هل التوبة ممكنة فى سجون النظام؟ ـ د. محمد جمال حشمت

فى مثل هذه الأيام منذ خمس سنوات كنت قابعا فى سجون الظلم الذى يحكمنا قهرا حيث تم القبض على وسط  زوارى يوم 8 سبتمبر 2003 بشكل اقتحام استعملت فيه السلالم الخشبية للدخول من الشبابيك !

وانتهكت فيه حرمات منزلى واستولى فيها أمن النظام على مالايحق له أن يأخذه وحتى بعد الإفراج لم يتم استردادها وهى أمور تبدو هينة لاقيمة لها إذا ما قيست بما حدث لكثير من الإخوان خاصة أولئك الذين زجوا ظلما فى محاكمات عسكرية تصفية لحسابات شخصية وتحقيقا لهوى أفراد تحصلوا على حق اتخاذ القرار بغير حق !

فالحمد لله الذى لايحمد على مكروه سواه ، وهى تجارب يحولها رب العزة الى منح على كل المستويات ! نسأل الله أن يبارك فى عمل ووقت كل من أدخل السجن فى مصر ظلما لخلافه مع الحاكم المستبد الذى لايقبل حوارا أو نقاشا أو رموزا تفضح أداؤه وأخلاقه ورموزه الفاسدة ! فلما طافت روحى فى هذا المكان الذى أسأل الله أن يعافينا منه وأن يمتلأ بالظالمين الفاسدين المستبدين ليشفى صدور قوم مؤمنين وأن يفك أسر المأسورين فيه ظلما واستكبارا وسبحانه على كل شئ قدير ، طافت روحى يقظة أو مناما لا أدرى فوجدت الأستاذ حسن المحكوم عليه بالسجن عسكريا 7 سنوات بعيدا عن قاضيه الطبيعى الذى أفرج عنه ثلاث مرات قبل الحكم عليه من القضاء العسكرى وقد انشغل بالسؤال عن الوافد الجديد فى المزرعة الأستاذ هشام المتهم فى قضية قتل تمس الشرف والمروءة وتذكر كيف كان كلاهما من دفعة واحدة من خريجى كلية التجارة جامعة الأسكندرية عام 1980 م وكانا وقتها على قدر من الالتزام الدينى فى عز نشاط الإخوان والجماعات الإسلامية بالجامعات ! وكيف لا ؟ ووالد هشام هو الحاج طلعت مصطفى المتدين الذى أقام أول معسكر إسلامى للشباب فى قطعة أرض يملكها فى العجمى فى أواخر السبعينات ، كيف لا؟  وهو من عائلة تقدم الخير للناس منذ زمن أبا وأما !؟ حتى كانت الأسرة كلها تؤدى العمرات والحج جماعة ! نعم الكل بما فيهم الأولاد فى طائرة خاصة ومعهم مرشدا دينيا ممن يثقون فى خلقه ودينه !

وبعد أن اتسعت الأعمال ودخلت فى أعمال المقاولات الحكومية وتم إنشاء شركات عملاقة - قبل تغول نظام الرئيس مبارك ورجال أعماله المحدثين! - وكان لابد من المحافظة على هذه الإمبراطورية التى بناها الأب العصامى بجهده وعمله الدؤوب فابتعد عن الإخوان واقترب من السلطة التى أظهرت حمايتها فقط لمن يستسلم لها ويصرف عليها بل ويشاركها !!  وقد كان ! وابتعد الأولاد عن المناخ الذى يذكرهم بالله واندمجوا ووجدوا أنفسهم فى مناخ الإنفلات الخلقى دون أن يجدوا من ينصح أو يرشد أو يصحح بل كان إبليس مسيطرا على الموقف يشوه فيها أمام أعينهم صورة الملتزمين ويهون ويسهل لهم العيش فى مجالات الفساد طالما يعملون تحت حمايه أكبر رؤوس فى البلد فمن ذالذى يجرؤ على رفض طلب او وقف مصلحة ! فقد فتحت لهم الأبواب من وسعة !! فى المقابل ظل الأستاذ حسن مالك زميل الدراسة على مبادئه وعلاقاته التى تضمن له البركة فى الرزق والسداد فى العمل حيث تسود المحبة والسماحة والوضوح وحب العمل لله وتحرى الرزق الحلال فكان مشوار العمل الحر بالنسبة له أطول لكنه أضمن ، وكان كلاهما يعيش فى سعادة ولأن السعادة هى الرضا فقد كان كلا منهما راضيا تمام الرضا عما يفعل ولأن الأول – حسن - قد التزم شكر النعمة فقد خضع لقوله تعالى " ولئن شكرتم لأزيدنكم" أما الثانى – هشام - الذى ورث عزا وجاها لم يبذل فيه ربع ما بذل زميله فقد كانت النعم تتوالى عليه من تسهيلات ومنح وأموال وأراضى رغم ما يرتكبه من أخطاء لابد منها عند مصاحبة هؤلاء القوم ! ! حتى أن أعمال الخير الصالحة التى  قدمها هشام وأخوه مقابل الحصول على بطاقات الإنتخابات من الأهالى مازال  يعتبرها الكثير من المتابعين نوعا من غسيل الأموال التى جاءت بلا تعب وبلا مجهود يتناسب مع حجمها وضخامتها!! تحقيقا لقوله تعالى " والذين كذبوا بأيتنا سنستدرجهم من حيث لايعلمون وأملى لهم إن كيدى متين" وكان الإستدراج - كما قال العلماء – أى " كلما أحدثوا ذنبا أحدث الله لهم نعمة " فذلك هو الاستدراج !! كل ذلك مر على عقل حسن لأنه يدرك الحقيقة التى لم تحظ باهتمام هشام وسط المسئوليات والمهام والمكاسب التى جعلت منه رجل أعمال صاحب أكبر ثروة فى مصر يحظى بالحصانة التى تمنح للمحاسيب الملوثين لتبعد بهم عن المحاسبة التى يحظر أن تطال أيا ممن ينعمون بالحماية الرئاسية فى زمن مصر المنكوبة الآن !!

بل ويحظى بعلاقات دولية بين رجال الأعمال فى العالم حتى نافس زملائه فى مصر الذى ينعمون بنفس الحماية إعتمادا على قربه من قلب النظام ! مرت هذه العظة سريعا على قلب وعقل حسن مالك الذى لم يحمه الدستور أو القانون عندما اقتحم أمن النظام بيته فاستولوا على أمواله التى قاربت فى خزنة واحدة مليون جنيه حلال من جهده وعمله وما ورث عن والده من خبرة دون أن يعترف السارق ! وعجزت النيابة عن إدانته ! وعجزت المحكمة عن إعادتها له بعد إسقاط تهمة غسل الأموال !!! أى والله حسن مالك وخيرت الشاطر وكل من معهم الشرفاء الأتقياء الذين يملكون ملفا ناصع البياض بشهادة مؤسسات الدولة يغسلون الأموال أما هؤلاء الذى يحميهم نظام الحكم فى مصر براءاء تفط البراءة من عينيهم،  مخلصين فقد نهبوا الجزء الأكبر من ثروات الوطن وأبقوا على شئ يسير لمن يأتى بعدهم !!

وتعجب حسن مالك وهو يرى زميل الدراسة الذى بدأ بداية مشرقة كيف ينتهى هذه النهاية المحرقة حتى لو ثبتت براءته ! ماذا فعل له حماته من البشر فقد أدخلوه بأيديهم الى السجن حماية لمن بقى منهم !! ويسأل بعض ضعاف الإيمان وماذا فعل الله بحسن و إخوانه؟ فعل لهم الكثير سبحانه وتعالى  فقد نالوا شرف قول كلمة حق عند سلطان جائر وهم إن ماتوا فمع سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه ! هم فى سكينة واطمئنان وخلوة فى سجنهم مؤمنون بأن الله سيقتص لهم يوما ما ممن ظلمهم ، لم يتنازلوا عن مبدأ و لم يؤيدوا فاسدا  أو ظالما أو مستبدا ، تهمتهم أنهم يعارضون من أفسد حياة المصريين وأذلهم وجعلهم طعاما لأسماك البحر وطيور الجو وكلاب الأرض !! الذى فشل فى أن يقدم وجها واحدا شريفا تفخر به مصر فى الداخل أو الخارج ! ، ويكفيهم أن برأتهم المحاكم المدنية وأدانت تحويلهم للمحاكمة العسكرية التى أشفت غليل خصمهم الضعيف المتورط فى حكم مصر قهرا وتزويرا ولايريد الإعتذار بعد ما جلبت يداه لشعبه!!

 باختصار لقد من الله على حسن وزملائه بالفخر وعلى هشام ومن خلفه بالعار ! ولم يجد حسن كلاما يواسى به زميله غير : لعل ذلك يكون خيرا لك عسى الله أن يجعل من بعده فرجا !! ولم يرد هشام وأطرق رأسه الى الأرض قبل أن ينقل لمستشفى السجن من هول ما حدث له !! والحقيقة أنه طالما الحياة مستمرة والروح تسرى فى جسد ابن آدم فالتوبة ممكنة لكن التوبة بشروطها : إعلان الندم ورد الحقوق وطلب العفو ممن ظلمهم وتغيير الصحبة مع العزم على عدم العودة لكل ما ارتكبت يداه !! فهل سيسمح هذا النظام بتوبة أحد رجاله ؟ لقد التزم النظام طوال حكمه بمدلول الأية القرانية" أخرجو آل لوطا من قريتكم إنهم أناس يتطهرون" فكانت مطاردته وتلويثه لكل الشرفاء الأطهار حتى لا تبدو حقيقته بالمقارنة ! أرجو من الله أن نفاجئ بتوبة أحدهم رغم أنهم فراعين - لكنهم صغار- عكس الفرعون الأكبر الذى لم يتب أو يؤمن إلا عندما عاين آخرته وموته بنفسه " آلآن وقد عصيت" لكن الوقت الأصلى والإضافى قد انتهى ولا راد لقدر الله وصدق الله العظيم " ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الأخر وما هم بمؤمنين ، فى قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون، وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون " وآيات الله تتحقق أمام أعيننا ليل نهار فهل من معتبر؟

وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم

إضافة تعليق