هل فرّط أنصار الرئيس مرسي في دمه؟

هل فرّط أنصار الرئيس مرسي في دمه؟

في الوقت الذي احتفى فيه نشطاء وحقوقيون بتقرير أممي خلص إلى أن نظام السجون بمصر قد يكون سببا مباشرا في وفاة الرئيس الراحل محمد مرسي، تجدد الحديث عن مدى فاعلية الجهود المبذولة من قبل مؤيديه في توثيق ما تعرض له من انتهاكات وملاحقة مرتكبيها.

وكان تقرير صادر عن فريق أممي معني بالاحتجاز التعسفي، قال إن مرسي احتُجز في ظروف لا يمكن وصفها إلا بأنها وحشية، وتعرض للكثير من الانتهاكات الحقوقية، وخلص إلى أن وفاته يمكن أن تصل إلى حد القتل التعسفي.

ورغم ثقل هذا التقرير من حيث جهة إصداره وما خلص إليه، فإن مراقبين لا يتوقعون تأثيرا كبيرا يترتب عليه، وأرجعوا ذلك إلى ما يرونه من ضعف وقصور لدى مؤيدي مرسي ومن كانوا في دائرته، سواء من الكيانات أو الأفراد.

وفي هذا السياق رأت الناشطة المصرية الأميركية آية حجازي -في منشور كتبته على فيسبوك- أن مرسي "قتل مرتين"، لافتة إلى أنها تراجعت عن نيتها العمل من أجل التحقيق في موته بعدما تعاملت مع بعض من كانوا حوله، ووجدت منهم سلوكا لا يوصف إلا بـ"الاستهتار" أو "الشره للجاه والمصالح".

واستحضرت حجازي -في سياق المقارنة- جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، مشيرة إلى حجم التعاطف والتفاعل الواسع مع قضيته، في الوقت الذي "ذهب الرئيس السابق طي النسيان"، وبررت ذلك بأن من كانوا حول خاشقجي عرفوا كيف يسوقون قضيته.

إقرار بالقصور

ويرى نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان السابق جمال حشمت، أن مرسي ظلم أكثر من مرة: الأولى بترشيحه فجأة ليخوض غمار معركة لحق بركبها متأخرا، والثانية حين لم تتوفر له إستراتيجية الانتقال لحكم مدني، والثالثة حين واجه انقلابا عسكريا سُجن على إثره وأهدرت حقوقه.

واعتبر -في حديثه للجزيرة نت- أن مما تعرض له من ظلم: عدم اتخاذ أي إجراء جاد ضد من أهانه وظلمه أثناء حبسه ثم عمل على قتله ببطء في محبسه، محملا جميع الأطراف مسؤولية التخاذل عن ملاحقة المسؤولين عما وصفه بـ"قتل مرسي"، ممن اكتفوا بالدعوة للقصاص دون اتخاذ إجراء فعلي.

واعتبر حشمت أن الخلل الذي لحق وحدة صف جماعة الإخوان كان أحد عوامل هذا القصور، وأدى إلى ضعف الجهد المطلوب لنقل الملف للقضاء والإعلام الدولي، لافتا إلى جهود شخصية بذلها مع آخرين قبل وفاة مرسي لترشيحه لجائزة نوبل، بما يخدم قضيته الرئيسية؛ غير أنهم لم يجدوا التعاون المطلوب.

سياسية لا حقوقية

فيما رأى رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري عمرو عادل، أن الخلل في معالجة قضية مرسي مبني على التعامل معها باعتبارها حقوقية، رغم كونها بالأساس قضية سياسية تخضع لتوازن القوى ورؤية النظام الدولي لكيفية التعامل معها.

وأكد عادل في حديثه للجزيرة نت أن النظام الدولي "غير عادل ويعمل على تحقيق مصالحه وليس تحقيق العدالة"، مستحضرا -كمثال في هذا السياق- سقوط مئات آلاف القتلى في سوريا ومصر، دون الاهتمام المطلوب لدواع إعلامية وسياسية.

ومن ثم يرى عادل أنه ليس من المنطقي تحميل أحد مسؤولية ما جرى بحق مرسي "غير خونة العسكر والنخب المصرية والمنظمات الدولية الرسمية"، معتبرا أن تحميل القوى الثورية المسؤولية هو "نوع من الحوَل الأخلاقي والسياسي".

ولفت إلى إصدار رئيسة المجلس الثوري المصري مها عزام -بالاشتراك مع مكتب محاماة عالمي في بريطانيا- تصريحا تضمن المطالبة بتحقيق دولي في وفاة مرسي، وملاحقة المجرمين المتهمين بقتله ومعتقلين سياسيين بالموت البطيء، في المحاكم الدولية.

الأنصار قبل الخصوم

بدوره يرى رئيس الأكاديمية الدولية للدراسات والتنمية ممدوح المنير أن مرسي ظلم من قِبل أنصاره قبل خصومه، ذاهبا إلى أن كثيرا ممن كانوا حوله لم يكونوا على مستوى الحدث، "بل إن استمرار وجود بعضهم يعد مشكلة تعيق الاصطفاف الوطني".

وحمّل المنير -في حديثه للجزيرة نت- قيادة الإخوان في الخارج المسؤولية الكبرى عن التقصير في ملف مرسي، كونه ينتمي إليهم وهم من قادوا الحراك في مصر، ويملكون شبكة علاقات دولية وموارد تمكنهم من القيام بدور فاعل في الملف على مختلف المستويات.

وذهب المنير إلى أن قرارا غير معلن اتخذته قيادات إخوان الخارج للانسحاب من الثورة، في سبيل الحفاظ على التنظيم في الخارج من التصنيف كجماعة إرهابية، وكان من أهم تجليات ذلك التخلي عن مرسي عمليا، وإن كانت بياناتهم الإنشائية تقول عكس ذلك، لكنها كلمات لا تتجاوز البيانات الإعلامية، بحسب وصفه.

خطوات إيجابية

ومع مشاركته الرأي بأن الجهود المبذولة في قضية وفاة مرسي ليس كافية، فإن مسؤول الملف المصري في المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا مصطفى عزب، يرى أن خطوات إيجابية متطورة تم اتخاذها، بدأت بتقارير خجولة تحدثت عن احتمالية أن تكون الوفاة ناتجة عن الاحتجاز القاسي، وانتهت بإدانة مباشرة للنظام.

وفي حديثه للجزيرة نت، لفت عزب إلى أن هناك جهودا بذلتها منظمات وكيانات حقوقية في سبيل كشف حقيقة ما تم مع مرسي، وتبيين طبيعة الجريمة أمام الرأي العام الشعبي والرسمي، مما انعكس أثره في تغطيات الصحف العالمية التي أقرت بأن مرسي قُتِل داخل زنزانته بالإهمال الطبي والحرمان من حقوقه الطبيعية.

واعتبر المقارنة بين التحركات الحقوقية في قضيتي مرسي وخاشقجي ليست عادلة، كون قضية خاشقجي جريمة قتل مباشرة، تمت بصورة مفزعة وفي سفارة تقع في دولة حملت مسؤولية كشف الحقيقة، أما في قضية مرسي، فلا ينتظر أن تتعاون السلطات المصرية مع تحقيق يسفر بشكل مؤكد -بحسب قوله- عن إدانتها.

المصدر : الجزيرة

إضافة تعليق