دعوة للتسلح فى شهر المقاومة! ـ د. محمد جمال حشمت

. محمد جمال حشمت : بتاريخ 6 - 9 - 2008

منذ أكثر من 34 عاما وأنا أسافر على خطوط سكك حديد مصر المشهورة باختصار " س ح م " وحقيقته التى أدركناها بعد كل هذه السنين " سيبنى حاروح ماشى " وهو إختصار يليق بأداء دولة مثل مصر تمت سرقتها تحت بصر أبنائها لصالح حفنة من البشر الفاسد فى ذاته والمفسد لغيره على مر العهود خلال الخمسين عاما الأخيرة لحساب أنظمة يمكن اختزالها فى الحروف " ب ب ب" أى " بطالة و بؤس وبجاحة "!!

لكنى وجدت تعديلا تم على أرض الواقع حيث صارت الاختصارات " م م م" تعنى كما نرى على عربات السكك الحديدية " مطورة ، مميزة ومكيفة " والحقيقة أن النظام المصرى فشل بامتياز فى قيادة قطار ليصل فى موعده منذ سنوات طوال فكيف ينجح فى قيادة دولة بحجم مصر !،فلم أجد تفسير لها سوى "مناكفة ومرمطة و مسخرة" ، وآخرها يوم الأحد الماضى حيث جاء القطار متأخرا أكثر من 45 دقيقة وتوقف كثيرا حتى وصل القاهرة بعد موعده بساعتين ضاعت فيهما مصالح ومواعيد والتزامات أصابت أصحابها بحالة من الغضب والهياج بلا فائدة!

فقد فات أحدهم موعد طائرته وأخر موعد لقاء إختبار للعمل وأخر لقاءات هامة مع عملاء وموردين وأخر من القضاة تأخرت جلساته وآخر ألغيت اجتماعاته دون أن يكون هناك من يسأل أو يعتذر أو يبرر !!

أبدا لقد اختفى الجميع ولم أجد بدا من الذهاب لناظر محطة مصر بالقاهرة وقلت له لما الواحد يبقى غضبان وحزين وعايز يفش غله يعمل أيه؟ رد بقوله عايز تضرب حد؟ قلت لا طبعا كيف أحصل على حقى بعد تأخير أكثر من ساعتين بدون مبرر ولا اعتذار، أريد أن أثبت هذا التهريج الذى يسود مرفق السكة الحديد منذ فترة ليست بالقصيرة أعمل إيه قولى؟ فابتسم وقال عندك حق والله، ممكن تكتب شكوى وتسلمها لى ، قلت طب وبعدين؟ إيه تأثيرها ؟ رد قائلا أصل فيه تصليحات على الطريق ممكن تكون سبب التأخير ؟ قلت له شروطها أن تكون معلومة وليست سرية ثانيا هى دائما المفروض أن تكون ليلا ثالثا ليست كل القطارات تتأخر هكذا على الخط الواحد !! قال عندك حق برضه ! قلت طب أعمل أيه عشان المتخلفين والباردين المسئولين عن هذا المرفق يتحركوا تقترح أعمل إيه ؟ قال: أنا متفق معاك لكن شوف اللى يريحك واعمله !! ، شكرته رغم عجزه وهو ناظر محطة ومن أسف أن غيره فى أى مكان محترم بعيد عن مصر  له صلاحيات ومسئوليات يخفف بها الأخطاء ويرفق بها مع المتعاملين ليحقق مصالح الناس ويقدم خدمة متميزة هى حق أى المواطن فى بلده !! لكن نعمل أيه فى مصر ؟ إذا تأخرت فى دفع رسوم النظافة التى لا يقابلها جمع قمامة تحول للمحاكمة, وإذا فتحت محل أو أجريت إصلاحات فى بيتك تجدهم فوق رأسك يطالبونك برسوم متعددة دون أى مقابل من خدمات أو حمايات !!!

حتى قانون المرور الجديد إنشغل بالغرامات دون إصلاح يذكر فى خدمات المرور أو تحقيق السيولة أو توفير الجراجات أو أماكن الانتظار بل لم يهتم القانون فى متنه بإلزام المسئولين بتوعية المواطنين بحقوقهم أو بالمخالفات وطبيعتها أو بأداب المرور ولم  يشترط  القانون توزيع كل المعلومات المطلوب العلم بها أثناء تجديد الرخص أو استخراج رخص القيادة ! لأن الهدف ليس تعليم الناس حقوقهم وواجباتهم أو حل مشكلات مرورية بل المطلوب تفريغ جيوبهم من الأموال ليستمتع الكبار بموارد للدولة التى نهبوها ومكافآت نظرا للمجهودات التى بذلوها !!

إذا الدولة تستطيع أن تاخذ حقها من الناس جبرا وقهرا وغصبا لكن فى ظل الاختلال الحادث يصعب على المواطن المصرى أن يأخذ حقه من الدولة إذا أهملت وليس لدى هذا النظام سوى المواجهة الأمنية لمن فشلت فى توفير مياه الشرب أو الرى لهم !! الحصار والإهانة فى مواجهة من افتقد أمنه الغذائى ولم يجد رغيفا يطعم به أبنائه وأسرته ، ماذا قدم النظام للشباب العاطل الذى أفسد تعليمه وأخلاقه سوى الطناش والتهديد باستخدام العنف فى مواجهته لو فكر أن يعتصم أو يطالب بحقوقه بصوت عال ! كل الحقوق الواجب على الدولة توفيرها للشعب والتى  فشل النظام المصرى فى تحقيقه ، ليس لها إلا الإهمال أو العناد أو المواجهة إذا طالب صاحب الحق بحقه وليس هناك أى ضمانات تسمح للمواطن أن يقتص من الحكومة إذاما قصرت فى حقه !!

من يأخذ حق من لم يجد مكانا لسيارته ! أو شارعا ممهدا يمشى عليه! أو كوب ماء نظيف أو غذاء صحى ؟!! من يمنح المواطن حقه فى علاج صحيح ناجع ويحاسب المقصر؟!  حتى القضاء إذا لجأ له المظلوم وحصل على أحكام ، فدولة الظلم لا تنفذ أحكاما ضدها أو ضد رجالها وهنا تسقط الشرعية تماما عن النظام ويبقى وحيدا لا يجد سوى العضلات ومزيد من العنف فى مواجهة الشعب الأعزل إلا من الإيمان بربه العادل الذى لا يظلم ولايرضى الظلم لعباده إذا انتفضوا من أجل حقوقهم ، الأعزل إلا من ثقته فى نصر ربه إذا نصره والتجأ اليه والتزم بدينه ، الأعزل إلا من حسن ظنه بربه فالتزم بعداوة من حاد الله ورسوله ومارس أضعف الإيمان وهو إنكار المنكر والأمر بالمعروف والالتجاء الى السلاح الفعال "الدعاء سلاح المهمومين " وهذا ما أدعوكم اليه فى هذا الشهر المبارك شهر الصبر والمصابرة والمقاومة، دعوة لأن نتسلح بالدعاء كى نأخذ حقنا من هؤلاء " بالإيمان والالتزام وحسن الظن والدعاء " وكلها من أشكال المقاومة الإيجابية وليست السلبية كما يظن البعض فكلها يصب فى عكس اتجاه الهدف الذى يتبناه هذا النظام الفاسد المفسد الظالم الجهول.

وما أدراكم ما الدعاء فى هذه الأيام المباركة فلقد اهتزت عروش وتقوضت أنظمة بفضل دعاء مخلص من قلب موصول بالله عزوجل يستشعر الحرية فلا يستعبده أحد كائنا من كان

فليتك تحلو والحياة مريرة             وليتك ترضى والأنام غضاب

إذا صح منك الود فالكل هين          وكل الذى فوق التراب تراب

وصدق من قال " إن دعاءك ربك عبادة أخرى وطاعة عظمى وإن عبدا يجيد فن الدعاء حرى أن لايهتم ولا يغتم ولايقلق ، كل الحبال تنصرم إلا حبله ، كل الأبواب توصد إلا بابه وهو قريب  سميع مجيب ، يجيب المضطر إذا دعاه ، يأمرك  - وانت الفقير الضعيف المحتاج- وهو الغنى القوى الماجد بأن تدعوه " ادعونى استجب لكم" إذا نزلت بك النوازل وألمت بك الخطوب فالهج بذكره، واهتف باسمه ، واطلب مدده ، واسأله فتحه ونصره ، مرغ الجبين لتقديس اسمه لتحصل على تاج الحرية ، وارغم الأنف فى طين عبوديته لتحوز وسام النجاة ، ومد يديك ، وارفع كفيك ، واطلق لسانك ، أكثر من طلبه ، بالغ فى سؤاله ، ألح عليه ، الزم بابه ، انتظر لطفه ، ترقب فتحه ، أشد باسمه ، أحسن ظنك فيه ، انقطع اليه ، تبتل اليه تبتيلا حتى تسعد وتفلح" رغم أنف أعدائك وأعدائه فالزم تسعد ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم

دبوس مشبك

لم أخص دعاءا بذاته بل يكفى ما يخرج من قلب كل مهموم فى هذا الوطن ليدعو بإخلاص فى وقت إجابة على كل ظالم أفسد حياتنا فى مصر الموكوسة بحكامها ، اللهم علينا الدعاء وعليك الإجابة اللهم آمين .

إضافة تعليق