كيف تعامل المصريون مع اتفاقية السلام طوال 40 عاما من توقيعها؟

كيف تعامل المصريون مع اتفاقية السلام طوال 40 عاما من توقيعها؟

قيَّم سياسيون ومختصون اتفاقية السلام التي وقعتها مصر مع إسرائيل يوم 26 آذار/ مارس عام 1979، بأنها تمثل قمة التناقض بين الشعب المصري وحكوماته المتعاقبة، بسبب حرص الحكومات على التطبيع، بينما أصرت الشعوب على كراهيتها لإسرائيل.

ويشير المختصون، الذين تحدثوا لـ"عربي21" بمناسبة مرور 40 عاما على توقيع الرئيس الراحل أنور السادات لمعاهدة السلام مع إسرائيل، إلى أن هذه السنوات شهدت صعودا وهبوطا في العلاقات مع إسرائيل، على مستوى النظم الحاكمة، حتى ثورة 25 يناير 2011، التي هددت استمرار الاتفاقية بشكل صريح، عندما اقتحم الثوار مقر السفارة الإسرائيلية، وأسقطوا العلم الإسرائيلي بعد سنوات من إطلالته غير المرغوب فيها على نهر النيل.

ويؤكد المختصون أن إسرائيل حققت العديد من المكاسب من هذه الاتفاقية، على المستوى السياسي والاقتصادي والشعبي، بينما كانت النتائج سلبية على الشعب المصري، وإيجابية لدى حكامه، خاصة في ملف التطبيع، الذي ظل يسير وفق ضوابط محددة، حتى كان عهد رئيس نظام  الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، الذي قدم لإسرائيل ما لم يقدمه حاكم مصري آخر.

الشعب أفضل

وفي تقييمه للسنوات الأربعين التي عاشتها اتفاقية السلام، يؤكد وكيل لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان المصري السابق محمد جمال حشمت، لـ"عربي21"، أن الشعب المصري هو المتضرر الأول منها، حيث عانى من الكبت السياسي، وإرهاب الدولة، وأنظمة الحكم المستبدة التي تم زرعها لترسيخ أمن إسرائيل على حساب الشعوب العربية والقضية الفلسطينية.

ويوضح حشمت أن الشعب المصري قاوم التطبيع بمختلف الطرق الممكنة، وتعرض بسبب هذه المقاومة للتنكيل تارة وللإغراء تارة أخرى، لكنه في النهاية ظل على موقفه الرافض لإسرائيل، وقدم في سبيل ذلك العديد من الشهداء، مثل سلمان خاطر، وغيره من المصريين، الذين اعتبروا أن الاعتراف بإسرائيل معناه التخلي عن قضيتهم الأساسية، وهي تحرير القدس الشريف.

ويعدد البرلماني السابق طرق مواجهة المصريين للتطبيع، موضحا أن الفترة التي أعقبت رحيل السادات شهدت حراكا سياسيا وطلابيا كبيرا ضد اتفاقية السلام، وهو الحراك الذي تطور مع وجود معارضة حقيقية في برلمانات 1984 و1987 و2000 و2005 و2010، الذي كان مطلبه إلغاء اتفاقية السلام بندا أساسيا لنواب الإخوان وباقي المعارضة في مواجهتهم للحكومة.

ويشير حشمت إلى الدور الذي قامت به النقابات المهنية في عصرها الذهبي من بداية تسعينيات القرن الماضي وحتى سيطرة الانقلاب العسكري عليها، موضحا أن هذه النقابات شكلت درعا ضد الخطوات المتواصلة لفرض التطبيع، وقامت بدور تنويري وتحذيري عن خطورته، وأدارت لجان المقاطعة

والمقاومة حملات المقاطعات الاقتصادية في حرب لبنان والحروب ضد غزة، ودعمت الانتفاضات الفلسطينية المختلفة.

ويضيف حشمت قائلا: "الشعب المصري كان على وعي كبير بخطورة التطبيع، ولذلك كانت استجابته كبيرة ومؤثرة في التصدي لمشروعات التطبيع الاقتصادي والثقافي والسياسي، ما جعل إسرائيل تعيش في عزلة كبيرة داخل مصر، طوال أكثر من 35 عاما منذ توقيع الاتفاقية المشؤومة".

وعن الفترة التي تلت الانقلاب العسكري، يشير حشمت إلى أن الدعم الذي قدمه السيسي لدعاة التطبيع، مقابل محاربة الإخوان المسلمين الذين كانوا الكتلة الصلبة بالنقابات والبرلمان والجامعات، والمؤسسات المختلفة، أدى لتراجع المقاومة الشعبية للتطبيع، وخفوت صوتها، مقابل ارتفاع أصوات الداعين له بمصر ومختلف الدول العربية".

جريمة السادات

وفي تقييمه لدور الأنظمة الحاكمة، يؤكد المتخصص بالشؤون الإسرائيلية سمير الطوخي لـ"عربي21" أن السادات كان يريد استخدام معاهدة السلام كوسيلة للتقرب من أمريكا، أكثر من كونها وسيلة للتطبيع، لأنه كان يعي جيدا أن الحروب التي جرت بين الجانبين لن يكون من السهل محو آثارها بشكل سريع لدى عموم المصريين.

ويشير الطوخي إلى أنه رغم رحيل السادات بعد توقيع الاتفاقية بأقل من ثلاثة أعوام، إلا أنه فتح الباب لإقامة علاقات سياسية واقتصادية من خلال العسكريين الذين شاركوا في حرب أكتوبر 1973، وهي الخطوة التي خلقت الجيل الذي أدار ملف التطبيع بعد ذلك في عهد حسني مبارك، ثم سلم الراية للجيل الذي بعده، والذي يمثله السيسي الآن.

ويوضح خبير الشؤون الإسرائيلية أن كل المشروعات السياحية والاقتصادية والاتفاقيات الثنائية التي وقعتها مصر مع إسرائيل طوال حكم مبارك كان أغلبها من خلال شخصيات عسكرية، مثل حسين سالم وعمر سليمان، وغيرهما من المقربين لنظام مبارك، ورغم ذلك فإن مبارك لم يكن يسعى لفرض التطبيع الشعبي، ولذلك كان الحضور الإسرائيلي ضعيفا في المناسبات غير الرسمية، عكس ما يحدث الآن في ظل حكم السيسي.

ويضيف الطوخي قائلا: "السيسي قدم لإسرائيل في خمس سنوات ما لم يقدمه مبارك طوال 30 عاما، رغم أن إسرائيل كانت تعتبر مبارك كنزها الاستراتيجي، وهو ما يرجع في الأساس إلى أن السيسي ربط وجوده بالرضا الإسرائيلي، كما أنه يترجم التغييرات التي طرأت على العقيدة العسكرية للجيش المصري، ولم يكن يلتفت إليها أحد، حتى حدث انقلاب السيسي ضد الرئيس محمد مرسي".

إضافة تعليق