عندما يحكم الشيطان ويتحكم – ماذا يفعل؟!

نكتة معبرة تلك التى تصف رئيس دولة ديكتاتورية فى لقائه مع الشيطان يطلب منه النصيحة : ماذا يفعل فى شعبه؟ ! وكلما يذكر له اقتراح بعمل يقول له الرئيس عملناها قبل كده ! كنت عايز أخذ رأيك فى حاجة عايز اعملها هات ودنك ، فاقترب الشيطان منه وألقى اليه بسمعه ... ثم انتفض و قال له يابن الشياطين ده انا عمرى ما افكر كده ! دا انت غلبتنى !!!! تذكرتها عندما تخيلت لو أن شيطانا حكم مصر ماذا يدبر لأهلها ؟ وكيف يخطط لهم؟

1- يبالغ فى دعم الشعب وخاصة أغلبيته الفقيرة حتى تعتمد على حاكمها فى كل شئ يتعلق بحياتهم  ثم بالتدريج يسحب دعمه ويصبح فقراء الوطن فى أيدى الحاكم يستعملهم كيفما شاء ويغرس فى نفوسهم قيم الفساد التى تجعله متحكما في مصيرهم من غش وتدليس ورشوة وتزوير وظلم وعداوة وحقد وتباغض وعنف إن لزم الأمر !

2-  سيطرة كاملة على العمال فى أماكن عملهم من خلال رؤساء - يتم اختيارهم بمعرفة الثقاة من أمنه الذين يفضلون الموت من اجل حياة ولى نعمتهم - وهؤلاء الرؤساء الثقات - وربما بلا خبرات -  يمارسون الإدارة بنفس طريقة استجلابهم يقربون الثقات ويبعدون المخلصين وربما يعادونهم لأنهم يكشفون عجزهم وتقصيرهم مما يلجأهم الى التعسف فى استعمال السلطات الممنوحة لهم وإن أصر البعض على وجود أشكال ديمقراطية مثل النقابات العمالية ! فالمخلصون من أمن الشيطان جاهزون لتزوير إرادة العمال خوفا من انتخابهم لمن ينشغل بحقوقهم حيث يدركون أن ولاء هؤلاء بكل صدق سيكون لمن انتخبهم ! وعلى ايه ! فالحاكم الشيطان أدرى بمصالح رعيته وهو الذى يختار لهم حتى لو دعاهم للإنتخابات وأنفق عليها الملايين من أموال الشعب بلا طائل !!

3- الفلاحون وما أدراك ماالفلاحين! هم من يعمل خارج الوظيفة التى يستعبد بها الحاكم شريحة من أبناء الوطن من الموظفين والعمال ! ويملكون المال كل على قدره من تعب يده وعرق جبينه وهم بذلك يمثلون خطرا على الحاكم ونظامه فكانت فكرة إهمال الريف وتأخير تقدمه وتطويره قدر الإمكان ليصبح الحلم منحصر فى ماء نظيف وكهرباء وطريق مسفلت تلك هى أقصى الأمنيات والطلبات،  ثم يتم عمل دورة زراعية جبرية فإذا صار الفلاح حرا فيما يزرعه يبقى عجزه عن التسويق وإجباره على تسليم زراعته لحكومة الحاكم فيتم التحكم فى الزراعة دون أوامر لكن ماذا يفعل الفلاح بزراعة قمح عالى الجودة ليباع بسعر بخس يسبب له الخسارة وأقل من ثمن شراء القمح من الخارج استيرادا ؟! كأن الحاكم يدعم الفلاح الأجنبى ولا ينشغل بالفلاح المصرى ابن بلده ! ثم ما المانع أن يكون السماد من شركات تخضع للحاكم أو لرجاله المخلصين فيتحكم فى الفلاحين جبرا ! ثم مالمانع من دعم الفلاح بقروض بنكية ربوية يشترى بها ما يشاء ثم يعجز عن السداد ويهدد بدخول السجن أو يدخله فعلا وفى كل انتخابات يتم إعادة جدولة القروض لمزيد من التحكم فى الفلاح المصرى الذى يرعبه العمدة المعين من قبل الأمن أو من شيخ الخفر أو من المخبرين المنتشرين فى كل مكان وينقلون أنفاسه ويعدونها عليه إذا لم تفلح كل الوسائل السابقة !!

4- أما الطلاب فقد انشغلوا بدراستهم بعد أن وجد الحاكم أن نظام الترم أفضل لأنه يشغل الطالب طوال العام ومن لم ينشغل بالدراسة انشغل بنفسه فى منظومة امنية تحكم الجامعة يتعاون فيها عميد الكلية مع عميد الشرطة ولا فرصة لأحد فى تمثيل حر للطلاب لأنه ممنوع فى حضرة الشيطان أن يكون ولائك لغيره! وتبقى الكلمة الأخيرة لأمن الشيطان الذى يمنع المشاغبين أصحاب الرأى المخالف للحاكم من النجاح أو من التخرج أو من التجنيد أو من العمل وأحيانا من السفر !!! ومن تجاوز كل ذلك فالسجون تربى من لم يتربى فى بيته أو جامعته!!

5- أما الأساتذة فليسوا بأحسن حالا من طلابهم فهم يعانون الأمرين منذ تفوقهم وتعيينهم وترقيتهم وأبحاثهم فكلها تحت عين أمن الشيطان يراقبها خطوة بخطوة وله فيها الكلمة الأخيرة ويكفى أن دخول الأساتذة لا تكفى فيعانون نفس معاناة الشعب المطحون جريا وراء اللقمة والكسوة والعلاج والحياة الكريمة التى يحرم منها أغلبيتهم !

6- يبقى المهنيون من أطباء ومهندسين ومعلمين وعلميين وصحفيين ومحامين وغيرهم ممن يعملون تحت سيطرة الحاكم ومنهم من يعمل حرا لا سلطان لأحد عليه فى عمله وهذا له قوانين ورسوم وضرائب واستعلام وتحريات تحيط به من كل جانب وياسلام لو فكر فى عمل نقابى ! فلقد مضت عشرات السنين على النقابات المهنية لا تلقى بالا ولا اهتماما وعندما صارت موضع اهتمام وتنافس وقدمت خدمات وصار لها صوت فى قضايا الوطن الذى استأثر به الحاكم فقد توقف نموها وقتلت أنشطتها وانعدمت خدماتها من أجل أن يطمئن الحاكم أنه لا أحد يوسوس فى صدور الناس أو قلوبهم أو عقولهم إلا هو!

7- أما مؤسسات ما يسمى بالمجتمع المدنى فلا مانع من إنشائها تحت إشراف أمن الشيطان لحماية المواطنين من أنفسهم وبدلا من الإهانة والبهدلة فلا دور خدمى يقدم للناس ويصنع أثارا طيبة يتوافد على إثرها المحتاجين ليلتفوا حول أهل الخير ! فهذا محذور أو محظور ! فلا يجب أن يكون لأحد شعبية مهما كان إلا بإذن من الحاكم حتى لو كان أحد زبانيته!وعندما ضاعت المؤسسات التى يمكن أن تخفف من حدة التدهور فى حياة الشعب نتيجة ممارسات الحاكم انفرط العقد واضطر الحاكم أن يستعين بأمن الشيطان للسيطرة على حالة الغضب الكامن فى الصدور مع تسلط حالة اليأس على النفوس فاستشرى العنف فى الوطن وصار كل من يستطيع أن يأخذ حقه وحق غيره بالقوة فعل !

8- أما الحياة السياسية فسوف يجعلها الحاكم أشكالا وأشخاصا تثير السخرية بين أبناء الشعب فلا قيمة ولا رمز ولا أداء حى حر مسموح به بين الناس ! فقط مقر ودعم وجريدة وهذا أقصى المنى لمن ينجح منهم فى التواجد على سطح الحياة السياسية ! فالأحزاب لابد من رضا الحاكم وحزبه قبل إشهارها ومن يخرج عن الخط فالانشقاقات والإنفجارات من الداخل جاهزة !حتى وإن حاز على الإنصاف بأحكام قضائية فلن يجد من ينفذها ! وعيون أمن الشيطان تتابع كل حركة وكل سكنة حتى لا يصدق أحد نفسه ويمارس دورا سياسيا خارج إطار ما تم الاتفاق عليه وكله بحسابه حوار مع حزب الحاكم أو لقاء مع الحاكم نفسه أو تعيين فى مجلس برلمانى او هيئة عليا أو حتى انتخاب بعض أعضاء الحزب بالتزوير الذى برع فيه الحاكم وزبانيته! باختصار كل من يقترب من الحاكم وحزبه فقد خسر مصداقيته وتحمل وزر التبعية للشيطان وحزبه ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون! وغيرهؤلاء من وطنيين أحرار فهم بعيدون عن الشرعية بل هم محظورون أو محظوظون لتلك المفاصلة ! فالإضطهاد والحصار وانتهاك الحرمات وسرقة الممتلكات والسجون والتعذيب والقتل أحيانا فى انتظارهم منعا من إحياء أى عمل سياسى عام يفضح حزب الشيطان وأتباعه !

9- أما الإعلام والثقافة والفن فحدث ولا حرج فقد أحدث الحاكم حالة من الهرج اختلط فيها الحابل بالنابل وتاه الناس بين الحقيقة والكذب ! وظن كل من يملك ناصية الحديث أنه يستطيع أن يطمس الحقائق بسهولة ! ولم تغب سيطرة أمن الشيطان على وسائل الإعلام بكل صوره ظنا منهم أنه يمكن إخفاء الحق وتزيين الباطل الى مالا نهاية وهو مالن يحدث! أضف الى ذلك تفكيك حالة الغضب بفن يسرد أشكال المعاناة التى يحياها الشعب دون الإقتراب الحقيقى من أى حلول لها بجانب مستوى متدنى من الفن الهابط المثير للغرائز وهو ما يناسب جمهور عريض لم يجد فرصة عمل ولا فرصة زواج وعفاف فانشغل بشهواته وجاء الشيطان ليثيرها ويصرفها فى طرق تغضب الله وتسعد الشيطان !

10-  ولأن الشيطان لايقبل له شريك تالها بغير حق ! فإنه فعل مع عصبته ما يفعلون هم بالناس ! فهذا برلمان لاوزن له لخضوعه بالكامل لسيطرة الحاكم حيث يتكلم بما يرضيه ويفعل ما يريده ! حفاظا على الشكل بينما ضاع المضمون وراح فى داهية!وهذا القضاء عندما حاول المطالبة باستقلاله وفضح تزوير الحاكم عصفوا به بتعديلات دستورية على مقاس الحاكم ليبقى دون مشاكسة حتى لو كان أداؤه مفضوحا فلقد افتقدوا الحياء والحياة فلا حياة لمن تنادى ! وتلك حكومة بوزراء لو أنهم استقالوا  ما تعطل لوزارة عمل أو أداء فطالما مندوب أمن الشيطان موجود فكل شئ على ما يرام !! فهم كما وصفهم كبيرهم بحق سكرتارية عند الحاكم ! والحاكم هنا يطيل عمر من يخدمه فى منصبه واحصروا اسماء من تخطى السبعين وكم مضى على وجوده فى منصبه وكم قدم من خدمات !ويبقى بدل الولاء يقدم لمن يحمى الحاكم هو المقياس والدليل على سيطرة الحاكم على أمن الشيطان ! يقرب هذا ويبعد هذا ويوزعهم على كافة مرافق الحياة لتتحول بلده الى سجن كبير تتلى فيه الأوامر فلا يسمعون غير " كله تمام يافندم "

هكذا تصورت أحسن وسائل يمكن بها حكم الشياطين لبر مصر فهل هناك مالم يخطر على قلب شيطان منهم ليفعله فى أهلها ، لم يفعله حكام مصر المحبوسة فى ظل نظام فاسد ظالم ومستبد !

دكتور محمد جمال حشمت

g.hishmat@gmail.com

29 يونيو 2009م

إضافة تعليق