خلال ثمانية عشر يومًا سطر خلالهما شعب مصر ملحمة من الصمود ونجح في انتزاع حكم مصر من نظام المخلوع حسني مبارك لتكون ثورة الخامس والعشرين من يناير وشعارها عيش حرية عدالة اجتماعية ملهمة لمرحلة
ما بعد الثورة حتى مجيئ أول رئيس مدني منتخب ولكن أبى العسكر أن يتركوا مصر تخطوا خطوات نحو الحرية والديمقراطية فانقلبوا على الرئيس المنتخب وحولوا مصر إلى شبة دولة كما قال قائد الانقلاب
نشرت صحيفة "إندبندنت" تقريرا لمراسلها في القاهرة إدموند بور، يقول فيه إن لوحات الإعلانات، التي تحمل صورا كبيرة لعبد الفتاح السيسي، تملأ ميدان التحرير، وأينما ذهبت في القاهرة.
ويجد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، أنه مع أن ميدان التحرير كان مركزا للربيع العربي، الذي أطاح بالرئيس حسني مبارك، الذي أرسل برسالة إيجابية لمصر، إلا أن الرايات المرفوعة في الميدان اليوم تعلن عن مستقبل أكثر امتثالا: "السيسي لأجل الاستقرار".
ويقول بور: "لا يمكن قول الشيء ذاته عن منافسه، موسى مصطفى موسى، وهو سياسي مغمور بشكل عام، وكان قد أعرب عن تأييده للرئيس، ولن تحمل ورقة الاقتراع سوى هذين الاسمين، أما المنافسون الآخرون فمنهم من ضغط عليه لسحب ترشحه، ومنهم من تم اعتقاله".
وتذكر الصحيفة أن السيسي، الذي كان مشيرا في الجيش، رشح نفسه، واعدا بـ"الاستقرار"، كما فعل عام 2014، حين وعد بأن يقود المركب بثبات، بعد أن أطاح بالرئيس محمد مرسي، الذي كان من جماعة الإخوان، من خلال انقلاب حظي بالشرعية، لكنه كان دمويا.
ويشير التقرير إلى أن السيسي لم يحقق الاستقرار في دورته الأولى، بل وصل التضخم إلى أرقام مزدوجة، وزادت نسبة الفقر خلال عامين بنسبة 25%، كما أن البلد واجه تمردا متناميا في شبه جزيرة سيناء، وفي بقية أراضي مصر، بالإضافة إلى أن القمع السياسي وصل إلى ذروته.
ويستدرك الكاتب بأنه بالرغم من مشكلات البلد الاقتصادية والأمنية، إلا أن الرئيس يحتفظ بقاعدة مؤيدين صلبة، حيث يقول محمد صلاح أمين، البالغ من العمر 67 عاما، من القاهرة، وهو أحد مؤيدي السيسي: "إنه (السيسي) يحتاج الى المزيد من الوقت"، مشيرا إلى أن أمين قد صوت للسيسي عام 2014، عندما شكلت الإطاحة بالرئيس مرسي قاعدة أتباع له، بصفته رجلا قويا يمكن أن يحمي مصر من جارتيها ليبيا وسوريا بعد الثورة، ووجدت رسالته صدى لدى الأكبر سنا، الذين أرادوا العودة لأيام الاستقرار قبل الثورة، وقال أمين: "لقد أرسله الله ليخلصنا من الإخوان".
وتقول الصحيفة إنه "منذ ذلك الوقت يبدو أن تأييد السيسي تراجع، لكن ومع غياب الاستطلاعات الحقيقية فإنه من الصعب معرفة شعبية السيسي بشكل مؤكد".
وينقل التقرير عن الزميل غير المقيم لمعهد التحرير في سياسات الشرق الأوسط تيموثي كالداس، قوله: "كان هناك الكثير من الاستياء بسبب الاقتصاد، وارتفاع الأسعار الكبير، وغياب الوضوح حول متى تستقر الأمور"، لافتا إلى أن تخفيض العملة المصرية ساعد في زيادة تكلفة المعيشة بشكل كبير، تاركا المصريين يكافحون لأجل العيش، والسيسي يكافح لأجل الحصول على دعمهم.
ويورد بور نقلا عن المدعي العام للجيزة طارق الصاوي، البالغ من العمر 35 عاما، قوله: "إنه مثل مبارك.. عانت مصر من المشكلات ذاتها لمدة 30 عاما، وهو لا يعمل شيئا لحلها، وإن كان هناك شيء قد تغير فإنه إلى الأسوأ".
وتعلق الصحيفة قائلة إن "الأصوات المعارضة، مثل صوت الصاوي، تبقى أقلية، ويبقى الكثير من المصريين يؤمنون بالرئيس، حيث يقول محمد سالم، البالغ من العمر 29 عاما، ويعمل لشركة نسيج، إنه صوّت بعد الثورة للإخوان المسلمين، لكنه تغير ويدعم السيسي الآن، وأضاف: "إنه الرجل الوحيد المناسب الآن.. ونحتاج أن نتركه ينهي ما بدأ به".
ويلفت التقرير إلى أن رأي سالم هذا كان رغم أنه يدرك أن ما يتقاضاه من عمله هو 2400 جنيه مصري، "100 جنيه إسترليني"، في الشهر هي أقل بكثير من قيمتها منذ أن أتى السيسي، وبدأ يبحث عن عمل إضافي ليدعم دخله، ومع ذلك فإنه يصر على أنه "تحت حكم السيسي، ستتحسن الأمور قريبا".
وينوه الكاتب إلى أن كلداس يرى أن هناك أمرا مشتركا بين مؤيدي الرئيس، حيث يقول: "هناك تسامح أكبر تجاه الصعوبات تحت حكم السيسي.. فهناك شعور بأن هدفا يكمن (في تلك الصعوبات)، وتحت إدارة مبارك كان الشعور بأن الصعوبات كانت ناتجة عن فساده"، ويضيف قائلا إن السيسي في المقابل قام بصناعة صورة لنفسه، تقوم على التضحية وعدم قابلية الفساد، "فعمل من نفسه منقذا لمصر".
وتذهب الصحيفة إلى أنه "لهذا السبب تمتع السيسي بدعم جيد في الإعلام المصري، فكل من الإعلام المملوك للحكومة والخاص يقوم بانتظام بالمصادقة على ما يفعله النظام، ولا يترك مجالا للمعارضة، حيث يقول كلداس: (لا يمكنك انتقاد السيسي علنا)، فللمرة الأولى قام السيسي بتوسيع القيود المفروضة على وسائل الإعلام الرئيسية للإنترنت، حيث قام بمنع حوالي 500 موقع اعتبرها منتقدة له من مصر".
ويورد التقرير نقلا عن نائب مدير الشفافية الدولية جيمس لينتش، قوله إن هناك الكثير من النقد الذي يجب أن يوجه لدورة السيسي الأولى، مثلا بالرغم من التصريح علنا بمكافحة الفساد، إلا أن الأمور لم تتغير كثيرا عن حقبة مبارك، ويضيف لينتش: "عندما نقوم بتقييم ما حصل والقوانين التي تم تغييرها تحت حكم السيسي، وبالذات المصالح التجارية للمؤسسة العسكرية، فإنه من الواضح أن مخاطر الفساد ذاتها موجودة".
وينقل بور عن كبير المدققين في مصر قوله في عام 2015، للمراسلين بأن البلد خسر 600 مليار جنيه مصري للفساد على مدى الثلاث سنوات الماضية، لافتا إلى أن النتيجة كانت أنه تمت إقالته واتهامه بـ"نشر أخبار كاذبة".
وتفيد الصحيفة بأن هناك أسئلة تدور حول الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع تمرد المتطرفين في شبه جزيرة سيناء، فخلال سنته الأولى في الحكم أعلنت الحركة البدوية المتطرفة ولاءها لتنظيم الدولة، وقامت منذ ذلك الحين بالعديد من الهجمات، بما في ذلك على مسجد في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، حيث تم قتل أكثر من 300 مصل، ويقول لينتش إنه بالرغم من القيام بحملة كبيرة هذا العام ضد المجموعة، إلا أن الجيش "لا يبدو مجهزا أو قادرا على مكافحة التمرد، وخسر الكثير من الأفراد".
ويذهب التقرير إلى أنه "مع ذلك، فليس هناك شك في بقاء السيسي لدورة أخرى، ومع أنه أعلن بأنه لن يسعى للبقاء لدورة ثالثة، فإن هناك توقعات بأنه ينوي تعديل الدستور ليسمح لنفسه بأن يتجاوز الحد الأقصى الحالي (دورتين)".
وتختم "إندبندنت" تقريرها بالإشارة إلى قول لينتش: "وحتى حقيقة أن هناك إشاعات تفيد باحتمال حدوث ذلك تشكل مشكلة كبيرة"، وإن كان هذا سيحصل أم لا هو مجرد توقعات، لكن مع غياب المعارضة، وغياب الأصوات الناقدة أصبح "من الصعب على المصريين أن يحاسبوا حكومتهم".