قراءة فى المشهد السياسى المصرى

دعونا نقرأ ما يحدث فى مصر وفى البرلمان لعلنا نخرج بتصور واضح عما يحدث فى هذه الفترة الانتقالية الصعبة من تاريخ مصر فقد حدد الاستفتاء الذى تم فى 30 مارس 2011خارطة الطريق بالترتيب المعروف عنه حيث يبدأ بانتخابات برلمانية ثم جمعية تأسيسية واستفتاء على الدستور ثم انتخابات رئاسية ونحن الآن فى الثلث الأخير حيث يصبح لمصر رئيسا مدنيا فى أول يوليو 2012! لكن البعض من القوى السياسية ومعه بعض ائتلافات الشباب التى تكونت بعد الثورة يريدون انتخابات مبكرة بعد أن فشلت محاولاتهم لتسليم السلطة لمجلس الشعب حتى يكون زيتنا فى دقيقنا والتنفيذى والرقابى يبقوا ايد واحدة !!! وطبعا هناك اعتراضات كثيرة على ذلك واعتقد لسببين : الأول أن المطالبين بالتعجيل بالانتخابات قبل الدستور هم الذين طالبوا من قبل بأن الدستور قبل الانتخابات وكيف لنا أن نبنى بناءا قبل أن نؤسس له !!!! و الذين يسبون المجلس العسكرى ويطالبون بسرعة تنحيه  هم الذين طالبوا ببقاءه قبل الانتخابات البرلمانية لسنتين أو ثلاثة ولا مانع لحين ما يشتد عود الأحزاب الناشئة !! وهم الذين قبلوا وثيقة السلمى التى تمنح المجلس الأعلى وضعا غير دستورى مع الموافقة على المادتين 9 و10 من الوثيقة والتى اضطرت الإخوان وحزب الحرية والعدالة وحزب النور والمتحالفين معهما أن ينزلوا الميدان فى مليونية 18 نوفمبر !!! وهم أيضا الذين يتهمون الإخوان بأنهم فى صفقة مع العسكرى !!  الثانى : أن هناك خطورة فى اتمام الانتخابات فى ظل المادة 28 من الإعلان الدستورى ! التى تمنح اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة حصانة مطلقة وتحرم الطعن على قرارته !! ولا أعلم لماذا إذن لهؤلاء المحبين للحرية ونزاهة الانتخابات يصرون على عقد انتخابات الرئاسة فى ظل هذه المادة وفى ظل وجود المجلس العسكرى رغم إن هم الذين يشككون فى وضع الدستور فى ظل وجود المجلس العسكرى !! بصراحة حاجة تمخول ! وتجعل الحليم حيران مع هؤلاء الذين يخلطون الأمور ويتعجلون الأحداث ويربكون المشهد السياسى بلا عقل أو منطق

لاشك أن برلمان الثورة نموزج متفرد لبرلمان لم نر مثله منذ عشرات السنين حتى صار النموزج لدينا مشوها كما تعودنا أن نراه بفعل فاسد ظالم مسستبد ! فصار الأداء غريبا على البعض مستهجنا من أخرين لكن على كل الأحوال فهو فريد ورغم هناته فهو سينضج ويتطور لعلنا نصل الى شكل برلمان العالم الحر.... لكن ماهى ملاحظاتى على البرلمان :

أولا : هناك شعور بأن المطلوب من هذا البرلمان لم يطلب من أى برلمان أخر والأمل فى تحقيق ذلك كبير لدى كل من شارك فى هذه الانتخابات وهذا هو الغالب لدى كل الأحزاب والاتجاهات

ثانيا : أن هناك عدد كبير من النواب يدخل لأول مرة ومن حسن حظه أنه فى برلمان سقفه مرفوع لكنه لا يعرف كيف يتعامل معه ومع زملائه باعتباره رجل دولة ومسئول عن اداء تشريعى ورقابى غير مسبوق

ثالثا : هناك من اعتقد أنه نجح بأصوات محبيه القريبين منه فى الفهم والمنهج لذا فلم يطو صفحة الانتخابات حتى يؤكد أنه صار نائبا لكل المصريين الذى هو منهم ومن أختلف معهم فظهر كأنه فى صراع مع من يخالفه دون أن يتولى مسئوليته فى تجميع الشتات ورأب الصدع وتغليب المصلحة العامة

رابعا : هناك من النواب وهم عدد قليل من يتصور أنه فى ميدان التحرير فيتعامل بنفس المفردات ويؤدى بنفس المواقف وكأنه يخاطب المتظاهرين فى ميدان التحرير بينما الموقع تغير والمسئولية زادت والحكمة تطلب إعادة النظر فيما يقال تحت البرلمان ورغم اعتقادى أن البرلمان هو امتداد للميدان إلا أنه يجب التفريق بين الأعمال هنا وهناك لأن النتائج تتغير فالمطلوب النظر كيف نسفيد من زخم برلمان الثورة لقيادة مصر الى بر الأمان ؟وكيف نستعيد حالة التوافق التى أنجحت الثورة لإنجاح أداء البرلمان؟

خامسا : أتفائل مع كل يوم يمر تتقارب فيه الشخصيات وتتعارف وتتواصل فى حوار لم يكن متاحا من قبل وهو ما يؤدى الى حالة النضج المستهدفة كى نحقق أهداف الثورة ونحمى مصر من التمزق المراد لها من فلول الداخل ومتربصى الخارج

سادسا : البعض يطالب المجلس بقرارات فورية لإقالة حكومة أو تشكيل حكومة أو عزل وزير أو رئيس وزراء وينسى البعض أن مهمة المجلس ليست تنفيذية لكنها رقابية قد تجبر التنفيذين على فعل ما نريد أو تشريعية تضع الحصان أمام العربة كى يتحقق مراد الثورة من تغيير وتطهير وتنمية وعدالة اجتماعية لكن تلاحق الإحداث وإصرار البعض على إشغال وإرباك المجلس كى لا يتفرغ لهذه المهمة مع مهاجمته والإساءة له باستمرار لينشغل بالدفاع عن نفسه يجعل الموقف العام على غير ما نتمنى ! لذا التوافق والتركيز واستحضار خطورة الموقف والتعامل بحكمة مع الأحداث ووحدة الصف قادرة على تجاوز كل ما يحاك للمجلس

أخيرا صمت وزير الداخلية فى الجلسة الطارئة لهو أبلغ تعبير عن عجزه فى إدارة الوزارة رغم أنه من أنظف الوزراء الذين تولوا الوزارة فى الفترة الأخيرة لكن سيطرة الفلول على الإدارات المركزية بالوزارة هو ما يحتاج الى وضع تصور تشريعى فى قانون الشرطة وألاف الخريجيين على استعداد بعد تأهيل 6 شهور كما يحدث مع الأكاديمية الحربية أن تخرج لنا جيل جديد من ضباط أمن أطهار لم تلوث ايديهم يوما ما بدماء المصريين أو النيل من كرامتهم

فى الجلسة الطارئة جائتنى اتصالات كثيرة تحدثنى عن أنبوبة البوتجاز الغائبة والصرف الصحى الذى أغرق القرية بعد مطر غزير وترخيص السيارة التى تفتح بيته فأعود من الحالة الثورية الى حالو أخرى تحتاج موازنة  وتفاعل دون خيانة للثورة او دماء الشهداء

دكتور محمد جمال حشمت

استاذ جامعى ونائب بالبرلمان


إضافة تعليق