ذكريات المحن والمنح فى 2003 ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 29 - 3 - 2008

منذ خمسة أعوام عام 2003 م بالتحديد كانت المحن والمصائب التي حلت بنا تبدو لنا ونحن في ذهول حتى على المستوى الشخصي كانت سنة شديدة الوطأة على نفسي رأيت فيها وواجهت ما لم أكن أتصور أن أواجهه من فجور وبلطجة في الداخل وانهيار واستسلام في الخارج !! دعونا نبدأ العام من أوله حيث أسقطت عضوية البرلمان عنى في تصرف قد بدا لي أنه مفاجأة ولكن أتضح فيما بعد أنه أمر قد بيت بليل بناءا على تقارير أمنية مزدوجة لا محل للحديث عليها الآن المثير هو استسلام أهل السياسة لأراء وتقييم المخبرين أيا كانت الرتب أو الجهاز التابع له ! وكانت انتخابات دمنهور في 8 يناير 2003 وما حدث فيها من تزوير فاجر منع أبناء الدائرة من الدخول للجان وجاء بناخبين من خارج الدائرة في سيارات خاصة مرت على 18 لجنة وتم التزوير لمرشح الوفد الذي قبل على نفسه هذا العار وصارت الدائرة من بعدها بلا نائب وعينوا نائبا بلا دائرة وكانت صدمة لكل أبناء الدائرة حيث لا مبرر لكل هذا الجور الذي استلزم وجود قيادات أمنية من الوزارة أثبتنا وجودها بالصوت والصورة والأسوأ من ذلك هو تقرير النقض فيما بعد في يناير عام 2007م الذي يتضمن كل المستندات والتقارير التي رفعها أكثر من 49 من القضاة المشرفين على الانتخابات والأخطاء المادية التي شابت العملية الانتخابية وأثبتها داخل مقر محكمة النقض وحكم بعدم وجود أي شبهة تزوير ورفضت المحكمة بعد عامين من انتهاء الدورة ادعاء الطاعن – العبد لله – بوجود تزوير قد شاب الانتخابات !!! المهم بعد ذلك زادت الهجمة الشرسة على العراق وتسارعت خطوات الغرب المعتدى وتابعه الشرق الذليل لشن حرب على العراق وصار العراق وأهله الذين عانوا حصارا لأكثر من عشر سنوات بين صديق ضعيف غير قادر على نصرته أو حتى إعلان الوقوف بجانبه وعدو فاجر تآمر معه الكثير من حكام الأمة لتبدأ صفحة جديدة في تاريخ العالم باحتلال العراق ! ووقعت مصر النظام اتفاقية لدعم العدوان وتقديم تسهيلات لوجستية لقوات الاحتلال في السر ثم سمحت لقوى الشعب المعارض للحرب على العراق بعمل فاعليات تعلن الرفض كان أكبرها مظاهرة استاد القاهرة التي شارك فيها الإخوان وكل الأحزاب والقوى السياسية في مصر ماعدا الحزب الوطني الذي فضل أن يحشد الموظفين في تظاهرة خالية من الروح تصدرها عادل إمام ونجل إمام عادل !! المهم بدأ الغزو بوحشية وعنف غير مسبوق وسط رفض شعبي دولي ودون غطاء أممي دولي بعد ادعاءات كاذبة من حكومة الولايات المتحدة ثبت كذبها رسميا بعد ذلك ودفع العراقيون الثمن من حياتهم وحريتهم ودفع العرب والمسلمون الثمن من كرامتهم واستقلالهم وبدأت أخبار القصف وما يترتب عليه من قتلى ومصابين في ظل عجز طبي للتعامل مع تلك الحالات ومن هنا بدأت لجان الإغاثة في تجهيز القوافل الطبية اللازمة لتقديم يد العون للعراق ، وشكلت لجنة الإغاثة والطوارئ قافلتين طبيتين واحدة أجهزة وأدوية ومستلزمات طبية في شاحنتين كبيرتين لدخول العراق من الأردن وقافلة طبية معها بعض المستلزمات والأجهزة التعويضية والأدوية غالية الثمن مع وفد طبي من أساتذة الطب في بعض التخصصات النادرة (جراحة القلب والصدر والوجه والفكين والتجمل والمخ والأعصاب والعظام ) من خيرة أساتذة الجامعات في مصر وكان رئيس الوفد الدكتور إبراهيم الزعفرانى شفاه الله وفك أسره وكان النائب له العبد الفقير لله وكان السفر لدمشق يوم 6 إبريل 2003م وفى المطار تم منع الدكتور إبراهيم من السفر وتولى نائبه رئاسة الوفد وسارت القافلة لتصل دمشق وتجرى اتصالات لإعفاء الأجهزة التي نحملها وهى من أموال التبرعات التي تبرع بها الشعب المصري لنصرة إخوانه في العراق من الجمارك والسماح لها بالدخول وبعد وقت وجهد تم الإفراج عنها مؤقتا وبدأ التخطيط في كيفية دخول العراق من محافظات الشمال في سوريا (دير الزور) والتقينا بمندوبين عن وزارة الصحة العراقية والهلال الأحمر العراقى والسوري وبدأت رحلة الذهاب لمنطقة الحدود حتى وصلنا إلى منطقة تواجه مدينة القائم الحدودية العراقية والتقينا بعناصر المخابرات السورية التي شرحت لنا المخاطر التي استجدت حيث دوريات القوات الأمريكية الطائرة بدأت في التزايد وقذف السيارات المدنية على الطرق السريعة تكرر مرات وكل ساعة نتأخر فيها تزداد الأمور صعوبة وفى الوقت الذي اجتمع فيه بالزملاء لنقرر خوض غمار الرحلة الصعبة التي تحفها المخاطر من إصابة والاعتقال حتى الاستشهاد وكان رأى الجميع بدأ التحرك بعد أن نقسم أنفسنا على ثلاث سيارات وهنا عند هذه النقطة في صباح 9 إبريل تم غلق الحدود السورية العراقية ولم يسمح لنا سوى بمشاهدة نقطة طبية في القائم ولم نطمئن على ترك ما معنا من مستلزمات طبية مهمة وغالية الثمن ولم نضمن وصولها حيث يمكن استخدامها فحملناها معنا ونحن في الطريق يعد ساعتين من الزمن جاءنا نبأ سقوط بغداد !!! وتحولت الرحلة لكيفية التواصل مع أطباء العراق وتوصيل ما معنا من مستلزمات وتواصلنا مع أطباء سوريا وتأكدنا من استحالة وصول ما معنا إلى مستحقيه في بغداد وما حولها من مراكز طبية كبيرة وجاءنا خبر توقف شاحنات الإغاثة في الأردن وتم تحويل ما معنا إلى أبناء الشعب الفلسطيني الذي يعانى في نفس الوقت من الإجرام الصهيوني ومما أذكره في هذه الرحلة زيارة إلى المسجد الأموي ووقفة أمام مقر الخلافة الإسلامية التي كان يصطف أمامها حكام أوربا ليحظى أحدهم بلقاء الخليفة وبجوارهم بيت المال ومفاتيحه السبع ومن خلفهم وقف عمر بن عبد العزيز لتعليم القرآن والسنة وقبر صلاح الدين الأيوبي قاهر الصليبيين وموحد العرب والمسلمين كل هذا أراه لأول مرة في حياتي متى؟ وقت سقوط بغداد بأيد الصليبي الجدد ووسط تآمر وتواطؤ عربي وصمت إسلامي فكانت المرارة مضاعفة والهم يثقل القلب ، لقد فرط العرب والمسلمون في حريتهم وكرامتهم في ديارهم وأهانوا شعوبهم واغتصبوا حقوقهم فلم يتمكنوا من الوقوف أمام أطماع أعدائهم في الداخل والخارج وكيف لهم أن يقاوموا المغتصبين وهم من اغتصبوا حقوق أبناء أوطانهم ؟!!! ذكريات كثيرة ومواقف عديدة مررت بها في هذه الرحلة قد يأتي يوم لسردها !! لم ينته عام 2003 بعد ففي يوم 8 سبتمبر تم اقتحام منزلي وانتهاك حرماتى والاستيلاء على بعض ممتلكاتى في غزوة عنترية استخدمت يها السلالم الخشبية لاقتحام الشبابيك وإفزاع السكان حتى أن حماى – رحمه الله – وكان قد تجاوز الثمانين من عمره ومعه ابنتاه وبعض أحفاده ، فإذا بالشباك يتحطم ويخرج منه ثيران بشرية دون إحم أو دستور – وهم ليسوا في حاجة إلى دستور أصلا – الواحد تلو الآخر ويتم حصار المنزل والحى بل ونصف البلد للقبض على نائب الدائرة الشرعي وتكتمل المهزلة بقضية سخيفة لا معنى لها كتبت عنها تفصيليا في كتابين ومقالتين.. تلك ذكريات وجدت أن أستعيدها في الذكرى الخامسة لحتلال العراق ونقطة الضوء التي تغمر هذه الذكرى هي المقاومة المسلحة الجسورة في العراق وفلسطين ولبنان والمعارضة السلمية المستمرة في مصر التي تمثل رمانة الميزان في حال العالم العربي وبقدر الضغوط التي تمارس على مصر النظام لبقاء الحال على ما هو عليه بقدر التضحيات المطلوبة مع الإصرار من أبناء الشعب المصري الرافض لسياسات هذا النظام رحم الله شهداء الوطن وفك أسر المأسورين من المقاومين على امتداد الوطن والأمل في الله ولا ينقطع "ولا تَهِنُوا ولا تَحْزَنُوا وأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ "

drhishmat@yahoo.com

إضافة تعليق