مساحة الخلاف وحجم الود فى أى قضية

من أدبيات الحركة الاسلامية أن الخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية وهى تكاد تكون من البديهيات على المستوى النظرى يتكلم بها الكثيرون لكن لا يعمل بها إلا القلة التى تعى قيمة هذا السلوك الذى يجعل التحيز للحق أولى وإقرار العدل أسمى من كل شئ ! أحبك نعم ولكن حبى للحق أشد ، أتفهمك نعم لكن السعى وراء الحقائق أولى !

ومن هنا تنشأ كثير من المشاكل عندما يخشى الرجل من قولة حق أمام مسئوله أو كبيره فتترسخ معانى التفرد والاحساس بالصواب والتميز وامتلاك الحكمة وعدم القدرة على قبول الرأى الأخر فى نفوس المسئولين كما تتوطن معانى الإحساس بالضمور العقلى والتبعية النفسية ورهبة المواجهة حتى ولو فى الحق فى نفوس الجنود الذين خافوا أن يفسد رأيهم أو موقفهم للود قضية ! ومن هنا صارت بعض المسلمات داخل الحركة الاسلامية لا تتعدى كونها إطارا نظريا وقيما معرفية لا علاقة لها بالواقع رغم أن القرآن والسنة النبوية المشرفة تمتلآن بالنمازج والمواقف ، فغياب الود قد يعنى غياب المواجهة أو الصمت أو الخصومة لا قدر الله وقد يمتلك الشيطان ناصية الموقف فنقع تحت ما جاء فى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "إذا خاصم فجر" وهنا تختفى ظلال "رحماء بينهم" وتتبدل مواقف العزة والذلة فى  "أذلة على المؤمنين" وقد تنتهى الى قطيعة لا تتحملها النفس السوية ولا يقبلها التنظيم الذى يعمل فى خدمة الاسلام على قاعدة الحب فى الله التى تجمع بين أفراده  هنا نتسائل أين مصلحة الدعوة فى هذا الخلاف ؟ بل أين الأخلاق الأساسية التى تضبط حركة المسلم فى حياته وعلاقاته وهو صاحب الرسالة والمبشر بها وسط أهله وإخوانه عسى أن يستيقظوا على حقائق عظمة هذا الدين!! وأين الفضيلة في حديث الرســول صلى الله عليه وآله وسلم (أفضل الفضائل: أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك) .

قد يغيب عن البعض أن الخلاف الحادث إنما فى الفروع لا فى الأصول وهنا تتسع مساحة الاجتهاد وتتعدد الرؤى ولامانع من الاستماع والبحث والتنقيب عن الحقيقة والأصوب أعترافا با أقره الإمام أبو حنيفة  من "أنى رأيى صواب يحتمل الخطأ وأن رأى غيرى خطأ يحتمل الصواب" . وهنا قد نحتاج الى معرفة كيفية تسوية مثل هذه الخلافات بعد أن نقر أن وجودها علامة صحة و أن منعها أو تحويلها الى خصومة نذير شؤم على الجميع ! ومن أهل العلم – أنقل عنهم- من وضع استراتيجيات لمواجهة هذا الخلاف و فيما يلي نوضح لك هذه الإستراتيجيات:-

أولاً: استراتيجية الإنسحاب:- وهي أن الشخص عندما يشعر أن هناك بداية لخلاف لانفع من وراءه  يبدأ بتغيير موضوع الحديث بسرعة ويغض الطرف عن النقد.وقد يستسلم للطرف الأخر دونما حل للخلاف القائم

ثانياً: استراتيجية الإكراه:- وهى تجعل من يتبع هذه السياسة يحرص في أي خلاف على أن يخرج منه منتصراً مهما كلفه الامر من تدميرعلاقات أو إساءة فى الألفاظ أو التصرفات

ثالثاً: إستراتيجية التهدئة:- هذه السياسة من ينتهجها يحاول أن يجعل كل أطراف الخلاف راضية وسعيدة، فهو يهتم بالعلاقة مع الناس إلى درجة كبيرة حتى لو تصادمت مع مصالحه ، ومن وجهة نظره يرى أن التحدي والمجابهة مدمرة، لذلك عند بدء الخلاف يعمد إلى كسر حاجز التوتر.

رابعاً: استراتيجية التسوية:- وهي سياسة مسك العصا من المنتصف وهي تشعر الأطراف في أي نزاع أنهم رابحون لأول وهلة مع أنهم في حقيقة الأمر خاسرون لأن هذه السياسة تعطي بعض الكسب لكلا الطرفين بدلاً من الانتصار للحق واعطاء الكسب للمصلحة العامة والمرجوه من حل ذلك الخلاف.

خامساً: استراتيجية التكامل:- تمثل قمة النجاح لحل الخلاف لأنها تتطلب مهارات إدارية وإتصالية عالية المستوى وهي طريقة مشتركة لحل المشاكل, ويلزم على جميع الأطراف إفتراض وجود حل ما وبالتالي هم يجتهدون لهزمية المشكلة لا لهزيمة أنفسهم.   هنا يتضح أن الخلاف المقبول والذى ينظر الى المصالح العليا هو علامة صحة كما أن محاولات استثماره لا كبته هى علامة نضج يجب أن تحرص عليه الحركات الاسلامية التى تقدم نفسها للشعوب كقاطرة من أجل الحق والعدل والحرية

إضافة تعليق