال والغرب خيرات المنطقة دون النظر إلى حق شعوبها في الأمن والسلام والعيش الكريم وثروات السودان وحده كفيلة بتحقيق ذلك لو سادت الحرية والشفافية والعدالة أجواء المنطقة ولاشك أن ذلك مسئوليته تقع في رقبة البشير وإخوانه في المعارضة الوطنية السودانية الحريصة على مصالح السودان بعيدا عن مؤامرات الأعداء الكارهين لوحدة واستقرار السودان لذا فإن إعطاء السودان وسط الدول العربية والإسلامية وضعية الدولة الأحق بالرعاية وتوجيه كافة الاستثمارات الخارجية نحو السودان بشماله وجنوبه وغربه وشرقه ووسطه يجب أن تأخذ الأولوية لدى كافة الحكومات دعما ومكسبا لحماية السودان من الابتزاز التي تتعرض له لبدء واستكمال مشاريع التنمية في طول السودان وعرضها ، السودان اليوم ليست في حاجة إلى تصريحات بل هي في حاجة إلى استثمارات مضمونة النتائج وليست في حاجة إلى عنتريات البعض دفاعا عنها بل تحتاج إلى تواجد فعلى على أرض السودان لدعم الاقتصاد السوداني وضمان توزيع عادل لثروات الوطن على كل أبناء الوطن ، السودان ليست في حاجة لأن تكون نقطة تجمع للغرب لإتمام الفصل بين العالم العربي والأفريقي تحت دعاوى عنصرية بل يحتاج السودان لأن يكون قاعدة انطلاق لتنمية أفريقيا شمالا وجنوبا وبؤرة سلام تشع على الجيران ومثلا للتعايش الانسانى الراقي بعيدا عن التدخلات الأجنبية التي ستترسخ بقرار المحكمة الجنائية المنشأة لتصفية الحسابات مع العرب والمسلمون والخارجين عن الفلك الأمريكي والغربي ايا كانت عقيدتهم الدينية أو السياسية ولا عجب أن نرى التالي مثلا هو شافيز في فنزويلا!!

نحن نحتاج في الفرص الأخيرة للتدخل العربي الإسلامي الداعم لقضية السودان أن نكون مخلصين لديننا الذي يحتم علينا الوحدة ونصرة أخاك ظالما أو مظلوما فلا مانع من النصح والتواجد للأخذ على أيد البشير عندما يجنح أو يظلم لكن لا تتركوا أعداءكم يتولون أمركم وإلا فسيصبح الجميع مشاركين في الإثم عندما تتقسم أرض السودان ويحتلها المجرمون الغاصبون ويتهدد أمن كل مصر وعربي ومسلم بسبب تفريط الحكام والحكومات وتخاذلهم لشعوبهم وحسبنا الله ونعم الوكيل

إضافة تعليق