باقتراب سعر صرف الدولار إلى العشرين جنيها قبل أيام، خلت الصحف الحكومية مثل العادة من الخبر، لكن المثير هو خلو النسخة الورقية من صحيفتين اقتصاديتين يوميتين، هما المال والبورصة، ليكشف أحد إعلاميي النظام خلال برنامجه التلفزيوني، عن تعليمات من الأجهزة، بعدم الحديث عن سعر الدولار.
وكالعادة، بحث إعلاميو النظام عن شماعة لتعليق الأمر عليها، بعد فشل شماعة رجل الأعمال حسن مالك وبعض أقرانه، ثم شماعة شركات الصرافة، وتوجه الاتهام الجديد للبنوك الخاصة، خاصة العربية، بأنها هي السبب في ارتفاع سعر صرف الدولار حاليا، رغم أن قرار التعويم الذي اتخذه البنك المركزي للجنيه المصري يعطي الحرية لأي بنك في تحديد سعر الشراء والبيع به.
وهكذا، تتنوع أشكال عدم الشفافية للبيانات الاقتصادية، ما بين تأخير النشر ومنع جهات مختصة من إصدار بياناتها الدورية، والتبرير غير المنطقي للبيانات الحكومية، فها هو البنك المركزي يتأخر في نشر بياناته الدورية، فحتى الآن لم تصدر بيانات ميزان المدفوعات الخاصة بالربع الثالث من العام الجاري والمنتهية في أيلول/ سبتمبر الماضي، كما توقفت نشرته الإحصائية الفصلية عند أيلول/ سبتمبر من العام الماضي.
وتتأخر نشرته الشهرية، والنتيجة أن المجتمع المصري لا يعرف حتى الآن نتائج أداء الجهاز المصرفي في أيلول، سبتمبر الماضي، كما لا يعرف حجم الدين الخارجي والداخلي لما بعد حزيران/ يونيو من العام الجاري، وغيرها من المؤشرات الاقتصادية.
ويتشابه الوضع بوزارة الاستثمار التي توقف صدور تقريرها الشهري عن الاستثمار عند شباط/ فبراير 2015، وتقريرها ربع السنوي عند حزيران/ يونيو 2014.
وتأخرت وزارة المالية فى نشر بيانات الحساب الختامي لموازنة العام المالي 2015 /2016، حتى قبل أيام قليلة، رغم وجوب إعلانها قانونا بعد ثلاثة أشهر فقط من العام المالي.
وهناك فاصل زمني كبير لبيانات السياحة في المواقع الإلكترونية الرسمية الخاصة في وزارة السياحة والجهات التابعة لها، رغم وجود مركز احصائي في الوزارة، لديه أحدث البيانات، ولا تنشر وزارة البترول بيانات دورية عن الإنتاج والاستهلاك للنفط والغاز الطبيعي.
وقام وزير التجارة الخارجية بمنع المجالس التصديرية من إصدار تقريرها الشهري عن أداء التجارة الخارجية بعد تراجع الصادرات، ليقوم هو بإعلان تلك الأرقام، خاصة في الأشهر التي تتحسن فيها حالة الصادرات، بالمقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
أخبار اعتصامات العاملين محجوبة
ورغم أن الإفصاح عن البيانات مطلب من مطالب صندوق النقد الدولي، ويدخل في تقييم مصر، إلا أن رئيس هيئة قناة السويس، اتخذ مسارا مختلفا، إذ أعلن في محفل عام زيادة إيرادات قناة السويس بالدولار بعد التفريعة الأخيرة لها، التي أسموها قناة السويس الجديدة، وهي البيانات التي ثبت عدم صحتها بعد ذلك، لكنها ضمنت له التجديد بمنصبه.
وواكب ذلك امتناعه عن نشر بيانات أداء القناة الشهري لأشهر عدة، ثم عاد مؤخرا إلى نشر بينات حركة السفن، فقط من حيث عدد السفن ونوعياتها ودولها وحمولتها، متجنبا نشر أي بيانات عن إيرادات المرور بالقناة، حتى لا يظهر تراجع الإيرادات بعد التفريعة السابعة، وهي البيانات التي كان يتم إعلانها شهريا بالجنيه المصري وبالدولار الأمريكي، وبوحدات حقوق السحب الخاصة، وأحيانا باليورو أيضا.
واستعانت الحكومة المصرية بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء في الدفاع عن البيانات الحكومية، على حساب المصداقية، مثلما حدث في الدفاع نسب زيادات الجمارك التي أعلنها وزير مالية مؤخرا، بينما هي مخالفة للحقيقة.
حتى الأخبار الاقتصادية التي لا تروق للنظام يتم منع نشرها، فيوم الخميس الماضي توقف أكثر من 13 مصنعا داخل المنطقة الصناعية في مدينة السادس من أكتوبر، بعد أن أضرب العمال عن الإنتاج مطالبين بزيادة الأجور في ظل الغلاء الحالي، إلا أن هذا الحدث لم يتم تداوله في الصحف الحكومية أو مواقعها الإلكترونية.
وهكذا، يضطر العاملون في حقل الصحافة الاقتصادية، إلى اللجوء لمواقع دولية، للتعرف على أمور اقتصادية محلية، فمع إعلان الاتفاق على الاقتراض من صندوق النقد الدولي وعدم صدور شيء عن شروط القرض، كان الملاذ هو بيانات الصندوق، والأمر ذاته لقرض البنك الدولى لمصر.
لتظل هناك تساؤلات عديدة لدى المجتمع الاقتصادي لا تجد من يرد عليها من الرسميين، مثل حجم التنازلات عن الدولار بعد تعويم الجنيه، في الأسابيع الأخيرة بعد بطئ وتيرة تلك التنازلات، وحجم مشتريات الأجانب لأذون الخزانة المصرية بعد التعويم، خاصة بعد زيادة نسبة الفائدة الأمريكية.
وحجم تحويلات المصريين في الخارج عبر البنوك بعد التعويم، وكلها تساؤلات يمكن أن تساهم في مدى توقع استمرار مشكلة الدولار في مصر، ومدى حدتها، باعتبارها أمورا مطلوبة للعاملين بالنشاط الاقتصادي لاتخاذ قرارات أكثر رشدا، للتعامل بالسوق.
مقال للخبير الاقتصادي ممدوح الولي