الخطاب الإعلامي السعودي والعلاقات مع تركيا

الخطاب الإعلامي السعودي والعلاقات مع تركيا

كتب :- أحمد التَّلاوي

تمهيد

يتناول هذا التقرير قراءة في اتجاهات الإعلام السعودي (خلال الفترة من 27 سبتمبر إلى 3 أكتوبر) إزاء زيارة ولي العهد ووزير الداخلية السعودي، الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، إلى تركيا، وذلك على النحو التالي:

 

أولاً: ملامح عامة لتناول الإعلام السعودي للحدث:

كان الملمح الأول للحدث هو عدم وجود كبير اهتمام من جانب الإعلام السعودي بالحدث، كما أن المصادر السعودية خلت من الحفاوة التي غالبًا ما ترافق مثل هذه الأحداث، بالدولة المضيفة؛ حيث إن التقارير الكبيرة والتحقيقات والمقالات التي تناولت حدث الزيارة لم تعبأ بنشر أية موضوعات عن تركيا وواقعها الاقتصادي والسياسي وكذا، مثلما يتم في الغالب مع الدول التي يقوم كبار المسؤولين السعوديين بزيارتها.

وفي المقابل، كان ما تناوله الإعلام السعودي عن تركيا، يدور حول تجديد البرلمان التركي لتفويض تدخل الجيش التركي في سوريا والعراق، وتجديد حالة الطوارئ في تركيا، والدور التركي العسكري في شمال سوريا، علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي.


ويعود ذلك إلى أمرَيْن أساسيَّيْن:

الأول، هو عدم الاتفاق الكامل بين مواقف الرياض وأنقرة فيما يخص المشهد السوري والعلاقات مع إيران، بعد المراجعات الأخيرة لأنقرة لسياساتها الخارجية، ووضعها أولوية لملف الأكراد فيما كان السعوديون يرغبون في الإطاحة ببشار الأسد، ولو على حساب وحدة سوريا الجيوسياسية، بجانب ملف العلاقات مع مصر.

الثاني، هو أن هناك سياسة عامة لدى الرياض في تناول أنشطة كبار المسؤولين في الخارج إعلاميًّا؛ حيث سياسة التكتُّم سائدة في هذا الصدد، فلا يمكن معرفة على وجه الدقة، فحوى المحادثات التي أجراها ابن نايف مع كبار المسؤولين الأتراك، وعلى رأسهم، الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ولكن ما أعلن رسميًّا، يرتبط بالأساس بالقضايا التالية:

1ـ الأزمة السورية والحرب على "داعش" في العراق، ومعركة الموصل، وتمتين التعاون العسكري والأمني بين الجانبَيْن في مواجهة التحديات الإقليمية. وهنا تحدثت مصادر سعودية عدة، مثل صحيفة "سبق" الإلكترونية، ومصادر أخرى لندنية، عن التعاون العسكري بين البلدين وأهميته، واصفةً إياه بأنه شهد "نقلة نوعية وتعاونًا متناميًا" خلال الفترة الماضية.

وأشارت هذه المصادر إلى العقد الذي وقعته شركة "أسيلسان" التركية للصناعات العسكرية الإلكترونية، والشركة السعودية للتنمية والاستثمار التقني الحكومية "تقنية"، في 21 فبراير الماضي، لتأسيس شركة مشتركة للصناعات الدفاعية الإلكترونية المتطورة في المملكة من خلال مساهمة قدرها 50% لكل منهما، لصناعة وتصميم وتطوير الرادارات، ومعدات الحرب الإلكترونية، والرؤية البصرية، وسد احتياجات المملكة والمنطقة من هذه المعدات.

كما أشارت هذه المصادر، إلى مشاركة تركيا -التي كانت رمزية -في مناورات "رعد الشمال"، التي أجريت شمالي السعودية خلال الفترة من 27 فبراير حتى 11 مارس الماضي، بمشاركة قواتٍ من 20 دولة، إضافة إلى قوات درع الجزيرة، ووُصفت بأنها من أكبر التمارين العسكرية بالعالم.

2ـ إطلاق مجلس التعاون الاستراتيجي السعودي التركي، الذي أعلنت اللجنة العليا المشتركة بين البلدَيْن، عن تأسيسه بنهاية العام 2015م الماضي. أضف إلى ذلك، هو أن غالبية المصادر السعودية، أكثر ميلاً إلى دعم الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد، وزير الدفاع، ولذلك في الغالب ما تكون زياراته الخارجية محل تناول أكبر بشكل ملحوظ من جولات الأمير محمد بن نايف.

وعلى الرغم من ذلك، إلا أن أجواء الزيارة كانت ودية، ربما من حرص الحكومة التركية على الاحتفاء بالأمير محمد بن نايف، باعتباره أكبر مسؤول سعودي يزور تركيا بعد الانقلاب الفاشل في يوليو الماضي، وتمثل زيارته دعمًا إقليميًّا مهمًّا لأردوغان والحكومة التركية. ومن بين مظاهرها، قيام أردوغان بتقليد الأمير محمد بن نايف، "وسام الجمهورية"، خلال الزيارة.

 

ثانياً: تفاصيل الحدث في الإعلام السعودي وكيف تناوله:

نبدأ بتقرير موسع في "الشرق الأوسط"، بتاريخ 1 أكتوبر، حمل عنوان: "الرياض وأنقرة: شراكة استراتيجية وأمنية وعسكرية شاملة"، تناول تفاصيل حول العلاقات بين البلدين، وعن الزيارة (1). وركزت فيه الصحيفة على تصريحات الأمير محمد بن نايف، التي قال فيها إن الرياض "حريصة على تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع أنقرة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية".

كما أشار التقرير إلى أن الزيارة شهدت توقيع برتوكولَيْن للتعاون الإعلامي والثقافي بين البلدَيْن، خلال لقاء المتحدث باسم الحكومة التركية نعمان قورتولموش، ووزير الثقافة والإعلام السعودي، عادل الطريفي؛ حيث وقع الجانبان مذكرة تفاهم للتعاون بين هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية (تي. آر. تي)، وهيئة الإذاعة والتلفزيون السعودية، كما أبرم بروتوكول برنامج تطبيقي للتعاون الثقافي بين البلدين.

كما أشارت إلى لقاء جمع بين ماجد القصبي، وزير التجارة والاستثمار السعودي، مع وزير الاقتصاد التركي، نهاد زيبكجي، في أنقرة؛ حيث تم بحث سبل رفع التبادل التجاري بين البلدين وزيادة الاستثمارات المتبادلة المشتركة، إلى جانب تبادل الزيارات بين رجال الأعمال في البلدين.

وكان هذا التقرير معمَّمًا على مختلف الصحف والمصادر السعودية، التي نشرته كلها تقريبًا بذات الصياغة والمحتوى.

في السياق، أبرزت "الشرق الأوسط" في تقرير مستقل، تصريحات للرئيس التركي، انتقد فيها قانون "جاستا"؛ حيث ذكرت أن أردوغان وجه "انتقادًا شديدًا للقانون وللكونجرس الأمريكي الذي تجاوز فيتو باراك أوباما حول قانون "جاستا"؛ حيث قال في خطاب له أمام البرلمان التركي، إن "قرار الكونجرس الأمريكي السماح بإجراء ملاحقات بحق السعودية فيما يتعلق باعتداءات 11 سبتمبر هو أمر سيئ".

أما "عكاظ" التي عُرِفَ عنها انتقاد أردوغان والإسلام السياسي بشكل عام؛ فقد نشرت تصريحات لأردوغان، توضح الجزئية المتعلقة بأهمية الزيارة بالنسبة لتركيا بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة. وقال التقرير إن أردوغان أعرب عن شكره للحكومة السعودية "لوقوفها إلى جانب الحكومة التركية خلال فترة الانقلاب"، وهو ما يرد على سجال ظهر لفترة بين دوائر سياسية وإعلامية في تركيا، بشأن اتهام الرياض وأبوظبي بالوقوف خلف الانقلاب الفاشل في تركيا. وقال خلال منحه وسام الجمهورية لولي العهد السعودي: "إن زيارتكم لبلادنا في وقت تمر بفترة حرجة، تعتبر رسالة قوية لمدى وقوفكم وتضامنكم معنا".

 

في الجانب الخاص بمقالات الرأي؛ كان الاهتمام ضعيفًا بالزيارة للغاية؛ حيث لا نجد سوى بضعة مقالات ومواد رأي، من بينها افتتاحية "الرياض"، يوم 1 أكتوبر، وكانت بعنوان: "الاستهداف والتحصين"(4)، أكدت فيها الصحيفة على أهمية زيارة ولي العهد إلى تركيا باعتبار أنها "تأتي في سياق التنسيق والتعاون بين المملكة وتركيا في ظل الأوضاع التي تشهدها المنطقة والتي تزداد تعقيداً يوما بعد يوم خاصة فيما يتعلق بالأزمة السورية وخلافات واشنطن وموسكو، واتساع هوة التباين بينهما في معالجة الأزمة ومسبباتها".

كما ركزت على تصريحات ولي العهد التي قال فيها إن كلا البلدَيْن مستهدف، ولذلك يجب تمتين التعاون بينهما، ولاسيما السياسي والأمني:

"عندما تحدث الأمير محمد بن نايف عن أن "الاستهداف واضح ولا يختلف عليه اثنان، ولا نستطيع أن نقول لهم لا تستهدفونا، لكن المهم أن نحصن انفسنا قدر الإمكان"، فهو قد أصاب كبد الحقيقة، فنحن بالفعل مستهدفون كبلد وكأمة عربية وإسلامية، مستهدفون في أمننا ووحدتنا ومقدراتنا ومكتسباتنا، فنحن كأمة عربية وإسلامية لدينا ما يمثل مطامع لغيرنا فينا، هم لا يريدون أن نكون متحدين متجانسين على قلب رجل واحد، فذلك ليس في مصلحتهم أبداً، بل إن مصلحتهم في تفرقنا وتشرذمنا وقلة حيلتنا حتى نكون فرائس سهلة يمكن اصطيادها فرادي دون جهد يُذكر، هذا هو هدفهم الأساس المعروف وغير المعلن".

 

العربية نت، نشرت مقالاً للكاتب محمد السماعيل، بعنوان: "زيارة ولي العهد لتركيا.. الآمال والتطلعات"، أكد فيه الكاتب على أهمية تركيا كبلد مركزي في الإقليم، وإمكانية أن تتعاون مع الرياض في التصدي للأزمات الراهنة في الإقليم. وقال في مقاله: "العنوان الرئيسي لزيارة سمو ولي العهد إلى الجمهورية التركية في أعقاب المحاولة الانقلابية الفاشلة، هو بناء مسارات استراتيجية لتطوير العلاقات الثنائية وتفكيك تشابكات الأزمات الإقليمية التي تؤخر الاستقرار وتهدد الأمن، وتلك ملفات تحتاج إلى تنسيق سياسي عميق على أعلى المستويات، خاصة وأنهما الدولتان الأكثر نفوذا وتأثيرا في العالم الإسلامي ولهما حضورهما وفعاليتهما الدولية التي تجعلهما أكثر تأثيرا في القضايا وهما متفقتان ومتجانستان في رؤاهما السياسية والأمنية".

 

ويضيف في ذلك: "أمام المملكة وتركيا تحديات تتطلب مواجهات حاسمة من خلال التعاون وإثراء العلاقات الثنائية بمثل هذه الزيارات خاصة بعد أن تخلصت تركيا من تبعات الانقلاب الفاشل على ديمقراطيتها الرصينة، وقد بادرت المملكة إلى رفض الانقلاب وتهنئة الرئيس التركي بنجاح القضاء عليه، ولذلك تستمر العلاقات في مسارها الذي يتم تعبيده وتمهيده بمزيد من الثقة والمصداقية والشفافية بما يخدم المصالح المشتركة، سياسيا وامنيا واقتصاديا، من أجل تقديم نموذج إسلامي مهم وقادر على معالجة مشكلات المنطقة والعالم الإسلامي بذات التآخي والسلام الذي يعتبر قاسما مشتركا إضافيا بينهما، ويمكن مع هذه الزيارة التأكيد بأن العلاقات اتخذت منحى أكثر دفعا إلى الأمام لصالح وخير الشعبين الشقيقين والأمة الإسلامية".

جدول رقم (1) زيارة الأمير محمد بن نايف لتركيا وقضايا العلاقات السعودية التركية


شكل رقم (1) زيارة الأمير محمد بن نايف لتركيا وقضايا العلاقات السعودية التركية

خلاصة:

تبدو الحالة كما هي؛ حيث لم تتحقق اختراقات كبيرة في زيارة الأمير نايف على المستوى المعلن، وبدا أن استفادة أنقرة من الزيارة أكبر، لجهة دعم أحد أكبر القوى الإقليمية لها، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، عدا ذلك لم ترشح عن الزيارة أية أمور أخرى، وبدأ أن حقائق السياسة الإقليمية الجديدة لتركيا تفرض نفسها في الوقت الراهن، وهي تتعارض بشكل تام مع مرامي الرياض في الموضوع الإيراني والموضوع السوري. وسيستمر هذا الوضع من الجمود على مستوى العلاقات بين الرياض وبين أنقرة؛ حيث إن ما يحكم حركة أنقرة في الإقليم، أمور لا يمكن لأردوغان أو أي طرف سياسي آخر في تركيا التنازل عنها؛ حيث تمس صميم الأمن القومي التركي.

إضافة تعليق