لماذا أمر السيسي ببناء كنيسة في كل مدينة سكنية جديدة؟

لماذا أمر السيسي ببناء كنيسة في كل مدينة سكنية جديدة؟

"هي فين الكنيسة يا عماد"، سؤال طرحه رئيس الانقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي على اللواء أركان حرب عماد أحمد الغزالي، رئيس المنطقة المركزية العسكرية، خلال افتتاح مشروع "أهالينا 1" السكني الذي تقيمه القوات المسلحة في القاهرة.

السيسي كلف أيضا خلال الافتتاح ذاته وزير الدفاع، الفريق أول محمد زكي، ببناء كنيسة بكل مدينة جديدة يتم بناؤها، مؤكدا في خطابه للوزير "عشان دول (هؤلاء) يعبدوا ربنا ودول (هؤلاء) يعبدوا ربنا"، في إشارة إلى وجود مساجد ضمن تصميمات المدن الجديدة التي يتم تأسيسها، بينما لا توجد كنائس.

ويأتي توجيه السيسي بإنشاء الكنائس بعد أيام من تصريحات لوزير الآثار خالد العناني في لجنة الثقافة والسياحية بالبرلمان المصري، بأن رئيس الانقلاب خصص مليار و270 مليون جنيه لترميم التراث اليهودي، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة، دفعت بوزارة الآثار لإصدار بيان يؤكد أن التصريح فُهِمِ بطريق الخطأ، وأن المبلغ مخصص لترميم التراث المصري بشكل عام وليس فقط التراث اليهودي.

تصريحات السيسي جاءت أيضا موافقة لتصريحات أخرى أطلقها خلال استضافته لمنتدى شباب العالم بشرم الشيخ الشهر الماضي، أكد فيها عدم ممانعته بناء دور عبادة لأي ديانة غير الإسلامية والمسيحية، وأنه لو كان بمصر يهود لأمر ببناء المعابد لهم، موضحا أنه لا يهمه من يعبد الله ممن لا يعبد الله، لأن هذه الأمور يجب على الدولة ألا تتدخل فيها، على حد قوله.

من جانبه، يؤكد وكيل لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري السابق، محمد جمال حشمت، لـ"عربي 21"، أن السيسي يريد في كل مناسبة التأكيد على متانة العلاقة بينه وبين الأقباط، باعتبارهم الكتلة التي يثق فيها وما زال يضمن دعمها.

ويضيف حشمت أن القضية ليست في بناء دور عبادة للمسلمين أو للمسيحيين، وإنما في الاستغلال السياسي لهذا التوجه؛ للحصول على مكاسب سياسية وانتخابية، وبالتالي فهي قرارات لا تحقق ما يتم الترويج له بأنها لضمان حرية ممارسة العبادات الدينية.

ويؤكد البرلماني السابق أن حرية ممارسة العبادة التي تحدث عنها السيسي غير موجودة في أرض الواقع بالنسبة لأغلبية السكان وهم المسلمون، فالمساجد تحت رقابة صارمة من الأجهزة الأمنية، ويتم ملاحقة آلاف المصلين نتيجة التقارير الأمنية لمخبري الشرطة بالمساجد والأحياء وأماكن العمل، وآلاف من الذين تم اعتقالهم لم يكن هناك سبب لاعتقالهم إلا لأنهم من رواد المساجد.

ويشير حشمت إلى أن السيسي يلعب بورقة الأقباط؛ من أجل تحقيق أهداف خارجية، تساعده في تجاوز كوارثه المتعلقة بحقوق الإنسان، فهو يعتبر أن منحه بعض الامتيازات للأقباط يمكن أن يجعل المنظمات الدولية الحقوقية تغض الطرف عن جرائمه ضد المعارضين له، وجرائمه في حق الشعب المصري كله.

وطبقا لتوصيف الباحث بعلم الاجتماع السياسي سالم الجريدي لـ"عربي 21"، فإن استخدام السيسي لورقة الأقليات من شأنه إحراق المجتمع المصري، وزيادة حدة الاحتقان بين المسلمين والمسيحيين، خاصة أن المسيحيين يتعاملون مع موضوع بناء الكنائس بشيء من الندية والتفاخر؛ لإثبات قوتهم ومكانتهم لدى النظام الحاكم، وهو ما كان سببا في عدة أزمات شهدتها مصر طوال السنوات العشرين الماضية.

ويضيف الجريدي أن الأزمة الثانية لقرار السيسي هي التحايل على البنية الديمغرافية لتركيبة السكان بمصر، ومحاولة خلق صورة ذهنية بأن مصر بلد متساوية في المساجد والكنائس، بما يعني المساواة بين المواطنين، بينما الواقع يؤكد أن نسبة الأقباط بالنسبة لعدد السكان طبقا للإحصائيات الرسمية من 8 إلى 10%، وليس كما صرح البابا تواضروس بأنهم 15%، ولذلك فزيادة الكنائس لا تعبر عن واقع نسبتهم الحقيقية.

ويؤكد الجريدي أن الأزمة الثالثة لقرار السيسي أنه يتزامن مع حربه ضد المظاهر الإسلامية، مثل الدعوة لمنع النقاب، والحملة على المشايخ والعلماء، والدعوة لحذف خانة الديانة، وهو ما يدعم حالة الاحتقان لدى المسلمين الذين يرون أن رأس الدولة يقدم كل يوم مميزات للكنيسة، ثم زاد الأمر بدعمه لليهود، في مقابل حربه ضد المؤسسات والتيارات الإسلامية التي بدأت بالإخوان المسلمين وكل الذين عارضوا انقلابه، ثم وصلت للتيارات والمؤسسات التي أيدت انقلابه، مثل الأزهر والسلفيين وغيرهم.

ووفقا للباحث بعلم الاجتماع السياسي، فإن الأقباط كمواطنين لم يستفيدوا من مثل هذه القرارات على المستوى المعيشي والحياتي؛ لأنهم -كونهم مصريين- يكتوون بنيران الأسعار وغلاء المعيشة، كما أنهم يعيشون تحت الضغط الأمني الذي يعيش فيه باقي فئات الشعب، وبناء كنيسة من عدمه إنما يخدم مصالح قيادات الكنيسة في حربها الداخلية ضد الأقباط المعارضين لدعم الكنيسة غير المحدود للسيسي.

ويشير الجريدي إلى أن السيسي بهذه الخطوات إنما يقدم "عربون محبة" أو رشوة انتخابية مدفوعة مقدما للأقباط؛ لضمان الحصول على دعمهم في حال اتخذ قرارا بتغير الدستور خلال العام المقبل، بما يضمن بقاءه في السلطة بعد انتهاء ولايته في 2022.

إضافة تعليق