تقرير المنظمة الدولية لحقوق الإنسان عن فض اعتصام رابعة والنهضة

تقرير المنظمة الدولية لحقوق الإنسان عن فض اعتصام رابعة والنهضة

حسب الخطة

مذبحة رابعة والقتل الجماعي للمتظاهرين في مصر

ملخص

في يوليو / تموز واغسطس / اّب 2013 فاض الكثي من ميادين مصر العامة وشوارعها بالدماء في أحيان كثيرة ، ففي 3 يولية / تموز قام الجيش بعزل محمد مرسي ، أول رئيس مصري مدني منتخب ، والعضو القيادي بجماعة الإخوان المسلمين ، في أعقاب احتجاجات شعبية هائلة ضد مرسي ، طالبت بانتخابات رئاسية مبكرة.

وعلى مدار الشهرين التاليين نظم مؤيدو الإخوان المسلمين اعتصامين كبيرين في القاهرة ومظاهرات أصغر حجماً في أنحاء مصر للتنديد باستيلاء الجيش على السلطة والمطالبة بعودة مرسي إلى الحكم. وفي معرض الرد قامت قوات الشرطة والجيش مراراً بفتح النيران على المتظاهرين، فقتلت أكثر من 1150 منهم، ومعظمهم في 5 وقائع منفصلة من القتل الجماعي للمتظاهرين.

ويشير تحقيق هيومن رايتس ووتش الذي استمر لمدة عام كامل في سلوك قوات الأمن عند استجابتها لهذه المظاهرات، إلى قيام قوات الجيش والشرطة، على نحو عمدي وممنهج، باستخدام القوة المميتة والمفرطة في عمليات حفظ الأمن، مما أدى إلى مقتل متظاهرين على نطاق لم يسبق له مثيل في مصر. ويشتمل ما فحصناه من أدلة على تحقيقات في مواقع الأحداث بكل موقع من مواقع التظاهر، أثناء وقوع الاعتداءات على المتظاهرين أو بعدها مباشرة، وعلى مقابلات مع أكثر من 200 من الشهود وبينهم متظاهرون وأطباء وعاملون آخرون بالحقل الطبي وصحفيون ومحامون وسكان لمناطق الأحداث، وعلى مراجعة للأدلة المادية ولساعات من مقاطع الفيديو وتصريحات مسؤولين عموم. وعلى هذا الأساس تخلص هيومن رايتس ووتش إلى أن عمليات القتل لم تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان فحسب، بل إنها ترقى على الأرجح إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية، بالنظر إلى اتساع نطاقها وطبيعتها الممنهجة، وكذلك إلى الأدلة التي توحي بأن عمليات القتل كانت جزءاً من سياسة تقضي بالاعتداء على الأشخاص العزل على أسس سياسية. وبينما تشير أدلة كذلك إلى أن بعض المتظاهرين استخدموا الأسلحة النارية في العديد من تلك المظاهرات، فقد تمكنت هيومن رايتس ووتش من التأكد من استخدام المتظاهرين لهذه الأسلحة في عدد قليل من الوقائع، وهو ما لا يبرر الاعتداءات المميتة، غير المتناسبة، التي تمت عن سبق إصرار وترصد، على متظاهرين سلميين في أغلبيتهم الساحقة.

ويشير العديد من التصريحات الحكومية والصادرة عن اجتماعات حكومية إلى علم مسؤولين رفيعي المستوى بأن من شأن الاعتداءات أن تؤدي إلى قتل واسع النطاق للمتظاهرين، بل إن الحكومة قامت، في كبرى الوقائع، فض اعتصامي رابعة والنهضة، بالتحسب لوفاة عدة آلاف من المتظاهرين والتخطيط لذلك. وبعد مرور عام كامل، تواصل قوات الأمن إنكارها لارتكاب أي خطأ، وقد أخفقت السلطات في محاسبة ضابط شرطة أو جيش واحد على أي من وقائع القتل غير المشروع.

فض اعتصامي رابعة وميدان النهضة في 14 أغسطس/آب

وقعت أخطر وقائع القتل الجماعي للمتظاهرين يوم 14 أغسطس/آب، حين قامت قوات الأمن بسحق الاعتصام الكبير المؤيد لمرسي في منطقة رابعة العدوية بحي مدينة نصر شرقي القاهرة. قام أفراد الشرطة والجيش، باستخدام ناقلات الأفراد المدرعة، والجرافات، وقوات برية وقناصة، بالاعتداء على مخيم الاعتصام المرتجل حيث كان متظاهرون، وبينهم سيدات وأطفال، قد خيموا لما يزيد على 45 يوماً، وفتحوا النيران على المتظاهرين فقتلوا ما لا يقل عن 817 شخصا، وأكثر من ألف على الأرجح.

وقد وثق باحثو هيومن رايتس ووتش فض اعتصام رابعة ووجدوا أن قوات الأمن فتحت النيران على المتظاهرين باستخدام الذخيرة الحية، فقتل المئات بالرصاص الموجه إلى رؤوسهم وأعناقهم وصدورهم. ووجدت هيومن رايتس ووتش أيضاً أن قوات الأمن استخدمت القوة المميتة دون تمييز، إذ كان القناصة المتمركزون داخل ناقلات الأفراد وبجوارها يطلقون أسلحتهم على حشود كبيرة من المتظاهرين. قال عشرات الشهود أيضاً إنهم شاهدوا قناصة يطلقون النيران من مروحيات فوق منطقة رابعة.

ورغم أن الحكومة كانت قد أعلنت ونشرت خطتها لفض الاعتصامين بالقوة، إلا أن هذه التحذيرات لم تكن كافية، فقد أخفقت تحذيرات الحكومة في وسائل الإعلام وفي منطقة رابعة نفسها، في الأيام السابقة على 14 أغسطس/آب، في تحديد موعد الفض، كما أن التحذيرات الصادرة صباح يوم الفض لم يسمعها الكثيرون، ولم توفر للمتظاهرين وقتاً كافياً للمغادرة قبل لجوء قوات الأمن إلى الفض بالقوة. قالت الأغلبية الساحقة من المتظاهرين الذين أجرت هيومن رايتس ووتش معهم مقابلات على خلفية هذا الحدث إنهم لم يسمعوا التحذيرات المسجلة التي أذاعتها قوات الأمن عن طريق مكبرات صوت قريبة من مدخلين على الأقل من مداخل الاعتصام، قبل دقائق من فتح النيران. قامت قوات الأمن بعد ذلك بمحاصرة المتظاهرين معظم اليوم، وشنت الهجوم من مداخل الاعتصام الرئيسية الخمسة بحيث لم تترك أي مخرج آمن حتى نهاية اليوم، بما في ذلك للمتظاهرين الجرحى المحتاجين إلى رعاية طبية، وكذلك المتلهفين على الفرار. بدلاً من ذلك، وفي حالات كثيرة، لجأت قوات الأمن إلى إطلاق النيران على من كانوا يسعون للفرار، بحسب ما قال شهود لـ هيومن رايتس ووتش.

وأدى الاستخدام المتعمد، عديم التمييز للقوة المميتة إلى واحدة من كبرى وقائع قتل المتظاهرين في العالم في يوم واحد، في التاريخ الحديث. وعلى سبيل المقارنة، تشير تقديرات ذات مصداقية إلى أن القوات الحكومية الصينية قتلت 400-800 من المتظاهرين على مدار فترة 24 ساعة في مذبحة ميدان "تيانانمين" يومي 3 و4 يونيو/حزيران 1989، وقتلت القوات الأوزبكية أعداداً مماثلة تقريبا في يوم واحد أثناء مذبحة "أنديجان" عام 2005.

استمر فض اعتصام منطقة رابعة 12 ساعة، من شروق الشمس إلى غروبها. بدأت الشرطة هجومها، بالتنسيق مع قوات الجيش، في نحو السادسة والنصف صباحاً، بإلقاء عبوات الغاز المسيل للدموع وإطلاق الخرطوش على المتظاهرين الموجودين قرب مداخل الاعتصام. ثم قامت سريعاً، في غضون دقائق عند بعض المداخل، بالتصعيد إلى الذخيرة الحية، بحسب عشرات من الشهود. وبقيادة جرافات الجيش، زحفت الشرطة ببطء من كل مدخل من المداخل الخمسة الكبرى ـ اثنان على طريق النصر، واثنان بشارع الطيران، وواحد بشارع أنور المفتي خلف مسجد رابعة العدوية ـ في ساعات الصباح الأولى، مكتسحة في طريقها الحواجز المرتجلة التي أقامها المتظاهرون وغير ذلك من المنشآت. وكانت القوات الزاحفة مدعومة بقناصة منتشرين على أسطح المباني الحكومية المجاورة. انسحب العديد من المتظاهرين إلى منطقة الاعتصام المركزية طلباً للسلامة، لكن بعضهم ظل على الأطراف لإلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف والألعاب النارية على القوات الزاحفة.

وسرعان ما ملأ المتظاهرون المصابون والقتلى مستشفى رابعة والمرافق الميدانية المقامة بعرض منطقة الاعتصام، حيث كان أطباء متطوعون وغيرهم من العاملين بالحقل الطبي، وأكثرهم متظاهرون هم أنفسهم، يقدمون الرعاية لذوي الإصابات الخطيرة مستعينين بالمعدات والأدوية الأساسية التي تم التبرع بها. قال أطباء من مستشفى رابعة لـ هيومن رايتس ووتش إن الأغلبية الساحقة من الإصابات التي عالجوها كانت ناجمة عن طلقات نارية، وكثير منها في الرأس والصدر. وشرعت قوات الأمن منذ الصباح في إطلاق النار على المرافق الطبية، كما وضعت القناصة بحيث يطلقون النار على الراغبين في دخول مستشفى رابعة أو مغادرته.

وكثفت قوات الأمن الزاحفة على الأرض، علاوة على القناصة المنتشرين فوق الأسطح، من نيرانها على مدار الصباح، حتى سادت النيران العشوائية عديمة التمييز مداخل الاعتصام في نحو الثامنة صباحاً. ولكن بحلول التاسعة أو العاشرة كانت قوات الأمن قد تعطلت بفعل متظاهرين يلقون الحجارة عند كل مدخل، متمركزين في مواقع استراتيجية مخصصة لتقليل التعرض للنيران المباشرة، مما أبطأ من تقدم قوات الأمن.

وفي الساعات المبكرة من بعد الظهر، عقب استراحة وجيزة في منتصف النهار خفت فيها شدة النيران، كثفت قوات الأمن من نيرانها في زحفها النهائي على قلب الاعتصام. قتلت قوات الأمن الكثير من المتظاهرين في تلك الساعات الأخيرة، في غياب أية حماية لأي جزء من المنطقة من النيران واسعة النطاق. وفي نحو الساعة 5:30 مساءً كانت الشرطة قد طوقت المتظاهرين الباقين حول مسجد رابعة العدوية والمستشفى، الموجودين قرب مركز الاعتصام، ثم استولت على المستشفى بالقوة. وعند تلك اللحظة أمرت غالبية الأشخاص المتبقين بالخروج، ومن بينهم أطباء، مع تعليمات بترك الجثث والمصابين خلفهم. ومع مغادرة آخر المتظاهرين لمنطقة الاعتصام، اندلعت حرائق بالمنصة المقامة في مركز الاعتصام، والمستشفى الميداني، والمسجد، وبالطابق الأول من مستشفى رابعة. وتوحي الأدلة بقوة بأن الشرطة تعمدت إشعال تلك الحرائق. احتجزت قوات الأمن أكثر من 800 متظاهر على مدار اليوم، واعتدت على بعضهم بالضرب والتعذيب، وفي بعض الحالات قامت بإعدامهم ميدانيا، بحسب ستة شهود.

وزعم وزير الداخلية محمد إبراهيم في مؤتمر صحفي معقود يوم الفض أن استخدام القوة من جانب الشرطة في منطقتي رابعة والنهضة جاء رداً على عنف المتظاهرين، بما في ذلك بالطلقات النارية. وقد وجد تحقيق هيومن رايتس ووتش، إضافة لقيام مئات من المتظاهرين بإلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف على الشرطة بمجرد بدء الهجوم، أن المتظاهرين فتحوا النار على الشرطة في عدد محدود على الأقل من الوقائع. وفقا لمصلحة الطب الشرعي التابعة للحكومة، قتل ثمانية من ضباط الشرطة أثناء فض اعتصام رابعة. ومع ذلك فإن عنف المتظاهرين لا يبرر بحال من الأحوال القتل العشوائي عديم التمييز لمئات المتظاهرين على يد الشرطة في الأغلب، بالتنسيق مع قوات الجيش.

وتثبت أدلة وفيرة مستمدة من شهود، وبينهم مراقبون مستقلون وسكان من المنطقة، أن عدد الأسلحة في أيدي المتظاهرين كان محدوداً. بل إن وزير الداخلية محمد إبراهيم أعلن، في مؤتمره الصحفي يوم 14 أغسطس/آب، أن قوات الأمن صادرت 15 بندقية من اعتصام رابعة. وفي خطاب بتاريخ 18 أغسطس/آب، قال وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، مشيراً إلى فض رابعة: "لا أقول إن الجميع كانوا يطلقون النيران، لكن وجود 20 أو 30 أو 50 شخصاً يطلقون النيران الحية أكثر من كاف في اعتصام بهذا الحجم". وإذا كان رقم الـ15 بندقية يقدم تمثيلاً دقيقاً لأعداد الأسلحة النارية مع المتظاهرين في الاعتصام فإنه يوحي بأن عددا قليلا من المتظاهرين كانوا مسلحين، كما يؤيد بشكل إضافي الأدلة الوفيرة التي جمعتها هيومن رايتس ووتش بأن الشرطة أطلقت النار فقتلت مئات المتظاهرين العزل.

علاوة على هذا فقد وقف رجال الشرطة فوق ناقلات الأفراد في مواجهة المتظاهرين وتحرك القناصة من أسطح المباني، ظاهرين للعيان لفترات طويلة من الوقت، بحسب الشهود والعشرات من مقاطع الفيديو التي راجعتها هيومن رايتس ووتش ليوم الفض، وهو سلوك غير وارد في وجود تهديد جدي من نيران بنادق المتظاهرين.

يضاف إلى هذا أن الكثير من نيران الشرطة كانت عشوائية عديمة التمييز، إذ تم إطلاقها في اتجاه حشود المتظاهرين عموماً بدلاً من استهداف المتظاهرين المسلحين الذين كان يمكن أن يمثلوا تهديداً خطيراً. وبينما لا يمكن لـ هيومن رايتس ووتش التثبت من صدور الطلقات الأولى في ذلك اليوم من قوات الأمن أو من متظاهرين مسلحين، إلا أن المقابلات مع أكثر من 100 شاهد، وبينهم سكان للمنطقة غير متعاطفين مع المتظاهرين، تؤكد لجوء قوات الأمن إلى إطلاق النيران على نطاق واسع من الدقيقة الأولى للفض، مع وجود المدرعات والجرافات والقوات البرية والقناصة في أماكنهم بالفعل.

في نفس يوم فض رابعة، وهو 14 أغسطس/آب، قامت قوات الأمن أيضاً بفض مخيم اعتصام ثان أصغر حجماً لمؤيدي مرسي، في ميدان النهضة قرب جامعة القاهرة بالجيزة، في القاهرة الكبرى. واتبع الفض في النهضة نفس النمط المتبع في رابعة: ففي نحو السادسة صباحاً قامت قوات الأمن بمطالبة المتظاهرين، من مكبرات للصوت، بمغادرة الميدان، ثم لجأت في أعقاب ذلك مباشرة تقريباً إلى إطلاق النار على المتظاهرين بمن فيهم أولئك الذين يحاولون الخروج من المخارج "الآمنة" كما وصفت. وقد وصف شهود كيف شرعت قوات الأمن في إطلاق النار على المتظاهرين، عمداً ودون تمييز على السواء، باستخدام الغاز المسيل للدموع، والخرطوش، والذخيرة الحية. ومع احتماء بعض المتظاهرين داخل مبنى كلية الهندسة بجامعة القاهرة، اشتد العنف حين أطلقت قوات الأمن النيران على المتظاهرين المتمترسين داخل المبنى. حددت وزارة الصحة حصيلة الوفيات في فض النهضة بعدد 87.

وطوال الأسابيع المؤدية إلى الفض يوم 14 أغسطس/آب كان وزير الداخلية إبراهيم، ووزير الدفاع في ذلك الوقت عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء في ذلك الوقت حازم الببلاوي، وغيرهم من مسؤولي الحكومة يصرحون بضرورة فض الاعتصامات بالقوة. كان المسؤولون يرون أن الاعتصامات تعطل حياة السكان وتزيد ازدحام المرور وتوفر منبراً للتحريض والإرهاب الطائفي، كما مثلت أماكن يقوم فيها المتظاهرون باحتجاز والإساءة إلى المعارضين، بما في ذلك تعذيب البعض حتى الموت. وقد أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع سكان محليين استعرضوا الآثار الوخيمة للاعتصام على حياتهم اليومية، وراجعت أدلة توحي بقيام بعض المتظاهرين باحتجاز عدد من الأشخاص الذين يشتبهون في كونهم من المتسللين والإساءة إليهم، مما يحتمل أن يكون قد أدى إلى خسائر.

ومع ذلك فإن هذه المزاعم تخفق في تبرير الفض بالقوة الذي أدى إلى وفاة ما لا يقل عن 817 شخصاً وجاز اعتباره من قبيل العقاب الجماعي للغالبية الساحقة من المتظاهرين السلميين. لقد اتسم القتل الجماعي للمتظاهرين، على نحو واضح، بعدم التناسب مع أي تهديد لحياة السكان المحليين وأفراد الأمن أو غيرهم. وحتى بفرض وجود مصلحة أمنية مشروعة لدى الحكومة في تأمين موقع الاعتصام، إلا أن قوات الأمن أخفقت في تنفيذ الفض على نحو يقلل الخطر الواقع على الأرواح، بما في ذلك عن طريق ضمان مخارج آمنة، فإن القوة المميتة لا ينبغي اللجوء إليها إلا عند الضرورة القصوى للحماية ضد تهديد وشيك للأرواح – وهو معيار لم يتم الالتزام به إلى حد بعيد في هذه الحالة.

وقد تمت جهود وساطة مصرية ودولية لمنع الفض بالقوة والتوصل إلى صفقة سياسية بين قادة الإخوان والحكومة طوال يوليو/تموز ومطلع أغسطس/آب، إلى أن أعلن رئيس الوزراء حازم الببلاوي عن إخفاق تلك الجهود في 7 أغسطس/آب. وأعلنت وزارة الداخلية، التي كانت قد وضعت بالغعل خطة للفض وافق عليها مجلس الدفاع الوطني ومجلس الوزراء، وحصلت على تفويض بالفض من النائب العام استناداً إلى شكاوى تم تقديمها من مواطنين، أعلنت أنها ستمضي في تنفيذ فض الاعتصامات. لكن مسؤولي الأمن ظلوا طيلة أسابيع يعدون بأن الفض سيكون متدرجاً، يبدأ بتطويق الاعتصام بكردون أمني، ثم توجيه تحذيرات وتوفير مخرج آمن، وخاصة للسيدات والأطفال. ومع ذلك فإن شيئاً من الاحتياطات الموعودة لم يتخذ.

اختارت الحكومة في النهاية المضي قدماً في فض عنيف بالقوة، عالمة بأنه سيؤدي إلى حصيلة شديدة الارتفاع من الوفيات: قال أحد المدافعين عن حقوق الإنسان لـ هيومن رايتس ووتش إن مسؤولي وزارة الداخلية، في اجتماع مع منظمات حقوقية قبل الفض بتسعة أيام، كشفوا عن توقعهم لحصيلة وفيات تبلغ 3500. وفي الأيام السابقة على الفض استشهدت صحيفتان بارزتان بمصادر أمنية تشير إلى أن خطة وزارة الداخلية للفض تتوقع معدل خسائر تقدر بعدة آلاف من الموجودين في الاعتصام.

وفي مقابلة متلفزة بتاريخ 31 أغسطس/آب 2013، أكد إبراهيم أن وزارة الداخلية كانت قد قدرت الخسائر بـ"10 بالمئة من الأشخاص"، مقراً بأن الاعتصام يضم "أكثر من 20 ألف شخص" وأنه "ستجدون الخسائر في صفوفهم بالآلاف". استعانت هيومن رايتس ووتش بصور القمر الصناعي من إحدى ليالي الاعتصام، ليلة 2 أغسطس/آب، لتقدير وجود ما يقرب من 85 ألف متظاهر في المنطقة ليلتها، وحتى مع افتراض أن الحضور الفعلي يوم 14 أغسطس/آب يبلغ 20 ألفاً فقط، كما قدر إبراهيم، فإن معدل الخسائر البالغ 10 بالمئة سيظل يمثل 2000 وفاة.

في سبتمبر/أيلول قال رئيس الوزراء الببلاوي لصحيفة المصري اليوم اليومية المصرية إن حصيلة الوفيات من فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس/آب كانت "تقترب من الألف". وأضاف أن "المتوقع كان أكبر بكثير مما حدث فعليا على الأرض، والنتيجة النهائية أقل من توقعاتنا". ويبدو أن الحكومة المصرية تحسبت وخططت لفض عنيف يؤدي إلى قتل واسع النطاق للمتظاهرين دون أي جهود جدية لتنفيذ الاحتياطات التي وعدوا بها، بما فيها توجيه التحذيرات وتوفير المخارج الآمنة للمتظاهرين.

في 14 نوفمبر/تشرين الثاني عقد رئيس مصلحة الطب الشرعي، الدكتور هشام عبد الحميد، مؤتمراً صحفياً أعلن فيه أن الحصيلة النهائية لوفيات رابعة هي 627، وبينهم 377 جثة تم تشريحها في المشرحة الحكومية، و167 جثة تم التعرف عليها بمسجد الإيمان، ومنطقة اعتصام رابعة، و83 جثة أخرى أخذت إلى مستشفيات مختلفة في أنحاء القاهرة. وأصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان، المتمتع بصفة شبه رسمية، تقريراً عن فض رابعة في مارس/آذار 2014 استشهد فيه برقم الـ624 مدنياً المقتولين.

إلا أن هذه الأرقام تتجاهل أدلة دامغة على وجود جثث إضافية لم تدخل في الحسبان في مشارح ومستشفيات بعرض القاهرة، وقد وثقها باحثو هيومن رايتس ووتش ومحامون حقوقيون مصريون يوم 14 أغسطس/آب والأيام التالية مباشرة لفض رابعة. بالاستناد إلى مراجعة مطولة للأدلة، قارنت قوائم الموتى المنشورة من طرف مصلحة الطب الشرعي الرسمية، والمجلس القومي لحقوق الإنسان شبه الرسمي، والمحامين الحقوقيين وغيرهم من الناجين، وثقت هيومن رايتس ووتش وفاة 817 متظاهراً في فض رابعة وحده. كما راجعت هيومن رايتس ووتش أدلة على حدوث 246 وفاة إضافية، وثقها ناجون ومنظمات من المجتمع المدني. وترجح هذه الأدلة، إضافة إلى تقارير ذات مصداقية عن جثث إضافية تم نقلها مباشرة إلى المستشفيات والمشارح دون تسجيلها على نحو دقيق أو تحديد هويتها، واستمرار اختفاء متظاهرين من رابعة، كلها ترجح احتمالية مقتل ما يفوق الألف متظاهر في رابعة وحدها.

وقائع القتل الجماعي الأخرى

سبقت عمليات فض الاعتصامين في رابعة والنهضة، وتلتها، وقائع أخرى من القتل الجماعي للمتظاهرين، ففي يوليو/تموز وأغسطس/آب، فيما كان متظاهرون ينظمون مسيرات في أنحاء القاهرة رداً على خلع الجيش لحكومة مرسي، قامت قوات الأمن مراراً باستخدام القوة المفرطة في الرد على المظاهرات، وقتلت عمداً ودون تمييز ما لا يقل عن 281 متظاهراً في وقائع مختلفة، منفصلة عن عمليات الفض في 14 أغسطس/آب، وذلك بين 5 يوليو/تموز و17 أغسطس/آب 2013.

في أولى هذه الوقائع، يوم 5 يوليو/تموز، أطلق جنود طلقات حية على متظاهرين تجمعوا أمام مقر الحرس الجمهوري بطريق صلاح سالم شرقي القاهرة، حيث ظن المتظاهرون أن مرسي محتجز هناك. قتل الجنود ما لا يقل عن 5 متظاهرين، وبينهم متظاهر كان يحاول وضع ملصق لمرسي على سور خارج المقر.

وبعد 3 أيام، في 8 يوليو/تموز، قامت وحدات من الجيش بفتح النيران على حشود من مؤيدي مرسي المشاركين في اعتصام سلمي أمام مقر الحرس الجمهوري نفسه، فقتلت 61 متظاهراً وفق مصلحة الطب الشرعي، كما قُتل اثنان من الضباط في مسرح الأحداث. بدأ الهجوم عند الفجر واستمر طوال الساعات الست التالية. واستخدم الجنود، والقناصة المتمركزون على أسطح المباني العسكرية، ذخيرة حية في إطلاق النار على المتظاهرين المحتشدين وكذلك الخارجين من مسجد قريب بعد أداء صلاة الفجر. قام بعض المتظاهرين بإلقاء الحجارة وزجاجات المولوتوف، واستخدمت قلة منهم أسلحة نارية، لكن شهوداً قالوا إن الأغلبية الساحقة من المتظاهرين كانوا عزلاً من السلاح. واستناداً إلى تحقيقات هيومن رايتس ووتش، وجدت المنظمة أن أغلبية عمليات القتل كانت غير مشروعة. في أعقاب الواقعة، رفض الجيش الاعتراف بأي خطأ من جانب قواته أو الشرطة، قائلاً إن المتظاهرين خططوا للهجوم على مقر الحرس الجمهوري. وقال الرئيس المؤقت عدلي منصور إنه سيشكل هيئة قضائية للتحقيق في الواقعة لكنه أخفق في هذا حتى ترك منصبه في 8 يونيو/حزيران 2014.

في واقعة أخرى يوم 27 يوليو/تموز، بعد ساعات من خروج آلاف المصريين إلى الشوارع في مظاهرة منسقة بإيعاز من عبد الفتاح السيسي، لمنح الحكومة "تفويضا بمحاربة الإرهاب"، انتشرت الشرطة المصرية لإيقاف مسيرة لبضع مئات من مؤيدي الإخوان الخارجين من اعتصام رابعة إلى طريق النصر في اتجاه كوبري 6 أكتوبر. وعلى مدار ما لا يقل عن 6 ساعات، قامت الشرطة بالاشتراك مع مسلحين بثياب مدنية يتحركون بالتنسيق مع قوات الأمن، قامت بإطلاق النار وقتل 95 متظاهراً، بحسب مصلحة الطب الشرعي. وقتل رجل شرطة واحد في الاشتباكات. خلص تحقيق هيومن رايتس ووتش في تلك الواقعة، الذي شمل التواجد في المستشفى الميداني عند جلب القتلى والجرحى، إلى أن قوات الأمن استخدمت القوة المميتة المتعمدة ضد متظاهرين سلميين في معظمهم. وأفاد أفراد من الطاقم الطبي بأن غالبية إصابات الرصاص كانت في الرأس والعنق والصدر، مما يشير إلى نية القتل. استنتج أحد الأطباء في مسرح الأحداث، من طبيعة الجراح، أن إطلاق النار صدر حتماً من مدى قريب. وفي موعد لاحق من نفس اليوم أصر وزير الداخلية " أؤكد لكم أننا كرجال شرطة لم نرفع السلاح يوماً على صدر أي متظاهر".

وبعد يومين من فض اعتصامي رابعة والنهضة، في 16 أغسطس/آب، فتح رجال شرطة قسم الأزبكية، بحي العباسية في وسط القاهرة، فتحوا النار على مئات المتظاهرين الذين كانوا قد تجمعوا عقب صلاة الجمعة كجزء من "يوم للغضب" دعا إليه مؤيدو الإخوان المسلمين احتجاجاً على فض الاعتصامين وخلع مرسي. وفي سياق الساعات الست التالية قتل ما لا يقل عن 120 متظاهراً وشرطياً واحداُ، وفق مصلحة الطب الشرعي. كما حددت النيابة هوية اثنين من الشرطة قتلا. قال أحد كبار الضباط بقسم الشرطة لـ هيومن رايتس ووتش إن مسلحين اعتدوا على قسم الشرطة، مما أدى إلى الرد الحكومي. ورغم أن مهاجمة مسلحين لقسم شرطة قد تبرر استخدام القوة المميتة، إلا أن أعداد المتظاهرين القتلى، وأقوال الضحايا والشهود، وبينهم مراقبون مستقلون، ومقاطع الفيديو تظهر كلها إطلاق الشرطة العمدي للنيران على متظاهرين سلميين في معظمهم. قال شهود رأوا الجثث والجرحى في المستشفيات والمشارح، وبينهم عاملون بالحقل الطبي وصحفيون، قالوا لـ هيومن رايتس ووتش إن عدداً كبيراً من المتظاهرين تعرض لجراح في الرأس والعنق وأعلى الجسم، مما يثير التساؤلات عما إذا كان رجال الشرطة يطلقون النيران بقصد القتل.

شارك الجيش والشرطة معاً في الهجوم على المتظاهرين، وقامت وحدات الجيش بدور أساسي في مواجهة المتظاهرين أمام مقر الحرس الجمهوري يومي 5 و8 يوليو/تموز، رغم مشاركة الشرطة أيضاً. وقامت الشرطة بتفريق مسيرة يوم 27 يوليو/تموز أمام النصب التذكاري، وتفريق مظاهرة 16 أغسطس/آب في ميدان رمسيس. كما اضطلعت الشرطة، بما فيها قوات الأمن المركزي والقوات الخاصة، بدور قيادي في فض رابعة والنهضة، رغم قيام الجيش بدور حاسم. قامت قوات الجيش بتأمين المداخل ومنع المتظاهرين من الدخول أو الخروج، كما شغلت بعض الجرافات التي فتحت الطريق أمام زحف الشرطة، وأطلقت المروحيات، ومنها طائرات "الأباتشي"، التي حامت فوق المنطقة، وفتحت قاعدة عسكرية تجاور منطقة رابعة للقناصة؛ بينما قاد ضباط الشرطة عملية الزحف على منطقة رابعة ويبدو أنهم المسؤولون عن أغلب القوة التي تم استخدامها هناك.

تسمح المعايير القانونية الدولية بالاستخدام العمدي للقوة المميتة في مواقف حفظ الأمن في ظروف محددة حيثما شكلت ضرورة قصوى لحماية الأرواح. ورغم أن أجهزة الأمن قد يجوز لها استخدام قدر من القوة لوقف هجوم مسلح من جانب متظاهرين أو حتى لتفريق مظاهرات تمثل خطراً على الأمن العام، إلا أنه لا يوجد مبرر لأسلوب ونطاق العنف الذي تم استخدامه. وقد وقع على مخططي عمليات الفض واجب مشدد بضرورة اتخاذ كافة الإجراءات المعقولة لضمان انطواء العمليات على أدنى خطر ممكن على الأرواح، وهو ما أخفق المخططون في القيام به.

علاوة على هذا فإن الاستخدام الممنهج، واسع النطاق للقوة المميتة من جانب قوات الأمن المصرية، المؤدي إلى وفاة ما يزيد على ألف متظاهر، وعلى نحو لم يتحسب له قادة الحكومة المصرية فقط بل إنهم خططوا له أيضاً، يمثل على الأرجح جرائم ضد الإنسانية. إن عمليات القتل الجماعي في منطقتي رابعة والنهضة تتفق مع نمط ممارسة قوات الأمن الحكومية لقتل المتظاهرين على نحو ممنهج وواسع النطاق، النمط الذي شوهد طوال يوليو/تموز وأغسطس/آب في أعقاب خلع مرسي. والحظر المفروض على الجرائم ضد الإنسانية من المبادئ الأكثر أساسية في القانون الجنائي الدولي، ويمكن أن يشكل أساساً للمسؤولية الجنائية الفردية أمام منتديات دولية وكذلك في المحاكم الداخلية في العديد من البلدان بموجب مبدأ الاختصاص القضائي العالمي.

ويعمل هذا التقرير على تحديد المسؤولين الأمنيين والقادة المحوريين الأرفع رتبة في سلسلة القيادة الذين ينبغي التحقيق معهم، ومحاسبتهم فردياً حيثما توافرت الأدلة على مسؤوليتهم، عن تخطيط وتنفيذ عمليات القتل الممنهج وواسع النطاق للمتظاهرين، أو الإخفاق في منعها، في فترة يوليو/تموزـأغسطس/آب 2013، بمن فيهم:

- وزير الداخلية محمد إبراهيم الذي صاغ خطة الفض وأشرف على تنفيذها وأقر بأنه "أمر القوات الخاصة بالتقدم وتطهير" مبان محورية في قلب منطقة رابعة.

- وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي الذي اضطلع بدور قائد للقوات المسلحة التي فتحت النار على متظاهرين في 5 و8 يوليو/تموز، وأشرف على الأمن في البلاد بصفته نائب رئيس الوزراء للشؤون الأمنية، وأقر بقضاء "أيام طويلة للتناقش في كافة تفاصيل" فض رابعة.

- رئيس وقائد القوات الخاصة في عملية رابعة مدحت المنشاوي الذي تباهى بإبلاغ الوزير إبراهيم من منطقة رابعة في صباح 14 أغسطس/آب "سنهجم مهما كلفنا الأمر".

يشير التقرير أيضاً إلى أشخاص آخرين، من بينهم رئيس جهاز المخابرات العامة، محمد فريد التهامي، وثمانية من كبار مساعدي وزير الداخلية، وثلاثة من كبار قادة الجيش، والعديد من القادة المدنيين رفيعي المستوى، الذين تستحق أدوارهم في القتل الجماعي للمتظاهرين في يوليو/تموز-أغسطس/آب المزيد من التحقيق. وإذا ثبت تواطؤهم في تخطيط عمليات القتل الجماعي للمتظاهرين أو تنفيذها أو الإخفاق في منع الجرائم التي ارتكبها مرؤوسوهم وكانوا يعلمون أو ينبغي لهم العلم بأمرها فإن محاسبتهم واجبة كذلك.

وقد شكلت الحكومة لجنة لتقصي الحقائق في عمليات القتل الجماعي، وأصدر المجلس القومي لحقوق الإنسان، المتمتع بصفة شبه رسمية، تقريراً عن تحقيقه الخاص في فض رابعة وأثبت فيه ارتكاب أخطاء. ومع ذلك فلم يصدر كشف حساب فعلي لما تم أو أي تحقيقات أو ملاحقات قضائية ذات مصداقية، ناهيك عن المحاسبة الفعلية. أما الشرطة والحكومة فهما ترفضان حتى اليوم الإقرار بأي خطأ من جانب أجهزة الأمن في فضها العنيف للاعتصامات أو غيرها من الاعتداءات على متظاهرين. في مؤتمر صحفي بتاريخ 14 أغسطس/آب، قال وزير الداخلية إبراهيم إن وزارته نجحت في تنفيذ فض اعتصامي رابعة والنهضة "دون خسائر" كما أشار إلى "معدل الوفيات الدولي البالغ 10 بالمئة عند تفريق الاعتصامات غير السلمية"، مما ليس له وجود في الواقع. وبعد أيام وزعت وزارة الداخلية على جميع الضباط المشاركين في الفض مكافأة على جهودهم. وقد أخفقت السلطات حتى فبراير/شباط في مجرد الاعتراف باستخدام الذخيرة الحية في فض رابعة والنهضة. وأشاد سائر أعضاء الحكومة على نحو مماثل بقوات الأمن وأخفقوا في الإقرار بأي خطأ من جانب قوات الأمن.

رفضت الحكومة أيضاً إتاحة أية معلومات تقريباً عن عمليات الفض، حتى للمجلس القومي لحقوق الإنسان في تحقيقه. وقال ناصر أمين، عضو المجلس والمؤلف الأساسي لتقرير المجلس عن فض رابعة، على قناة "أون تي في" التلفزيونية إن وزارة الداخلية رفضت التعاون مع تحقيقه، بما في ذلك إخفاقها في تقديم خطتها للفض، وأوحى بأنها حاولت إخفاء الحقيقة. ورغم أن مقاطع الفيديو التي تصور مروحيات ومبان تطل على ميدان رابعة تظهر قوات الأمن وهي تسجل عملية الفض، إلا أن وزارة الداخلية أفرجت بطريقة انتقائية فقط عن تلك المقاطع التي تشير إلى عنف من جانب المتظاهرين.

ويتسم تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان عن فض رابعة، المنشور في 16 مارس/آذار، بأوجه قصور منهجية لا يستهان بها تقوض مصداقية نتائجه إلى حد بعيد، فهو يعتمد بوجه خاص على شهادات سكان محليين، مناوئين في معظمهم للإخوان المسلمين، ولا يكاد يستعين بأقوال المشاركين في الاعتصام، ممن كانوا الشهود والضحايا الرئيسيين. ومع ذلك فقد خلص تقرير المجلس إلى استخدام قوات الأمن للقوة المفرطة يوم 14 أغسطس/آب وخطّأ قوات الأمن في عدم كفاية ما قدمته من تحذيرات، وإخفاقها في توفير مخرج آمن طوال قسم كبير من اليوم. كما دعا التقرير إلى فتح تحقيق قضائي متكامل في عملية الفض لتقديم تعويضات للضحايا.

وعلى حد علم هيومن رايتس ووتش، لم تقم النيابة بتحقيق جدي مع أفراد الشرطة أو الجيش على خلفية قتل متظاهرين منذ 30 يونيو/حزيران 2013، لكنها بالغت في التحقيق مع المتظاهرين على ذمة اشتباكات مع قوات الأمن. وشرعت النيابة في إجراءات جنائية بحق ما يفوق الألف من المتظاهرين والمارة المحتجزين من فض اعتصامي رابعة والنهضة وحدهما، ويواجه كثيرون منهم أحكاما مطولة بالسجن.

وبعد مرور عام على عمليات الفض، أخفقت السلطات في محاسبة رجال الشرطة والجيش المسؤولين عن الاستخدام المتكرر للقوة المميتة والمفرطة والاعتداء العشوائي عديم التمييز على متظاهرين. في 19 مارس/آذار طلب الرئيس السابق منصور من وزارة العدل فتح تحقيق قضائي في فض اعتصامي رابعة والنهضة. إلا أن وزارة العدل أعلنت أنها لن تخصص قاضياً للتحقيق في تلك الأحداث بما أن التحقيقات من اختصاص النيابة العامة، التي تقول بدورها إنها تحقق فيها بالفعل. ولكن بعد مرور ما يقرب من عام، لم تقم النيابة حتى الآن بتوجيه أي اتهام إلى أو إحالة فرد واحد من أفراد الأجهزة الأمنية إلى المحاكمة بتهمة الاستخدام غير المشروع لأسلحة نارية ضد متظاهرين منذ 30 يونيو/حزيران 2013.

وبعد 5 شهور من وعده، أعلن منصور في ديسمبر/كانون الأول 2013 عن إنشاء "لجنة تقصي حقائق وطنية مستقلة لجمع المعلومات والأدلة المصاحبة لثورة الثلاثين من يونيو 2013 وتداعياتها". إلا أن اللجنة مارست أعمالها دون شفافية تذكر، ولن تنشر ما تتوصل إليه، وفق تفويضها. كما أن المرسوم المنشئ للجنة أخفق أيضاً في منحها السلطة اللازمة لإجبار الشهود، بمن فيهم مسؤولي الحكومة، على الإدلاء بشهاداتهم أو لاستدعاء معلومات، مما يثير التساؤلات عن نوعية المعلومات التي اعتمدت عليها في تحقيقها.

وقد واصلت السلطات المصرية، منذ أحداث يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013، قمع المعارضة بوحشية بالغة، ورغم تركيزها البالغ على الإخوان المسلمين، أكبر جماعات المعارضة السياسية في البلاد، إلا أن السلطات استهدفت أيضاً جماعات وأفراد آخرين من المعارضة. واستمرت قوات الأمن في استخدام القوة المفرطة والمميتة ضد المتظاهرين، بما في ذلك قتل 75 متظاهراً في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2013، و64 في 25 يناير/كانون الثاني 2014، بحسب مصلحة الطب الشرعي. ويعمل قانون للاجتماعات العامة تم تبنيه في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 على تخويل وزارة الداخلية سلطة التفريق بالقوة لمظاهرات سبقت لها الموافقة عليها، واعتقال المتظاهرين على أسس غامضة من قبيل "محاولة التأثير على سير العدالة" أو "تعطيل مصالح المواطنين". وقد اعتقلت السلطات، استناداً إلى أرقامها هي نفسها، ما لا يقل عن 22 ألفاً من الأشخاص منذ 3 يوليو/تموز، وجاء اعتقال الكثيرين بتهم تتعلق بممارستهم لحقوق أساسية أو الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، التي أعلنتها الحكومة جماعة إرهابية في 25 ديسمبر/كانون الأول 2013. وتقوم النيابة على نحو روتيني بتمديد أوامر الحبس الاحتياطي الصادرة بحق محتجزين على أساس أدلة واهية لا تكاد تجيز الملاحقة، مما يجعلها فعلياً تحتجزهم تعسفاً لمدة شهور متصلة، كما قال محامون لـ هيومن رايتس ووتش. كما أن الكثير من القضايا التي أحيلت إلى المحاكمة مشوبة بانتهاكات جسيمة للحق في سلامة الإجراءات، بما فيها محاكمات جماعية أخفقت في تقييم الذنب الفردي لكل متهم على حدة، وأدت مع ذلك إلى أحكام مطولة بالسجن أو حتى الإعدام لمئات من المتهمين.

وتجدد هيومن رايتس ووتش نداءات سبق لها التقدم بها طوال العام الماضي إلى النائب العام لفتح تحقيق مدقق ومستقل ومحايد في وقائع القتل الجماعي للمتظاهرين منذ 30 يونيو/حزيران 2013، وملاحقة من يثبت عليهم ارتكاب انتهاكات. توضح التصريحات الحكومية أن عمليات الفض يوم 14 أغسطس/آب والاعتداء على المتظاهرين قبله وبعده كانت بأوامر من الحكومة. وبذا يتعين على التحقيقات النظر في المسؤولين ضمن سلسلة القيادة، وبينهم وزير الداخلية محمد إبراهيم، ووزير الدفاع في ذلك الوقت والرئيس الحالي السيسي، لضمان تقديم جميع مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان إلى العدالة بصرف النظر عن الرتبة أو الانتماء السياسي.

وكذلك يجب على الحكومة المصرية الجديدة الإقرار بما ارتكبته من انتهاكات في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013، وتوفير تعويضات عادلة لعائلات الضحايا، والتعهد بإجراء إصلاح جاد للقطاع الأمني يؤدي إلى قوة شرطية تتصرف بمقتضى المعايير الدولية بشأن استخدام القوة عند حفظ الأمن أثناء التظاهر مستقبلاً.

وفي ضوء إخفاق السلطات المصرية حتى الآن في إجراء تحقيقات، واستمرار تفشي الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة المستمرة، فإن هيومن رايتس ووتش تدعو الدول الأعضاء بمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان إلى إنشاء لجنة تقصي حقائق للتحقيق في كافة انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن وقائع القتل الجماعي لمتظاهرين منذ 30 يونيو/حزيران 2013. وينبغي تفويض اللجنة للتثبت من الوقائع وتحديد المسؤولين بهدف ضمان المحاسبة لمرتكبي الانتهاكات، علاوة على جمع وحفظ المعلومات المتعلقة بالانتهاكات لاستخدامها مستقبلاً من طرف مؤسسات قضائية ذات مصداقية. ويأتي هذا النداء في أعقاب إعلان مشترك تقدمت به 27 دولة أثناء جلسة مجلس حقوق الإنسان المنعقدة في مارس/آذار، ووردت فيه الحاجة إلى "المحاسبة" على العنف و"تقديم المسؤولين عنه إلى العدالة".

تدعو هيومن رايتس ووتش أيضاً إلى التحقيق مع المتورطين في تلك الأفعال وملاحقتهم أمام محاكم وطنية بموجب مبدأ شمولية الاختصاص ووفق القوانين الوطنية.

لقد أصدر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على السواء انتقادات علنية لأعمال القتل الجماعي في مصر، فعلى سبيل المثال قامت كاثرين آشتن، الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي، في 21 أغسطس/آب 2013 بوصف عمليات الفض بـ"عدم التناسب"، ووصف "عدد الأشخاص الذين قتلوا" بأنه "يثير الانزعاج". ومع ذلك فإن الاتحاد الأوروبي واصل، مع دول أخرى، توفير الدعم لمصر. قامت الولايات المتحدة بتعليق جانب من مساعداتها العسكرية في أكتوبر/تشرين الأول 2013، في انتظار استيفاء الشرط المنصوص عليه في تشريعاتها، بأن تلبي مصر شروطاً معينة في مجال الحقوق والتطور الديمقراطي. لكن واشنطن أعلنت في أبريل/نيسان 2014 عن عزمها الإفراج عن 10 طائرات "أباتشي" ومبلغ 650 مليون دولار من المعونة العسكرية على أساس المصالح الأمريكية في مكافحة الإرهاب والأمن القومي. ومنذ ذلك الحين تم الإفراج عن قسم كبير من المعونة. وبالمثل علق الاتحاد الأوروبي تصدير المعدات العسكرية إلى مصر في أغسطس/آب 2013، لكنه استبقى مرونة تسمح للدول الأفراد بمواصلة تزويد الحكومة بالسلاح وغير ذلك من المعدات.

وفي ضوء الانتهاكات المستمرة والقمع السياسي المشدد في مصر، وإخفاق الحكومة في التحقيق في أعمال القتال الجماعي للمتظاهرين بله ملاحقة المتورطين فيها، تدعو هيومن رايتس ووتش الدول إلى تعليق المعونة العسكرية وتعليق التعاون مع أجهزة إنفاذ القانون والجيش المصرية حتى تتبنى الحكومة إجراءات لإنهاء انتهاكاتها الخطيرة لحقوق الإنسان.

إن الرئيس السيسي يتولى حكم مصر دامية، تعج بالتحديات الاقتصادية والسياسية. ورغم الإغراء المتمثل في قلب الصفحة وإغضاء الطرف عن الانتهاكات السابقة، إلا أن المحاسبة مع الماضي تكمن في لب عملية المصالحة الوطنية التي تحتاج مصر لإتمامها حتى تستقر وتمضي إلى الأمام.

أهم التوصيات

للحكومة المصرية

- أن تأمر قوات الأمن بإنهاء استخدامها المفرط، غير المشروع للقوة، وبالتصرف بمقتضى القانون الدولي لحقوق الإنسان والمعايير الدولية لاستخدام القوة في حفظ الأمن عند التظاهر.

- أن تنشر نتائج وتوصيات لجنة تقصي الحقائق المشكلة في ما بعد 30 يونيو/حزيران، علاوة على الننائج والتوصيات الخاصة بلجان تقصي الحقائق لعامي 2011 و2012.

للنائب العام

- أن يجري تحقيقاً مدققا ومحايداً في الاستخدام غير المشروع للقوة من جانب قوات الأمن لقتل متظاهرين منذ 30 يونيو/حزيران 2013، ويلاحق من تثبت بحقهم أدلة على المسؤولية الجنائية، بمن فيهم أعضاء سلسلة القيادة.

أن يفرج فوراً عن الأشخاص المحتجزين دون تهم في أعقاب مظاهرات في يوليو/تموز وأغسطس/آب 2013، أو أن يوجه إليهم اتهامات فورية محددة ومعترف بها في القانون الجنائي، وتعقبها محاكمات عادلة في غضون إطار زمني معقول.

للدول الأعضاء في الأمم المتحدة

- أن تشكل من خلال المجلس الأممي لحقوق الإنسان لجنة دولية لتقصي الحقائق بغرض التحقيق في كافة انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن أعمال القتل الجماعي للمتظاهرين منذ 30 يونيو/حزيران 2013. وينبغي تفويض اللجنة بحيث تثبت الوقائع وتحدد المسؤولين بهدف ضمان محاسبة مرتكبي الانتهاكات، علاوة على جمع وحفظ المعلومات المتعلقة بالانتهاكات لاستخدامها مستقبلاً من جانب مؤسسات قضائية ذات مصداقية. وأن تضمن اتساع التفويض بما يكفي لتغطية ما مضى وما يستجد من أعمال انتهاك حقوق الإنسان التي ارتكبتها قوات الأمن المصرية، وكذلك انتهاكات المتظاهرين.

- أن تعلق كافة مبيعات وتوريدات الأصناف والمساعدات المتعلقة بالأمن لمصر حتى تتبنى الحكومة إجراءات لإنهاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مثل تلك المتعلقة بقمع المظاهرات السلمية إلى حد بعيد، ومحاسبة منتهكي الحقوق.

بموجب مبدأ شمولية الاختصاص ووفق الوطنية ، أن تحقق مع المتورطين في جرائم خطيرة بموجب القانون الدولي تم ارتكابها في مصر في يوليو / تموز - أغسطس / اّب 2013 ، وأن تلاحقهم .

لقراءة التقرير كاملا

إضافة تعليق