أوباما فى دمنهور !!

جف ريق الأساتذة فى جامعة القاهرة وكل جامعات مصر - المهمومين بضرورة استقلال الجامعات المصرية و تطويرها - من أجل دعم مالى يحفظ كرامة الأساتذة الذين يعيشون على الكفاف ويدعم البحث العلمى ويوفر امكانات إدارة مشروع الجودة المطروح للإرتقاء بمستوى الأداء الجامعى علميا وتعليميا وبحثيا ، لكن الردود كانت دائما قاطعة : نجيب منين؟ وقد زادت الأزمة المالية العالمية الأمر سوءا – رغم تأكيد فطاحل لجنة السياسات والحكومة بأن مصر لن تتأثر بالأزمة العالمية مما يدل على أنهم يمتلكون رؤية قاصرة وقد حباهم الله بعقول خاوية ومنحهم  تصورات لا علاقة لها بمصر أو حالها أو شعبها !!

المهم  بعد كل هذا الرفض والإدعاءات بعدم وجود أموال !! فجأة تم اعتماد وصرف 13 مليون جنيه مصرى على الأقل لتطوير جامعة القاهرة – المبنى لا المعنى !- والتطوير هنا عبارة عن تأهيل للمسارح والغرف والصالونات والتكييفات ودورات المياه والسجاد والمفروشات والدهانات والسماعات والشاشات وغير ذلك مما برع فيه الموظفين فى مصر من مظاهر الخداع التى تعودوا عليها كلما زار مسئول مهم أى بقعة من أرض مصر حيث تحظى باهتمام شكلى من تنظيف أو سفلته للشوارع وزرع ورود وأشجار و علامات للمرور والتى للأسف هذه اللمسة الحضارية لا تتعدى مكان الزيارة مثلما حدث فى دمنهور مدينتى وكل مكان زارته الأسرة الحاكمة حيث تم تلميع الطريق الموصل لقلب المدينة التى تحوى الأوبرا الصغيرة ومكتبة مبارك – توفيق الحكيم سابقا ورغم مناسبة الحكيم للمكتبة أكثر من مبارك إلا أن العادة الفرعونية المتأصلة فى سلوك الموظفين والتى كان بموجبها يمحى الملك الحالى كل أثار ورسوم وعلامات الملوك السابقين له – ثم تركوا باقى المدينة يضرب يقلب كأننا نعيش فى الأدغال أو قل فى مدينة خارجة لتوها من حرب مدمرة !!

فلا رصيف و لا أسفلت وأن كان فهو كموج البحر أو ملئ بالثقوب التى أنهكت ودمرت سيارات المواطنين ، كم أن إضاءة الشوارع تكاد تكون منعدمة والمشروع القومى للزالة التى تديره الدولة – أى ترك الزبالة وتراكمها فى الشوارع وألزقة والحوارى لفترات طويلة – مازال قائما دون أى مقاومةتذكر من الزبالين الذين يحتاجون لنظافة أو من مجالس المدن التى تم عسكرتها ! فلا خدمة حقيقية تقدم مقابل النشاط الزائد فى جباية الرسوةم والمخالفات والغرامات للنظافة والبيئة والكهرباء والمياه مما يؤكد أننا نحيا فى ظل نظام لا ينسى حقوقه التى شخصنها وتجاهل واجباته ودوره فى تقديم الخدمة الواجبة لشعب مصر الذى يدفع ثمن كل ذلك وحده !

والعجيب ليس فى إهمال الحكومة لنظافة الشوارع أو مسئولياتها فى تجميل المبانى وتقديم الخدمات للمواطنين والتى ينجح فى إتمامها فقط عند زيارة مسئول مهم !! لكن العجيب فى صمتنا على ما يحدث كأننا ارتضينا بأن نحيا فى ظل هذا التدنى فى الخدمة وفى شوارع لا تصلح للسير فيها بأى شكل أو أى وسيلة  كأن هذا هو الأصل ! ولعل أوباما يعمل فينا خير ويعلن عن زيارته لدمنهور بلد الأحرار الذين أغاظوا الحكومة مرات عديدة وأختاروا نوابهم على غير هوى الحكومات وعلى أيديهم افتضح النظام المصرى القائم على التزوير وسرقة إرادة الشعب المصرى طوال السنوات الطوال الماضية أخرهم فى 2005 وكان قضاة مصر الشرفاء هم الشهود على التزوير مما أثار حنق النظام اللص وعدل مواد دستورية لإخراج القضاة من اللجان الانتخابية !!!

أيها الرئيس أوباما ، ألا تستحق دمنهور بعد كل ما قدمته من إثباتات لزيارة منك ولو عابرة ربما تتحسن الظروف وتثبت الأرض من تحت أقدامنا ويجف ماء صرفها وتستوى للسير الآمن وتزرع الأشجار وتوضع الورود فندعو لك بطول العمر  خاصة لو قهرت حكومتنا وزرت مدينة مصرية كل عام وإن كنا ندرك أنك تهتم بدعم الحكومة المصرية أكثر من دعمك للشعب المصرى  لأنك تجنى من ورائها المكاسب على كل المستويات وتدرك أننا إن لم ننصر أنفسنا فلن ينصرنا أحد وإن لم نسعى لأفك الحصار عنا ورفع القيود فلن يسعى أحد فى تحريرنا ولأن الله قد أقر القواعد إن تنصروا الله ينصركم  وأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم !

أيها الرئيس أوباما: الذى جئت لتخدم أهداف ومصالح أمريكا فقط لاغير وندرك انك لن تقدم لنا عدلا أو حرية أو حقوقا للإنسان  ! لماذا إذا تعذر عليكم - لضيق وقت أو قلة اهتمام - زيارة دمنهور ، لا توجهون نظر سفيرتكم لإتمام هذه الزيارة ! فقط لتتجول عندنا وما أدراك ما عندنا ربع مدينة نظيفة بها الأوبرا والمكتبة ومقر الحزب الوطنى ومباحث أمن الدولة ومديرية الأمن وديوان عام السيد المحافظ وبعض المصالح الحكومية وثلاثة أرباع مدينة متهالكة إن اقترب منه الإصلاح تحرك فيها كالسحلفاة ! أهلها فى حياة قذرة وسط القمامة والإهمال وهم أول من يدفع رسوم النظافة وإلا فالقضاء والسجن هنا فى الانتظار – أمال ايه نظام قوى !- فربما إذا أعلنت سفيرتكم الزيارة تحدث المعجزة ويتحرك السيد المحافظ  ممثل السيد الرئيس ليرى بعينه ويمر بسيارته ويأمربسرعة انهاء الإصلاحات الجارية فى بعض أجزاء المدينة منذ أكثر من ثلاث سنوات ولم تنته حتى اليوم !

هذا هو حلم بعض الشباب الذى تحاور معى وتخيل ماذا لو حضر أوباما أو أعلن رغبته لزيارة دمنهور ماذا سيحدث فى هذه البلدة المحطمة المهملة بعيدا عن مقرات المحافظ والأمن ! هل سيحدث ما يحدث الآن فى الجيزة والقاهرة وفى الأماكن التى سيمر عليها أوباما أو سيقع نظره عليها !! لمن تتجمل مصر ؟ أليس أبناؤها أحق بهذا؟ ! إن هذا الهوان الذى نحياه وهذا الكذب الذى يخرج من أفواه مسئولينا وصار كالهواء نستنشقه هو دليل العجز الذى يسيطر على المسئولين والنفاق الذى صار الأصل فى التعاملات حتى صار الكل يكذب على الكل ويعلمون أنهم كاذبون لكنهم لا يملكون غيره !

وهنا أقترح على أهالى دمنهور المتضررين – إن فشلت محاولة استقدام أوباما أو سفيرته أو الرئيس ووزارته لزيارة دمنهور كل دمنهور – أن يبادر الجميع بعمل محاضر إثبات حالة ضد المسئولين عن هذا الوضع البائس لنسجل للتاريخ هذا الانهيار فى الأداء ولربما نأخذ حقوقنا عن طريق القضاء!  عندها ربما يستشعر المسئولين أنهم مسئولين عن شعب واعى حى لا يترك حقه ولا يرضى بهذه الحياة المتدنية ويستطيع أن يقول لا أيضا وبقوة فى غير الانتخابات! عسى أن يتحرك موتى الضمائر ويدرك من تولوا أمرنا بغير رضانا أن ليس كل الصمت ضعفا وليس كل الصبر عجزا فليحذروا غضبة الحليم إذا انتفض ودعوة المظلوم إذاإستغاث برب العباد المنتقم الجبار السميع العليم ولا حول ولاقوة إلا بالله العلى العظيم

دكتور محمد جمال حشمت

g.hishmat@gmail.com

3 يونيو 2009م

إضافة تعليق