«الإخوان» تظاهروا من أجل غزة وسكتوا عن ارتفاع الأسعار والفساد والبطالة

«الإخوان» تظاهروا من أجل غزة وسكتوا عن ارتفاع الأسعار والفساد والبطالة

جمال حشمت: لن نتحرك من أجل الداخل وحدنا لأننا لا نسعي للانقلاب علي النظام

تحقيق: محمد إسماعيل

أعادت المظاهرات الحاشدة، التي نظمتها جماعة الإخوان المسلمين للتضامن مع غزة طرح تساؤلات قديمة حول موقف الجماعة من القضايا المحلية التي تخص حياة المصريين اليومية ..فلا يمكن تصديق أن الجماعة، التي حشدت متظاهرين تقدر أعدادهم بمئات الآلاف، عجزت عن تنظيم مظاهرة واحدة عندما أعلنت الحكومة عن رفع أسعار بعض السلع الأساسية صيف العام الماضي.

القراءة الأولية لأعداد المتظاهرين احتجاجا علي أحداث غزة تشير إلي فجوة واضحة بين اهتمام الإخوان بالقضايا المحلية والقضايا الإقليمية وعلي رأسها القضية الفلسطينية وإن كانت تؤكد في نفس الوقت علي حقيقة أخري وهي أن الإخوان هم الذين تحملوا وحدهم عبء حشد الشارع المصري في الأحداث الأخيرة دون أي مشاركة من القوي السياسية الأخري، ففي اليوم الأول من بدء العداون الإسرائيلي حشدت الجماعة أمام نقابة الصحفيين حوالي 5 آلاف متظاهر تقدمهم المرشد العام للجماعة محمد مهدي عاكف أما في اليوم الثاني فإن خروج الإخوان كان أكثر كثافة حيث احتشد في نفس المكان حوالي 7 آلاف متظاهر وخرجت آلاف أخري في نفس التوقيت في عدد من المحافظات.

واللافت أن الجماعة فضلت أن تركز في مظاهرتها علي المحافظات وتبتعد عن التظاهر في العاصمة بعد أن بدأت القبضة الأمنية تشتد علي المتظاهرين عقب خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، فخرج عشرات الآلاف في الغربية والشرقية والإسكندرية ودمياط وبورسعيد، ووصل الأمر إلي أن تجاوز عدد المتظاهرين أمام مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية الـ100 ألف وانتهت المظاهرات والجماعة لديها أكثر من 1200 عضو داخل السجون بينهم علي الأقل 60 من القيادات المؤثرة في التنظيم وأغلبهم خضع للتحقيق امام نيابة أمن الدولة العليا.

وبعد إعلان وقف إطلاق النار وجه محمد حبيب النائب الأول للمرشد رسالة تحية للإخوان علي الجهد الذي بذلوه في المظاهرات قال فيها: "أحسب أنكم ماخرجتم إلا جهادا في سبيل الله وغضبا علي أنظمتكم وحكوماتكم لعدم قيامها بمسئولياتها "

ودعا حبيب إلي تواصل الفعاليات والمظاهرات رغم إعلان وقف إطلاق النار.

في المقابل فإن الجماعة لم تول نفس الاهتمام لأي حدث محلي منذ انتهاء انتخابات مجلس الشعب عام 2005 باستثناء اهتمام نسبي بأحداث القضاة التي كانت آخر مناسبة تحرك فيها الإخوان بكثافة وألقت أجهزة الأمن وقتها القبض علي عدد كبير من كوادر الإخوان علي رأسهم عصام العريان ومحمد المرسي.

وبعد انتهاء أحداث القضاة التزمت الجماعة الصمت تجاه عدد كبير من الكوارث التي حطت علي مصر بفعل القدر وسياسات الحكومة فلم تفكر الجماعة أن تخرج مظاهرة واحدة للاحتجاج علي حزمة التعديلات الدستورية التي جرت في عام 2006، أو للاحتجاج علي إهمال الحكومة في كارثة العبارة وكارثة الدويقة اللتين قتل فيهما عدد من المصريين أكبر من عدد شهداء غزة.

وفي كل الأحداث السابقة كانت الجماعة تكتفي بالمعارضة البرلمانية وإصدار البيانات مثلها في ذلك مثل أي حزب يعاني محدودية في الكوادر.

اما علي صعيد الضربات الأمنية الشرسة التي تلقتها الجماعة منذ انتخابات 2005، وحتي الآن فإن الإخوان لم يفكروا في تنظيم فعاليات احتجاجية ضخمة للاعتراض علي استهداف كوادر الجماعة أمنيا في العديد من المناسبات مثل انتخابات المحليات وانتخابات مجلس الشوري أو حتي أثناء المحاكمات العسكرية وفي بعض الأحداث الداخلية الأخري فإن الإخوان أعرضوا عن المشاركة في الحدث من الأساس مثل إضراب 6 أبريل وعندما قرروا أن يتداركوا الخطأ في إضراب 4 مايو اختاروا صيغة "التجاوب" وليس المشاركة مما أثر علي دعوة الإضراب التي انتهت إلي الفشل.

الدكتور جمال حشمت، القيادي البارز بالجماعة، أكد أن حسابات الداخل تختلف عن حسابات الخارج وقال: "الإخوان لن يتحركوا لقضايا الداخل وحدهم فلابد أن يتحرك معهم باقي التيارات السياسية والشعب المصري كله"مشيرا إلي أن القضايا السياسية الداخلية لا تحظي بإجماع بين التيارات السياسية المختلفة.

واضاف : "إلي أن يحدث تفاهم واتفاق بين القوي السياسية علي الحد الأدني من القضايا فمن الصعب أن يخرج الإخوان وحدهم"

وأكد حشمت أن قضية الحرب علي غزة اختلفت عن باقي القضايا الداخلية حيث اتسمت بأنها كانت وطنية تجاوزت الحدود الحزبية وأصبحت محل إجماع ومشاركة من الشعب المصري كله بمختلف أطيافه.

وأشار حشمت إلي تجربة الجبهة الوطنية للتغيير وقال: "كانت الجبهة الوطنية للتغيير محاولة للملمة القوي السياسية في كيان واحد لكن للأسف تركها الجميع بسبب خلافات حزبية ضيقة ولم يبق فيها أحد".

وتابع: "للأسف النظام يداعب الأحزاب والتيارات السياسية مستخدما معهم العصا والجزرة والجميع لديهم استعداد أن يصعدوا علي جثة الإخوان من أجل الحصول علي أي مصلحة مهما كانت صغيرة"

واعتبر حشمت أن تحرك الإخوان أو أي تيار سياسي وحده بمثابة إعلان للانقلاب، وقال: "نحن لم نسع من قبل ولن نسعي للتحرك وحدنا من أجل الانقلاب علي النظام وإذا تحركنا نتحرك مع الجميع".

أما عصام العريان، مسئول البرنامج السياسي للإخوان، فأكد أن الجماعة حركت أكثر من مظاهرة خلال السنوات الأخيرة من أجل أحداث محلية خالصة.

وقال العريان: أثناء أحداث القضاة خرج الإخوان في مظاهرات حاشدة تم فيها إلقاء القبض علي حوالي 700 من كوادر الجماعة، كما شارك الإخوان في مظاهرات فئوية دون أن ترفع شعارات الجماعة مثل مظاهرات الاحتجاج علي مصنع أجريوم في دمياط والاحتجاجات العمالية في أغلب محافظات مصر لكن يبدو أن هناك من لا يريد أن يصدق هذه الاحتجاجات ويصر علي ترديد مقولة أن الإخوان لا يخرجوا إلا من أجل الخارج".

وأكد العريان أن مظاهرات التضامن مع غزة يمكن النظر إليها باعتبارها احتجاجات من أجل قضايا الداخل وقال: "نحن نؤمن أن الديمقراطية لن تتحقق في الداخل إلا إذا اهتممنا بالبعد الخارجي كما نؤمن بأن الحرب علي غزة كانت معركة خاضتها إسرائيل بالشراكة مع الولايات المتحدة والنظم العربية ضد كل المطالبين بالديمقراطية في العالم العربي علاوة علي أن ماحدث في غزة كان علي حدود مصر ويمس أمنها القومي "لافتا إلي سقوط عدد من الصواريخ الإسرائيلية علي رفح المصرية.

ورفض العريان وصف مظاهرات الإخوان من أجل القضايا الداخلية بالمحدودة وقال: "مظاهرات القضاة تصدر فيها الإخوان المشهد وكانت ضخمة للغاية وكذلك الأمر بالنسبة لمظاهرات العمال لكن كانت هناك تعليمات مشددة بعدم رفع شعارات الجماعة".

وأضاف: "القول بأن الإخوان لايهتموا بالبعد الاجتماعي والاقتصادي مردود عليه لأن الإخوان دائما متهمون بأن نجاحهم في أي انتخابات يرجع إلي شبكة العلاقات الاجتماعية والمساعدات التي يقدمونها لأهالي الدائرة".

وردا علي عدم تحرك الإخوان بعد رفع أسعار السلع الأساسية العام الماضي قال العريان: نواب الإخوان في مجلس الشعب تصدوا لهذه القرارات لكن الجماهير لم تتحرك"مشيرا إلي أن تحرك الجماهير في انتفاضة يناير 77 كان عفويا ودون تخطيط".

أما الدكتور عمار علي حسن، الخبير السياسي، فأكد أن هناك أسباب عامة تدعم أي تحرك لدعم قضايا الخارج أكبر من التحرك لدعم قضايا الداخل مثل أن السلطة تتعامل مع الاحتجاجات من أجل قضايا الخارج بطريقة أقل حد من تعاملها مع الاحتجاجات من أجل المشاكل الداخلية كما أن قدرة أي تيار علي الحشد من أجل قضايا الخارج أكبر بكثير من قدرته علي الحشد للقضايا الداخلية بسبب تضافر عناصر التعبئة بعكس قضايا الشأن الداخلي التي تتعرض لمحاولات تشتيت وإحباط مما يتطلب جهداً أكبر في التعبئة".

وأضاف عمار: للأسف لا أحد يدرك أن الشعب لا يستطيع تحقيق مطالبه الخارجية إلا إذا استطاع أن يكون رقما فاعلا في معاركه الداخلية".

وتابع: "أغلب الأزمات الداخلية لها علاقة بالبعد الاجتماعي وبالنسبة للإخوان فإن البعد الاجتماعي لديهم ضعيف علاوة علي أن قضية العدوان علي فلسطين لها أهمية أيديولوجية لدي الإخوان كجماعة عابرة للحدود".

وأكد عمار أن الجماعة لديها حسابات معقدة عندما تنظر لقضايا الداخل مثل الخوف من إغضاب السلطة أو خذلان الشارع ووضع حساب للقوي المنافسة التي يمكن أن تتصرف بشكل مضاد لتحركات الإخوان.

وتابع عمار: "ثقافة المحنة تحكم حسابات الإخوان المسلمين السياسية فكلما كانت هناك أزمة خافوا من المواجهة والصدام مع السلطة بسبب تجارب تاريخية مريرة ولذلك فإنهم يستبدلون الدخول في مواجهات سافرة مع النظام بمعارك جزئية"

إضافة تعليق