من ضحية من ؟ ـ د. محمد جمال حشمت

د. محمد جمال حشمت : بتاريخ 2 - 8 - 2008

التبست علينا الأمور و أصبح الانسان فى أوطاننا حيرانا هل هو مظلوم أم ظالم ؟ هل هو الضحية أم هو الجانى ؟ هل هو المسئول عما يجرى له أم غيره؟ كلها أسئلة تنبع من واقع لم يفرق بين الحق والباطل ولم ينصف المظلوم ولم يأخذ على يد الظالم ! واقع تجاوز حدوده ولم يلتزم بحق أو عدل أو مساواة فنتجت عنه الحيرة ! التى حذرنا منها الإسلام ونبى الإسلام صلى الله عليه وسلم فى آخر الزمان حتى أصبح الحليم حيرانا !

فلاشك أن أنظمة الحكم فى بلادنا جنت على شعوبها وأخرجتهم من إطار الكرامة الانسانية التى تتمتع بحريتها وإطار المعيشة الكريمة التى تتمتع فيها الشعوب بثرواتها التى منحها الله إياها أى أن حكامنا بامتياز قذفوا بنا فى منظومة الخوف والجوع وهما علامات ومحددات الحياة الآمنة التى ذكرها رب العزة فى قوله تعالى " لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذى أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"  صدق الله العظيم

إذن نحن الشعوب من ضحايا حكام الفساد الذين جعلوا البحث عن لقمة العيش مأساة ومن حماية النفس ملهاة ومن تحصيل الحقوق بيسر أزمة بل أزمات ، وأحالوا حياتنا الى مسلسل من الجباية إقتصاديا ومن الغواية أخلاقيا ونفذوا ذلك فى إطار من العنف والبلطجة وغياب القانون وهو ما شجع البعض من الشعوب على سلوك أخر كنا فيه نحن الشعوب من الجناة لا من الضحايا !

فالقهر الذى يمارسه البعض منا فى بيته على زوجته وأبنائه مهما كانت دوافعه أو مبرراته لهو من الظلم الذى نهانا عنه الاسلام الذى أمرنا فيه بالشورى كى تبقى الأسرة هى الشراكة المؤسسة لمجتمع ووطن قوى لا يقبل الظلم أو الاستبداد ! وكذلك العنف الذى يملأ حياتنا بيننا وبين بعض فى المعاملات أو فى المؤسسات كالمنزل والمدرسة  لهو من البلاء الذى ابتلينا به فى هذا المناخ الذى جعل للقوة مكانة وصار اللجوء فيه للحق مهانة !

الكذب والمبالغة والتعسف والتغابى والصلف والكبر والنفاق والانسحاق صارت مفردات التعامل اليومى فيما بيننا بعيدا عن معانى الصدق والشهامة والتواضع والتراحم الواجبة فى حق أبناء الوطن الواحد وهو ما يسعد المتحكمين فى رقاب العباد فى مصر بل ويشجعون على انتشاره تمكينا لهم فى البقاء وكما نكون يولى علينا!

على مستوى الأوطان يقبع حكام الوطن العربى فى سجل الجناة على شعوبهم وبالتيعية أصبحوا ضحايا لنظام دولى وظفهم فى خدمة أهدافه ومشروعه وهم لاشك يستحقون ما هم فيه وتبقى خطوط العلاقات بين الأنظمة العميلة والقوى الدولية مشدودة تارة فى اتجاه العملاء طالما كان الضحايا من الشعوب وتارة أخرى فى اتجاه الهيمنة الدولية إذا ما طالت الأخطار أحد المشروعات الأقليمية أو الأفراد المتواطئون مع النظام العالمى ! وهنا تظهر أسلحة من نوع جديد على العالم برع فيه أهل الغرب بما يملكون من رحابة فى عالم الأفكار وحرص على حقوق الانسان فيما بينهم وإصرار على الريادة الحقيقية منها السلاح الإعلامى وسلاح حقوق الانسان وسلاح العدالة الدولية وصار الجميع هنا ضحايا لتلك الأسلحة حتى من شاركهم منا فى منظمات المجتمع المدنى المهتمة بحقوق الانسان ورغم تبنيهم لأجندة الغرب فى نظرته لحقوق الانسان والتى يتعارض بعضها مع قيم وأعراف مجتمعاتنا وللأديان فيها القول الفصل خاصة أن الدين أحد مكونات هذه الشخصية فى تلك المنطقة ولا يمكن بأى حال من الأحوال تجاهله ! لذا أتعجب من هذه المنظمات التى تجزئ مهمتها حسب الصوت والتيار الأعلى ! ورغم صداقتى لكثير من القائمين على هذه الجمعيات إلا أن الحق يستلزم منا العمل على فتح أبواب الاستقلالية لهذه المنظمات حتى تصبح الإرادة الحرة هى الفاعل الرئيسى عند تناول حقوق الانسان فى بلادنا  والكلمة الصادقة هى التى تنحاز لحرية الأفراد وحرية الأوطان

ولعل مثال فتح التحقيق فى جريمة اغتيال الرئيس الحريرى فى لبنان هى أوضح الأمثلة على ما أذكر حيث بعد كل هذه الأعوام من التحقيق والقرارات الدولية وكل هذه الضغوطات لم يقدم واحد للمحاكمة   بينما تغيرت الخريطة السياسية وتوازن القوى فى المنطقة تحت ابتزاز العدالة الدولية !!

المثال الآخر هو تقرير المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس السودان عمر البشير وقد كتب فيه عمالقة القانون وفقهاء العدل بما فيه الكفاية توضيحا للسوابق التى أهدرت استقلال القضاء فى أمريكا وبلجيكا وفرنسا وأسرائيل وهو ما يدعيه البعض سببا لعدم تقديم مجرمى الحرب منهم الذين ثبت تورطهم فى جرائم ضد الانسانية والتطهير العرقى و الاغتصاب الجماعى كما حدث فى العراق وأفغانستان وفلسطين والشيشان والصومال ويمكن مراجعة مقالتى الدكتور سليم العوا فى المصرى اليوم ، خاصة وأن المدعى العام نفسه ليس فوق مستوى الشبهات فقد اتهم فى قضية تحرش واغتصاب كما أورد الأستاذ جمال سلطان فى مقاله  منذ أيام على " المصريون"

لاشك إننا نقف فى الغالب مع الضحايا من شعوبنا وفى النادر مع حكامنا خاصة عندما يكون فى كل مرة الحاكم ممن قال لا للهيمنة والإجرام الدولى ضد عوالمنا العربية والاسلامية المستضعفة ! لن يقبل أحد أن يكون القضاء الدولى أو العدالة الدولية هى الحلقة الأولى فى عودة الاحتلال لبلادنا ! ولم ولن يكون الهدف من الموقف الرافض لتسليم البشير حمايته الشخصية أو حماية أى حاكم عربى أهدر حقوق شعبه وابتعد عن التصالح مع أبناء وطنه فى الوقت الذى يحتضن فيه أعداء الوطن والدين و يطبع معهم العلاقات معهم فى الوقت الذى يعادى أبناء جلدته ويطاردهم ويغلق أمامهم منافذ الحرية والعيشة الكريمة! لابد أن نعى أن الهدف هو السودان الحلقة الأهم فى أمن مصر القومى وليس البشير ومن يتجاهل ذلك فهو مع الجناة وليس فى صفوف الضحايا !!

لقد اختلط الحابل بالنابل حقا ودور العقلاء والنخب المحترمة المحبة لقيم العدل والحرية والمساواة التى رفع الاسلام من شأنها أن توضح الفوارق وتبين الحدود الفاصلة بين الجناة والضحايا وهى شهادة حق لايجوز لأحد منهم أن يتأخر عن الشهادة بها ولكى ندرك أن جزءا كبيرا مما أصابنا من بلاء وابتلاء نحن شركاء فى صنعه بالصمت أو بالمشاركة وصدق الله العظيم "إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا مابأنفسهم" صدق الله العظيم

دبوس مشبك :

الأستاذ الحقوقى حافظ أبو سعدة كتب مقالا أفردت له جريدة الدستور قلب الصفحة الرابعة تحت عنوان " من من مع الجانى ومن مع الضحية " انتقد فيه كل من وقف ضد قرار المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية لاعتقال البشير معلنا موقف منظمات حقوق الانسان المصرية بأنها ضد البشير كحاكم قاتل لشعبه ومع الضحايا من شعبه دون تمحيص للمواقف الدولية السابقة ولا لما هو بعد ذلك من تدخل أجنبى طامع فى ثروات السودان التى تكفى العالم المحتاج بعيدا عن الطمع الغربى والهيمنة الأمريكية التى نجحت فى توظيف سلاح حقوق الانسان ليس دفاعا عن الضحايا وما أكثرهم بل دفاعا عن مصالحها !! وأذكر الأستاذ حافظ أبو سعدة بانه وقف مع الجناة يوما ما عندما وقف مع صديقه د مصطفى الفقى بعد أن قبل مقعدا ملوثا بالعار وطل علينا من الفضائية المصرية بعد الانتخابات بأسبوع ليشكك فى شهادة المستشارة نهى الزينى وشهادة القضاة الذين أداروا العملية الانتخابية (151 من 160 قاضى منهم 5 من الأقباط المسيحيين الشرفاء) دفاعا عن الجانى !! الاستاذ حافظ الذى التزم الصمت عندما رددنا مستشار محكمة النقض رئيس الدائرة التى أصدرت تقريرا معيبا جامل فيه مرشح الرئاسة وسرب ما يدور داخل دائرته !وحذرناه بإنذار على يد محضر رفضت محكمة النقض قبوله ! وكانت كل هذه التجاوزات ليتخلصوا من عار التزوير كما ظنوا ولن ينالوا هذا الشرف !! الأستاذ حافظ الذى التزم الصمت بعدما علم أن هناك بلاغا قدم منى وأخر من نادى قضاة الأسكندرية للنائب العام ضد المستشار نصار لتزويره فى النتيجة النهائية يوم 25 أكتوبر2005م وحتى اليوم لم يتم التحقيق فيه بينما تتسارع التحقيقات فى أمور لا تستحق ولاقيمة لها فور التقدم بها ! وبصمتك عن مناصرة الضحية هنا فأنت مع الجناة يا أستاذ حافظ !!

إضافة تعليق