الإخوان والمرحلة الانتقالية!

من أصعب الأمور التى تواجه مصر الآن أنه فى الوقت التى تنسم فيها كل أهلها نسائم الحرية بحيث يتعرف الشعب بحق على قواه الفاعلة وتوجهات شبابه وناشطيه دون حائل أو تشويه تمر مصر فى ذات الوقت بحالة قريبة من الفوضى فى مرحلة انتقالية من نظام قهرى فاساد مفسد ظالم ومستبد الى نظام يعلى من قدر شعبه يرسى دعائم العدل والحرية وحقوق الانسان فاختلط الحابل بالنابل وتداخل الخاص بالعام استثمارا للفرصة التى قد تنتهى بسرقة مصر مرة أخرى بدواعى حماية مصر والخوف عليها وعلى الشعب المصرى بحيث تهدر دماء شهداء الثورة وعذابات الذين شاركوا فيها بدمائهم أملا فى مصر جديدة ومستقبل مشرق لكل المصريين بعد أن استبد بهم الحزن وتملكهم اليأس !!

وهنا أتحدث عن رؤيتى فى أداء الإخوان الذى يجب أن يكون لعظم دورهم فى اللحظة الحالية وتلك المرحلة الانتقالية ، ولكن دعونا ابتداءا نعدد النتائج الإيجابية والسلبية  للثورة بعد مرور أكثر من شهرين عليها :

العناصر الإيجابية منها :

1- التوافق على إرساء قواعد دستور جديد يعبر عن المصريين وأمالهم للمستقبل يناسب عصر الحريات والتنمية والعدالة الذى ينتظر مصر والمصريين ان شاء الله

2- بدء العمل فى البورصة وتطورأدائها وتوقع تعديل أدائها ليصب فى مشاريع تنمية مصر واقتصادها

3- بدء عودة السياحة واختفاء الصورة السلبية عن مصر والتى انتشرت عقب الثورة

4- انخفاض الاحتجاجات الفئوية بصورة كبيرة ويبقى تفعيل قانون البلطجة لمنع ما تيقى من احتجاجات تطالب أحيانا بالمستحيل يقودها بلطجية ومسجلين خطر لإرهاب المجتمع أطول فترة ممكنة

5- تحديد جدول زمنى للانتخابات البرلمانية والرئاسية مما يجعل رؤية المستقبل القريب حاضرة فى أذهان كل المصريين

6- بروز دور مصر المحورى والنموذج لبقية دول المنطقة وهو ما ترتب عليه مواقف متباينة من الترقب والخوف والتشجيع

العناصر السلبية فى المشهد الحالى ويتمثل فى :

1- وجود قيادات النظام السابق خارج دائرة المحاسبة الجادة والحقيقية ونستطيع هنا أن نحمل المجلس العلى المسئولية عن تهريب الأموال والمستندات خلال الشهر الأول عقب خلع مبارك

2- انشقاق اللحمة الوطنية التى ظهرت أثناء الثورة عقب الاستفتاء على التعديلات الدستورية والتباطؤ فى لململتها تحت مظلة الوطن الواحد المأزوم الذى يجب أن يسترجع أبنائه روح وأخلاق ميدان التحرير لفترة أطول لحين ما تستقر الأمور

3- استمرار الدور الخارجى المتربص خاصة من أمريكا واسرائيل لتوجيه الأحداث فى مصر ويظهر هذا فى ملف حوض النيل والاضطراب فى غزة وعدم اتخاذ مواقف جادة إزاء المطالبة بمحاكمة مبارك وزبانيته واسترداد أموال مصر المهربة للخارج

4- دور السعودية ودول الخليج القوى للتأثير على الداخل المصرى وظهور تسريبات أنهم لا يسمحوا أبداً باكتمال المشهد الديموقراطى فى مصر لخطورة ذلك على عروشهم وهو أمر يحتاج تأكيد أولا ثم مراجعة لخطورة هذا التوجه على مسار الثورة ومستقبل العلاقة بين الشعوب العربية

5- مظاهر الانفلات الأمنى وتراخى السلطة فى مسألة التغييرات مثل المحافظين ورؤساء المدن والمجالس المحلية والقيادات الإعلامية وفرض الإقامة الجبرية على شخصيات لا يجب وضع حراسات عليها باسم الحظر بل وضعها فى السجون لقطع صلاتهم بكل المسئولين الذين مازالوا يمارسون أعمالهم فى ظل حكومة الدكتور عصام شرف !!

6- استمرار بعض الصعوبات الاقتصادية لبطء عودة الأمن للقيام بدوره الشريف فى حماية مصر والمصريين وقطع صلتهم بالنظام السياسى مما يسستبع ذلك من تعديلات فى قانون الشرطة لفصل الوزير السياسى عن القيادة المهنية للشرطة التى لا تتأثر بتغيير الوزير أو حتى شكل النظام السياسى وقد شجع هذا الغياب للمتربصين من إثارة الفوضى وإشاعة الخوف وتدبير أحداث الفتنة الطائفية

7- أحتياج المرحلة لقيادات تملك الحسم فى مواجهة كل ما سبق مع النقاء والخلق العالى والقدرة على متابعة ما يحدث فى مصر قبل وبعد اتخاذ القرارات ولعل ذلك يجعلنا ننبه قيادات الجيش التى أدت بشرف مهمتها رغم الاعتبارات الكثيرة التى تكمن فى خلفيتها العسكرية وتاريخها المهنى وعلاقتها بالنظام المخلوع لفترة طويلة ، لكن هناك نبرة تهديد أو استعلاء او من قد تظهر من وقت لأخر نرجو أن يستدركها المجلس بأكمله حتى نبنى مصر تأسيسا على شعار" الشعب والجيش إيد واحدة " الذى يؤكد أن المجلس الأعلى حين تولى لم يكن مستندا على تكليف الرئيس المخلوع إنما على إرادة شعبية وثقت فى أفراد القوات المسلحة دون أى تفرقة !

لذا أرى أن المطلوب من الإخوان المسلمين حالة مماثلة لما كان فى ميدان التحرير تأسيسا على شعبية الإخوان ومعرفة الناس بهم ، لكن فى ظل الحملة الشرسة من بعض المنتسبين لتيارات علمانية أو ليبرالية ممن يعتنقون فكرة ان الديمقراطية تراثهم وهم أولى به وفإن لم تأتى بهم فليست بديمقراطية لكنها تزويرا للوعى وخلل فى قدرة الشعب على الاختيار واتهامات ما أنزل الله بها من سلطان شاركهم فيها بعض الاتجاهات اليسارية التى تملك قواعد شعبية قليلة بحكم التضييق الذى مورس ضد المعارضة بكل أطيافها فى العهد البائد ! لذا أرجو أن يمارس الإخوان أصحاب الشعبية الأكبر دورا ينكرون فيه ذواتهم قليلا لمزيد من تشجيع الكل على الممارسة الديمقراطية وإبطالا لكل الإدعاءات التى يروجها الكارهين للإتجاه الاسلامى الذى يمثل أغلبية الشعب المصرى – طب وليه ندعى ذلك بل نحتكم جميعا للصندوق الانتخابى النزيه الحر الشفاف – وقد يساعد ذلك الإخوان على إرسال رسائل التطمين التى لا يريد البعض أن تصل لأصحابها ويشوه فى مضمونها لإشغال الإخوان بالرد والدفاع الدائم ! شعارنا فى ذلك " اسمعوا منا ولا تسمعوا عنا" ، أيضا قد يساعد هذا الأداء الهادئ من الإخوان الى لملمة الجماعات الاسلامية التى غيرت وجهتها للتعامل السياسى وفق مرجعية اسلامية لكن بغشمية أحيانا لغياب الأدوات اللازمة فى التعامل مع الشارع السياسى والاتجاهات المختلفة التى تملك أدوات الإعلام والانتشار والإلحاح على معانى تترسخ لدى المصريين بمرور الوقت تتميز بهجوم ضارى على كل ما هو اسلامى ! شعارنا فى ذلك " نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه"

كما أنه على افخوان التعامل بسرعة تناسب سرعة الحداث مع توظيف ألاف الكفاءات التى لم تأخذ دورها حتى الان فى التفاعل مع الشارع لتصحيح الصورة الذهنية لدى قطاعات من الشعب المصرى وهو ما يحتاج الى حوارات وتغييرات وتعديلات تناسب المرحلة بعيدا عن الإحساس المزمن الذى سيطر على جمهورالإخوان عشرات السنين بالحصار والتغييب والاضطهاد والإضطرار للعمل فى جو من التحفظ والحرص الشديد الذى قد يقبل بالحفاظ على التنظيم فى مقابل تقييد الانفتاح الى حد ما فى وقت ما فى مكان ما ! وجب تعديل هذه الصورة الذهنية كى ينطلق الإخوان للقيام بدورهم فى صد الهجمة الشرسة لتشويه صلاحية الاسلام لرسم خارطة طريق لمستقبل مصر والتخويف الدائم من الاسلاميين ولبدء خطوات التنمية والبناء الحقيقى  لمصر بالاستفادة من كل العقول المصرية فى مناخ من الحرية والعدل والعدالة الاجتماعية.

وبناءا على ذلك نستعرض سيناريوهات المرحلة المقبلة المتوقعة:

السيناريو الأسوأ :

ويتلخص فى حالة من الفوضى الأمنية تضطرب معها الأوضاع يصاحبها حالة من الانهيار الاقتصادى بحيث لا تجد الأغلبية احتياجاتها الضرورية مع تصعيد الهجمة على بعض التصرفات غير مسئولة من بعض التيارات الدينية  أو الإدعاء عليهم ! مع تحريك منظم لإحتجاجات الأقباط ينتج عن ذلك – مع عمالة الألة الإعلامية - حوادث فتنة طائفية وضغوط أجنبية ! وعندما تكتمل كل هذه العوامل ربما ينتج حالة من الإنهيار العام ومن ثم يصبح عودة الاستقرار بأى شكل هو مطلب الجميع عندها تتدخل شخصية عسكرية أو تنظيم عسكرى قوى يتخذ اجراءات استثنائية عنيفة وسيقبلها الجميع ونعود للوراء عشرات السنين !

سيناريو منتصف الطريق:

ويتمثل فى ضغوط غربية لإحداث تغييرات داخل هيكل النظام السابق بمعنى البقاء على دور رئيسى للمؤسسة العسكرية وربما دور متوسط للجهاز الأمنى وادماج الاسلاميين خاصة الاخوان داخل العملية السياسية والقبول بعملية ديموقراطية فى كثير من المؤسسات مثل النقابات والجامعات مع محاولة شق الاسلاميين والاخوان واستمرار حملات التشويه المنظم إعلاميا مع تدعيم الاتجاهات الليبرالية للفوز وربما يأتى هذا متسقاً مع تصريحات لباراك أدلى بها منذ شهر تقريباً عندما قال أن ما يحدث فى المنطقة العربية لن يؤدى لتحولات ديموقراطية كاملة !

السيناريو الأمثل:

بمعنى استقرار الأوضاع وعودة البلاد لطبيعتها وتحسن الجانب الأمنى والاقتصادى واجراء الانتخابات التشريعية بصورة حرة ويعقبها الانتخابات الرئاسية ثم عودة الجيش لثكناته وتسليم البلاد لقيادة مدنية واقتصار دور الجيش على مهمته فقط والتخلص من بقايا النظام السابق

وهذا ما نأمل فيه ونرجو أن ينتبه الجميع حتى لا نقع فى فخ التهويل أو التهوين فالمرحلة حرجة فى تاريخ مصر وكل المصريين مدعوون الى الوعى والهمة والاستنفار الدائم حتى لا تسرق الثورة الأمل منا وهى بين أيدينا وفق الله كل المصريين فى التلاحم رغم الاختلافات والتوافق على مصالح الوطن رغم المنافسات المشروعة ، فمصر اليوم تنادى الجميع فهل من مجيب؟

دكتور محمد جمال حشمت

g.hishmat@g,ail.com

8 ابريل 2011

إضافة تعليق