ماذا قدم نظام مبارك لوطن العراة

إجابة هذا السؤال سهلة ميسرة لأى مواطن مطحون فى مصر لم يمارس أى عمل سياسى فى حياته ولم يفكر أن يقلد الأثرياء بل فقط يريد أن يعيش مستور يكفى نفسه وأولاده يبيت آمن ويصبح آمن على نفسه وحياته، أى شاب هرب من المشاركة فى انتخابات اتحاد الطلبة بكليته راحة لدماغه من القيل والقال ومتابعة الأمن وكثرة السؤال ورغم ذلك تخرج منذ سبع سنوات ولم يجد عملا بمؤهله حتى اليوم وصار التفكير فى الزواج حلما صعب المنال!!

إجابة هذا السؤال لايصح أن أجيب أنا بشخصى الضعيف عليه لأنى معارض لنظام الرئيس والوريث بل وبيننا مطارق الحداد ! فمنذ انتخابى للبرلمان عام 2000م وهناك رصد وتربص ومتابعة للأقوال والأفعال ، حتى وصل الحال لتزوير أصوات النواب - الذين جاءوا أصلا بالتزوير- فى البرلمان لإسقاط العضوية ثم وسط حشود عسكرية تحولت دائرتى – دمنهور وزواية غزال – الى ثكنة عسكرية وجاءوا بقاضى مرتشى تولى القضية حتى أن شرفاء القضاة لم يقبلوا استلام مكافأة اشرافهم على الانتخابات رغم ارتفاع قيمتها عن باقى الانتخابات !!!

وهنا سمعت بأذنى - لأول مرة - من بعض القضاة  دور مؤسسة الرئاسة فيما حدث من تزوير ولم استوعب وقتها كيف لمؤسسسة هى أرفع المؤسسات ان تتدخل فى سير انتخابات لنائب لايمكن أن يكون له دور فاعل مؤثر بأى حال ، غير أنى اقتنعت بعد علمى أن المصيبة فى اسمى الذى يحمل لفظ جمال !!!

وقد تأكدت الرؤية بعدما حدث فى انتخابات 2005م على يد قاضى منتدب لوزارة من الوزارات واتصال به من الرئاسات للتأكيد على ماتم الاتفاق عليه من مهمات بعدما انتهت النتيجة على فارق كبير من الأصوات فكان لابد من التدخل الذى تكشفت خيوطه أمام كل القضاة الشرفاء الذين تسببوا فى فضيحة وخسارة هى بكل الحسابات قد حفرت قبرا لنظام فاشل بكل ما يحمل من سياسات ، ثم بعد ذلك يطلب منى أن أجيب ماذا قدم نظام مبارك , كيف وأنا متهم بعداوة هذا النظام وهو شرف لاأدعيه ؟ بل نترك الإجابة على لسان العراة !!

والعراة هو وصف عبقرى لأحد شيوخ القضاة الشرفاء فى مصر المستشار أحمد مكى نائب رئيس محكمة النقض عندما علق على فرض الحراسة القانونية على النقابات المهنية بأيد القضاة ووصفه بأنه فضيحة قانونية – المصرى اليوم 8/11/2008م- عندما قال: إن الأوطان إذا ابتليت بحكم استبدادى أصابته شهوة البقاء فى السلطة ، فإنه ينقلب على مؤسسات بلده ويفككها ويحظر الأحزاب ويضيق على النقابات والجمعيات ليصبح كل فرد أمامه"عاريا وعاجزا" ينتظر إحسان الإدارة " انتهى . هكذا صرنا أمة من العراة العاجزين ننظر الى الحاكم ليمن علينا ببعض حقوقنا التى قصرنا فى الدفاع عنها ، وهنا تلعب العصى والجزرة دورها التاريخى طالما أنه لا منفذ إلا من خلال الحاكم وزبانيته فأنت بدونهم ياولدى محروم محروم محروم !

لم يصل الحال بمصر فى وقت من الأوقات مثلما هو الآن انفصال تام بين مؤسسة السلطة وبين الشعب كل يرى الحياة بنظرة مختلفة ويمارس حياته بشكل مختلف ! السلطان ومن حوله يرون أن ماقدموه للوطن من خدمات يفوق إحساس وادعاءات هذا الشعب العارى العاجز وأنه ليس فى الإمكان إلا ما كان والشعب يرى أنه فقد حبه لوطنه وانتمائه ورغبته فى العمل بسبب هؤلاء لأنه وجد نفسه غريبا فى بلاده مطاردا ومتهما بلا سبب بل ومحروما من حقوقه الأساسية وكلما طالب بحقه وجد كذبا فى الردود وعنفا فى المعاملة واتهاما دائما بالتمرد !فانقسم الناس أمام هذا الاتهام الى ثلاث فرق أولهم استستلم وأقر بصحة رؤية السلطة ودار فى فلكها يأكل من ورائها ويتمتع بخيرها وحمايتها مضافا الى قوة الفساد مخصوما من قوة الشعب لكنه مازال عاريا عاجزا وإن ادعى غير ذلك ، ثانيهم رفض الظلم و طالب بحقوقه انطلاقا من مبادئه وأفكاره أيا كانت فتم حرمانه واتهامه ومطاردته لكن لأنه محروم من حقوقه الأساسية فمازال عاريا ولأنه غير قادر على التغيير فمازال عجزه باديا !

وإن كان امتلك رغبة وإرادة التغيير لكن دون وحدة هؤلاء جميعا سيظلوا عراة عاجزين أم الفريق الثالث وهم الأغلب فقد تركوا الظالم لعدل العادل ، والقوى لمن هو أقوى منه وظنوا أن بعدهم عن ميدان الصراع والاكتفاء بالحياة الذليلة التى يحيونها وقبلوا العيشة المرة وارتضوا الهوان أمام السلطة تماشيا مع المثل "اللى اتجوز أمى أقوله ياعمى" " والباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح" أو حتى سيبه مفتوح لو عجزك بادى !!!!! وهم المثال الحى للعراة العاجزين فى هذا الوطن المكلوم بأبنائه حكاما ومحكومين ! أولئك جميعا يدركون ماذا قدم هذا النظام طوال مدة إغتصابه للحكم فى مصر بلا تفويض حقيقى من الشعب وفى مناخ السلام الذى سعى اليه بشكله الحالى طوال ثلاثين عاما ومازال أهل سيناء لايشعرون فى ظله بالمواطنة ولا المصريين بالرخاء والأمن ! فماذا قدم نظام الرئيس مبارك الذى لن يستطيع أن يقرأ سطرا من هذا المقال ولن يجرؤ أحد أن يطلعه على مضمونه :

1- قدم تغييبا لوعى الأمة كى تفقد التمييز بين أعدائها وأصدقائها ، كما قدم إفسادا لعاطفة الأمة فلا تملك القدرة على نصرة المظلوم فى أى مكان فى الداخل أو الخارج بل تآمر مع المعتدين (انظر سلوك الإدارة والشرطة فى التعامل مع الشعب وانظر الموقف من احتلال أفغانستان والعراق وما يجرى فى فلسطين)

2- قدم إذلالا لكرامة البشر الذى يتحمل مسئوليه حكمهم بعد أن سيطر بقواته العسكرية على الحياة المدنية فى وطن العراة ! لافرق فى ذلك بين أستاذ جامعى أو قاضى أو نائب أو طبيب أو عالم أو معلم أو مهندس أو مواطن عادى كلهم لا كرامة ولا حقوق لهم عنده (راجع الإهانات والتعديات على كل هؤلاء وحرمانهم من حقوقهم حتى اضطر بعضهم للغضب والتعبير عنه)

3- قدم انهيارا لمنظومة القيم التى عاش بها ولها المصريون على مختلف عقائدهم وسهل الطريق لكل من يحقق هذا الهدف فى الجامعات(منع التدين وحماية صور الانحراف من عرى وزواج عرفى وإدمان) فى الإعلام ( إفراط فى الإباحية ومنع للثقافة الدينية الفاعلة وتحجيم لظهور قوى المعارضة القوية) والصحافة (نشر صور وقصص وحوادث الفساد بشكل يصيب القراء باليأس والإحباط ويعود المتابع على تحطيم والخوض فى كل المحرمات والمقدسات) وفى التعليم الذى لم يعد له قيمة ولا وزن داخل وخارج الوطن حيث تحولت الوزارة المعنية وكافة الوزارات الى بوق ينشغل بتنفيذ طلبات الحاكم ورؤيته والترويج له والدفاع عنه وانهارت مقومات التعليم ومخرجاته على أيد مرتزقة مشغولة بجمع الأموال والمناصب لتستر بها عريها وتدارى بها عجزها – وفى الشارع تعدت أثار انهيار منظومة القيم والأخلاق حدودها الأمنة فكانت البلطجة والتحرش الجنسى وفوضى المرور ومواكب المسئولين وانتشار التسول والعشوائيات تعبيرا عن هذا الإنهيار الذى أفقد المصرى هيبته وكرمه ونخوته وكرمه وقوته أمام الخوف والضعف والعجز لأنه يعلم ما من أحد سيحميه إذا استعاد هذه المقومات الأخلاقية وهنا بدا كأنه عاريا لا يستره شئ ولايركن الى شئ !  

4- قدم نظام مبارك أسوأ نمازج الإدارة على كل المستويات عندما تبدو الدولة ومؤسساتها فى الصورة ولم تنجح أى إدارة إلا بعد تفرنجها وتسليم مفاتيحها للأجانب ، حتى جمع القمامة يشهد التاريخ لنظام الرئيس مبارك أنه فشل فى جمع قمامة الوطن إلا على أيد الأجانب ! مرورا بالمستشفيات الكبرى الدولية المتخصصة وانتهاءا بالمشروعات القومية الناجحة مثل مشروع المترو فى بداية عهده والمشروعات الاستثمارية المشتركة ! مما أهان المصرى فى وطنه وهو المتميز فى أى مكان يذهب اليه ! وهذا يؤكد أن عوامل داخلية هى التى أفرزت هذا الضعف والتخلف لكثرة التداخلات الرسمية الأمنية فلم يعد للمبدعين مكانا أو أفرادا أو مؤسسات تحتضنهم وتحتويهم تنمية واستثمارا لإمكانياتهم المبدعة فصاروا كالأيتام على موائد اللئام !

5- قدم نظام مبارك أسوأ ما يمكن أن يقدمه حاكم لأمته وهو الاستهتار بالعدالة والتحايل على القانون والسخرية منه ليل نهار وعدم الامتثال للأحكام القضائية بل تلاعب بالقضاء كما تلاعب من قبل بالبرلمان وأكد ما قاله الدكتور جمال حمدان رحمه الله من أن "السلطة الوحيدة فى مصر هى السلطة التنفيذية أما السلطة القضائية فى محلل قضائى وأما السلطة التشريعية فهى مبرر نيابى " والنتيجة الطبيعية لذلك هو تفشى الظلم والفساد وانتشار المحسوبية واستعمال البلطجة لاسترداد الحقوق وانهيار صورة الدولة ومؤسساتها ولم يبق غير استعمال القوة العسكرية المدنية (الشرطة) لفرض هيبة الدولة المفقودة نتيجة ممارسات إدارة الحاكم ولأنه سيطر من قبل على القانون والقضاة (برلمان وقضاة) فكان من الطبيعى أن يزور شعار الداخلية من "الشرطة فى خدمة الشعب " الى " الشرطة والشعب فى خدمة القانون" والجميع فى خدمة الحاكم ونظامه !!!

6- قدم هذا النظام البائس لشعبه حاضرا موغلا فى الفقر والتخلف والمرض طبقا لإحصائيات مركز المعلومات بمجلس الوزراء والتعبئه والإحصاء محليا والمؤسسات الدولية عالميا والأسوأ من ذلك أنه لم يتحرك خطوة فى الاتجاه الصحيح نحو تدارك الأخطاء وإصلاح الأوضاع لرسم صورة مشرقة لمستقبل وطن قد يطول فجره لكنه لايقطع الأمل لدى الشباب الذى شاخ فى عز شبابه وأصيب بيأس وفتور وأمراض كانت تصيب الكبار فقط حتى وقت قريب !! نظام أسرف فى استعمال مصطلحات الفكر الجديد والمستقبل والعدالة الاجتماعية ودعم الفقراء واكتشاف المواهب وحماية المرأة والطفولة والنمو الإقتصادى !!! والحياة تسير فى عكس الاتجاه ! نظام استسهل الكلام وواجه الشعب بوعود معسولة منذ بدأ وجوده لكن المفارقة أن كل ذلك تم وسط الحراسة المشددة أثناء التحركات العادية  والزيارات الرسمية !

7- آخر ما قدم الرئيس ونظامه لوطن العراة هو ما يهدد بقاؤه واستمراره وهو اختيار الأسوأ لتولى المسئولية - وخير فعل - خاصة بعد أن صار الأمر فى أيد عقول أمنية تربت على أن حياتها واستمرارها رهين بكلمة " كله تمام يافندم"  دون مناقشة ! حتى الأمن السياسى كنت أتصور أنه ذو اتجاهين " ينفذ التعليمات بعد أن يرفع تقارير حقيقية تقدم الرأى والنصيحة بما يجب أن يتم " لكنهم للأسف لا يملكون إلا تنفيذ الأوامر وإن لزم الأمر رفع تقارير بما يريده السادة الرؤساء ويروه بحكمتهم وخبرتهم !! حتى الدراسات الجادة التى تقدمها بعض الجهات فى مصر " جامعية أو قومية أو نيابية " فلا أحد يأخذ بها لأن مستوى الأبحاث أعلى من مستوى طالب المشورة أو أن الأهواء والأهداف المحددة سلفا تمنع الاستفادة منها ودليل ذلك هو المشروع النووى المصرى الذى قدمت فيه دراسة عبقرية من كافة المتخصصين فى الوطن عام 1987 تحت اسم التقرير رقم 8 من إصدارات مجلس الشورى المصرى الذى خطط لبناء المفاعلات المصرية بأمان خلال عشرين عاما (2007) !! لكن أحدا لم يلتفت اليه وصار الأمر فى سخرية ومراراة فى حكومة المنتجعات يتردد بمقولة كيف لنظام فشل فى جمع قمامته أن يبنى برنامجا نوويا !!!!

أخيرا كان يجب أن نستكمل المقال بإجابة على سؤال أخر وهو ماذا قدم شعب العراة لحكامهم طال هذه الفترة وننهى بمقالة عما يجب أن يتم الآن إجابة عن السؤال ماذا يجب أن يقدم كلا من الحاكم والشعب المصرى لكليهما لكن نعد بذلك إذا كان فى العمر بقية وأخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين

إضافة تعليق