نص الحوار الشامل لمجلة المختار الإسلامى مع الدكتور/ جمال حشمت

نص الحوار الشامل لمجلة المختار الإسلامى مع الدكتور/ جمال حشمت

-المناخ المستبد بمصر قتل كل المبدعين على كل المستويات وفرغ البلاد من الكفاءات والثروات .


- لولا تواجد الإخوان بمؤسسات المجتمع المدنى لما صاروا قوة المعارضة الأولى فى مصر .


- ليس هناك حذر فى التعامل مع الإعلام والأمر متروك لكل من يحسن التعامل الإعلامى ويخدم الفكرة الاسلامية وأهداف الإخوان .


- الخطأ الذى يرتكبه النظام و يفسد به حياته هو ترك ملف الإخوان فى أيدى الأمن .


وموضوعات أخرى عديدة فى هذا الحوار منها علاقة الإخوان بالتيارات الإسلامية الأخرى وملف الأقباط وملف العمل السياسى عند الإخوان وبرنامج الحزب .. فإلى الحوار ..


** في ظل عالم متغير ما رأيك في الأصوات الداعية إلى ضرورة إعادة النظر في طريقة الإعداد والتربية لدى جماعة الإخوان المسلمين ؟

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على نبى الرحمة وامام المجاهدين محمد عليه أفضل الصلوات والتسليم

شكرا للمختار الاسلامى على سعيها لهذا الحوار وقد تربينا عليها منذ أعدادها الأولى وقد شاركت بجهد وافر فى صناعة جيل الصحوة المباركة فلها كل التقدير والإعزاز

لاشك أن نشأة جماعة الإخوان عقب سقوط الخلافة الراشدة التى كانت بمثابة الرأس للأمة تجمع الشتات وتوحد المواقف وتحمى الثغور له معنى هو من صلب أهدافها ومن أجلها وأعلاها وهو تحقيق حلم الوحدة الاسلامية ولاشك أن مثل هذا الهدف الكبير يحتاج مع الوقت لتطوير الوسائل وإعادة صياغة المحتوى وابتكار وسائل جديدة واستحداث طرق للتربية والإعداد تختلف طبقا لظروف المكان والزمان وهو تطور طبيعى لابد منه


** نمط إدارة الجماعة مازال يعاني من مجموعة إشكاليات نريد منك التعليق على كل واحدة منها :

أولاً:   التوظيف الأمثل لإمكانات الأفراد حيث يوجد لدى الجماعة أكبر مخزون بشري في مصر والعالم العربي ومع ذلك يلاحظ ثمة افتقاد للتوظيف الأمثل  .

كما سبق وأشرت أنه لابد من التجديد ودعوة الإخوان نفسها فى وقتها كانت نمطا جديدا غير مسبوق وكلما حافظت على هذا السبق كلما نجحت فى الوصول الى أهدافها من تربية وإيجاد الفرد المسلم والبيت المسلم والمجتمع المسلم والحكومة الاسلامية ووحدة العالم الاسلامى ونظرا لإتساع حجم العمل الاسلامى ومساحة النشاط وكثرة العاملين له ظهرت مشاكل ليست بسبب الندرة ولكن بسبب الوفرة وهو ما يستلزم حصرا دقيقا وتوصيفا صحيحا ثم توظيفا يتسم بالكفاءة والترابط والتركيز لكى تؤتى الحركة ثمارها لمصلحة الوطن وكل أبنائه وهى حقيقة تحاول الجماعة جاهدة لسد ثغرتها لكن الأمر يحتاج فكرا متجددا ويقظة وحرصا وشفافية وقدرة على تقبل كل جديد نافع كما تحرص على الحفاظ على كل قديم صالح .


ثانياً :   عدم فاعلية بل تهميش مؤسسات الجماعة مثل مجالس الشورى واللجان الفنية بحجج أمنية

لاشك أن المناخ القاسى المستبد الذى يحيط بمصر كلها ويجعل من مجموعة من الشباب المغامر الذى ورث النفوذ والمال فى مصر بلا حق فى غياب الشفافية والصدق والرقابة من جيل قتل كل المبدعين فى مصر على كل المستويات وفرغ البلاد من الكفاءات والثروات له دور سلبى ليس على مستوى الإخوان فقط بل على كل المستويات  والتوجهات والأحزاب ومؤسسات المجتمع الأهلى وهو ما يكون دائما بحق فى أغلب الأحيان وبغير حق أحيانا أخرى مبررا لتهميش بعض مؤسسات الجماعة ووقف نشاطها وغياب دورها خاصة مجلس الشورى أهم مؤسسات الجماعة


ثالثاً :غياب التنسيق الفاعل والمؤثر مع باقي مؤسسات المجتمع المدني والقوى الشعبية وعدم إعادة النظر في التعاطي الفاعل معهم .

لا يمكن تعميم مثل هذا الغياب ولولا تواجد الإخوان وسط كل هؤلاء لما حاز الإخوان على ثقة الكثيرين بحيث صاروا قوة المعارضة الأولى فى مصر ولم ينكر أحد منهم ذلك على الإخوان ، لكن هناك فى المقابل من استجاب لترهيب النظام الحاكم وتخويف الجميع من الإخوان وتارة اخرى بالترغيب أى باستعمال العصى والجزرة وهو بلا شك يؤثر فى درجة التقارب والتنسيق والتفاعل والأمر أفضل مع مؤسسات المجتمع المدنى ولابد من الاهتمام بالتنسيق مع كل هؤلاء


رابعاً : الحذر الزائد غير المبرر في التعامل مع وسائل الإعلام .

ليس هناك حذر فى التعامل مع الإعلام غير ضرورة توافق الأراء التى تصدر من رموز الجماعة منعا من كثرة اللغط وإضعاف الموقف الواحد المتسق للجماعة أمام الرأى العام أما غير ذلك فالأمر متروك لكل من يحسن التعامل الإعلامى ويخدم الفكرة الاسلامية وأهداف الإخوان


خامساً : ندرة الرموز الإعلامية والسياسية ! الموضوع مقتصر على د. عصام ود. أبو الفتوح والدكتور حبيب ، أين إعداد الكوادر؟

هذا أمر ليس سببه الإخوان كطرف فى المعادلة الإعلامية لكن هناك تركيز إعلامى على تلك الشخصيات وقد تم زيادة الأعداد بأسماء جديدة أثناء الانتخابات البرلمانية 2005م والآن هناك عدد لابأس به من النواب صاروا وجوها إعلامية بارزة ولاشك أن المناخ الضاغط على الإخوان من محاصرة ومطاردة واعتقالات له تأثير حيث يغيب المناخ الحر الذى يوفر الكرامة والعدل لكل من يحيا فى ظلاله


سادساً :  لم تقدم الجماعة لمصر والعالمين العربي والإسلامي رموز ورواد في العلم والأدب والثقافة كما كان في السابق جيل الأساتذة القرضاوي والسيد سابق والغزالي وسيد قطب وزغلول النجار وغيرهم أين الإعداد؟

هذا حق ولكنه لم يقتصر على علماء الدعوة بل وصل الى صفوف الأدباء والشعراء والفنانين والعلماء التقنيين حتى من برع منهم للأسف - لم يصنع فى مصر- بل فى دول حرة تحترم حقوق الانسان لمواطنيها , وبنظرة على المشاريع الرائدة تجد أنه أصابها ما أصاب المبدعين فى كل مجال ، اختفت ولم تظهر على أيدى المصريين فالمترو فرنساوى والأوبرا يابانى والبانوراما كورى والريادة الطبية فى السياحة العلاجية ذهبت للأردن والسعودية والريادة الاقتصادية هربت للإمارات ولم يظهر توفيق الحكيم ولا نجيب محفوظ ولا العقاد ولا يحى المشد مرة أخرى !! ومن العجيب أنهم نفس الجيل الذى تكرمت بالسؤال عنه ، فالأزمة عامة لا تخص الإخوان بل تخص دولة فقدت ريادتها على كل المستويات وسحقت شعبها وشغلته بلقمة العيش ومن فلت شغلته بنفسه وفتحت سجونها لكل للعلماء والآساتذة الذين اهتموا باصلاح أحوال البلاد والعباد ولا حول ولا قوة إلا بالله


سابعاً : فضائية الإخوان .. أين؟!

فى ظل سيطرة إعلامية من أعداء الإسلام واستبداد أنظمة تحكم فى بلاد المسلمين وتغول أمنى وفقر سياسى لايسمح لمعرضة جادة أن تظهر ستصبح فضائية الإخوان أمر صعب المنال وقد مرت تجربة الأستاذ راشد الغنوشى الذى افتتح فضائية على القمر الأوربى كى يهرب من رقابة وطنه المسلوب ويعمل 6 ساعات فقط ودفع ثمن ذلك أموالا طائلة إلا أن الحرية الأوربية لم تحتمله وأغلقت القناة كما منع الاتحاد الأوربى بث قناة المنار لدوله بعد النجاح الذى حققته فى تعرية الكيان الصهيونى !! هذا ليس يوم الإعلام الجاد الحر بل وثيقة الإعلام العربى صدرت بعد أن ضاقت الأنظمة ببعض الحرية الممنوحة لبعض الفضائيات وعلى رأسهم قناة الجزيرة كما أن إشكالية التوصيف والتوظيف التى سبق الحديث عنها قد تقف عائق مؤقت وعلى العموم فإن انتشار الإخوان فى كل الفضائيات أفضل لهم الآن من تخصيص فضائية لهم فى هذا الجو المشحون ضدهم من أعداء الدين والأمة !


ثامناً : مركز دراسات استراتيجية.. أين؟

هناك مراكز دراسات موجودة لكنها بسيطة فى الشكل والانتاج لذات السبب وهو عدم الاستفادة من كل طاقات الإخوان الذى يحتاج لاهتمام قوى من الجماعة مع توفير كافة الإمكانات المادية والبشرية له


تاسعاً :علاقة الجماعة بالتيارات الإسلامية الأخرى مثل السلفيين وأنصار السنة والجمعيات الأهلية .

هذه علاقة موقف الإخوان منها واضح " نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه "لكن الطرف الآخر غالبا ما تكون له حسابات أخرى بعدا واقترابا من الإخوان لسياسة ينتهجها أو تأثرا بسياسة العصى والجزرة السائدة فى المناخ العام حيث أن الإخوان تربوا على نبذ الخلاف والفرقة والسعى للإتفاق والوحدة ولا يمنع هذا من وجود خلافات بين الفصيل الواحد مثل السلفين فتجد منهم من كان مع الإخوان فى الانتخابات مؤيدا بينما تزعم فريق أخر التشكيك فى الإخوان وإعلان الخلاف معهم لأسباب تخصه !


عاشراً : ملف الأقباط المأزوم دائماً .

مشكلة الأقباط فى مصر هى عزلتهم تحت لواء الكنيسة للإستقواء أمام النظام المستبد وللحصول على حقوق حرموا منها لوقت طويل وأخرى تتجاوز احتياجاتهم والحل فى اندماجهم كما كان الحال قبل الثورة التى أفسدت الحياة السياسية فى مصر وما تبع ذلك من حياة اجتماعية واقتصادية وتعليمية وعلمية وثقافية وإعلامية متدنية فمشاكلهم هى مشاكل كل المصريين والإخوان موقفهم معلن ومعروف من معاملة بالمثل تحقيقا للأمر النبوى "لهم ما لنا وعليهم ماعلينا"وتطبيقا لنموزج المواطنة الأول فى المدينة المنورة بعد الهجرة وربما ما أثارهم بفعل فاعل هو ما جاء فى برنامج الإخوان من تولى رئاسة الدولة باعتبارها الإمامة والولاية العامة وهو خيار فقهى للإخوان لهم أن يغيروه إذا ثبت لهم عكس ما توصلوا اليه وذلك فى مقابل السماح لهم بتولى كل المناصب الأخرى التى يحرمهم منها الحزب الوطنى فى المحافظات والأمن والجامعات طبقا للكفاءة وليس طبقا للديانة وسيظل التوجس بينهما واللعب بورقة الأقباط تارة والإخوان تارة من قبل النظام قائم طالما هناك توجه كنسى كامل تجاه الحكوم وابتعاد حذر عن الإخوان الذين رشحوا منهم الكثيرين فى كل انتخابات بدءا من برلمان عام 87  وحتى محليات هذا العام 2008 التى وقف لهم النظام فيها بالمرصاد وكذلك الكنيسة التى ضغطت على المرشحين لنسحبوا من قوائم الإخوان التى لم يسمح النظام بقبولها رغم الأحكام القضائية !!


** هل من الممكن أن يأخذ الإخوان هدنة من العمل السياسي لفترة لتقليل حالة التوتر والاحتقان في المجتمع المصري ؟ طبعا أنتم لستم المسئول الوحيد عنها لكنكم طرف!!

أظن أن هذا أمر يحتاج رؤية وتغيير فى استراتيجية الإخوان حيث أن المسئول عن التوتر داخل المجتمع هو النظام الفاسد الظالم المستبد الذى يتحكم فى الحياة السياسية ولكن التاريخ يقول أن الركون قد يعقبه سحق وتغييب بينما التواجد والاندماج داخل المجتمع يمنح حصانة شعبية تحرج النظام وتفسد عليه متعة التخلص من الإخوان الى الأبد وكلها وجهات نظر تحتاج لمناقشة فى وقت نستطيع أن نلتقط فيه الأنفاس نسأل الله أن تكون قريبة


** أين هو الحزب والبرنامج والكوادر؟ ولماذا عدم التقدم للجنة شئون الأحزاب كمؤشر جدية منكم؟

توقفت الأمور مؤقتا بسبب المحاكات العسكرية وانتخابات المحليات وقد تم إنجاز جزء كبير من البرنامج ومازال الرأى الوقوف على خطوة إعداد البرنامج وإعلانه دون التقدم للجنة شئون الأحزاب عسى الله أن يغير من حالنا للأفضل وهو اجتهاد من الإخوان قد يرى عكسه فى وقت ما يسمح باستيعاب الإخوان فى منظومة قانونية غير معيبة


**هل هناك حقاً أمل في التغيير السلمي في ظل وضع ملف الإخوان على أجندة الجهاز الأمني بصفة مستمرة؟

الخطأ الذى يرتكبه النظام و يفسد به حياته هو ترك ملف الإخوان فى أيدى الأمن وهو غير مؤهل للتعامل مع الإخوان وفكرهم لأنه جهاز حماية للنظام لن يسمح بالمعارضة ويتلقى تعليمات لا يقدر على مناقشتها أيانا رغم عدم قناعة البعض بها لكنه الحرص الذى أذل أعناق الرجال وباتساع قاعدة الإخوان دخل النظام الأمنى فى صراخ وخلاف مع كافة طوائف الشعب وتغول حتى صار كالدبة التى قتلت صاحبها وهو ما تتجه اليه مصر فى الوقت الحالى نتيجة التعامل الأمنى الذى يفتقد للعقل والمنطق فى أغلب الأحيان ! ومن أسف أن نفس الفكر يتم تطبيقه على حكومة حماس رغم أنها حكومة منتخبة وتمثل الشعب الفلسطينى إلا أن التعامل معها فقط أمنى وهو من نقاط الغباء السياسى فى السياسة الخارجية لمصر التى فقدت كل أدوارها على المستوى الإقليمى والدولى لتبعيتها للإرادة الأمريكية والصهيونية


**إذا كانت المؤسسات مهمشة والقانون غير سائد فلماذا لا يدول الإخوان قضاياهم وهي مشروعة وعادلة ؟؟

التدويل وارد عندما ندرك أن العالم يتعامل بإنصاف وعدل مع قضايانا بلا تمييز عنصرى حيث مازالت هناك دول ومؤسسات لا أحد يحاسبها أو يؤاخذها على أخطاء ترتكبها فى حق العالم الثالث الذى ننتمى اليه وغياب منطق العدل يهز ثقتنا فى تلك المؤسسات أحيانا والأمثلة أكثر من أن تحصر فى زمننا هذا بدءا من فلسطين والعراق وأفغانستان و السودان و ليبيا وغيرذلك من قضايا الحق فيها أبلج لكن معايير الإنصاف بعيدة عنها


** هل هناك تفكير في العصيان المدني وهو نمط سلمي معمول به في كثير من البلدان الديمقراطية؟

العصيان المدنى حق لأى شعب لم يجد رعاية من حكامه ولاقى إهمالا فى حقوقه فكيف بشعب وجد مع ذلك نهبا لثرواته وتحطيما لقيمه وإفسادا لأخلاقه وإهدارا لكرامته ؟!! أكيد الإحتياج لهذا العصيان المدنى من أنجح الوسائل لإستبعاد هذا النظام ومحاكمته على ما قدمت يداه فى حق هذا الشعب والأمر يحتاج تدرجا فى الفعل وتعويدا للنفس وخروجا من حالة الخوف التى تلبست الشعب المصرى عشرات السنين حتى يمكن وقتها الاعتماد على العصيان المدنى كوسيلة فنهاء عصر الفساد الذى طال فى حياة الشعب المصرى الذى يستحق حكاما أفضل من حكامه وأخلص وأنقى وأشرف وليعلم هذا الشعب الكريم أن" سيد الشهداء حمزة ورجل قام الى حاكم ظالم فأمره ونهاه فقتله "


نسأل الله السلامة والسعادة وحسن الخاتمة لكل أبناء الشعب المصرى وليعلموا  أن تكوين الأمم وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ تحتاج من الأمة التى تحاول هذا الى قوة نفسية عظيمة تتمثل فى عدة أمور كما قال الشهيد –بإذن الله – حسن البنا : إرادة قوية لا يتطرق اليها ضعف ، ووفاء ثابت لا يعدو عليه تلون ولاغدر، وتضحية عزيزة لا يحول دونها طمع ولابخل ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره .. وكل شعب فقد هذه الصفات الأربعة أو على الأقل فقد قواده ودعاة الإصلاح فيه فهو شعب عابث مسكين لا يصل إلى خير ولا يحقق أملا وحسبه أن يعيش فى جو من الأحلام والظنون "إن الظن لا يغنى من الحق شيئا" هذا هو قانون الله تبارك وتعالى وسنته فى خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا

وجزاكم الله خيرا

إضافة تعليق