قذائف الحق..حياتنا السياسية والإقتصادية

المواقف المتناقضة تظهر في علاقة أمريكا بكل من روسيا والصين فقد أصبح المهم لدي أمريكا هو دور روسيا الجديد كحليف في الحرب التي تسميها ضد الإرهاب رغم وجود خلافات مهمة ومستمرة بينهما حول العراق وإيران وجورجيا ومع ذلك فإن الرئيس الأمريكي يغض الطرف عما يحدث في الشيشان من مذابح وانتهاك حقوق الإنسان أو تقييد حرية الصحافة والمجتمع المدني في روسيا ويدعو الرئيس بوتين إلي زيارته في مزرعته بتكساس ويقول إنه صديقه ولا يذكر شيئًا عن حقوق الإنسان أو الديمقراطية في روسيا.

وتأتي علي قمة التناقضات العلاقة مع الصين وهي التي كانت تعتبرها أمريكا العدو الأول لها ولكن بعد أن تقاربت وجهات النظر الصينية مع الأمريكية في موضوع الأمن بالمفهوم الأمريكي أصبحت الصين في نظر أمريكا صديقة وغضت النظر عن المذابح التي تقوم بها الصين في تركستان الشرقية وعن حقوق الإنسان وهدوء في شكل تايوان الذي تعارض الصين انفصاله عن الوطن الأم.

وكذلك بالنسبة لأمريكا الجنوبية تبدو الولايات المتحدة كأنها غافلة عما يجري من انتهاكات لحقوق الإنسان.

كذلك بالنسبة لدول أفريقيا مثل نيجيريا الغنية بالبترول وهي أكبر دولة أفريقية من حيث السكان أيضًا تصمت أمريكا تمامًا عما يجري هناك.

أهم من كل هذا ما حدث داخل أمريكا ذاتها بعد أحداث 11 سبتمبر من تراجع مذهل للديمقراطية وحقوق الإنسان علي نحو يصعب فهمه وتصديقه فكيف تطلب أمريكا من الدول إقرار الديمقراطيات ولا تقيمها هي في عقر دارها?!

وكان ذلك في حملة من الاعتقالات الواسعة النطاق للمهاجرين واحتجازهم بدون توجيه تهم لهم وجلسات التحقيق السرية وعمليات ترحيل المهاجرين والزوار والإعلان الغريب عن أن بعض المواطنين الأمريكيين مقاتلون في صفوف الأعداء وحرمان المعتقلين من الاتصال بمحاميهم.

وكذلك صاغت وزارة العدل الأمريكية قانون «باتريوت» للاشتباه الذي صاغه وزير العدل الأمريكي جون أشكروفت مما أعطي للحكومات الديكتاتورية الفرصة لتقييد الشعوب أكثر بزعم الحرب علي الإرهاب.

الغريب أيضًا هو ما تأمر به الإدارة الأمريكية الدول من مراعاة حقوق الإنسان وتمكين المرأة ومع ذلك يخرج علينا الكاتب الأمريكي «مايكل مور» في كتاب عن الرئيس الأمريكي وإدارته «رجال بيض أغبياء» أن من بين الولايات الخمسين الأمريكية ولايتين فقط تحكمهما نساء والـ 48 يحكمها رجال وأن نسبة 98% من الشركات رؤساء مجالس إداراتها رجال والنسبة القليلة من النساء وكذلك الكونجرس الأمريكي.

ويقول توماس كاروترز: «إن الإدارة الأمريكية تمد يدها لكل من يساعدها ضد تنظيم القاعدة دون أن تتمسك بموضوع الديمقراطية أو حقوق الإنسان».

ومن هنا كان الضغط الأكبر علي دول الشرق الأوسط فأعلنت مبادرة كولن باول في 12 ديسمبر 2002م في مؤسسة التراث والتي انتقد فيها الحكومات العربية وانتقد عدم مشاركة المرآة وغيرها الكثير «راجع المبادرة» ومورست الضغوط علي الدول العربية حتي تم احتلال العراق وتدمير آثاره وتراثه ونهب نفطه وأمواله ثم مورست الابتزازات علي الدول العربية الواحدة تلو الأخري فكان التهديد الأمريكي للسعودية للتدخل وإثارة الشيعة في شرق السعودية والتمكين لهم وتقسيم المملكة إلي ثلاث دويلات ومطالبة المملكة السعودية بالنظر في خطب المساجد والمدارس الدينية, والخطباء ودعم الفلسطينيين ووقف التبرعات لهم وهو ما جاء في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول الحرية الدينية في السعودية في مايو 2003م.

وتضمن التقرير انتقادًا شديدًا كان من ضمن فقراته «والمملكة السعودية هي دول قمعية فريدة من نوعها ويعذر ما تقوم به الحكومة من تقييد للممارسة الدينية وقيام السلطات بمضايقة واعتقال وحجز وتعذيب وترحيل العمال المسيحيين في حال أدائهم الطقوس الدينية» وأشياء أخري صدرت في أكثر من 17 ورقة فلوسكاب وممارسة ضغوط علي إيران وقامت بتهييج الطلبة الإيرانيين ومحاولة إثارة القلاقل حتي رضخت إيران للمطالب الأمريكية ثم غازلتها بعد ذلك في كارثة مدينة بام الإيرانية ثم أدانتها في مجلس الحكماء بهيئة الطاقة الذرية أخيرًا?!

ثم مارست ضغوطًا شديدة علي ليبيا حتي تتخلي عن أسلحة الدمار الشامل التي لم تكن تملكها وقاموا بإنهاء صفقة الطائرة الأمريكية فوق لوكيربي وقاموا بابتزاز ليبيا لدفع مبلغ 3 مليارات دولار وفي المقابل غضت أمريكا الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا والسجن والإعدام للمخالفين في الرأي بل وتغاضت عن خطط القذافي لتوريث الحكم لابنه سيف الإسلام القذافي.

وكذلك موقف الرئيس اليمني وتعاونه المطلق مع الإدارة الأمريكية وقولته الشهيرة في صنعاء «علي العرب أن يحلقوا رؤوسهم قبل أن يحلقها لهم غيرهم».

وكذلك في سوريا مورست ضغوط من أجل الإذعان لإسرائيل وطرد مكاتب المقاومة وعدم دعم حزب الله حتي وصل الأمر درجة تغيير الزي للطلبة السوريين حيث كانوا يلبسون ملابس عسكرية فتم تغييرها وكذلك المناهج والضغط علي لبنان لانهاء تواجد حزب الله وانتشار الجيش السوري ومقاومته للبنان ولم يكتف الأمريكيون وبذلك بل إصدار قانون محاسبة سوريا.

وبدأ الحديث عن تغيير الخطاب الديني في الشرق الأوسط والتحول إلي الديمقراطية فورًا وبقوة وليس بالتدريج ومطالبة ياسر عرفات بالمفاوضات أو تهميش دوره نهائيًا وإسناد عمله إلي رئيس وزراء علي الطريقة الأمريكية لتتحول فلسطين والعراق بوجهة النظر الأمريكية نموذج للمنطقة العربية.

إضافة تعليق