لماذا لن تنجح دعوات مصر بإشراك أمريكا بمفاوضات سد النهضة؟

لماذا لن تنجح دعوات مصر بإشراك أمريكا بمفاوضات سد النهضة؟

أكد سياسيون وخبراء مصريون أن مطالبة نظام الانقلاب العسكري برئاسة عبد الفتاح السيسي، بوساطة طرف رابع في مفاوضات سد النهضة، أصبحت مستحيلا، بعد رفض السودان المقترح بشكل رسمي، وهو ما يقلص الحلول أمام الجانب المصري، الذي فشل في إدارة ملف السد منذ البداية.

وكانت القاهرة أعلنت بشكل رسمي فشل جولة المفاوضات الثلاثية التي عقدت بالخرطوم على مدار يومي الجمعة والسبت الماضيين، لوزراء الري بمصر والسودان وإثيوبيا، واقترحت القاهرة إشراك الولايات المتحدة كطرف رابع في المفاوضات؛ لتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث.

وأعلن المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية ترحيبه بالتصريحات الأمريكية، ومطالبتها للأطراف المعنية بتقديم حسن النية في التعامل مع القضايا الخلافية.

وفي أول رد على دعوة القاهرة بإشراك أمريكا كطرف دولي رابع في المفاوضات، أعلنت السودان رفضها الرسمي للمقترح، وأكد وزير الري السوداني، ياسر عباس، أن بلاده ترفض المقترح المصري حول إشراك خبراء من أي طرف دولي آخر لحل أزمة سد النهضة.

ودعا عباس بعد انتهاء الاجتماع الثلاثي، مساء السبت، إلى إعطاء مزيد من الوقت للجنة الفنية البحثية لحل الخلافات، لحين توصل الدول الثلاث لتفاهمات دون إضرار بأحد.

واتهمت القاهرة بشكل رسمي إثيوبيا بالتشدد في مواقفها، ورفضها لكل المقترحات المصرية، وتعهد السيسي عبر حسابه بتويتر "بالتزام مصر بكل مؤسساتها بحماية حقوقها المائية في نهر النيل، واتخاذ كل ما يلزم لضمان ذلك"، لكنه أضاف في تدوينة تالية أن هذا الالتزام سيكون "على الصعيد السياسي، وفي إطار محددات القانون الدولي لحماية هذه الحقوق".

تنازلات بسيناء

من جانبه، يؤكد وكيل لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري السابق، محمد جمال حشمت، لـ "عربي21"، أن الدعوة المصرية لإشراك أمريكا أو غيرها كطرف رابع لحل أزمة السد لا يمكن تنفيذها بعد إعلان الخرطوم رفضها لذلك وتعنت أديس أبابا الواضح، لأنه وفقا للمادة 10 من إعلان المبادئ الذي وقع عليها السيسي، فإن الدول الثلاث تقوم بتسوية منازعاتهم الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق، بالتوافق من خلال المشاورات، أو التفاوض وفقا لمبدأ حسن النوايا.

وتضيف المادة، بحسب حشمت: "إذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيمكن لهم مجتمعين طلب التوفيق، أو الوساطة، أو إحالة الأمر لرؤساء الدول/ رئيس الحكومة".

ويشير حشمت إلى أن هذا معناه ضرورة موافقة الدول الثلاث على طلب الوساطة، وهو ما لم يحدث حتى الآن، كما أن  الولايات المتحدة لن تقدم دعما للسيسي دون مقابل، في ظل قناعة المسؤولين الأمريكان بأن الخيارات المصرية تكاد تكون شبه معدومة، وبالتالي فإن واشنطن تستغل الحاجة المصرية، للحصول على مزيد من التنازلات التي اعتاد السيسي أن يقدمها.

وعن شكل هذه التنازلات، يؤكد الوكيل السابق للجنة العلاقات الخارجية، أنها لن تخرج عن إتمام صفقة القرن، والتنازل بشكل واضح عن أجزاء من سيناء، من أجل إتمام صفقة القرن لصالح إسرائيل من جهة، ولدعم الرئيس الأمريكي ترامب في الانتخابات القادمة، بعد أزمته مع الكونجرس، التي يمكن أن تهدد مستقبله السياسي وبقاءه بالحكم، وبالتالي فإنه يحتاج لشيء يقدمه للوبي الإسرائيلي النافذ في الكونجرس الأمريكي.

ويضيف حشمت قائلا: "إن السيسي منذ البداية قدم مصلحته الشخصية على مصلحة الشعب المصري، لأنه عندما وقع على اتفاق المبادئ، كان يقوم بالترويج لنفسه أفريقيّا ودوليّا بأنه رجل سلام، وكانت المحصلة أن الشعب المصري سوف يدفع ضريبة أنانية السيسي، وغبائه، وافتقاره لأدنى درجات الوطنية والخوف على مصالح الشعب".

المؤسسات الممولة

بدوره، يشير خبير العلاقات الدولية، السفير السابق باهر الدويني، في حديثه لـ "عربي21"، إلى أن النظام المصري هو الذي أوقع نفسه في هذه الأزمة منذ بدايتها، بأفعال صبيانية وعنترية، مثل إجبار رئيس الوزراء الإثيوبي على القسم بأنه لن يضر بمصالح مصر في مياه النيل، وقبلها توقيع اتفاق المبادئ بالمخالفة لكل نصائح المختصين في الخارجية والمخابرات.

ويطالب الدويني بإقالة وزير الخارجية كخطوة أولي إذا كانت القاهرة تبحث عن حل حقيقي لهذه الأزمة، نتيجة لفشل سامح شكري في إدارة هذا الملف الذي يعد أهم بكثر من التلاسن والتشابك في أزمات مع تركيا وقطر، بالإضافة للتحرك مع الدول العربية التي ضخت أموال طائلة للاستثمار في مشروعات السد مثل الإمارات والسعودية.

وحسب الدويني، فإن إثيوبيا استطاعت خلال السنوات الأخيرة توطيد علاقاتها بإسرائيل بشكل أكثر فاعلية، وتقوية علاقاتها بأمريكا، وتعد إحدى النمور الأفريقية الاقتصادية التي تتقدم بثبات، وعلى الصعيد القاري أصبحت صاحبة القرار الأول في السودان، وبالتالي فإن التعويل على الضغوط الدولية أو الأمريكية لن يجدى، وإنما يجب اللجوء للدول والهيئات الدولية الممولة للسد.

ويري الدويني أن الحكومة الإثيوبية الحالية لن تتخلي عن حلمها في إنهاء مشروع السد، لأسباب سياسية داخلية، وبالتالي كان يجب على مصر التحرك مبكرا في مسارات دولية وقانونية مختلفة، حتى لا تصل لهذه النهاية الكارثية التي صنعها السيسي بنفسه، ويريد استغلالها لجذب المزيد من التعاطف الشعبي معه، بعد أزمة الفيديوهات الأخيرة.

إضافة تعليق