قذائف الحق (22) عولمة التشريع ومأساوية الواقع !

ذلك كان الاتهام الأول الذى اتهمت به الحكومة المصرية فى أولى جلسات مجلس الشعب المصرى فى دوره التشريعى الثامن الذى بدأ عام 2000م  حيث بدأت تتوافد الى المجلس قوانين مثل الجات وقانون العمل الموحد وغيرهما من القوانين التى كان شباب الفكر الجديد المترف يظن أن نقل مصر الى مصاف العالم الغربى المتقدم يتحقق بأخذ القوانين التى تحكمهم لتحكمنا وبس خلاص !! ولم يراع هؤلاء الذين لم يعانوا يوما ما من الفقر والحاجة والظم والحصار أن حياة المصريين تحتاج أولا حماية من التعسف الذى يمارس ضدهم !

والى رصيد من الاحترام لدى حكومته نحوه كما يحتاج الى الإعتراف بحقه فى حياة كريمة تمنحه الحد الأدنى من المعيشة الكريمة وبعدها تأتى قوانين المحافظة على هذه الحقوق قبل القوانين التى تجعله أسيرا للقوى الأكبر فى هذا العالم والتى تمنحه بعض الحقوق التى تعتبر ترفا لمن يحيا حياته البائسة !! تعجبت من الإصرار على الجودة وأنت تستورد كل شئ !

لقد فتح العالم المتقدم البلاد المتخلفة مثلنا باتفاقية الجات أمام منتجاته وتقدمه التكنولوجى الهائل بينما أغلق أسواق بلاده أمام منتجاتنا تحت شعار قانون الجودة والاعتماد !! هى إذن حرب شكلها المعلن التقدم العلمى وتطوير الذات والاهتمام بالبحث العلمى وتنظيم الحياة وفق قواعد تتسع لمن يحتفظ بكرامته وحقوقه كامله فى مأكل نظيف وسكن مريح وعلاج آمن!

لكنها لا تنفع ولا تشفع للجائع الخائف المرتبك الذى يقضى جل حياته فى البحث عن لقمة العيش أو كرامته ! والعجيب أن النظام المصرى صاحب الفكر الجديد لا يفكر فى تحويل حياة المصريين الى حياة آمنة مستقرة تنطلق منها كل أفكار التطوير والإبداع بعد أن استوفت حقوقها الأساسية !

فكيف فى غياب هذا الحد الأدنى الذى ذكر به المولى عز وجل فى قوله تعالى " الذى أطعمهم من جوع وأمنهم فى خوف " يمكن إدارة الجودة وتنفيذ قوانين المجتمعات الغربية بنصوصها المترجمة فى مقابل حياة واقعية لا تتوافق ولا تتناسب مع مجتمعاتنا العربية الاسلامية التى تعانى من حكام مستبدين لا ينظرون الا لمصالحهم الخاصة ! وسيبقى الانفصال بين الواقع والتشريع مستمرا طالما بقى هذا النظام بنفس الوجوه وذات السياسات و لا حول ولاقوة إلا بالله العلى العظيم

دكتور محمد جمال حشمت

g.hishmat@gmail.com

الأول من مايو 2009م

إضافة تعليق